قفزة 301% في واردات السيارات الكهربائية.. مؤشر تحول استراتيجي لاقتصاد السعودية

قفزة 301% في واردات السيارات الكهربائية.. مؤشر تحول استراتيجي لاقتصاد السعودية

تسلَّط الضوء على قفزة واردات السيارات الكهربائية بنسبة 301% في السعودية، خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري، وانعكاس هذا الارتفاع على مجمل اقتصاد المملكة، في ظل التوجه الطموح نحو التنويع الاقتصادي، واستراتيجية طويلة الأجل تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل.

يأتي تحول المملكة في قطاع المركبات الكهربائية (EVs) مدعوماً بحزمة استثمارات ضخمة تجاوزت عشرات المليارات من الدولارات عبر صندوق الاستثمارات العامة، إلى جانب تطوير بنية تحتية متقدمة لمحطات الشحن السريع. وترتبط هذه الاستثمارات بعدة عوامل استراتيجية، على رأسها الدعم الحكومي القوي الذي يشمل تخفيف التعريفات الجمركية، وتسهيلات في البنية التحتية مثل افتتاح عدد كبير من محطات الشحن السريع التي تهدف إلى الوصول إلى آلاف المحطات بحلول عام 2030، وفق تقدير نشرته منصة CITA المتخصصة في حلول شحن المركبات الكهربائية.

كما تأتي هذه الاستثمارات استجابة لمبادرات الاستدامة السعودية، مثل “المبادرة السعودية الخضراء” التي تسعى إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2060، إضافة إلى رغبة الاقتصاد السعودي في تحقيق تنويع قائم على التكنولوجيا النظيفة وصناعة المستقبل، بحسب تقرير نشرته منصة focus2move المتخصصة في استشارات صناعة السيارات، مشيراً إلى أن المملكة تسعى لإنشاء نحو 5000 نقطة شحن سريع بحلول العقد المقبل، بما يتماشى مع تطلعاتها لتقليص الاعتماد على الوقود التقليدي والحد من الانبعاثات الحرارية.

وفي السياق نفسه، يشير تقرير CITA إلى وجود تغير ملحوظ في توجهات المستهلكين داخل المملكة، إذ باتت قطاعات متنامية من السعوديين مهتمة بشراء سيارات كهربائية خلال الأعوام المقبلة، مدفوعة بالوعي البيئي والرغبة في تقليل تكاليف الوقود والصيانة مقارنة بالسيارات التقليدية.

ويمثل دخول علامات عالمية مثل “تسلا” إلى السوق السعودية في ربيع 2025 نقطة تحول في جاذبية المملكة للمستثمرين الدوليين، وذلك بعد أن شهد القطاع التقليدي للسيارات الكهربائية في أوروبا وأميركا تباطؤاً في الطلب والنمو، في حين وجدت الشركات العالمية سوقاً واعدة في الاقتصاد السعودي المرتفع الدخل والمتجه بقوة نحو التقنيات الحديثة بدعم حكومي واضح، وفق تقدير نشرته منصة Motorway المتخصصة في سوق ومجتمع المركبات الكهربائية.

ويلفت تقرير focus2move إلى أن خبراء الصناعة يرون أن هذه القفزة في واردات السيارات الكهربائية تنعكس إيجابياً على مسارات النمو المحلي في السعودية، إذ يعزز نمو القطاع حجم الاستثمارات الأجنبية، كما يحفّز التصنيع المحلي ضمن مشاريع مثل “سير”، التي تشكّل أول علامة تجارية سعودية في قطاع السيارات الكهربائية، إلى جانب شراكات مع شركات مثل “لوسيد” و”هيونداي”.

رؤية 2030

في هذا الصدد، يشير الخبير الاقتصادي علي سعيد العامري، في حديثه لـ “العربي الجديد”، إلى أن القفزة الكبيرة في واردات السعودية من السيارات الكهربائية تمثل مؤشراً قوياً على تحول استراتيجي عميق في قطاع النقل والطاقة، ينسجم مع أهداف رؤية السعودية 2030، ويعد نتاجاً لسلسلة من السياسات المدروسة والاستثمارات المكثفة، وليس مجرد تغير عابر في أنماط الاستهلاك.

