هل تشهد الانتخابات الأميركية المقبلة إنهاءً للتصويت عبر البريد؟ سؤال بدأ يُطرح بكثرة منذ يوم أمس الاثنين، بعدما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزمه على الحدّ من التصويت في الانتخابات عبر البريد وجعله محصوراً بالعسكريين في الخدمة خارج البلاد، أو الناخبين ذوي الأمراض الشديدة، وذلك عبر أمر تنفيذي سيُلزم أيضاً كلّ ناخب بإبراز هويته عند التصويت. وإذا كان القرار الأخير يعدّ استكمالاً لجهود متواصلة بدأها ترامب منذ اليوم الأول لعودته إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/ كانون الثاني الماضي لتغيير النظام الانتخابي في البلاد بشكل يرى فيه مصلحة للجمهوريين، إلا أن إنهاء التصويت عبر البريد قد يؤدي إلى مشكلة دستورية، على اعتبار أن الرئيس الأميركي لا يملك سلطة واسعة على النظام الانتخابي في البلاد، ولم يمنحه الدستور هذه السلطة، حيث إن الانتخابات تدار خصوصاً عبر الولايات التي لكل منها أنظمتها التي تعتبرها مناسبة. علماً أن تغييرات واسعة يطرحها ترامب يجادل حتى الجمهوريون بفعاليتها لضمان فوزهم.
سرقة الانتخابات الأميركية هاجس ترامب
وكما يملك ثأراً على الديمقراطيين، بعد أعوام طويلة بينه وبينهم من مواجهات الكونغرس والمحاكم التي لاحقته بقضايا عدة يعتبر أنها من حياكة الحزب الديمقراطي، يروّج ترامب أيضاً لسرقة الانتخابات الرئاسية منه في عام 2020 على يد “نظام انتخابي فاسد”، وهو لا يوفر مناسبة إلا ويؤكد فيها، منذ عودته للرئاسة، عزمه على إطاحة بعض المآذارات الانتخابية التي تقع في صلب النظام الديمقراطي الانتخابي في البلاد، ويعتبر أنها ساهمت في خسارته انتخابات 2020 لصالح جو بايدن. ويقع التصويت عبر البريد على رأس لائحة أهداف ترامب، من دون تقديم أدّلة على مزاعمه، خصوصاً أنه حقّق تقدماً في ولايات ديمقراطية في المرّات الثلاث التي ترشح فيها إلى الرئاسة بين 2016 و2024، كما أن حزبه حقّق اختراقات واسعة في معاقل الديمقراطيين خلال السنوات الماضية، وهي التي يصوت ناخبوها بنسب عالية عبر البريد. أما بالنسبة لإبراز الهوية أو الجنسية الأميركية، فمن شأنها أن تحرم ناخبين من التصويت، أخذاً بالاعتبار من لا يمتلك الأوراق المطلوبة.
يريد ترامب تشديد إجراءات إثبات الناخب جنسيته الأميركية
وأعلن ترامب في وقت متأخر من مساء السبت الماضي، عبر منصته تروث سوشال، أنه سيصدر أمراً تنفيذياً يلزم كلّ ناخب بإبراز بطاقة هوية عند التصويت. وكتب ترامب: “الهوية يجب أن تكون جزءاً من كل عملية انتخاب. سوف أصدر أمراً تنفيذياً لهذا الغرض”. وأضاف: “أيضاً لن يكون هناك تصويت عبر البريد، باستثناء لذوي الأمراض الشديدة والعسكريين في الخدمة البعيدة”.
بين التصويت الإلكتروني والتصويت عبر البريد
ولطالما دعا ترامب إلى إنهاء استخدام التصويت عبر البريد، وكذلك التصويت إلكترونياً، مطالباً بالاعتماد على بطاقات الاقتراع الورقية والفرز اليدوي. ويمكن للناخبين الاقتراع في الانتخابات الأميركية من خلال بطاقات اقتراع ترسل عبر البريد، وهي وسيلة متاحة في جميع الولايات. وتختلف كيفية طلب واستلام وإعادة بطاقات الاقتراع المُرسلة بالبريد بين ولاية وأخرى. وتطلب بعض الولايات تقديم عذر للتغيّب عن التصويت الشخصي. وهناك ناخبون يطلبون ورقة الاقتراع عبر البريد، وإثر ملئها، إما يعيدون إرسالها عبر البريد، أو يضعونها بصندوق الاقتراع. ويسمح عدد من الولايات لشخص آخر غير الناخب بإعادة ورقة الاقتراع بعد تعبئتها، نيابة عن ناخب آخر، وتحدد العديد من الولايات المتعاملين مع تلك البطاقات بأحد أفراد الأسرة، وهو ما ينتقده الجمهوريون. وتوفر معظم الولايات خدمة التصويت المبكر، وهناك عدد قليل جداً من الولايات لا تسمح بالتصويت الغيابي دون عذر.
أما التصويت الإلكتروني فيعني الاعتماد على التكنولوجيا لإجراء الانتخابات، حيث يمكن للناخبين الإدلاء بأصواتهم باستخدام أجهزة إلكترونية أو عبر الإنترنت. وتتنوع طرق التصويت الإلكتروني بين التصويت عبر الإنترنت، الذي يتيح للناخبين التصويت من أي مكان باستخدام أجهزتهم المتصلة، والتصويت في مراكز الاقتراع عبر آلات إلكترونية. ويرى منظمو الانتخابات الأميركية أن كل هذه الطرق تساهم في توفير المال والوقت وزيادة الإقبال، كما أن فرز الأصوات آلياً أكثر دقة. من جهتهم، يعتبر الجمهوريون أن النظام الانتخابي الأميركي هشّ، ويسمح بالتزوير على نطاق واسع، ولعدد كبير من غير الأميركيين، بالتصويت.
