by | Sep 1, 2025 | اقتصاد
وجد أكثر من 200 راعٍ سابق للإبل والماشية في الصومال منذ شباط/ شباط الماضي، مصدر دخل ثابت من خلال عملهم في مزارع ومراكز حديثة لتربية الإبل، أنشأها مستثمرون محليون. هؤلاء العمال يتولون مهمة رعي الإبل في البراري نهاراً، ثم إعطاءها الأعلاف وحراستها ليلاً داخل الحظائر، مقابل رواتب شهرية تراوح بين 200 و300 دولار. جاء ذلك بعد مساهمة محلية يقودها رجال أعمال ومغتربون صوماليون في تغيير حياة مئات الأسر بولاية بونت لاند، بعدما وفرت لهم فرص عمل مرتبطة برعاية الإبل في ضواحي مدينة قردو شمال شرقي الصومال، وهي خطوة تعكس الدور المتزايد لقطاع الثروة الحيوانية في التخفيف من تداعيات الجفاف والبطالة.
ويقول محمود أحمد محمود، الذي يعمل في حظيرة للإبل يمتلكها مغتربون: “بعد أن فقدت 64 رأساً من الأغنام بسبب الجفاف، كانت حياتي على حافة الانهيار. اليوم أتقاضى 300 دولار شهرياً، وهو ما غيّر وضع أسرتي جذرياً، من توفير الغذاء اليومي إلى سداد الديون وحتّى تسجيل أطفالي في المدارس”. ويؤكد محمود البالغ من العمر 28 عاماً أنه تمكّن من بناء منزل بسيط من الصفيح والخشب، بعد أن كان يعيش مع أسرته في مأوى متهالك يفتقر للأمان، ويضيف: “الآن أستطيع أن أوفّر قوت يومي وأدّخر نحو 50 دولاراً شهرياً تحسباً لأي طارئ”.
الحال ذاته ينطبق على علي عثمان محمد، الذي يتقاضى 200 دولار مقابل رعاية 26 رأساً من الإبل، ويقول إنّ هذه الفرصة أخرجت أسرته من الفقر المدقع: “في السابق كانت والدتي المسنة تعمل في تنظيف المنازل مقابل دولارين أو ثلاثة في الأسبوع، أما اليوم فقد تحسّنت حياتنا، وأستطيع دفع مصاريف دراسة إخوتي الأربعة”. وتعد تربية الإبل ركناً أساسياً من أركان الثروة الحيوانية في الصومال، إذ يقدَّر عددها بنحو 7.7 ملايين رأس وفق بيانات منظمة الأغذية والزراعة (الفاو). وتمتاز الإبل بقدرتها على التكيّف مع الجفاف وتوفير منتجات أساسية مثل الحليب واللحوم، إلى جانب كونها مصدراً رئيسياً للتصدير إلى أسواق الخليج، ما يجعلها رافداً حيوياً للاقتصاد الوطني.
ويؤكد خبراء الاقتصاد أن المشاريع الحديثة في تربية الإبل، التي تجمع بين الخبرة التقليدية للرعاة والاستثمار المنظم من رجال الأعمال، تمثل نموذجاً عملياً لخلق فرص عمل والحد من البطالة والفقر في الأرياف والمخيّمات. ويشير الباحث الاقتصادي عبد الله نور أحمد من جامعة غرين هوب في قردو، إلى أن هذه المبادرات تسهم في تقليل آثار الجفاف وتغيّر المناخ الذي أجبر آلاف الأسر على النزوح من مناطقهم الريفية، كما أنّ “تنظيم قطاع الإبل وتحويله إلى مصدر دخل ثابت يساعد في إعادة تدوير الأموال داخل البلاد، ويمنح بديلاً حقيقياً للهجرة غير الشرعية أو الأعمال الهامشية”.
وتنتشر في ضواحي قردو وحدها 14 مزرعة تضم أكثر من 3200 رأس من الإبل، وهو ما يعكس تزايد الاهتمام بهذا القطاع الحيوي الذي يشكّل أملاً جديداً لأسر فقدت مصدر رزقها التقليدي بسبب الجفاف.
ويُشكّل قطاع الثروة الحيوانية الدعامة الأساسية للاقتصاد الصومالي، إذ تساهم هذه الثروة بنسبة تقارب 40% من الناتج المحلي الإجمالي، وأكثر من 50% من عائدات التصدير، وتشير التقديرات إلى أن صادرات الثروة الحيوانية، بما في ذلك الإبل، تشكل نحو 80% من عائدات العملة الأجنبية للصومال. وسجّلت البلاد عام 2023 وحده، إيرادات قدرها قرابة مليار دولار من قطاع الثروة الحيوانية، بنسبة نمو ضخمة بلغت 92% مقارنة بعام 2022 (558.4 مليون دولار).
by | Aug 28, 2025 | اقتصاد
فرضت مليشيات الدعم السريع قيوداً مشددة على حركة المنتجات الزراعية والحيوانية، ومنعت عبورها إلى المناطق الخاضعة للجيش في شمال السودان ووسطه وشرقه، ما أثر سلباً بالثروة الحيوانية في ولايتي كردفان ودارفور، وسط جمود شبه كامل في حركة التجارة، وقطع الصلات الاقتصادية بين مناطق الإنتاج الحيواني في الغرب والمناطق الاستهلاكية في الشرق والشمال.
