الحوثيون وإسرائيل… الجديد في اغتيال الخميس والتقديرات المستقبلية

الحوثيون وإسرائيل… الجديد في اغتيال الخميس والتقديرات المستقبلية

دخل الصراع بين جماعة أنصار الله (الحوثيين) وإسرائيل مرحلة جديدة من التصعيد، عنوانها “الاغتيالات” التي دشنتها إسرائيل بتنفيذ عملية كبيرة استهدفت خلالها اجتماعاً لحكومة الحوثيين غير المعترف بها، الخميس الماضي، وأطلقت على العملية اسم “قطرة حظ”. وبلغت أهمية هذه العملية حداً دفعت الاحتلال الإسرائيلي إلى نقل جلسات الحكومة والمجلس الوزاري للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت) إلى موقعٍ سرّي، أمس الأحد، حسبما أفادت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، وذلك خشية من رد الحوثيين. وتمثلت عملية الاستهداف الخميس الماضي، بغارات إسرائيلية شملت عدة مواقع في العاصمة صنعاء، سبق للاحتلال استهدافها مثل جبل عطان وجبل النهدين، ومجمع دار الرئاسة، غير أن الهدف الرئيس للغارات تمثل بموقع حُدِّد في منطقة حدة جنوبي العاصمة، حيث تلقى الجيش الإسرائيلي معلومات عن وجود هدف ثمين يتمثل برئيس حكومة الحوثيين وعدد كبير من الوزراء ونواب الوزراء، بالإضافة إلى قيادات عسكرية. كانت الضربة هذه المرة “استثنائية” كما وصفها الجانب الإسرائيلي، ولأهميتها فقد تابع وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس ورئيس الأركان إيال زامير تنفيذ العملية من مقر قيادة الجيش، فيما كان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يتابعها عبر هاتف آمن، وأوضح الجيش الإسرائيلي، أن العملية جاءت في إطار ما وصفه بـ”ضربة دقيقة ضد مراكز القيادة والسيطرة للحوثيين”.

الحوثيون وهجوم إسرائيل

وعقب الضربة الإسرائيلية حاول الحوثيون التقليل منها، إذ سارعوا إلى التصريح عبر القيادي نصر الدين عامر، رئيس مجلس إدارة وكالة “سبأ” بنسختها الحوثية، بأنه “‘لا صحة للأنباء التي تتحدث عن استهداف قيادات في صنعاء”، و”ما يحدث هو استهداف لأعيان مدنية واستهداف للشعب اليمني ككل بسبب مواقفه الداعمة لغزة”. لكن نتائج العملية بدأت تظهر أمس الأول السبت بشكل رسمي وتدريجي، حيث كُشف عن مقتل رئيس حكومة الحوثيين أحمد غالب الرهوي، مع عدد من الوزراء والقيادات العسكرية والأمنية. وبعد إعلان مقتل الرهوي، وهو أكبر مسؤول سياسي يُقتل في تداعيات المواجهة اليمنية الإسرائيلية، توعّد رئيس المجلس السياسي في حركة الحوثيين مهدي المشاط، بـ”الثأر”. وقال المشاط في كلمة مصوّرة: “نعاهد الله والشعب اليمني العزيز وأسر الشهداء والجرحى أننا سنأخذ بالثأر”. وأضاف متوجهاً إلى إسرائيل: “تنتظركم أيام سوداوية”. ودعا “جميع المواطنين حول العالم إلى الابتعاد وعدم التعامل مع أي أصول تابعة للكيان الصهيوني”، و”جميع الشركات” في إسرائيل “للمغادرة قبل فوات الأوان”. كما أكد عبد الملك الحوثي، زعيم جماعة أنصار الله (الحوثيين) أن “المعركة الأمنية هي معركة أساسية ورديفة للمعركة العسكرية”، لافتاً في كلمة متلفزة أمس الأحد، إلى أن “الأجهزة الأمنية تبذل جهدها وحققت نجاحات كبيرة ومهمة في تحصين الجبهة الداخلية”. وشدد الحوثي على أن “استهداف إسرائيل بالصواريخ والمسيرات مسار مستمر ثابت تصاعدي”. وأكّد أنّ الاعتداءات الإسرائيلية الاخيرة “لن تؤدي إلى التراجع أو الضعف أو الهوان”. وفي صنعاء، نقلت وكالة فرانس برس عن مصدر أمني يمني، أول من أمس السبت، أن السلطات الحوثية اعتقلت العشرات في العاصمة وعمران، شمالي صنعاء، وذمار جنوبي العاصمة “للاشتباه في تعاونهم مع إسرائيل”.

المشاط لإسرائيل: تنتظركم أيام سوداوية

وتأتي العملية الإسرائيلية لتمثل تغييراً في استراتيجية الغارات الإسرائيلية التي تستهدف الحوثيين، والتي تركزت خلال الهجمات السابقة التي بلغت أكثر من 14 مرة على استهداف بنى تحتية مدنية أبرزها موانئ الحديدة ومطار صنعاء ومحطات توليد الطاقة الكهربائية، ومواقع عسكرية ثابتة أبرزها جبل النهدين، وجبل عطان، وهي عمليات أثبتت خلالها إسرائيل أنها عاجزة عن تحقيق أي نجاح لهذه الغارات نتيجة عدم امتلاك أي بنك أهداف، بالإضافة إلى ضعف الجانب الاستخباراتي، لكونها ظلت تتعامل مع جماعة الحوثيين عدواً مستبعداً لا يمثل أي تهديد حقيقي عليها. غير أن استمرار الحوثيين بتنفيذ عمليات عسكرية ضد أهداف إسرائيلية في إطار معركة إسناد غزة، التي تعرف بمعركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس” دفع الاستخبارات الإسرائيلية إلى العمل على جمع المعلومات ومحاولة اختراق جسد الجماعة الحوثية من الداخل، بحسب تسريبات وسائل إعلام إسرائيلية. وفي حزيران/ حزيران الماضي، أدخل الإسرائيليون متغيراً جديداً إلى معادلة الصراع مع الحوثيين من خلال مشاركة سلاح البحرية الإسرائيلي، الذي نفذ هجوماً نوعياً على ميناء الحديدة، غربي اليمن، في أول مشاركة معلنة للبحرية الإسرائيلية في عمليات مباشرة ضد مواقع حوثية، وسط تصعيد متزايد في المواجهة بين الجانبين.

