احتلال مدينة غزة.. نتنياهو ماضٍ في قراره رغم المعارضة الأمنية

احتلال مدينة غزة.. نتنياهو ماضٍ في قراره رغم المعارضة الأمنية

اتهمت وزيرة الاستيطان الإسرائيلية أوريت ستروك الجيش بمحاولة التراجع عن قرار احتلال مدينة غزة، ليرد رئيس الأركان إيال زامير عليها بالقول: “إذا أردتم طاعة عمياء فابحثوا عن شخص آخر”.

فقد وقع سجال حاد بين الطرفين خلال جلسة المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي المصغر “الكابينت”، مساء الأحد، وفق ما أوردته هيئة البث العبرية الرسمية الإثنين.

وانعقد اجتماع “الكابينت” برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على مدى 6 ساعات، لبحث المخطط الإسرائيلي لاحتلال مدينة غزة.

تهجير وتطويق غزة

وكانت الحكومة الإسرائيلية قد أقرت في 8 آب/ آب خطة طرحها نتنياهو، لإعادة احتلال قطاع غزة بالكامل تدريجيًا، بدءًا بمدينة غزة، حيث تبدأ بتهجير فلسطينيي المدينة نحو الجنوب، يتبعها تطويق المدينة، ومن ثم تنفيذ عمليات توغل إضافية في مراكز التجمعات السكنية.

والجمعة، أعلنت إسرائيل مدينة غزة “منطقة قتال خطيرة” وكثفت قصفها للمدنيين موقعة قتلى وجرحى في صفوف الفلسطينيين.

وقالت هيئة البث: “شهدت جلسة شهدت سجالًا حادًا بين ستروك وزامير، حيث اتهمت ستروك الجيش بمحاولة التراجع عن قرار السيطرة على غزة”.

واقتبست الهيئة عن زامير رده على ستروك: “أتيت إلى هذا المنصب من أجل مهمتين: منع النووي الإيراني والقضاء على حماس”.

وأضاف: “أنا أتخذ قرارات قوية لا يتخذها أحد غيري، وإذا أردتم طاعة عمياء فابحثوا عن شخص آخر”.

الهيئة لفتت إلى أن نتنياهو تدخل لإنهاء النقاش قائلاً: “أنا لا أريد طاعة عمياء، لكنني لا أريد أيضًا خرق الإطار”.

وقالت وسائل إعلام إسرائيلية في الأيام الأخيرة، إن زامير نصح الحكومة بقبول العرض الذي قدمه الوسطاء (قطر ومصر والولايات المتحدة) لوقف إطلاق نار في غزة، إلا أن وزراء عارضوا وأصروا على خطة احتلال مدينة غزة.

استدعاء نحو 60 ألف جندي وخلافات عميقة

وفي هذا الإطار، أشار مراسل التلفزيون العربي في القدس المحتلة أحمد دراوشة إلى أنه للمرة الأولى منذ السابع من تشرين الأول يبدو أن إسرائيل قد تذهب إلى عملية عسكرية يعارضها رئيس أركان الجيش وممثل جهاز الشاباك ورئيس الموساد.

ولفت إلى أن جلسة الأمس كانت غاضبة وفق وسائل إعلام إسرائيلية حيث دعم رئيس الموساد دافيد برنياع
الذهاب إلى صفقة تبادل وقال: “لنذهب إلى هذه الصفقة لنرجع 10 أسرى ومحتجزين من قطاع غزة ومن ثم نعود للقتال”. حينها قال نتنياهو إن إسرائيل لا تتوافر لها الشرعية الدولية من أجل استمرار الحرب على قطاع غزة.

وأوضح مراسلنا أن نتنياهو اتجه نحو استمرار العملية العسكرية في غزة مع دخول استدعاءات جنود الاحتياط حيز التنفيذ.

ومساء الإثنين، أفادت صحيفة معاريف العبرية بأن الجيش الإسرائيلي يبدأ الأربعاء عملية استدعاء نحو 60 ألف جندي احتياط للمشاركة بعملية احتلال مدينة غزة.

تنديد فلسطيني.. سموتريتش يحرض على ضمّ غزة وتجويع أهلها

تنديد فلسطيني.. سموتريتش يحرض على ضمّ غزة وتجويع أهلها

دعا وزير المال الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش حكومته، الخميس، البدء بضم مناطق من قطاع غزة وتجويع  وتهجير سكانه إذا استمرت حركة حماس في رفض نزع سلاحها، حسب قوله.

وخلال مؤتمر صحافي في القدس المحتلة، قدم الوزير اليميني المتطرف الذي يعارض بشدة أي اتفاق مع حماس لإنهاء الحرب الدائرة في القطاع منذ نحو عامين، خطته لـ”الانتصار في غزة بحلول نهاية العام”.