ولم يصدر ترامب الأمر التنفيذي حتى يوم أمس الاثنين، علماً أنه كان في بداية آب/ آب الماضي قد أكد أيضاً أنه سيصدر أمراً تنفيذياً لإنهاء العمل بالتصويت عبر البريد، والتصويت الإلكتروني، قبل الانتخابات النصفية المقررة في تشرين الثاني/ تشرين الثاني 2026، والتي يسعى من خلالها الديمقراطيون إلى إعادة سيطرتهم على الكونغرس بمجلسيه، النواب والشيوخ، أو واحد منهما. في المقابل، فإن ترامب، الذي يفتقد حتى اليوم إلى إنجاز كبير يُذكر مع انطلاق ولايته الثانية، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، يواصل مناكدة الديمقراطيين وقادتهم في الولايات لتعويض فشله في تحقيق عدد من وعوده الانتخابية، حيث إن الاستهداف الدائم للنظام الانتخابي يصب في سياق التضييق على الأصوات الديمقراطية، فضلاً عن نشره قوات الحرس الوطني في الولايات، إضافة إلى ما يجري من ضغوط تآذارها إدارته على ولايات جمهورية لإعادة رسم خرائطها الانتخابية لمنع فوز مرشحين ديمقراطيين، سواء في الكونغرس أو المجالس المحلية.
يضغط ترامب على ولايات لإعادة رسم دوائرها الانتخابية
وكان ترامب في 25 آذار/ آذار الماضي قد أصدر أمراً تنفيذياً أكد فيه أنه ينبغي على حكومات الولايات الأميركية حماية الانتخابات الأميركية بما ينسجم مع القوانين الفيدرالية التي تحمي حقّ الأميركيين بالانتخاب، ودعا الولايات إلى العمل مع الوكالات الاتحادية لمشاركة قوائم الناخبين وملاحقة الجرائم الانتخابية، وهدّد بسحب التمويل الاتحادي من الولايات التي لا يمتثل مسؤولو الانتخابات فيها للأمر التنفيذي. وينص الأمر على وجوب أن يقدم الناخب دليلاً على حيازته الجنسية الأميركية، مثل جواز سفر أو رخصة قيادة، عند تسجيل اسمه للتصويت على قوائم الناخبين في الولايات. وهناك ولايات لا تشترط إثبات الهوية أو بطاقة التعريف، إذ تلجأ إلى وسائل أخرى للتحقق من هوية الناخب. وبحسب البيت الأبيض، فإن الأمر التنفيذي في آذار نصّ أيضاً على اتخاذ “إجراءات مناسبة ضد الولايات التي تحتسب خلال انتخابات فيدرالية الأصوات التي تلقتها بعد يوم الانتخابات الأميركية”. وإثر ذلك الأمر، ندّدت منظمات حقوقية عدة بالقرار، معتبرة أنه تجاوز للسلطة أو إفراط في استخدامها.
وبحسب مركز برينان للعدالة، في تقرير مطول له في الثالث من آب الماضي، فإن إدارة ترامب تعمل على تقويض نزاهة الانتخابات المقبلة، في وقت أصبحت فيه السلطة التنفيذية في البلاد تتدخل في الانتخابات بشكل غير مسبوق. وبرأي كاتبة التقرير جاسلين سينغ، فإن ذلك بدأ منذ اليوم الأول لعودة ترامب عندما عفا عن المدانين بتقويض الديمقراطية، في إشارة إلى مقتحمي الكونغرس (كانون الثاني 2021)، معدّدة إجراءات ترامب في السياق ذاته: محاولة إعادة صياغة القوانين الانتخابية بما يثقل كاهل الناخب، ترهيب المسؤولين الانتخابيين، والانسحاب من دور الحكومة في حماية الناخبين. كما حذّر التقرير من أن دور المسؤولين الانتخابيين بمكافحة التمييز العرقي الانتخابي قد ينتهي في ظلّ ما تآذاره إدارة ترامب. وذكّر التقرير بأنه خلال ولاية ترامب الأولى، حاول الرئيس الضغط على وزارة الدفاع ووكالة الأمن الوطني من أجل الاستيلاء على آلات انتخابات إلكترونية (انتخابات 2020)، كما ذكّر بمسعى ترامب بالتعاون مع وزارة الكفاءة الحكومية في بداية ولايته الثانية، والتي قادها لفترة إيلون ماسك، بالحصول على لوائح الناخبين، ووثائق انتخابية يحتفظ بها مسؤولو الانتخابات في الولايات.
كان هارولد ديلارد يبلغ من العمر 56 عاماً، عندما تم تشخيص إصابته بسرطان خبيث في منطقة البطن، في تشرين الثاني/ تشرين الثاني من عام 2009. وفي غضون أسابيع، أصبح هذا الميكانيكي السابق والعامل الماهر – وهو من النوع الذي يطلق عليه في تكساس لقب “السيد المُصلِّح” والذي كان يرتدي قبعة رعاة البقر والجينز كل يوم تقريباً – في مركز رعاية في مرحلة الاحتضار.
خلال أيامه الأخيرة، زارت شركة تدعى”بيو كير” Bio Care، ديلارد في مركز الرعاية.
سألوه عما إذا كان يرغب في التبرع بجسده للعلوم الطبية، حيث يمكن للأطباء استخدامه للتدرب على جراحة استبدال الركبة. كانت الشركة ستحرق أجزاء جسده التي لن يتم استخدامها، وتعيد رماده (إلى موطنه) مجاناً.
تتذكر ابنته فرح فاسولد: “برقت عيناه… كان يرى أن ذلك يخفف العبء على عائلته. كان التبرع بجسده آخر شيء يمكنه القيام به بإيثار للغير”.
التبرع بالجثث والأعضاء البشرية للبحث العلمي: هدف نبيل وانتهاكات كثيرة
تجارة الأعضاء: كيف خدعت عصابة عائلات الضحايا في الصين؟
توفي ديلارد عشية عيد الميلاد، وفي غضون ساعات، توقفت سيارة تابعة لشركة “بيو كير” خارج مركز الرعاية ونقلت جثته. بعد بضعة أشهر، تلقت ابنته مكالمة من الشرطة. كانوا قد عثروا على رأس والدها.