صلاح علي صلاح: التحول في الأسلوب عكس تحسن القدرات الاستخباراتية الإسرائيلية في اليمن

تقارير استخباراتية إسرائيلية

وجاء ذلك بالتزامن مع ما ذكرته تقارير استخباراتية إسرائيلية عن اختراق أمني تمكّن خلاله جهاز “الموساد” من تجنيد عناصر حوثية، ما أتاح لإسرائيل الحصول على معلومات دقيقة بشأن مواقع استراتيجية وعسكرية للحوثيين، وبناء بنك أهداف يشمل منشآت بحرية ومخازن تسليح ومنصات إطلاق صواريخ، بالإضافة إلى رصد تحركات بعض القيادات الحوثية. في المقابل، كان الحوثيون قد دخلوا مرحلة جديدة من الهجمات ضد إسرائيل في 22 آب/ آب الماضي، من خلال استخدام صاروخ باليستي فرط صوتي انشطاري فشلت منظومات الدفاع الإسرائيلي باعتراضه بشكل كامل، وذكر الجانب الإسرائيلي أنه يرجح تفكك الصاروخ اليمني وانشطاره إلى شظايا، فالصاروخ كان يحمل رأساً انفجارياً قابلاً للانشطار، وهو نوع من الرؤوس الحربية التي صُممت لتحدث انفجارات متعددة، وتُلحق دماراً واسعاً للغاية داخل دائرة الاستهداف.

الباحث في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، صلاح علي صلاح، قال لـ”العربي الجديد”، إن الأسلوب الإسرائيلي في الاغتيالات ليس جديداً، وقد سبق استخدامه في لبنان وإيران، واستمرار هجمات الحوثيين المتكررة على إسرائيل وتطور قدراتهم خصوصاً بإطلاقهم صاروخاً متعدد الرؤوس أخيراً حوّلهم بالنسبة إلى الإسرائيليين من مجرد إزعاج مرحلي إلى تهديد استراتيجي قابل للتطور أكثر مستقبلاً. وهذا ما سرَّع من تطوير إسرائيل عملياتها ضدهم من أسلوب الهجمات التقليدية، التي كانت تستهدف المنشآت الاقتصادية ومحطات الطاقة وخزانات الوقود إلى استهداف الشخصيات القيادية. وأضاف صلاح أن هذا التحول في الأسلوب عكس تحسن القدرات الاستخباراتية الإسرائيلية في اليمن التي كانت بعيدة عن التركيز الإسرائيلي المباشر لليمن مقارنة بغزة ولبنان وسورية القريبة منها على سبيل المثال، ويرسل رسالة للحوثيين حول استعداد إسرائيل لتجاوز الأنماط التقليدية للاستهداف، بما يشمل أهدافاً، حتى وإن كانت إدارية وسياسية غير عسكرية، وهو تحول يؤكد بدء استهداف الأرواح بدلاً من الاكتفاء بالمنشآت.

وأشار صلاح إلى أن غالبية الشخصيات التي استُهدِفَت في العملية الأخيرة، وزراء وقيادات حكومية ليس لها طابع عسكري، لذلك سيكون تأثير هذه الخسارة التي تعرض لها الحوثيون محدوداً من الناحية العسكرية، قد تحدث بعض الإرباك في بعض التفاصيل، لكنها لن تؤثر كثيراً في الجوانب العملياتية والتشغيلية للعمليات العسكرية. وأوضح أن “تطور العمليات الإسرائيلية في انتقاء الأهداف يعتمد على المستوى الذي يمكن أن تصل إليه إسرائيل في تطوير قدراتها الاستخباراتية وتحسينها، كما قدرتها على رصد القيادات العسكرية والقيادات العليا التي تمثل تهديداً مباشراً لها، مثل مسؤولي العمليات الصاروخية أو البحرية، بما يربك قدرات الحوثيين العملياتية واللوجستية، ويحد من قدراتهم على تنفيذ الهجمات عليها، ومن المتوقع أن تستمر إسرائيل في تطوير خططها بما يساهم في تحقيق أهداف أكثر حساسية، تسير بشكل تصاعدي يؤثر بقدرات الحوثيين في التحكم بعملياتهم العسكرية واتخاذ القرار”.

ورأى صلاح أن هناك عاملين أساسيين يساعدان الحوثيين في تحسين قدراتهم في التخفي أمنياً، الأول يتمثل باتساع الرقعة الجغرافية التي يسيطرون عليها على عكس المساحات الموجودة في غزة وجنوب لبنان على سبيل المثال، ما يمثل فرصة أفضل للمناورة والتخفي، بالإضافة إلى المناطق الجبلية التي يمكن التخفي والتحصن فيها. والعامل الثاني هو الضعف الموجود في البنية التحتية العامة للاتصالات في البلد، ما يساهم في زيادة صعوبة الرقابة والرصد التقني. وأضاف أن “السلوك الإسرائيلي الأخير المتمثل باستهداف الأفراد والقيادات سيدعو الحوثيين إلى رفع مستوى الاحتياطات الأمنية الخاصة بهم، والاستفادة من تجارب أطراف أخرى تعرضت لهذه المشكلة نفسها، وحاولت إيجاد المعالجات لها”.

