
وليد جنبلاط ولعبة إسرائيل
بعد لقائه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في غرفة “عمليات الطائفة” في قرية جوليس في الجليل الأعلى، أعلن شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في إسرائيل، الشيخ موفق طريف: “تقدّمت إلى نتنياهو بسبعة مطالب رئيسية، تتضمّن تثبيت وقف إطلاق النار في السويداء بشكل شامل ومستدام، وفتح ممرٍّ أمني آمن وبضمانات أميركية ودولية لتمرير المساعدات الإنسانية إلى محافظة السويداء ورفع الحصار عن المحافظة وتحرير المختطفين والمختطفات، بالإضافة إلى عودة السكان النازحين إلى القرى الدرزية المهجّرة وتعويض السكان والبلدات الدرزية في المحافظة على الأذى والضرر اللذين لحقا بهم وفتح تحقيق دولي أممي في الجرائم والأحداث”.
إذا عدنا إلى تصريحات الزعيم الوطني وليد جنبلاط بعد الهجمة التي حصلت على السويداء، وارتكبت خلالها مجزرة بحق أهلها من مشايخ ونساء وأطفال ومدنيين، وسقط عدد كبير من الشهداء، وثمّة مفقودون ومخطوفون لا يزال مصيرهم مجهولاً، بينهم نساء وفتيات، لوجدنا أنه تناول العناوين نفسها مع ملاحظاتٍ أبرزها: تأمين المعبر، بل الطريق إلى السويداء، مسؤولية الدولة السورية التي يجب أن تبادر إلى حوار جدّي مع كل الفرقاء، ومشاركة أبناء الطائفة مشاركة فاعلة في التركيبة السياسية مع شركائهم في الوطن، وإجراء مصالحة وطنية في الجوهر. إذا كنّا نتحدّث عن موقع الطائفة ودورها ومعالجة أسباب ما جرى بما يحفظ كرامة أبنائها فلا خلاف على المبادئ. وإذا كان ثمّة ملاحظات من هنا وهناك يمكن أيضاً معالجتها بعيداً عن منطق التخوين والشتائم وبالأساليب المعهودة لدى أبناء التوحيد في جبل لبنان أو في جبل العرب، وأينما حلّوا وهم الموصوفون بلياقتهم وانتقاء كلماتهم بعناية ودراية وتهذيب وقوة. ولغتهم هي لغة العقل، مرجعهم. وتصرّفهم يأتي نابعاً من الحكمة. لكن المرتكز الأساس الذي يجب أن نستند إليه وحدة سورية انطلاقاً من رفض مشاريع التفتيت والتقسيم. وهذا الموقف ليس مستجدّاً. خاض سلطان باشا الأطرش ثورته الوطنية، مصرّاً على وحدة الأرض والمؤسّسات، ولم تكن لديه أطماع ورفض إقامة دولة درزية، ثم رفض غيره في سورية، كما رفض كمال جنبلاط المشروع نفسه، واستمر وليد جنبلاط على المبدأ نفسه.