تعرضت جثة هارولد ديلارد “للتشويه”، كما تقول ابنته فرح فاسولد
في مستودع الشركة، تقول الشرطة إنها عثرت على أكثر من 100 جزء من جثث 45 شخصاً. كتب محقق في ذلك الوقت: “يبدو أن جميع الجثث قد تم تقطيعها بواسطة أداة قطع خشنة، مثل منشار كهربائي”.
تقول فاسولد إنها كانت تتخيل أن جثة والدها ستُعامل باحترام، لكنها تعتقد أنه تم “تشويهها” بدلاً من ذلك.
“كنت أغمض عيني في الليل، وأرى أحواضاً حمراء ضخمة مليئة بأجزاء من الجثث. كنت أعاني من الأرق. لم أكن أنام”.
وقالت الشركة في ذلك الوقت من خلال محامٍ إنها تنفي إساءة معاملة الجثث. لم تعد الشركة موجودة الآن، ولم يُتمكن من الوصول إلى مالكيها السابقين للتعليق.
كانت هذه أول مرة تتعرف فيها فاسولد على عالم ما يسمى بـ “سماسرة الجثث”: شركات خاصة تحصل على الجثث وتقطعها ثم تبيع الأطراف لتحقيق ربح، غالباً إلى مراكز الأبحاث الطبية.
بالنسبة للمنتقدين، تمثل هذه الصناعة شكلاً حديثاً من أشكال نهب القبور. ويجادل آخرون بأن التبرع بالجثث ضروري للبحوث الطبية، وأن الشركات الخاصة تملأ ببساطة فجوة تركتها الجامعات، التي تفشل باستمرار في الحصول على ما يكفي من الجثث لدعم برامجها التعليمية والبحثية.
على الرغم من أن فاسولد لم تدرك هذا في ذلك الوقت، إلا أن قضية والدها تلقي الضوء على نقاش عاطفي يلامس جوهر أفكارنا عن الحياة، وما يعنيه أن يحظى الإنسان بـ “موت كريم”.
تجارة الأعضاء: كيف تمكن نيجيري من الفرار من مهربي بشر حاولوا سرقة كليته في بريطانيا؟
تجارة الجثث
منذ القرن التاسع عشر على الأقل، عندما انتشر تدريس الطب، أعجب بعض الأشخاص ذوي العقلية العلمية بفكرة استخدام جثثهم لتدريب الأطباء.
براندي شميت هي مديرة برنامج التبرع بالأعضاء في جامعة كاليفورنيا، وهو وجهة شهيرة للأشخاص الذين يرغبون في التبرع بجثثهم. تقول إنهم تلقوا العام الماضي 1,600 “تبرع كامل بالجسد”، ولديهم قائمة تضم ما يقرب من 50 ألف شخص على قيد الحياة، سجلوا بالفعل نيتهم للتبرع.
غالباً ما يكون التبرع بالجثث مدفوعاً بالإيثار البسيط، كما تقول: “كثير من الناس إما متعلمون أو مهتمون بالتعليم”.
لكن العوامل المالية تلعب دوراً أيضاً. تقول شميت إن الجنازات باهظة التكلفة، ويغري الكثيرين احتمال أن يتم نقل جثثهم مجاناً.
متجر الجثث
تسلط المحادثات مع سماسرة الجثث والعلماء والأسر المتضررة الضوء على هذه الصناعة الغامضة.
مثل معظم كليات الطب، لا تحقق جامعة كاليفورنيا أرباحاً من برنامج التبرع بالأجساد، ولديها قواعد صارمة حول كيفية التعامل مع تلك الجثث.
ولكن في العقود الأخيرة، ظهر شيء أكثر إثارة للجدل في الولايات المتحدة: شبكة من الشركات الربحية التي تعمل كوسطاء، حيث تحصل على الجثث من الأفراد، وتشرحها، ثم تبيعها. يطلق عليهم على نطاق واسع اسم سماسرة الجثث، على الرغم من أن الشركات تسمي نفسها “بنوك الأنسجة غير المخصصة للزراعة”.
بعض العملاء من جامعات تستخدم الجثث لتدريب الأطباء، وشركات هندسة طبية، تستخدم الأطراف لاختبار منتجات مثل مكونات مفصلية صناعية تستخدم لاستبدال الأجزاء التالفة من مفصل الورك.
يذكر أن تجارة الأعضاء البشرية الربحية محظورة فعلياً في المملكة المتحدة ودول أوروبية أخرى، لكن التنظيم الأقل صرامة في الولايات المتحدة سمح لهذه التجارة بالازدهار.
أكبر تحقيق من نوعه – أجراه الصحفي براين غرو من وكالة رويترز للأنباء في عام 2017 – حدد 25 شركة سمسرة أعضاء ربحية في الولايات المتحدة. حققت إحدى هذه الشركات 12.5 مليون دولار على مدى ثلاث سنوات، من تجارة أعضاء الجسم البشري.
تحظى بعض هذه الشركات باحترام واسع النطاق، وتدعي أنها تتبع مبادئ أخلاقية صارمة. بينما اتُهمت شركات أخرى بعدم احترام الموتى، واستغلال الأشخاص الضعفاء المكلومين.
تجارة عالمية
تقول جيني كليمان، التي أمضت سنوات في البحث في هذا الموضوع لتؤلف كتابها “ثمن الحياة”، إن هذه التجارة نمت بسبب ثغرة في اللوائح الأمريكية.
في حين أن قانون الأنسجة البشرية البريطاني يحظر -باستثناءات محدودة- تحقيق الربح من أي جزء بشري، لا يوجد قانون مماثل في الولايات المتحدة.
من الناحية النظرية، يحظر قانون التبرع التشريحي الموحد في الولايات المتحدة بيع الأنسجة البشرية – لكن القانون نفسه يسمح بفرض “مبلغ معقول” مقابل “معالجة” جزء من الجسم البشري.