اغتيال رئيس حكومة الحوثيين

من جهته، قال المحلل السياسي خليل العمري، لـ”العربي الجديد”، إن عملية اغتيال رئيس حكومة الحوثيين أحمد الرهوي وعدد من وزراء حكومة الحوثيين على يد إسرائيل تمثل ضربة غير مسبوقة للجماعة، يمكن مقارنتها فقط باغتيال صالح الصماد رئيس المجلس السياسي الأعلى عام 2018 في الحديدة. واعتبر أن “هذه الضربات تكشف عن تحول استراتيجي في طبيعة المواجهة بين الحوثيين والإسرائيليين؛ فبدل الاكتفاء بغارات متفرقة على الجبهات، باتت إسرائيل تستهدف القيادات العليا مباشرةً، في استعراض لقدرات استخباراتية متقدمة، واختراق أمني عميق داخل مناطق سيطرة الحوثيين”. وعن تبعات هذه العملية، قال العمري إنه على المدى القصير، “تحدث هذه العملية إرباكاً واضحاً في صفوف الجماعة، وتخلق فراغاً قيادياً مؤقتاً يعوق سرعة اتخاذ القرار، ويؤثر بسلاسة التنسيق العملياتي، وتوجّه أيضاً رسالة قوية للحوثيين حول هشاشة منظومتهم الأمنية، وتثبت أن الوصول إلى شخصيات الصف الأول لم يعد أمراً مستحيلاً”. لكنه أضاف أن “التأثير بعيد المدى يبدو أكثر تعقيداً. فالحوثيون يتمتعون بمرونة تنظيمية عالية وبنية غير مركزية تسمح لهم بامتصاص الصدمات الكبيرة، علماً أن خبرتهم الطويلة في العمل تحت ظروف حرب غير متناظرة، وقدرتهم على الاختفاء في التضاريس الجبلية، تمنحهم أدوات التكيف والبقاء. ومع ذلك، تكشف هذه الاختراقات الأمنية عن ثغرات عميقة قد تدفع خصومهم المحليين والإقليميين إلى تكثيف الضربات ومحاولة استغلال لحظة الضعف”.

خليل العمري: هذه الضربات تكشف عن تحول استراتيجي في طبيعة المواجهة بين الحوثيين والإسرائيليين

وأشار العمري إلى أن “هذه الاغتيالات، رغم ألمها للجماعة، لن تكون كافية لتفكيك بنيتها بالكامل، لكنها ستدفعها إلى تعزيز الحذر، وإعادة ترتيب صفوفها. كذلك فإن نجاح إسرائيل في تنفيذ مثل هذه العمليات يعكس حجم التنسيق الاستخباري والتحالفات الإقليمية القائمة، ما يجعلها جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى إضعاف الحوثيين سياسياً وعسكرياً من دون أن تشكّل حسماً نهائياً للصراع”. ومنذ بداية دخول الحوثيين مباشرةً في معركة إسناد غزة في تشرين الثاني/ تشرين الثاني 2023، وجد الإسرائيليون أنفسهم أمام عدو جديد، ظل لسنوات خارج الحسابات الإسرائيلية، وتحدث الإسرائيليون عن وجود فجوة استخباراتية حول الحوثيين الذين لم يكونوا هدفاً للرصد وجمع المعلومات، باعتبار أن الجماعة لم تشكل أي تهديد لإسرائيل قبل معركة غزة، على الرغم من رفع عبارة “الموت لإسرائيل” ضمن شعار الجماعة الرسمي.

ويدرك الحوثيون أن مسألة جمع المعلومات حولهم وتحليلها تعد عملية معقدة ومركبة، خصوصاً أن بقاء الحوثيين خارج اهتمام الاستخبارات الإسرائيلية قد جعلها عاجزة عن صنع جواسيس لها على الأرض، فعملية كهذه تحتاج إلى دراسة مطولة للمجتمع والبيئة اليمنية، وتعلم اللغة واللهجة والعادات والتقاليد المتنوعة. ولذلك يبرز الجانب التكنولوجي بكونه أحد أبرز جوانب الاختراق الإسرائيلي للحوثيين. وكان المتحدث الرسمي باسم “المقاومة الوطنية” في اليمن، العميد الركن صادق دويد، قد ذكر في مؤتمر صحافي نهاية تموز/ تموز الماضي ضبط جهاز تجسس من صنع شركة “سيلبرايت” (Cellebrite) الإسرائيلية، ضمن شحنة مهربة من قِبل الحرس الثوري الإيراني إلى الحوثيين، مخصص لسحب البيانات والتجسس على خصوصيات المواطنين. و”سيلبرايت” شركة إسرائيلية متخصصة في تقنيات استخراج البيانات من الهواتف المحمولة والأجهزة الرقمية وتحليلها، وتُستخدم أدواتها بشكل واسع من قِبل وكالات أمنية وجهات إنفاذ القانون حول العالم.

مساعي الحوثيين تكنولوجياً

في المقابل، يسعى الحوثيون لتحصين أنفسهم تكنولوجياً، واستخلاص الدروس من حالة الاختراق التي تعرض لها حزب الله في لبنان، وفي السياق كان موقع “ديفنس لاين” المتخصص بالشؤون العسكرية، قد كشف في أيار/ أيار الماضي أن جماعة الحوثيين اتجهت إلى إدخال أنظمة ومعدات اتصالات جديدة، وتوطين تقنيات صينية وروسية ومن بلدان أخرى، في محاولة لتقليل الاعتماد على بنية اتصالات الجماعة التي لعبت إيران في تطويرها منذ سنوات بما يحقق الارتباط والتشارك مع اتصالات الحرس الثوري وفيلق القدس وجماعات المحور، مع اتساع مخاوف الحوثيين من التعرض لاختراق أمني وتقني على غرار ما جرى لحزب الله في لبنان. ورأى الخبير التقني اليمني، فهمي الباحث، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “إسرائيل واحدة من الدول التي تملك خبرة طويلة في مجال الاستخبارات التقنية، وهناك وسائل كثيرة يمكن أن تستخدم في توظيف التكنولوجيا مثل اعتراض الاتصالات الهاتفية والرسائل، ويمكن أن تستخدم أجهزة تسمى إيمزي كاتشر التي هي عبارة عن محطات مزيفة تلتقط اتصالات تعمل كأنها برج تغطية، وهذه لا بد أن تكون موجودة في البلد، وأعتقد أن هذه التقنية مستخدمة سابقاً في اليمن”.