خطة سموتريتش

وبحسب مقترح سموتريتش، سيوجه إنذار نهائي إلى حماس لتسليم أسلحتها والتخلي عنها، وإطلاق سراح الأسرى الذين لا يزالون محتجزين في غزة.

وقال سموتريتش، إنه في حال رفض حماس، يجب على إسرائيل ضم جزء من القطاع كل أسبوع لمدة أربعة أسابيع، مما يجعل معظم قطاع غزة تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة.

وسيُطلب من الفلسطينيين خلال تلك الفترة الانتقال إلى جنوب غزة، ومن ثم ستفرض إسرائيل حصارًا على شمال ووسط القطاع لهزيمة أي مقاتلين متبقين من حماس. وأضاف: “يمكن تحقيق ذلك في ثلاثة إلى أربعة أشهر”.

ومن القدس المحتلة، أوضح مراسل التلفزيون العربي، أحمد جرادات، أن خطة سموتريتش تقوم على خيارين: الأول، منح حركة حماس فرصة للاستسلام وإعادة جميع المحتجزين، أحياءً كانوا أو قتلى، دفعة واحدة، إلى جانب نزع سلاح الحركة وإخراج قادتها من قطاع غزة. أما الخيار الثاني، فيقوم على فتح باب ما وصفه بـ”الهجرة الطوعية”.

“إقرار صريح بمشروع التهجير والتطهير”

وتأتي تصريحات سموتريتش في وقت يكثف فيه الجيش الإسرائيلي هجماته في محيط مدينة غزة تمهيدًا للسيطرة عليها وسط تزايد قلق المنظمات الإنسانية حول مصير المدنيين هناك.

وتُقدر الأمم المتحدة أن الغالبية العظمى من سكان قطاع غزة الذين يزيد تعدادهم على مليوني نسمة، اضطروا للنزوح مرة واحدة على الأقل خلال نحو عامين من الحرب هربًا من القصف والموت. وطلب وزير المال من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو “اعتماد هذه الخطة كاملة وفورًا”.

من جهتها، نددت حماس بهذا الاقتراح، وقالت في بيان إنه “إقرار صريح بمشروع التهجير القسري والتطهير العرقي ضد شعبنا، ودليل دامغ لإدانة الاحتلال أمام محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية، انطلاقًا من توافر النيّة لدى قادة الاحتلال الفاشي لارتكاب جريمة الإبادة“.

من جهته، أدان رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح التصريحات العدوانية التي أطلقها وزير المالية في حكومة الاحتلال الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش، وفق وكالة الأنباء الفلسطينية.

وأكد فتوح في بيان، مساء الخميس، أن هذه التصريحات تمثل اعترافًا صريحًا بسياسة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي تنتهجها حكومة الاحتلال، وتشكّل جريمة حرب مكتملة الأركان بموجب القانون الدولي واتفاقيات جنيف الرابعة ونظام روما الأساسي.

ويُعتبر الوزير اليميني مؤيدًا شديدًا لحركة الاستيطان، ويعيش هو نفسه في مستوطنة في الضفة الغربية المحتلة.

وأقرت إسرائيل الأسبوع الماضي مشروعًا استيطانيًا شرق القدس من شأنه فصل شمال الضفة الغربية المحتلة عن جنوبها رغم تحذير المجتمع الدولي من أنه سيقوض فرص إقامة دولة فلسطينية متصلة مستقبلًا. وقال سموتريتش: إن هذا المشروع المسمى E1 يهدف إلى “دفن فكرة الدولة الفلسطينية”.

”ميثاق المَهانة” بين ترامب وأوروبـا

”ميثاق المَهانة” بين ترامب وأوروبـا

لم تكن صورة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مع قادة دولٍ أوروبيةٍ، خلال اجتماعه بهم مطلع الأسبوع الفائت في البيت الأبيض، لتمرَّ من دون أن تثير ردات فعلٍ تراوحت بين الاستهجان والسخرية، وصبّ معظمها في انتقاد السياسات الأوروبية، وعجزها عن التأثير في الملفات الدولية، وفي مقدّمتها الحرب الروسية الأوكرانية بكل ارتداداتها على الأمن والاقتصاد والاستقرار في أوروبا. وقد كان الصحافي الإسباني كْلاوْدي بيريث مُصيباً حين اعتبر، في مقاله في صحيفة الباييس (21 آب/ آب الجاري)، الصورةَ تجسيداً لـ”ميثاق المَهانة” بين ترامب وأوروبا.