وقد جعلت هذه الثغرات من الولايات المتحدة مُصدِّراً عالمياً للجثث. ووجدت كليمان في كتابها أن إحدى أكبر الشركات الأمريكية شحنت أعضاء بشرية إلى أكثر من 50 دولة، بينها بريطانيا.
وتقول السيدة كليمان: “في العديد من البلدان هناك نقص في التبرعات. والمكان الذي يمكنهم الحصول منه على الجثث هو أمريكا”.
لا يوجد سجل رسمي للوسطاء، ومن الصعب العثور على إحصاءات دقيقة. لكن وكالة رويترز للأنباء قدَّرت أن الوسطاء في الولايات المتحدة تلقوا ما لا يقل عن 50 ألف جثة، ووزعوا أكثر من 182 ألف جزء من الجسم بين عامي 2011 و2015.
تجارة الأعضاء: كيف خدعت عصابة عائلات الضحايا في الصين؟
“جثث الولاية”
بالنسبة للبعض، يمثل سماسرة الجثث من القطاع الخاص أسوأ أنواع الجشع المرتبط بالموت.
في تحقيقه لرويترز، وجد براين غرو حالات أصبح فيها السماسرة “متشابكين مع صناعة الجنازات الأمريكية”، من خلال ترتيبات تقوم فيها دور الجنازات بتقديم السماسرة إلى أقارب المتوفى حديثاً. في المقابل، تتلقى الدار رسوم إحالة “عمولة”، تتجاوز أحياناً ألف دولار.
من السهل العثور على قصص مرعبة، وبسبب اللوائح التنظيمية غير المُحكمة في الولايات المتحدة، غالباً ما لا يكون هناك أي سبيل قانوني لإنصاف المظلومين عندما تسوء الأمور.
بعد مشكلتها مع شركة “بيو كير”، كانت فاسولد تأمل في إقامة دعوى جنائية. بالإضافة إلى حقيقة أن أطراف والدها ربما تم قطعها بمنشار كهربائي، كانت متشككة في الطرد الذي تلقته عبر البريد، في كيس بلاستيكي، ادعت الشركة أنه رماد والدها. تقول إن محتويات الطرد لم تبدو أنها رماد بشري، كما أنها لم تشعر بذلك.
تقول ابنته إن هارولد ديلارد كان “راعي بقر” تكساسي كلاسيكي
تم توجيه تهمة الاحتيال في البداية إلى مالك شركة “بيوكير”، ولكن تم سحب التهمة لاحقاً لأن النيابة العامة لم تستطع إثبات وجود نية للخداع.
شعرت فاسولد باليأس المتزايد، فاتصلت بالمدعي العام المحلي. ولكن قيل لها إن الشركة لم تنتهك أي قانون جنائي في الولاية.
ومما يثير الجدل بنفس القدر التبرعات بـ”جثث الولاية”، عندما يموت شخص مشرد في الشارع، أو يموت شخص في المستشفى دون أن يكون له أقارب معروفون، يتم التبرع بجثته للعلم.
من الناحية النظرية، يحاول مسؤولو المقاطعة أولاً العثور على الأقارب، ولا يتم التبرع بالجثة إلا إذا تعذر عليهم العثور على أي شخص.
لكن بي بي سي علمت أن هذا قد لا يحدث دائماً.
في العام الماضي، كان تيم ليغيت يتصفح تطبيقاً إخبارياً في منزله في تكساس، عندما عثر على قائمة بأسماء أشخاص محليين تم استخدام جثثهم بهذه الطريقة.
صُدم عندما رأى اسم شقيقه الأكبر، ديل، الذي كان يعمل سائق رافعة (شاحنة لرفع الأحمال) وتوفي قبل عام بسبب فشل تنفسي.
استخدمت شركة تعليم طبي ربحية جثة شقيقه، لتدريب أطباء التخدير. كانت هذه الجثة واحدة من أكثر من 2,000 جثة، لم يطالب بها أحد، تم تسليمها إلى مركز العلوم الصحية بجامعة شمال تكساس بين عامي 2019 و2024، بموجب اتفاقيات مع مقاطعتي دالاس وتارانت.
التبرع بالجثث والأعضاء البشرية للبحث العلمي: هدف نبيل وانتهاكات كثيرة
يقول ليغيت: “كنت غاضباً. لم يكن أخي يرغب في أن يكون موضوعاً للنقاش، أو أن يشار إليه بهذا الشكل”.
يتذكر ليغيت أن شقيقه كان رجلاً هادئاً “يريد فقط أن يُترك وشأنه”، وكان كرهه للتكنولوجيا يجعل من الصعب البقاء على اتصال به. ومع ذلك، يقول ليغيت إن شقيقه كان إنساناً، مثل أي شخص آخر، يستحق أن يُعامل بكرامة في موته.
يتذكر: “كان يحب كتب مارفل الكوميدية، وكان لديه قطة سماها كات”.
في بيان إلى بي بي سي، قدم مركز العلوم الصحية بجامعة شمال تكساس “أعمق اعتذاراته” للعائلات المتضررة، وقال إنه “يعيد تركيز” برنامجه على التعليم و”تحسين جودة الصحة للعائلات والأجيال القادمة”.
وأكد المركز أنه منذ ظهور القصة لأول مرة العام الماضي، قام بفصل الموظفين الذين أشرفوا على البرنامج.
هل تم تشويه صورتهم بشكل غير عادل؟
لكن إذا نحينا قصص الرعب مثل هذه جانباً، يشير آخرون إلى أن التبرع بالجثث يلعب دوراً حاسماً في الاكتشافات العلمية.
تقول براندي شميت من جامعة كاليفورنيا إن الجثث تُستخدم، في أبسط المستويات، لتعليم الأطباء أو لتدريب الجراحين على إجراء العمليات المعقدة.
غالباً ما تكون هذه هي المرة الأولى التي يعمل فيها طالب الطب مع لحم ودم حقيقيين، وهي تجربة لا يمكن محاكاتها من خلال الكتب الدراسية.
وتقول: “هؤلاء الطلاب سيمضون قدماً لمساعدة الناس”.