وأضاف: “يمكن التجسس أيضاً عبر طائرات من دون طيار تنتحل أو يكون فيها ايمزي كاتشر تنتحل كأنها برج تغطية، وبالتالي تحويل المكالمات عبرها والاستماع إليها والتنصت، فضلاً على أن الطائرات من دون طيار أصلاً يمكن أن تكون مزودة برادارات وكاميرات حرارية تتبع تحركات الأشخاص”. وأضاف الخبير التقني أنه “يمكن تنفيذ هجوم سيبراني عبر برمجيات خبيثة تُزرَع في أجهزة كمبيوتر أو في الشبكات أو الهواتف، ويمكن أن ترسل لهم أشياء متعلقة بالتصيد الاحتيالي، أو هجمات متقدمة تستغل ثغرات يسمونها اليوم صفراً لاختراق الهواتف دون حتى أن تضغط أي رابط، وهذه التقنية اشتهرت بها شركات إسرائيلية في السنوات الأخيرة”. وأشار إلى أن إسرائيل لديها علاقات ودعم من شركات تقنية، وهي شركات ضخمة يمكن عبرها التجسس أو المراقبة أو على الأقل جمع معلومات معينة. بالإضافة إلى ذلك، تبقى المصادر البشرية موجودة على الأرض، فإذا ما تمكن الإسرائيليون من تجنيد عملاء يمكن توظيفهم، ويتم استخدام التكنولوجيا لتحليل البيانات الواردة منهم لتحديد المواقع أو التأكد من صحة أي بيانات كان مصدرها بشرياً.

الحوثيون يعتقلون 11 موظفاً أممياً، والأمين العام يطالب بالإفراج الفوري عنهم

الحوثيون يعتقلون 11 موظفاً أممياً، والأمين العام يطالب بالإفراج الفوري عنهم

قال المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ الأحد، إن جماعة أنصار الله الحوثي في اليمن اعتقلت 11 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بعد أن أعلن مصدر أمني حوثي في وقت سابق “توقيف سبعة من موظفي برنامج الأغذية العالمي وثلاثة من موظفي اليونيسف” بعد دهم مكاتب الوكالتين الأمميتين.

وأدان غروندبرغ على منصة إكس “بشدة الموجة الجديدة من الاعتقالات التعسفية لموظفي الأمم المتحدة اليوم في صنعاء والحديدة من قبل أنصار الله”، مشيراً إلى أنّ “هذه الاعتقالات تضاف إلى 23 موظفاً من موظفي الأمم المتحدة ما زالوا رهن الاحتجاز، بعضهم منذ عامي 2021 و2023”.

وأعلن برنامج الأغذية العالمي في بيان بالإنجليزية الأحد، عن أن ” قوات الأمن المحلية اقتحمت صباح 31 آب/آب، مكاتب برنامج الأغذية العالمي في صنعاء واحتجزت أحد موظفيه”، معتبراً أن “الاحتجاز التعسفي لموظفي الإغاثة الإنسانية أمر غير مقبول”.

  • كيف تغيرت جماعة الحوثيين خلال عقد من الصراع؟

وأشار البرنامج الأممي إلى “ورود تقارير عن اعتقالات أخرى لموظفين في البرنامج في مناطق أخرى” الأحد، مؤكداً أن “سلامة وأمن الموظفين أمران أساسيان للقيام بالعمل الإنساني المنقذ للحياة”.

ثم مع حلول مساء الأحد، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في بيان آخر أن “قوات أمن محلية اقتحمت مكتب منظمة اليونيسف في صنعاء واعتقلت عدداً من موظفيها”، لكن لم تحدد عددهم.

اتهامات بـ”التجسس”

وتأتي حملة اعتقالات موظفي المنظمات الدولية هذه ضمن حملة أوسع نفذتها الجماعة عقب اغتيال رئيس حكومة الحوثيين وعدد من وزرائها.

وبحسب وكالة فرانس برس، فقد أكدت مصادر أمنية يمنية أن السلطات الحوثية اعتقلت العشرات في العاصمة وفي عمران شمال صنعاء وذمار جنوب العاصمة “للاشتباه بتعاونهم مع إسرائيل”.

ونقلت الوكالة عن مصدر أمني حوثي أن الجماعة قامت بـ”توقيف سبعة من موظفي برنامج الأغذية العالمي وثلاثة من موظفي اليونيسف” بعد مداهمة مكاتب الوكالتين الأمميتين الأحد.

وتحتجز جماعة الحوثي عشرات الموظفين الأمميين وموظفي منظمات إنسانية محلية ودولية آخرين منذ أكثر من عام، بـ”شبهة التجسس”.

  • بعد ملاحقة عمال إغاثة وتجميد الدعم الأمريكي، نازحون يمنيون: خفض المساعدات يعني حكماً بالموت

وفي حزيران/ حزيران الماضي، قالت منظمتا “العفو الدولية” و”هيومن رايتس ووتش” إن الحوثيين نفذوا منذ حزيران/حزيران 2024 سلسلة مداهمات في مناطق خاضعة لسيطرتهم، أسفرت عن توقيف 13 موظفاً أممياً و50 موظفاً على الأقل من منظمات إنسانية محلية ودولية.

