
أهمية الديمقراطية للسوريين في المؤشّر العربي
تأجلت قراءة اتجاهات الرأي العام في سورية سنوات عديدة بسبب ظروف الحرب والنظام الديكتاتوري السابق. وبين 25 تموز/ تموز و17 آب/ آب الماضيين، جرى استجواب 3690 شخصاً، ومن مختلف المحافظات السورية، والأديان والقوميات والطبقات الاجتماعية. أُخذت الآراء في شرطٍ سوريٍّ معقّد، وهو المرحلة الانتقالية. وبالتالي، يجب عدم تجاهل الأمر في قراءة أية نسبٍ عدديةٍ، وستحاول هذه المقالة التطرّق لبعضها في مناقشة المؤشّر العربي عن سورية 2025، والذي أنجزه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالتعاون مع المركز العربي لدراسات سورية المعاصرة، الكلام عن المرحلة الانتقالية، لأنّ الآراء قابلة للتغيّر، حيث الواقع يتبدّل بسرعة وفيه احتمالات شتى، ولاسيما مع وجود تحدّياتٍ تتعلق بكل أوجه المجتمع، والدولة، والسلطة، والعلاقة مع الخارج، ولاسيما مع الدولة الصهيونية، التي احتلت أراضي سورية كثيرة بعد 8 كانون الأول (2024)، وتحتل الجولان منذ 1967.
رأت نسبة كبيرة أن الخطر الأكبر على سورية التقسيم، وفي الدرجة الثانية الطائفية والإثنية والقبلية،
رأت نسبة معتبرة أن الأمور وبشكل عام تسير بالاتجاه الصحيح، وهي 56%، وبشكل خاطئ 25%، ونسبة 17% لم تحدّد رأياً. بدت نسبة الذين يشعرون بالأمل والأمان والفرج كبيرة بعض الشيء، وهي 71%، بينما من يشعرون بالتوتر والخوف واليأس والحزن والغضب 29%، وهي ليست نسبة صغيرة. أشارت نسبة معتبرة إلى سوء الأوضاع الاقتصادية 64%، بينما رأت نسبة أنها جيدة 28%، الجيدة جداً هي 6% فقط. وعن الوضع السياسي المباشر، رأت نسبة 44% أنه جيد، و13% أنه جيد جداً، بينما 24% رأت أنه سيئ، و13% أنه سيئ للغاية. نلاحظ هنا أن النسب لا تعبّر بدقّة عن الاتجاهات العامة، وربما يعود الأمر إلى صياغات الأسئلة، وهناك انخفاض مستوى الوعي بعامة، وهناك طبيعة المرحلة المميزة التي تمر بها سورية.
رأت نسبة كبيرة أن الخطر الأكبر على سورية التقسيم، وفي الدرجة الثانية الطائفية والإثنية والقبلية، والمشكلة الثالثة الفقر وتدني مستويات المعيشة، بينما الرابعة وجود الفصائل المسلحة، الخامسة بالترتيب هي سوء الأوضاع الاقتصادية، ولاحقاً غياب الأمن، وبدرجة أقلّ التوغل الصهيوني. لم يلحظ الرأي هذا خطر التوغّل الصهيوني مباشرة بعد التقسيم، وجاء في الدرجة السابعة، وكان يُفترض الربط بين التقسيم وهذا الخطر الصهيوني هذا. وقد أكدت النسب العددية أن الطائفية والإثنية والقبلية السبب الثاني الذي يؤدّي إلى التقسيم، وهذا رأي مهم، حيث هناك خطورة حقيقية على مستقبل سورية (التقسيم) في حال استمر تسييس هذه البنى، وسواء من السلطة أو قوات سوريا الديمقراطية (قسد) أو السويداء، أو لدى قطاعات من الشعب.
عدد الراغبين بالهجرة لأسباب اقتصادية هو 40%، بينما عدم الاستقرار الأمني بنسبة 35%، ولأسباب سياسية 3%. وربما تفضيل الهجرة، لأن دخل 43% لا يفي بالاحتياجات الأساسية، بينما 42% منهم بحالة حرجة، و11% فقط يغطون احتياجاتهم ويوفرون من دخلهم. وإن 36% منهم يتلقون تحويلات من الخارج وبشكل شهري، بينما 59% لا يتلقون أية مساعدات. إذاً هناك وضع اقتصادي كارثي، ويتفق مع أرقام الأمم المتحدة لحالة الفقر80%، بينما الذين يوفرون المال نسبة صغيرة للغاية، وهذا يعني أن هناك انقساماً طبقياً حادّاً في سورية.