ثم هناك الجثث المستخدمة للمساعدة في هندسة علاجات جديدة. تشير شميت إلى عدد من التقنيات التي لم يتم تطويرها، كما تقول، إلا بعد اختبارها على الجثث. وتشمل هذه التقنيات استبدال الركبة والورك، والجراحة الروبوتية، وأجهزة تنظيم ضربات القلب.
بالنسبة للعديد من طلاب الطب، فإن التدريب على جثة ميتة هو أول مرة يعملون فيها على لحم ودم حقيقيين
يقول بعض الوسطاء الخاصين إنهم يتعرضون لاتهامات غير عادلة. يقول كيفن لوبرايرا، الذي يعمل في إحدى كبريات شركات “تجارة الجثث”، إن اعتمادها من قبل الجمعية الأمريكية لبنوك الأنسجة يعني أنها يجب أن تتبع المبادئ التوجيهية، التي تحدد كيفية معاملة الجثث وتخزينها. الاعتماد طوعي – وقد وقعت عليه سبع شركات – ولا يحتاج الوسيط الخاص إليه للعمل بشكل قانوني.
يقول لوبرايرا إن المشكلة لا تكمن في “الشركات النزيهة مثل شركته، بل في الشركات غير النزيهة”. ويضيف: “لا تزال هناك برامج غير معتمدة. أنا أقول للناس دائماً: ابتعدوا عنها”.
ويضيف أنه من الخطأ تشديد اللوائح المنظمة لصناعته، إلى درجة القضاء عليها بالكامل، بسبب بعض “الشركات الفاسدة”.
ماذا بعد التجارة الربحية؟
كل من تحدثت إليهم تقريباً -من جميع أطراف النقاش- يعتقدون أن هناك حاجة إلى مزيد من التنظيم في الولايات المتحدة.
إذاً، كيف يمكن أن يكون ذلك؟
ترى شميت، من جامعة كاليفورنيا، أن الولايات المتحدة يمكن أن تحذو حذو الدول الأوروبية، وتحظر سمسرة الأعضاء البشرية الربحية.
وتقول إن هناك بعض “التكاليف المشروعة” التي تترتب على معالجة الجثث، مثل الإنفاق على النقل والمواد الكيميائية الحافظة. وتقول إنه من المعقول أن تفرض الشركات رسوماً على هذه التكاليف. لكن فكرة تحقيق ربح فعلي تجعل الكثيرين يشعرون بالاشمئزاز.
وتقول: “أعتقد أن القدرة على بيع الرفات البشرية، أو تحقيق ربح منها، تعقد الفكرة الإيثارية للتبرع من أجل التعليم”.
وتقترح أن تحذو الولايات المتحدة حذو سياستها الخاصة بالتبرع بالأعضاء، التي يحكمها قانون التبرع التشريحي الموحد، وتحظر بيع الأعضاء.
لكن المؤلفة كليمان تقول إنه إذا حظرت الولايات المتحدة التبرع بالجثث بهدف الربح غداً، فلن يكون هناك ما يكفي من الجثث لتلبية الطلب.
وتقول: “إذا كنت لا تريد أن يكون هناك تجارة في هذه الأعضاء، فنحن بحاجة إلى إيجاد طريقة لجعل المزيد من الناس يتبرعون بدافع الإيثار”.
وهي تحث الجامعات على إطلاق حملات ترويجية أكثر قوة، تطلب فيها مباشرة التبرع بالجثث. “لا توجد حملة توعية عامة مماثلة لتلك الموجودة للتبرع بالأعضاء (بهدف الربح)، على سبيل المثال”.
وتقول إنه بمجرد معالجة هذا النقص، يمكن للولايات المتحدة حظر التبرع بهدف الربح.
ومن الممكن أيضاً أن يؤدي التقدم في تكنولوجيا الواقع الافتراضي (VR) إلى عدم الحاجة إلى الجثث الحقيقية في المستقبل. يمكن للطبيب المتدرب ببساطة ارتداء سماعة رأس والتدرب على مريض، تم إنشاؤه بواسطة الكمبيوتر.
في عام 2023، أصبحت جامعة “كيس ويسترن ريزيرف” واحدة من أوائل كليات الطب في الولايات المتحدة، التي أزالت الجثث البشرية من برنامجها التدريبي، واستبدلتها بنماذج الواقع الافتراضي.
وقال مارك غريسوولد، أستاذ في الكلية، لموقع Lifewire الإلكتروني في ذلك الوقت إن الأجساد البشرية الحقيقية تحافظ على “ألوان الجسم وملمسه، ما قد يجعل من الصعب تمييز – على سبيل المثال – العصب عن الأوعية الدموية”.
في المقابل، قال إن برنامج الكمبيوتر “يوفر للطلاب خريطة ثلاثية الأبعاد واضحة تماماً لهذه الهياكل التشريحية، وعلاقاتها ببعضها”.
لكن كليمان تقول إن تقنية الواقع الافتراضي، بشكل عام، ليست جيدة بما يكفي حتى الآن لمحاكاة التدريب على الجثث.
في الوقت الراهن، يبدو أن الطلب على الجثث البشرية سيظل قائماً، وكذلك الأموال التي يمكن ربحها.
ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، اليوم الاثنين، أن الولايات المتحدة علّقت تأشيرات الزيارة لحاملي جوازات السفر الفلسطينية. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين قولهم إن إدارة الرئيس دونالد ترامب
أصدرت قراراً بتعليق الموافقة تقريباً على جميع أنواع تأشيرات الزيارة للفلسطينيين.
وتأتي هذه الخطوة بعد أيام من إلغاء واشنطن تأشيرات الرئيس الفلسطيني محمود عباس و80 مسؤولاً فلسطينياً آخر لحضور أعمال قبل الاجتماعات السنوية رفيعة المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة المقررة في وقت لاحق من هذا الشهر. ووفقاً لأربعة مسؤولين أميركيين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم لمناقشة معلومات حساسة، فإن الإجراءات الأكثر شمولاً، المنصوص عليها في برقية بتاريخ 18 آب/آب الماضي، أرسلتها وزارة الخارجية الأميركية إلى جميع السفارات والقنصليات الأميركية، من شأنها أيضاً أن تمنع العديد من الفلسطينيين من الضفة الغربية المحتلة وفي الشتات الفلسطيني من دخول الولايات المتحدة على أنواع مختلفة من التأشيرات غير المهاجرة.