من جانبهم يقول الحوثيون إن الاعتقالات منذ حزيران/حزيران 2024، مرتبطة باكتشاف “شبكة تجسّس أمريكية إسرائيلية” تعمل تحت غطاء منظمات إنسانية، وهي اتهامات رفضتها الأمم المتحدة.

إدانات أممية

وفي رد فعل حول الاعتقالات الأخيرة، دان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأحد في بيان “بشدة الاعتقالات التعسفية التي طالت 11 على الأقل من موظفي الأمم المتحدة”، في المواقع الخاضعة لسيطرة من وصفها بـ”سلطات الأمر الواقع الحوثية”.

ودعا الأمين العام إلى “الإفراج الفوري وغير المشروط” عن الموظفين، بالإضافة إلى الإفراج عن “جميع موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية والوطنية ومن المجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية المحتجزين تعسفاً”.

فيما جدد المبعوث الأممي غروندبرغ الأحد، مطالبة “جماعة أنصار الله بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى موظفي المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية، ومنظمات المجتمع المدني، والبعثات الدبلوماسية”.

ناشطون: اغتيال إسرائيل حكومة الحوثي انتصار وهمي أم إفلاس سياسي؟

ناشطون: اغتيال إسرائيل حكومة الحوثي انتصار وهمي أم إفلاس سياسي؟

أثار مقتل رئيس الحكومة -المعيّن من جماعة أنصار الله (الحوثيين)- أحمد غالب الرهوي، إلى جانب عدد من الوزراء، في قصف إسرائيلي استهدف العاصمة اليمنية صنعاء، الخميس الماضي، موجة غضب واسعة على منصات التواصل الاجتماعي.

وأعلنت جماعة أنصار الله مقتل رئيس الوزراء وعدد من أعضاء حكومته في الهجوم، مؤكدة في بيان رسمي تعيين خلف له.

وأضاف البيان أن الغارة الإسرائيلية استهدفت ورشة عمل اعتيادية للحكومة كانت مخصصة لتقييم نشاطها وأدائها خلال عام من عملها، مشيرا إلى إصابة عدد من المسؤولين بجروح متوسطة وخطيرة يخضعون على إثرها للعناية الصحية، وسط توعدات بالرد.

انتصار وهمي أم إفلاس سياسي؟

ووصف ناشطون الهجوم بأنه “عمل جبان”، مشيرين إلى أن استهداف رئيس حكومة مع عدد من وزرائه خلال اجتماع اعتيادي لا يعد إنجازا عسكريا، لأنه استهدف جهة مدنية معروفة الأماكن والاجتماعات.

ورأى بعض المعلقين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “يبحث عن أي انتصار ولو كان وهميا”، مؤكدين أن استهداف مسؤولين إداريين لا علاقة لهم بالعمل العسكري لن يضعف الحكومة اليمنية.

وأضاف آخرون أن العملية تندرج ضمن سياسة الاحتلال المتبعة في قطاع غزة منذ أكثر من 22 شهرا، حيث لم يتورع عن استهداف المدنيين.

إعلان

ردود فعل غاضبة

اعتبر ناشطون أن استهداف اجتماع حكومي مدني يمثل “خرقا جديدا للقوانين الدولية واستهدافا واضحا للمدنيين الأبرياء”.

وأكدوا أن الاحتلال يصور الهجوم على أنه إنجاز ضد خصومه، بينما تعكس الوقائع “فشلا ذريعا وعجزا كاملا وإفلاسا سياسيا وأخلاقيا”.

وكتب أحد النشطاء “ستعتبره إسرائيل إنجازا ضد أنصار الله، بينما هو فشل وعجز وإفلاس”، فيما قال آخر “عجزت إسرائيل عن الوصول إلى الأهداف العسكرية، فاتجهت لاستهداف مدنيين يعملون في المكاتب والمؤسسات الحكومية”.

تساؤلات حول شرعية الاستهداف

طرح مدونون تساؤلات بشأن شرعية العملية، قائلين “مَن مِن هؤلاء المسؤولين يحمل بندقية أو صاروخا؟ ومَن منهم يقاتل في ساحة معركة ليقتل؟”.

وأكدوا أن العملية تكشف “إفلاس إسرائيل في مواجهة اليمنيين”، ولجوءها إلى استهداف حكومة مدنية بدل مواجهة الخصوم عسكريا.

وأضاف ناشطون أن الاحتلال “يمتهن القتل لا القتال”، ويسعى إلى “إسكات الأصوات الرافضة لمشروعه”، مشددين على أن مثل هذه العمليات لن توقف الصواريخ، ولن تحقق أهداف إسرائيل في المنطقة.

وختموا بالقول “عندما فشل الاحتلال في تحقيق أي إنجاز عسكري، لجأ -كعادته- إلى استهداف الأعيان المدنية”.

 

الحوثي يتمسك بنصرة غزة رغم اغتيال وزراء بحكومته

الحوثي يتمسك بنصرة غزة رغم اغتيال وزراء بحكومته

أعلن زعيم جماعة أنصار الله عبد الملك الحوثي -اليوم الأحد- أن الاعتداء الإسرائيلي الخميس الماضي على اليمن أسفر عن استشهاد مجموعة من الوزراء والعاملين في الحكومة، خلال عقد ورشة لحكومة التغيير والبناء.

وأكد الحوثي -في كلمة متلفزة- أن “الضربة الأخيرة للعدو لن تؤثر على موقف بلدنا سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي”، معتبرا أن “العدو الإسرائيلي يشكل خطرا على الأمة كلها.. ويستهدف حتى الأطفال والنساء والمدنيين العزل”.