جلوس قادة أوروبا أمام مكتب ترامب، بذلك الشكل المهين، لم يخالف فقط المعمول به في اللقاءات بين قادة الدول، بل كان أيضاً ترسيماً رمزياً وسياسياً لزعامة الولايات المتحدة داخل المعسكر الغربي، بما يعنيه ذاك، بداهة، من تبعية أوروبا لها، وافتقادها رؤية استراتيجيةً مستقلةً، محكومةً بأولوياتها ومصالحها بوصفها قوة دولية كبرى. وعلى الرغم من أن مخرجات الاجتماع عكست ما بدا تناغماً بين الطرفين، وتحديداً في ما يرتبط بمسارات حل الأزمة الأوكرانية، إلا أنه من الواضح أن أوروبا تفقد شيئاً فشيئاً القدرة على التأثير في منعرجات هذه الأزمة، في ظل إصرار الرئيس الأميركي على احتكار إدارتها.

إصرارُ ترامب على تحجيم حضور ضيوفه الأوروبيين في البيت الأبيض، فضلا عن دلالاته الرمزية والسياسية في علاقات القوة بين الولايات المتحدة وأوروبا، يُعزّز استراتيجيّته القاضية بالحدّ من فعالية السياسة الدبلوماسية في حل النزاعات الدولية، والاستعاضة عنها بـ”سياسة الصفقات” المسنودة بخطاب شعبوي فج، في تحرّرٍ من إرث الاعتبارات الأيديولوجية والتاريخية. وهي السياسة التي يُفترض، من منظور ترامب، ألا تُفرّق بين دول الجنوب ودول الاتحاد الأوروبي؛ فدعم تشكيلات اليمين المتطرّف في أوروبا لا يختلف عن دعم الأنظمة الاستبدادية في الجنوب، التي تتوافق سياساتها الداخلية والخارجية مع البوصلة الأميركية. والحروبُ التجاريةُ مثلما تُشنُّ على الصين وروسيا والمكسيك وغيرها، تُشنُّ أيضا على الدول الأوروبية بفرض رسوم جمركية على وارداتها، من دون أي اعتبار للقواسم المشتركة معها.

تواجه أوروبا مأزقا بنيويا، فمن جهة، هي عاجزة عن إعادة جدولة أولوياتها الأمنية والاقتصادية أمام التهديد الروسي، ولا تبدو مضاعفةُ نفقاتها العسكرية حلّا استراتيجيا أمام تباين السياسات الاقتصادية للدول الأوروبية. ومن جهة أخرى، يستمر انحسارُ منسوب تأثيرها في الأزمات الدولية الكبرى. وقد كانت حرب الإبادة والتطهير العرقي والتجويع التي شنّها، ولا يزال، الكيان الصهيوني على قطاع غزّة العنوانَ الأكثر دلالة لإخفاق الاتحاد الأوروبي في وضع حدٍّ لمعاناة الشعب الفلسطيني، أو على الأقل التخفيف منها، انسجاماً مع ما يُفترض أنها قيمُه الليبرالية التي تتوسّل، ضمن ما تتوسّل به، بحقوق الإنسان في أفقها الإنساني والكوني. وليس ترويج ”حلّ الدولتين” إلا تبرئة للذمّة والضمير أمام التاريخ، ليس فقط بسبب انعدام الشروط الموضوعية الكفيلة بتحقيق هذا الحل على أرض الواقع، ولكن أيضاً بسبب عجزه عن شقّ مسار مستقل عن الإدارة الأميركية يسمح له بالتأثير في ما يشهده الشرق الأوسط من متغيرات.

يؤثر هذا المأزق البنيوي، الذي تتداخل في رسم معالمه محدّداتٌ أمنية واقتصادية واجتماعية، على مصادر القوة الأوروبية داخل النظام الدولي، كما يفتح الباب على مصراعيه أمام تشكّل ملامح نظام دولي جديد، تستفرد الولايات المتحدة بزعامته، مع ما قد يُفرزه ذلك من إعادة صياغة علاقات القوة بين الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين.

لا يبدو الاتحاد الأوروبي، على الأقل ضمن المنظور القريب، قادراً على دفع روسيا إلى إعادة النظر في مواقفها بما يعيد صياغة التوازنات الأمنية والجيوسياسية في أوروبا وفق مصالحه التي تعني، ضمن ما تعنيه، التأكيد على حقّ أوكرانيا في تحرير أراضيها التي ضمّتها روسيا والانضمامِ إلى حلف الناتو. هذا في وقتٍ تملك فيه الإدارة الأميركية القدرة السياسية والعسكرية على ذلك، وبالأخص بعد قمة ألاسكا أخيراً، والتي فتحت أفقاً جديداً لحل الأزمة الأوكرانية وإمكانيةِ التفاوض على المشهد الجيوسياسي لأوروبا.