وتشمل الإجراءات الجديدة، وفق الصحيفة، التأشيرات التي تُمنح لأغراض طبية، وللدراسة الجامعية، وزيارة الأصدقاء أو الأقارب، والسفر لأغراض العمل، أقله مؤقتاً. وقالت “نيويورك تايمز” إنه ليس من الواضح سبب فرض قيود على التأشيرات، لكنها تأتي في أعقاب إعلان حلفاء للولايات المتحدة نيتهم الاعتراف بدولة فلسطين في الأسابيع المقبلة، الأمر الذي عارضه العديد من المسؤولين الأميركيين وأدانته إسرائيل. وذكرت الصحيفة أن القيود تشمل جميع حاملي جواز السفر الفلسطيني، لكنها لا تنطبق على حاملي جنسيات مزدوجة الذين يستخدمون جوازات أخرى، أو أولئك الذين حصلوا بالفعل على تأشيرات.
وأكدت وزارة الخارجية الأميركية أنها أمرت دبلوماسييها بتطبيق القيود الجديدة، كما ذكرت في بيان، وفق الصحيفة، أن الإدارة تتخذ “خطوات ملموسة امتثالاً للقانون الأميركي وأمننا القومي في ما يتعلق بالقيود المعلنة على التأشيرات” للفلسطينيين. وفي تعليقها على الإجراء الأميركي الجديد، قالت هالة راريت، التي عملت متحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية باللغة العربية حتى إبريل/نيسان 2024، حين استقالت احتجاجاً على السياسة الأميركية تجاه الحرب في غزة: “إنه رفض مفتوح”.
بدورها، لفتت المحامية الرئيسية السابقة في إدارة الهجرة والجمارك الأميركية خلال إدارة الرئيس السابق جو بايدن كيري دويل إلى أنه ينبغي على الإدارة أن تكون صريحة بشأن آلية اتخاذ قراراتها. وأضافت: “إذا كان الأمر حظراً فعلياً، فهذا مقلق بالنسبة لي، إذ ينبغي أن يكونوا شفافين حياله، ثم يطرحوا حججهم حول أساس مثل هذا الحظر”. وتساءلت: “هل هناك مخاوف حقيقية تتعلق بالأمن القومي؟ أم أن السبب سياسي لدعم موقف إسرائيل و/أو لتجنب إثارة قضايا محرجة عند وصول الناس إلى هنا إذا تحدثوا عن القضايا المتعلقة بالحرب؟ لماذا لم يُدرجوا أسماءهم ببساطة على قائمة حظر التأشيرات؟”.
وتأتي القرارات الأميركية بحظر دخول حاملي جوازات السفر الفلسطينية وإلغاء تأشيرات المسؤولين الفلسطينيين، في وقت يتصاعد فيه الغضب الدولي إزاء استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، واشتداد الأزمة الإنسانية والمجاعة في القطاع المحاصر، الأمر الذي دفع بالعديد من الدول، على رأسها فرنسا، إلى إعلان نيتها الاعتراف بدولة فلسطين في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر.
يزور الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الصين للمرة الثانية، بيد أن هذه المرة مختلفة عن سابقتها، فلأول مرة منذ غزو أوكرانيا، يزور بوتين حليفه الرئيسي في المنطقة ليس بصفته تابعاً للرئيس الصيني، شي جينبينغ، ومحاصراً بعقوبات غربية، بل بصفته زعيماً عالمياً على قدم المساواة مع الرئيس الأمريكي، القوة الاقتصادية والعسكرية الأولى في العالم والمنافس الرئيس للصين.
وسوف تشكل هذه الزيارة الصينية انتصاراً لبوتين عقب عودته من ألاسكا، بعد أن استقبله دونالد ترامب استقبالاً رسمياً على الأراضي الأمريكية، واستطاع بوتين خلال اللقاء إقناع ترامب بالتخلي عن مطالبه بعدم شن ضربات على أوكرانيا، فضلاً عن وقف تهديداته بفرض عقوبات جديدة على روسيا.
وفي الصين، سيُستقبل بوتين استقبالاً حافلاً، في ظل مشاركة ما يزيد على 12 زعيماً إقليمياً في مدينة تيانجين الصينية لعقد قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي تستمر لمدة يومين.
كما سيضم الاجتماع زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، المعروف بخطابه الصاخب والمعادي للغرب، ورئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، الذي تتميز علاقته مع كل من بكين وواشنطن بالتعقيد.
بيد أن هذا ليس سوى البداية.
إذ سيشارك عدد كبير من الزعماء في موكب رسمي، يوم الأربعاء في بكين، لإحياء الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية والاحتفال بـ”انتصار الشعب الصيني في حرب المقاومة ضد العدوان الياباني، والانتصار في الحرب العالمية المناهضة للفاشية”.
وتطرح المناسبة تساؤلات من بينها هل تدلّ الفعاليات الجارية في الصين هذا الأسبوع على تقوية تحالف عالمي ضد الولايات المتحدة؟
وهل يشهد تكتل روسيا – الهند – الصين، وهو تحالف قوي يسعى لموازنة الهيمنة الغربية في الشؤون الدولية وظل خامداً خلال السنوات الخمس الماضية، نشاطاً في وقت تتصاعد فيه الحروب التجارية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؟
ترامب يعجز عن إثارة خلاف بين بوتين وشي جينبينغ
تهدف زيارة بوتين غير المعتادة إلى الصين إلى إظهار “الصداقة اللامحدودة” بين روسيا والصين التي تزداد متانة، وأن محاولات الولايات المتحدة لزرع الفتنة بينهما ستبوء بالفشل، حسب رأي بعض الخبراء.