واعتبر أن “رصيد العدو هو الإجرام وهو يقتل أبناء الشعب الفلسطيني ولبنان وسوريا والعراق وإيران“، مشددا على أن “كل ما نقدمه في سبيل الله ليس خسارة”.

وقال الحوثي إن ما يفعله العدو الإسرائيلي يوميا بفلسطين وغزة من جرائم رهيبة لا بد من اتخاذ موقف بشأنه، مؤكدا مواجهة “العدو في كل ميادين المواجهة سياسيا وعسكريا واقتصاديا وإعلاميا”، وقال إن “مسارنا في نصرة الشعب الفلسطيني مستمر وثابت وتصاعدي”.

وحذر زعيم جماعة أنصار الله من أنه “إذا تجاهلنا تدنيس العدو لمقدساتنا، فإن أمتنا ستصبح عاجزة وفاشلة يسهل السيطرة عليها”، وقال “لا يمكن أن نقف موقف المتفرجين إزاء جرائم العدو الذي يقترف جرائم تجويع إزاء مليوني مسلم في قطاع غزة“.

وقُتل رئيس الحكومة المعين من جماعة الحوثيين أحمد الرهوي وعدد من الوزراء خلال القصف الإسرائيلي على صنعاء الخميس، وهي أول مرة يتم فيها اغتيال قيادات في جماعة الحوثي منذ بدء الغارات الإسرائيلية على اليمن في تموز/تموز 2024.

وقالت الجماعة -في بيان- إن الرهوي ورفاقه الوزراء “تم استهدافهم من قبل العدو الإسرائيلي المجرم الغادر في ورشة عمل اعتيادية تقيمها الحكومة لتقييم نشاطها وأدائها خلال عام من عملها عصر يوم الخميس”.

وأشار البيان إلى أن مسؤولين آخرين كانوا مشاركين في الورشة أصيبوا بجروح متوسطة وخطيرة وهم تحت الرعاية الصحية.

إعلان

وتوعدت جماعة أنصار الله إسرائيل، إذ قال رئيس المجلس السياسي الأعلى للجماعة مهدي المشاط “نعاهد الله والشعب وأسر الشهداء والجرحى أننا سنأخذ بالثأر، وسنواصل مسيرة البناء لقواتنا المسلحة والتطوير لقدراتها”. وقال “إنه ينصح الشركات الموجودة في كيان الاحتلال بالمغادرة قبل فوات الأوان”.

ويشن الحوثيون هجمات مستمرة على إسرائيل بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة، إضافة إلى استهداف السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل، مؤكدين أن هذه الهجمات تأتي تضامنا مع الشعب الفلسطيني، الذي يتعرض لإبادة إسرائيلية متواصلة في غزة.

ومنذ السابع من تشرين الأول/تشرين الأول 2023، تواصل إسرائيل، بدعم أميركي مطلق، شن حرب إبادة جماعية على قطاع غزة تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر محكمة العدل الدولية بوقف العمليات.

وأسفرت هذه الحرب عن استشهاد أكثر من 63 ألف شخص، و159 ألفا و266 مصابا من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وأكثر من 9 آلاف مفقود، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة قتلت 317 فلسطينيا، بينهم 121 طفلا، وفق بيانات وزارة الصحة الفلسطينية.

هل أصبح الحوثيون القلعة الأخيرة ضد إسرائيل؟

هل أصبح الحوثيون القلعة الأخيرة ضد إسرائيل؟

نفّذت إسرائيل الخميس الماضي ضربة جوية مركّزة على صنعاء، أودت بحياة رئيس حكومة الحوثيين أحمد غالب الرهوي وعدد من وزرائه. وقدّمت تل أبيب الضربة باعتبارها “ساحقة”. أما الحوثيون فتعهدوا بالانتقام، ووصفوا الضربة بأنها “غادرة”، وأنهم مستعدون لمواجهة تصعيد محتمل، لعل أهم بشائره أن إسرائيل نقلت اليوم اجتماعين مهمين -أحدهما للحكومة والآخر للمجلس الوزاري المصغر (الكابينت)- إلى “مكان سري”.

اعتمدت إسرائيل منذ سنوات على الضربات الجراحية كأداة لاحتواء خصومها عبر اغتيالات مركزة، وقصف مواقع دقيقة، وتعطيل لحظي للبنية التحتية. وتأتي الضربة الأخيرة في صنعاء في هذا السياق نفسه، وهو ما يمكن أن يوصف بإستراتيجية قطع الرأس بدل الدخول في حرب استنزاف طويلة.

لكنّ السؤال الأهم الذي يفرض نفسه اليوم: هل تكفي هذه الضربات فعلًا لتحييد خطر الحوثيين، أم أنها تفتح الباب لتحوّلهم إلى رمزٍ أقوى مما كانوا عليه؟

الصحف العالمية ذهبت إلى تقييمات متباينة، فمن جهتها اعتبرت صحيفة فايننشال تايمز أنه رغم مقتل رموز حكومية، فمن غير المتوقع أن تؤثر الضربة بشكل جوهري في قدرات الجماعة العسكرية. وتشير الصحيفة إلى أن القتلى قادة إداريون بالتحديد ولا يحتلون مراكز قيادية عسكرية فاعلة، وبالتالي فمن غير المحتمل أن تؤثر الضربة تأثيرًا جذريًا في القدرات العملياتية لجماعة الحوثي.

مقارنة الهجمات

وتتفق وكالة أسوشيتد برس مع هذا التحليل، فالضربة استهدفت كبار المسؤولين خلال اجتماع، لكن لم تتضمن عناصر عسكرية بارزة، مما يضعف من احتمال تقليص جيوب القوة المنتجة أو الذخائر أو البنية التحتية العسكرية الفعلية. أما صحيفة وول ستريت جورنال فترى أن الضربة الرمزية توضح تقدم الاستخبارات الإسرائيلية في الاستهداف، لكنها لا تبدو حاسمة من الناحية العسكرية، لأن الضحايا لم يكونوا في قلب القيادة العسكرية.