وتعتبر الثروة الحيوانية في دارفور حجر الزاوية للاقتصاد المحلي، حيث تضم أكثر من 60 مليون رأس من الماشية من جملة 103 ملايين رأس في السودان، إلا أن الأمراض الحيوانية تزايدت بشكل ملحوظ مثل التسمم الدموي وأبو زقالة والورمة، في ظل ضعف الخدمات البيطرية وعدم توافر اللقاحات. ودعا عدد من التجار والمصدرين في ولايات دارفور “تحالف السودان التأسيسي” الذي جرى الإعلان عنه في مناطق سيطرة مليشيا الدعم السريع، إلى ضرورة التحرك العاجل لإيجاد أسواق بديلة لتصدير الماشية، بعد أن تكدست آلاف الرؤوس في أسواق دارفور دون تصريف.
وأوضح التاجر محمود إسحاق، أحد العاملين في تجارة الماشية، أن أسواق دارفور باتت مكتظة بصادرات الماشية دون وجود منافذ تسويق، الأمر الذي تسبب في خسائر كبيرة للتجار والمربين، مشدداً على ضرورة أن تتخذ الجهات المسؤولة خطوات عملية لفتح أسواق ومعابر جديدة تُمكِّن من تصريف الإنتاج الحيواني المتراكم.
وأشار أحد التجار، مفضلاً حجب اسمه، إلى أن الارتفاع الكبير في أسعار الماشية داخل مناطق سيطرة الجيش السوداني، خاصة في شمال كردفان والنيل الأبيض، دفع العديد من التجار في دارفور إلى محاولة الوصول إلى تلك الأسواق رغم المخاطر، حيث بلغ سعر الثور الواحد في تلك المناطق نحو سبعة ملايين جنيه، مقارنة بأسعار تتراوح بين مليون ومليون ونصف في دارفور التي لا تجد تسويقاً، كما كان في السابق (الدولار= 3400 جنيه في السوق الموازية).
أزمة تجارة الماشية
وأضاف التاجر أن الرحلة نحو أسواق شمال كردفان والنيل الأبيض إلى ولايات شرق السودان وشماله باتت محفوفة بالتحديات، إذ يتعرض التجار لعمليات ابتزاز وفرض رسوم غير رسمية من المليشيات المنتشرة على الطرق، كما أشار إلى أن العديد من الشحنات تعرّضت للمصادرة من قبل مليشيا الدعم السريع، ما فاقم من حجم الخسائر التي يتكبدها العاملون في هذا القطاع.
وأشار بعض التجار إلى اتخاذ بعض المنتجين طرقاً طويلة تستمر أياماً وشهوراً للوصول إلى الأسواق في الولايات الشمالية والشرقية من السودان هرباً من قبضة المليشيات، وأضاف: “إذا عُثر عليك في طريقك إلى الأسواق دون أن تدفع رسوماً فتجري تصفيتك على الفور دون مساءلة، لذلك ترك كثيرون عمليات تربية المواشي لأنها أصبحت تشكل خطراً على حياة المربين والتجار”.
خالد محمد خير، مقرر شعبة الماشية السابق، قال في حديثه لـ”العربي الجديد”: “ليس بإمكان المليشيات إيجاد منفذ لصادرات الماشية من ولايات دارفور وكردفان”، مشيراً إلى الصعوبات التي يمكن أن تواجهها، بالإضافة إلى التكلفة العالية إذا جرى التفكير عبر إحدى دول الجوار. وتابع أنه حتى دول جوار ولايات دارفور وكردفان تعتمد على منفذ وميناء بورتسودان في الصادر والوارد، باعتبار أن الصادرات عبر الطائرات مكلفة. ويقول عدد من مربي الماشية بولايات دارفور إن الحرب أدت إلى فقدان عدد كبير من الماشية التي تضررت بسبب القصف الجوي والعمليات العسكرية.
وظل مربو الماشية في دارفور يعانون من غياب اللقاحات الطبية التي كانت تُحضَر سابقاً من المعمل الرئيسي في الخرطوم. أثر هذا النقص بشكل مباشر في صحة الثروة الحيوانية، حيث أدى إلى انتشار الأمراض بشكل متزايد ونفوق أعداد كبيرة من المواشي. قلة اللقاحات والمستلزمات الطبية تُعتبر مشكلة خطيرة تؤثر باستقرار الثروة الحيوانية في المنطقة، ويطالب مربو الماشية بتوفير الحلول العاجلة لها.
ويقول المختص في شؤون الثروة الحيوانية، بابكر محمد إبراهيم، إن بعض المربين اتجهوا إلى بعض الدول المجاورة للبحث عن دعم المنظمات الدولية، بخاصة في ما يتعلق باللقاحات، حيث جرى التواصل مع بعض المعامل في كينيا لتوفير اللقاحات والبروتينات لتُساهم في تحسين الحالة الصحية للماشية داخل إقليم دارفور.
وأضاف لـ”العربي الجديد”: “تأثرت الخدمات البيطرية بسبب الحرب الدائرة، حيث دُمِّرت العديد من المعامل البيطرية المعنية بإنتاج الأمصال، مما ساهم في انتشار الأمراض. كما أنّ التلوث الناتج عن القصف الجوي والمدفعي أثر سلباً في البيئة، وكانت لذلك عواقب وخيمة على صحة الماشية”.