ويقولون إنه حتى إذا تنازل ترامب عن أوكرانيا لبوتين ورفع العقوبات، فإن روسيا لن تحيد عن الصين.
ويشير خبراء إلى الطريقة التي سبق و استطاع بها وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، هنري كيسنجر، في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون، من سحب الصين من تحت النفوذ السوفيتي خلال سبعينيات القرن العشرين، إلا أن العلاقات بين بكين وموسكو كانت آنذاك متوترة بالفعل، لكن الوضع مختلف اليوم.
ويقول بيير أندريو، خبير العلاقات الصينية – الروسية بمعهد سياسات مجتمع آسيا، الذي شغل سابقاً مناصب دبلوماسية فرنسية في روسيا وطاجيكستان ومولدوفا، إن “زيادة الضغط التجاري على الصين من جانب إدارة ترامب تعزز المحور الروسي-الصيني. كما لم تسفر المحاولات الرامية لإضعاف الروابط بين البلدين وتنفيذ ما يُعرف بـ (كيسنجر العكسي) عن أي نتائج ملموسة”.
ويذكر خبير في العلاقات الروسية – الصينية، ولم يفصح عن اسمه، في مقال نشره مركز تحليل السياسات الأوروبية: “إن كانت استراتيجية الولايات المتحدة تقوم على إثارة الخلاف بين موسكو وبكين من خلال إنهاء الحرب في أوكرانيا ورفع بعض العقوبات عن روسيا، فإن واشنطن تُقدّر دون دقة عمق وتعقيد هذه الشراكة”.
جزء كبير من التحالف بين الصين وروسيا يرجع إلى العلاقة الشخصية بين زعيميهما
وأصبحت الصين المشتري الرئيسي للطاقة الروسية والمورد الأساسي للسيارات والبضائع الأخرى إلى روسيا بعد تعليق الشركات الغربية نشاطها هناك، كما أدى العدوان على أوكرانيا إلى تقوية الروابط الإيديولوجية للصداقة بين روسيا والصين.
ويفسر أندريو ذلك قائلاً: “كلا الدولتين تعارضان الليبرالية الغربية وتتحديان الهيمنة الأمريكية. وكلاهما يمتلك القوة النووية ويشغل عضوية دائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وتتلاقى مصالحهما الاستراتيجية”.
ويضيف: “من الناحية الاقتصادية، يكمل كل منهما الآخر. روسيا دولة غنية بالمواد الخام، والصين دولة صناعية وتقنية”.
غير أنه يرى أن العلاقات الشخصية الحميمة بين قادتهما تشكل مفتاحاً أساسياً.
كما يشترك بوتين وشي جينبينغ في العديد من الصفات، فهما في نفس العمر (72 عاماً)، ونشأ كلاهما في ظل الشيوعية السوفيتية، ويحكمان منذ فترة طويلة، ووضع كل منهما هياكل سلطة استبدادية ويبدو أنهما لا يتسامحان مع أي معارضة.
وكان بوتين قد وقع مع شي جينبينغ، قبيل غزو أوكرانيا في عام 2022، بياناً بشأن “الصداقة بلا حدود والتعاون بلا قيود”، ويصف شي جينبينغ بوتين بأنه “صديق عزيز”، وقد التقى به أكثر من أي زعيم عالمي آخر، بما يزيد على أربعين مرة.
إلا أن زيارة بوتين للصين هذه المرة تتسم بطابع خاص.
وتقول باتريشيا كيم، الخبيرة في السياسة الخارجية الصينية والعلاقات الأمريكية – الصينية في مؤسسة بروكينغز بواشنطن، إن “الصين تستفيد من الحفاظ على بوتين تحت السيطرة ومنعه من الانحراف نحو الغرب مجدداً، لكنها لا ترغب في تعزيز قوة روسيا بشكل مفرط”.
وتضيف: “النتيجة المثالية لبكين تتمثل في أن تكون روسيا قوية بما يتيح لها مواجهة الغرب، وضعيفة بما يكفي للبقاء تحت نفوذ الصين”.
ويفسر أندريو: “تعتبر روسيا شريكاً مفيداً للصين، إذ تساعد شي جينبينغ في الحفاظ على الاستقرار داخل البلاد وفي كامل منطقة آسيا الوسطى. كما تساهم في تمكين بكين من حشد الدعم من دول الجنوب العالمي وتعزيز نموذج بديل عن النظام العالمي الغربي”.
انضمام مودي
يتعين على رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي (الذي يظهر هنا في قمة البريكس في البرازيل في تموز/تموز) أن يحرص على موازنة سياساته مع دول مثل الصين وروسيا
وتعد الهند، العضو الثالث في تكتل روسيا – الهند – الصين، عنصراً معقداً في علاقاتها مع كل من بكين وواشنطن، مما قد يعرقل أي محاولة لإحياء هذا التكتل.
ويكتسب لقاء شي جينبينغ ومودي، على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في تيانجين، والذي يمثل أول زيارة لمودي للصين منذ سبع سنوات، أهمية بالغة، إذ تكاد الدولتان لا تتبادلان الحديث منذ المناوشات الحدودية في وادي غالوان عام 2020.
إلا أن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في الهند غيرت الوقائع على الأرض، فقد فرض الرئيس ترامب رسوماً جمركية مرتفعة على السلع الهندية عقاباً على استمرار نيودلهي في شراء النفط الروسي، مما بدا أنه يدفع الخصوم السابقين نحو التقارب.
وقال شي جينبينغ لمودي إن الصين والهند ينبغي أن تكونا شركاء لا خصمان، بينما أكد مودي وجود “أجواء من السلام والاستقرار” بين البلدين حالياً.
ولا يقتصر الوضع على أن هذين البلدين الأكثر سكاناً في العالم، بل إنهما يمتلكان أيضاً اثنتين من أكبر الاقتصادات عالمياً.
وأكد مودي على أن الرحلات الجوية بين الهند والصين، والتي توقفت منذ النزاع الحدودي قبل خمس سنوات، سوف تُستأنف، دون إعلان إطار زمني محدد.