رئيس حكومة الحوثيين أحمد غالب الرهوي قُتل في الغارة الإسرائيلية على صنعاء (الأوروبية)

وفي السياق الأوسع يذهب تقرير المجموعات التحليلية مثل “كرايسس غروب” إلى أن الحوثيين عززوا قدراتهم المسلحة -بما في ذلك استخدام الذخائر العنقودية وصواريخ باليستية– مما يجعلهم أكثر مرونة ضد الضربات الجوية وتدعيمًا لمقاومتهم.

إعلان

ويؤكد موقع ويكي بيانات أن الهجمات الأميركية الأكبر حجما لم تحقق تدميرا جذريا للقدرات العسكرية الحوثية؛ إذ رغم الخسائر في الأرواح والبنية التحتية، فإن الجماعة استمرت في تنفيذ هجماتها بالصواريخ والطائرات.

أما التغطيات الإسرائيلية فأكدت أن الضربة كانت دقيقة واستهدفت أهدافاً عسكرية، ووصفتها بأنها “ضربة قاسية” في إطار حملة أوسع ضد تهديدات عدّة. ونقلت جيروزالِم بوست أن المؤسسة الأمنية تعتقد أنّ نجاح الضربة اعتمد على “خداعٍ عملياتي” سبق الاستهداف، وأن منظومات الدفاع الجوي تُعزَّز تحسبا لرد صاروخي أو طيران مسيّر من اليمن.

من حرب اليمن إلى حرب إسرائيل

قبل عقدين، لم يكن أحد يتخيّل أن جماعة محلية في محافظة صعدة المعزولة ستصبح جزءًا من معركة إسرائيل الإقليمية. فالحوثيون بدؤوا فصيلاً متمردًا داخل اليمن، قبل أن تتحوّل وظيفتهم مع دخول إيران على الخطّ؛ أولًا كورقة ضغط إقليمية، ثم كورقة بحرية تهدد الملاحة الدولية، وأخيرًا كلاعب مباشر ضد إسرائيل.

اليوم، لم تعد تل أبيب تنظر إلى الحوثيين باعتبارهم مليشيات يمنية، بل كذراع بعيدة المدى ضد مشروعها التوسعي في الشرق الأوسط. فالجماعة التي تحكم صنعاء قادرة على مدّ يدها بالصواريخ والمسيّرات إلى إيلات وأشدود، وإلى خطوط الملاحة الحيوية في البحر الأحمر. هذا التحول من جماعة حرب أهلية إلى فاعل إقليمي في الصراع العربي الإسرائيلي هو ما يقلق إسرائيل أكثر من الطائرات المسيّرة نفسها.

وإذا استمرت هذه الديناميكية، فقد يكون قادم الأيام مفصليًا في مسيرة الجماعة. لأن الحوثيين يملكون أوراقًا عدة، وهي:

  • ورقة البحر الأحمر: كل استهداف لسفن مرتبطة بإسرائيل يرفع كلفة التجارة العالمية، ويضع الجماعة في صلب اهتمامات القوى الكبرى.
  • ورقة الصواريخ: إذا نجحوا في تطوير مديات أبعد وأكثر دقة، فقد يتحوّلون من مصدر إزعاج إلى تهديد إستراتيجي للعمق الإسرائيلي.
  • ورقة الرمزية: ففي اللحظة التي تراجعت فيها خيارات غزة وضُبط حزب الله بمعادلات الردع، فإن الحوثيين يظهرون باعتبارهم “القلعة الأخيرة” التي لا تزال تهاجم إسرائيل علنًا.

كل ذلك يعني أن إسرائيل تواجه معضلة، فهل تواصل سياسة الاغتيالات المتكررة مع خطر تعزيز أسطورة الحوثيين، أم تفكر في مواجهة عسكرية أوسع داخل اليمن بما تحمله من كلفة سياسية ودبلوماسية ضخمة؟

A view of ballistic missiles during a military parade held by the Houthis to mark the anniversary of their takeover in Sanaa, Yemen أيلول 21, 2023. REUTERS/Khaled Abdullah
البنية العسكرية للحوثيين لم تُمس مباشرة، وهو ما يعني أنهم سيواصلون إطلاق الهجمات ضد إسرائيل (رويترز)

التأثير في الأطراف المتنازعة

بكل الأحول فإن الضربة الإسرائيلية الأخيرة على صنعاء تشكل تأثيرا معنويا، فمقتل رئيس الحكومة الحوثية وعدد من الوزراء يمثل صفعة رمزية، لكنه في الأغلب لن يضعف الروح القتالية للجماعة، بل قد يتحول إلى خطاب تعبوي داخلي.

أما عسكريًا فإن البنية العسكرية للحوثيين (الصواريخ الباليستية، الطائرات المسيّرة، البنية الاستخباراتية) لم تُمس مباشرة، مما يعني أنهم سيواصلون إطلاق الهجمات ضد إسرائيل، وربما بتكثيف أكبر كردّ انتقامي. أما سياسيًا، فإن الجماعة قد تستغل الحدث لتعزيز شرعيتها في الداخل، وتصوير نفسها كجزء من “جبهة المقاومة” الممتدة من غزة إلى لبنان واليمن.

إعلان

وإسرائيليا، فإن حكومة نتنياهو ستوظف الضربة لتأكيد قوتها الاستخباراتية والعسكرية، لكنها ستبقى تحت ضغط الشارع الذي يريد نهاية سريعة للحرب مع غزة وحزب الله والحوثيين. أما إستراتيجيا فسوف تسعى إسرائيل لتقليص الجبهات عبر ضربات نوعية، لكنّ الخطر أنها تفتح جبهة اليمن بقوة أكبر، ما قد يُرهقها في حرب استنزاف متعددة الجبهات.