الظروف اليوم مصيرية وأصعب من كل الذي مرّ، وإسرائيل لا تخفي أهدافها وأبعادها في الاستيلاء على أراضٍ سورية ومصرية وأردنية ولبنانية، وأبعد من ذلك لإقامة دولتها الكبرى. هنا الخطورة التي يجب تداركها رغم الاندفاعة السريعة التي تميّز التقدّم الإسرائيلي في المنطقة والانهيار العربي الذي كتبت عنه منذ سنوات، وكان عنواناً لكتاب مفصّل حول ما يجري في المنطقة. يجب أن نتعلّم من تجربة إسرائيل التي تدّعي حماية الدروز بعد استهدافهم من البدو (أو العشائر)، وهي لديها عدد كبير من الفريقين، وهم موجودون في الجيش والدولة، وبالتالي ستكون معنيةً بحمايتهم أيضاً. تصبّ الزيت على النار للاقتتال في سورية، وتدّعي حمايتهم ورعاية حقوقهم. وفي إسرائيل تآذار عنصرية إلى حدود بعيدة مع الدروز، في إطار “الدولة اليهودية”، الذين اعترضوا على قوانينها وتمييزها العرقي، وتأكيدها تفوّق العرق اليهودي ومآذارة الحرمان على الآخرين، وكانت أصوات بينها الشيخ طريف، في مرحلةٍ معينة، وغيره، معترضة، وعقدت لقاءات مع نتنياهو نفسه، ولم يتوصلوا إلى النتائج المرجوّة. وعندما تتم مناشدة الدول الراعية أو الضامنة كما تسمّى، ولا أحد يضمن أحداً في لعبة الأمم، حيث لا موقف موحّداً، إذ ثمة من يؤيد التركيبة السياسية من دول كبرى، في مقدمها أميركا، إلى دول إقليمية، وثمّة من يعتبر أنها حالة انتقالية، وعلى رأس هذا الفريق بشكل أساسي إسرائيل، وكل طرف يريد تحقيق مصالحه، ولا تبدو الحلول قريبة في سورية، ما يستوجب الوعي والانتباه إلى أن أي خطأ في التقدير أو التدبير ينعكس سلباً على أصحابه، وتحديداً في ما يخص واقع الدروز في سورية كلها.
نحن على مفترق مصيري، سيكون فيه تغيير دراماتيكي كبير، أكثر من يحذّر من مخاطره وليد جنبلاط
المسألة ليست مسألة السويداء فقط. هي مسألة جرمانا وصحنايا وأبناء جبل السمّاق، وتجنّب الصراع المذهبي المفتوح وتداعياته على “الإخوان” في لبنان وفي كل مكان. والمسألة تعني كل المكوّنات السورية الكردية والعلوية والمسيحية والسنية، والدولة السورية مطالبة بمعالجة حكيمة عادلة لآثار ما جرى من الساحل إلى محيط دمشق، وصولاً إلى السويداء، ووضع حد للفوضى، أو تفلّت هذا الفصيل أو ذاك. هذا في مصلحة الدولة وكل أبنائها. أي تأخير في تحمّل المسؤولية في هذا الاتجاه، وفي اتخاذ الإجراءات العملية الصارمة، سيرتدّ سلباً على الجميع. وإذا كانت إسرائيل تتوسّع وتعتدي، وتريد فرض شروطها في المناطق العازلة المنزوعة السلاح والاحتفاظ لنفسها بحرّية الحركة في الجنوب، واستخدام الساحة السورية لتصفية حساباتٍ مع دول أخرى، وتنافس بعض هذه الدول على أدوار أو مواقع نفوذ في سورية، فيجب أكثر فأكثر التنبّه إلى عدم الانزلاق والغرق في لعبة الأمم، والمبادرة إلى إعلان الانفصال والاستقلال، والرهان على دعم “الرعاة” والضامنين، وقد خبرنا هذه اللعبة جيداً في لبنان، وكانت نتائجها كارثية.
خاض وليد جنبلاط غمار الحرب لاعباً شهد له الجميع، بل حُسدت طائفة الموحدين الدروز على وجوده وقيادته وحماية الطائفة من أي انقسام يتجاوز حدود حرّية التعبير السياسي والتمايز، وحفظ وجودها بكرامة وبدور سياسي مميّز في البلاد، يتجاوز عقدة الشعور بالانتماء إلى أقلية. الظروف في كل الإقليم صعبة، ونحن على مفترق مصيري، سيكون فيه تغيير دراماتيكي كبير، أكثر من يحذّر من مخاطره وليد جنبلاط، وليس دوره، ولن يكون إلا في إطار حماية الثوابت المعروفية التي تحمي الموحّدين الدروز وتاريخهم، وبدعوتهم إلى تجنّب الدخول في متاهاتٍ قد تطيح كل دولنا وتلغي أدوار كثيرين فيها.