وقال شي جينبينغ: “ينبغي لكلا الطرفين أن يتناول ويعالج علاقتهما من منظور استراتيجي بعيد المدى”، مؤكداً أن “كون الجانبين أصدقاء يمثل الخيار الصائب لكليهما”.
ماذا يعني ذلك لمستقبل التحالفات؟
يرى الخبراء أن إعادة إحياء تحالف ثلاثي كبير بشكل فعّال، وهو ما أعربت كل من روسيا والصين عن رغبتها في تحقيقه، وضم بعض أكبر اقتصادات العالم كأعضاء، سوف يؤدي إلى مواجهة النفوذ المتصاعد لواشنطن، إلى جانب تحالفات أخرى مثل مجموعة بريكس التي تأسست عام 2006 بين البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.
بيد أن الهند تجد نفسها مضطرة إلى الحفاظ على توازن سياسي دقيق للغاية، بغض النظر عن الواقع الاقتصادي الناتج عن الرسوم التي فرضها ترامب، وعليها أيضاً التوصل إلى حلول لمشكلات ثقة عميقة مع الصين.
ويشير الخبراء إلى أن الهند حريصة على الحفاظ على سياسة خارجية مستقلة، بينما لا تزال آثار الاشتباكات الحدودية الدامية مع الصين عالقة في الأذهان، كما يساورها القلق من العلاقة الوثيقة التي تربط الصين بباكستان، عدوها القديم.
علاوة على ذلك، فإن عقوداً من الدبلوماسية الدقيقة التي قرّبت الهند من الولايات المتحدة ستتطلب إعادة تقييم وربما التخلي عنها، وهو ما قد يكون ثمناً باهظاً إذا قررت البلاد الانضمام بالكامل في تحالف ضد واشنطن.
المظاهر العامة للصداقة، كما نرى في هذه الصورة التي تجمع بين كيم جونغ أون وفلاديمير بوتين، بمثابة تذكرة قوية بالتحالفات
بيد أن المشهد العام هذا الأسبوع يصعب تجاهله.
فمن المتوقع أن يحضر بوتين وكيم، إلى جانب الرئيس الإيراني، مسعود بيزشكيان، العرض العسكري في بكين، ضمن 26 رئيس دولة.
وسوف يشهد الحدث المخطط له بعناية، مسيرة تضم عشرات الآلاف من الجنود في تشكيلات منظمة عبر ساحة تيانانمن التاريخية، بمشاركة قوات من 45 فرقة عسكرية صينية بالإضافة إلى قدامى المحاربين.
ولأول مرة في التاريخ، سيجتمع قادة الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية في مناسبة واحدة، خلال عرض عسكري في بكين في الثالث من أيلول/أيلول.
ويتساءل نيل توماس، خبير الشؤون الصينية بمعهد سياسات منطقة آسيا: “هل يمثل هذا الاجتماع القمة الأولى لمحور الأنظمة الاستبدادية؟”.
ويضيف أن هذا الاتحاد من غير المحتمل أن يدوم طويلاً، نظراً لاختلاف أهداف أعضائه وغياب الثقة المتبادلة بينهم.
ويرى توماس أن “حضور بوتين وبيزشكيان وكيم يسلط الضوء على دور الصين بوصفها القوة الاستبدادية الرائدة عالمياً”.
وبناء على ذلك قد تمثل أحداث الأسبوع الجاري في الصين استعراضاً قوياً ليس بالضرورة لدور التحالفات كمنظمة شنغهاي للتعاون، وثلاثي روسيا – الهند – الصين، وبريكس في مواجهة واشنطن، بل لتأكيد مركزية الصين في أي من هذه التحالفات مستقبلاً.
كشف معاون الرئيس الروسي للشؤون الخارجية يوري أوشاكوف، اليوم الأحد، أن الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والصيني شي جين بينغ، ناقشا مخرجات الاتصالات الروسية الأميركية الأخيرة، وذلك على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي انطلقت أعمالها في مدينة تيانجين الصينية. وقال أوشاكوف في تصريحات صحافية: “بالطبع، أجرى رئيسنا مناقشة مفصلة مع الرئيس الصيني الذي جلس معه وجرى بينهما حديث مثمر، بما في ذلك كما أبلغني رئيسنا، نوقشت اتصالاتنا الأخيرة مع الأميركيين”، علماً أن هذا أول لقاء يجمع بوتين مع شي بعد قمته مع نظيره الأميركي، دونالد ترامب، في ولاية ألاسكا الأميركية في 15 آب/آب.
وفي وقت لاحق، التقى بوتين مع رئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان، مشيراً خلال اللقاء إلى أن ثمة قضايا ثنائية وإقليمية متراكمة. وفي وقت لم يلتق فيه بوتين مع نظيره الأذربيجاني، إلهام علييف، حتّى الآن، جرى تواصل نشط بين الوفدين الروسي والأذربيجاني على هامش القمة، وفق أوشاكوف.
وأشار معاون الرئيس الروسي إلى أنه من المخطط أيضاً أن يلتقي بوتين مع رئيس الوزراء السلوفاكي، روبرت فيتسو، لاحقاً. وتجدر الإشارة إلى أن فيتسو هو من القادة الأوروبيين القلائل الذين يجرون اتصالات منتظمة مع روسيا، وكان ممثلاً وحيداً عن دولة عضو في الاتحاد الأوروبي أثناء الاحتفالات بذكرى مرور 80 عاماً على النصر على ألمانيا النازية في موسكو في 9 أيار/أيار الماضي.
يذكر أن بوتين وصل إلى الصين صباح اليوم في زيارة تستغرق أربعة أيام يشارك خلالها في قمة منظمة شنغهاي للتعاون في تيانجين، متوجهاً بعد ذلك إلى بكين لحضور الاحتفالات بذكرى مرور 80 عاماً على النصر على اليابان في الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945) والمشاركة في مجموعة من اللقاءات الثنائية.