السيناريوهات المستقبلية المحتملة

وتتحدث التحليلات الإستراتيجية عن عدة سيناريوهات مستقبلية محتملة يمكن استعراضها فيما يلي:

  • سيناريو التصعيد: الحوثيون يردّون بهجمات نوعية على إسرائيل (صواريخ بعيدة المدى أو هجوم بحري كبير في البحر الأحمر)، مما يفتح بابًا لمواجهات أكبر وربما رد إسرائيلي أوسع داخل اليمن.
  • سيناريو الاحتواء: الضربة تبقى رمزية، والحوثيون يكتفون برد محدود لتفادي خسائر أكبر، بانتظار جولة تصعيد قادمة.
  • سيناريو التفاوض: في المدى البعيد، فإذا أرهقت كل الأطراف، فإن مقتل قادة الحوثيين قد يكون مدخلًا لفتح باب حوار إقليمي بوساطة دولية أو إقليمية.

البُعد الإسرائيلي الداخلي

تجد حكومة بنيامين نتنياهو نفسها اليوم في مأزق مزدوج؛ فمن جهة، كان لا بدّ من توجيه ضربة استعراضية في صنعاء بعد تصاعد هجمات الحوثيين على الموانئ الإسرائيلية وتهديدهم المباشر لخطوط الملاحة في البحر الأحمر، حتى لا يُنظر إلى إسرائيل باعتبارها عاجزة عن حماية عمقها الجنوبي. فالحكومة الإسرائيلية تعيش تحت ضغط داخلي غير مسبوق منذ اندلاع حرب غزة؛ إذ إن الرأي العام يطالب بنتائج ملموسة، والمعارضة تلوّح بفشل القيادة في تحقيق أمن الإسرائيليين رغم الكلفة البشرية والاقتصادية الباهظة للحرب. من هنا، قدّمت تل أبيب الضربة كبرهان على تفوّقها الاستخباراتي والعملياتي، محاولةً إعادة ترميم صورة الردع.

FILE PHOTO: Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu speaks during a press conference, in Jerusalem, أيار 21, 2025. REUTERS/Ronen Zvulun/Pool/File Photo
بنيامين نتنياهو يعي أن أي توسّع في الجبهات قد يجرّ إسرائيل إلى حرب استنزاف طويلة مع عدة أطراف (رويترز)

لكن في الجهة الأخرى، يعي نتنياهو أن أي توسّع في الجبهات قد يجرّ إسرائيل إلى حرب استنزاف في الجنوب مع غزة، وربما في الشمال مع حزب الله، وفي البحر الأحمر مع الحوثيين. ومثل هذا المشهد كفيل بتعميق الانقسام الداخلي في إسرائيل، حيث يزداد الغضب الشعبي من طول أمد الحرب وتراجع الاقتصاد، فيما تتصاعد الخلافات بين النخب السياسية والأمنية إزاء جدوى التصعيد. وهنا يكمن التناقض، فكلما أمعن نتنياهو في “إظهار القوة” عبر الاغتيالات والضربات البعيدة، زادت احتمالات أن يجد نفسه في ورطة إستراتيجية أكبر قد تهزّ ائتلافه الحكومي وتضعه أمام استحقاقات داخلية أشد خطورة من أي تهديد خارجي.

القلعة الرمزية

عسكريًا، لا يبدو أن اغتيال شخصية سياسية سيؤثر جذريًا في قدرات الحوثيين. فالجماعة راكمت خبرة تنظيمية وعسكرية خلال عقد من الحرب، وبنيتها موزعة ومرنة. قد يكون ما يضرّها اليوم معنويا أكثر منه عملياتيا. في المقابل، فإن الضربة قدّمت للحوثيين ذخيرة دعائية مضاعفة، فالقادة الذين يُقتلون يتحوّلون إلى “شهداء”، والجماعة تستثمر دماءهم لتعزيز خطابها المقاوم. وهنا تكمن المفارقة، حيث إن إسرائيل تظن أنها تُضعف عدوها، لكنها قد تساهم في تعميق رمزيته وإعادة تقديمه لجمهوره كحارسٍ للمعركة الكبرى ضدها.

إن إسرائيل تراهن على إضعاف الحوثيين بالاغتيالات، لكن هذه السياسة قد تتحول إلى سلاح ذي حدين، يعزز رمزية الجماعة بدل أن يردعها. والحوثيون بدورهم خرجوا من إطار الحرب الأهلية الضيقة ليصبحوا لاعبا إقليميا مباشرا في الصراع مع إسرائيل.

قد لا يكون الحوثيون قادرين على إحداث شلل عسكري حاسم في الداخل الإسرائيلي، لكنهم اليوم يملكون ما هو أخطر، إنه رمزية القلعة الأخيرة التي ما زالت تُعلن مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، بينما انشغلت جبهات أخرى أو كبحتها الحسابات الدولية. وفي الوقت نفسه، تحاول إسرائيل عبر “الضربات الجراحية” أن تثبت قدرتها على إخضاع هذا الخصم البعيد، لكنها تدرك أن كل دم يُسفك يضيف طبقة جديدة من الشرعية الرمزية لخطاب الحوثيين.

إعلان

وما بين الحرب المحدودة والتصعيد الشامل وإغراء التسوية، يقف الشرق الأوسط على حافة لحظة جديدة. وإذا لم تُحسم الجبهات الأخرى سريعا، فقد يكون العام المقبل -كما يحذّر بعض المراقبين- عام الحوثيين، أي العام الذي خرجوا فيه من جغرافيا صعدة ليطلّوا على البحر الأحمر والقدس معا.