ويؤكد العامري أن الدعم الحكومي الكبير لتحفيز الطلب على السيارات الكهربائية يمثل أحد أبرز العوامل الدافعة لهذا التحول، من خلال حزم حوافز مالية وتطوير واسع للبنية التحتية اللازمة، مشيراً إلى أن صندوق الاستثمارات العامة يخطط لاستثمار 35 مليار دولار في قطاع السيارات الكهربائية بحلول 2030، مع تركيز خاص على التصنيع المحلي وبطاريات التخزين والرقائق الإلكترونية. ويشير العامري إلى أن هذه القفزة في واردات السيارات الكهربائية ليست ظاهرة مؤقتة، بل هي جزء من مسار اقتصادي وتنموي واضح يرسّخ مكانة السعودية كدولة رائدة في التحول الطاقي. 

إلى جانب ذلك، تمضي المملكة قدماً في بناء شبكة واسعة من محطات الشحن، تستهدف الوصول إلى 5000 محطة شحن سريع بحلول 2030، ما يسهم في تجاوز واحدة من أكبر العقبات التي تواجه المستهلك، والمتمثلة في مخاوف النطاق والشحن، وفق العامري، الذي يشير أيضاً إلى تغير ملحوظ في سلوك المستهلك السعودي، حيث بدأ الاعتماد على السيارات الكهربائية يزداد بثقة، مدفوعاً بتحسين الموثوقية وزيادة الأمان في الأداء.

كما يلعب مزوّد البنية التحتية للشحن، مثل شركة EVIQ، دوراً محورياً في تسريع هذا التحول من خلال تطوير حلول شحن متكاملة وسهلة الوصول، وفق العامري، الذي يلفت إلى أن الوعي البيئي المتزايد بين فئات واسعة من المجتمع السعودي يعد عاملاً مهماً في دعم السوق الجديدة، إذ أصبحت معايير الاستدامة وخفض الانبعاثات جزءاً من خيارات الشراء، بما يتماشى مع أهداف رؤية 2030 لتقليل البصمة الكربونية.

ويتزامن ذلك مع دخول شركات عالمية جديدة إلى السوق السعودية، خاصة من الصين مثل شركة BYD، التي تخطط لبيع أكثر من 5000 سيارة وافتتاح 7 معارض إضافية بحلول منتصف 2026، إلى جانب طرح طرازات متنوعة تغطي الفئات الاقتصادية والمتوسطة والفاخرة، ما أدى إلى خفض الأسعار نسبياً وزيادة الخيارات المتاحة أمام المستهلك. ولا يقتصر التحول على الاستيراد فحسب، بل يتعداه إلى بناء قدرات صناعية محلية حقيقية، وفق العامري، لافتاً إلى أن إطلاق علامة “سير” التجارية، إلى جانب استثمارات “لوسيد” و”هيونداي”، لا يعزز فقط ثقة المستهلك، بل يسهم في بناء نظام بيئي صناعي متكامل داخل المملكة.

انعكاسات اقتصادية متعددة

يمتد أثر هذا النمو إلى الاقتصاد السعودي بطرق متعددة، بحسب العامري، أولها تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط من خلال خفض استهلاك الوقود الأحفوري في قطاع النقل، ما يتيح للمملكة توجيه كميات أكبر من النفط للتصدير، وبالتالي تحقيق وفورات بمليارات الدولارات.

كذلك يسهم التصنيع المحلي في خلق آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة، كما هو الحال في مصنع “لوسيد” ومجمع “سير” للإنتاج الذي يستثمر فيه 1.3 مليار دولار، إلى جانب نقل المعرفة والتقنيات المتقدمة وبناء الكفاءات الوطنية. وتشير المعطيات إلى أن المملكة بدأت تتحول من مجرد مستورد إلى مركز لوجستي إقليمي لإعادة تصدير السيارات الكهربائية إلى الأسواق المجاورة، ما يعزز مكانتها كمحور للتنقل الكهربائي وسلاسل التوريد في المنطقة.

ويحفّز نمو هذا السوق أيضاً الاستثمار في الصناعات المرتبطة به، مثل تصنيع بطاريات الليثيوم، والرقائق الإلكترونية، وتقنيات الشحن الذكي، بما يسهم في بناء قاعدة صناعية متقدمة تدعم مستقبل الاقتصاد السعودي. كما ينعكس التحول إيجابياً على البيئة والصحة العامة من خلال تحسين جودة الهواء في المدن الكبرى وتقليل الأمراض المرتبطة بالتلوث، ما يخفف الأعباء على النظام الصحي. 

ومع بروز بعض التحديات، خاصة ما يتعلق بالحفاظ على زخم التوسع في البنية التحتية للشحن واستدامة وتيرة النمو، يبقى الاتجاه العام قوياً وواضحاً، إذ تُظهر المملكة عزماً كبيراً على البناء على هذا الزخم لتحويل رؤية 2030 إلى واقع ملموس.

أرباح “بي واي دي” تقفز 14% بدعم التوسّع الخارجي رغم الضغوط الداخلية

أرباح “بي واي دي” تقفز 14% بدعم التوسّع الخارجي رغم الضغوط الداخلية

سجّلت شركة بي واي دي (BYD) الصينية، أكبر مصنّع للسيارات الكهربائية في العالم، نمواً لافتاً في أرباحها خلال النصف الأول من عام 2025، بفضل الطلب القوي على سياراتها ودفعها الاستراتيجي نحو الأسواق العالمية، في وقت تواجه فيه تحديات متزايدة في السوق المحلية وسط حرب أسعار شرسة. فقد أعلنت الشركة، اليوم الجمعة، وفق ما أوردته وكالة بلومبيرغ، أنّ أرباحها الصافية بلغت 15.5 مليار يوان (2.2 مليار دولار) خلال الأشهر الستة المنتهية في 30 حزيران/ حزيران، بزيادة نسبتها 14% على أساس سنوي، فيما ارتفعت الإيرادات إلى 371.3 مليار يوان، أي بزيادة 23%.

وحققت “بي واي دي” مبيعات إجمالية بلغت 2.15 مليون مركبة في النصف الأول، تشمل السيارات الكهربائية بالكامل والهجينة القابلة للشحن، بزيادة 33% مقارنة بالعام الماضي، لكنها لا تزال أقل من نصف هدفها الطموح للعام بأكمله والبالغ 5.5 ملايين وحدة. ورغم الأداء القوي، تواجه الشركة نصفاً ثانياً أكثر صعوبة. ففي أيار/ أيار الماضي، لجأت إلى تخفيضات سعرية واسعة النطاق، ما وضعها في قلب أزمة تنافسية متفاقمة مع محاولات الحكومة الصينية كبح سباق الأسعار الذي قد يضر بقيمة العلامات التجارية ويضغط على أوضاعها المالية.

ورغم هذه الضغوط، لا تزال معظم الشركات الكبرى، بما فيها “بي واي دي”، متمسكة بالاقتطاعات أو تقوم بتعديلها بشكل محدود، ما يترك الصناعة أمام تحديات معقدة في موازنة الأسعار مع الحفاظ على الأرباح. وأصبح التوسع في الخارج محوراً رئيسياً في استراتيجية “بي واي دي”، خصوصاً مع تباطؤ الطلب المحلي على السيارات الهجينة في الربع الثاني. فقد بدأت وحدتها في تايلاند بتصدير سيارات كهربائية إلى أوروبا، بما في ذلك بريطانيا وألمانيا وبلجيكا، في خطوة تعزز مكانتها منافساً عالمياً في سوق المركبات النظيفة.

ورغم انخفاض المبيعات في تموز/ تموز بسبب ضعف الطلب الموسمي وتوجه الشركة إلى ضبط المخزونات واتباع سياسة تسعير أكثر انضباطاً، أكّد محللو بنك “إتش إس بي سي” (HSBC) أن هذه الإجراءات قد تضغط على المبيعات مؤقتاً، لكنها ستمنح الشركة قوة استدامة على المدى الطويل، مع توسيع هوامش الربحية وتعزيز موقعها التنافسي عالمياً.