النسبة الأساسية من السوريين، سيما السنة، تفضل دولة مدنية بنظامٍ ديمقراطي وبحقوقٍ متساوية
النسب التي تثق بتطبيق الدولة للقانون هي 47%، بينما ترى نسبة معتبرة أن تطبيق القانون ولصالح فئة من المجتمع، 31%. وفي هذا الإطار بدا أن نسبة كبيرة تثق بالأمن العام 56% بينما تثق بالحكومة 55% وبوزارة الدفاع 54% وبالمحافظين 53%، وبالتالي، النسبة الأخرى لا تثق بهذه المؤسّسات، أي قرابة نصف السكان. يلفت الانتباه أن نسبة 15% تتحدث أن الفساد المالي والإداري منتشر جداً، بينما نسبة 42% تراه منتشراً إلى حد ما، و7% تراه غير منتشر، 32% تراه منتشراً إلى حد قليل. وتفيد هذه النسب بأن الفساد الذي كان يسم نظام الأسد لم ينته، وموجود بكثافة.
هناك نقاش سوري كبير بشأن كيف يمكن تطبيق العدالة الانتقالية، هل على نظام الأسد فقط أم على كل الأطراف. ترى نسبة 65% أن المحاسبة يجب أن تشمل الجميع، بينما يشير 25% إلى محاسبة ضباط النظام وشبّيحته فقط، وهذا يشير إلى وعي سوري متقدم بشأن كيفية تجاوز الماضي، فالأمر غير ممكن بمحاسبة جهة واحدة، وترك الجهة الأخرى، وضرورة أن تكون العملية نزيهة.
هناك تيار واسع يبدو متشائماً من رغبة الناس بالديمقراطية، بينما أوضح “المؤشّر” أن النسبة الأكبر من السوريين تفضلها، 60%، بينما يعارضها 15% وبشدّة 6% فقط. وفي السؤال عن أفضل أشكال الحكم، كانت النسبة 61%، لصالح الديمقراطية والتعددية السياسية بينما فضلت نسبة صغيرة نظاماً محكوماً بالشريعة، 8%، ومن دون انتخابات أو أحزاب سياسية، وباعتبار الأغلبية مسلمة في سورية، فهو يشير إلى أن خيارها هو الديمقراطية، وبالاتجاه ذاته فضلت نسبة 42% الدولة المدنية بينما 28% فضلت الدينية، ونسبة معتبرة 22% لا يعنيها الأمر! وبالسؤال عن أهمية المساواة بين السوريين وبغض النظر عن الدين والريف أو المدينة أو الجنس أو القومية والنفوذ السياسي فقط كانت النسبة 77%. إذاً النسبة الأساسية من السوريين، ولاسيما السنة، تفضل دولة مدنية بنظامٍ ديمقراطي وبحقوقٍ متساوية. وضمن السياق نفسه، أكد 53% أنهم سيسمحون لأي حزب بالحكم شريطة إجراء انتخابات نزيهة وحرّة بينما عارض الأمر 31%، وأنهم لن يوافقوا على انتخاباتٍ لا يفوز فيها الحزب الذي يؤيدونه.
وافقت نسبة هامة على فصل الدين عن الدولة 57%، بينما عارض الفصل 22% وعارض بشدّة فقط 8%
وفي الموقف من الدولة الصهيونية، أكدت نسبة 60% أن هذه الدولة تهدد المنطقة واستقرارها، وسورية ضمناً، وتأتي إيران بعدها 50%. وبالسؤال عن أهمية القضية الفلسطينية، فقد أجاب 69% من السوريين بأنها قضية العرب جميعاً وليست قضية الفلسطينيين وحدهم، بينما ذكر 15% أنها قضية تخص الفلسطينيين وحدهم. بدا الشعور بالضعف تجاه دولة العدو مع سؤال عن إمكانية الاعتراف بهذه الدولة، فقد كانت النسبة بين السوريين المستجوبين 17% وفي مصر 12%، بينما في لبنان 9%. مع ذلك، رفضت نسبة 70% أي اتفاق مع الدولة الصهيونية من دون عودة الجولان، بينما وافق على ذلك 19%. من الواضح أن هناك تشوشاً كبيراً في وعي السوريين تجاه هذه القضية، وربما يتعلق الأمر بأوضاعهم الكارثية والراغبة في الاستقرار، لكن هناك نسباً ممتازة بما يخصّ الموقف من القضية الفلسطينية أو سوريّة الجولان، ويدعم هذه النسب أن أغلبية سورية 88% ترى الدولة الصهيونية تهدّد الاستقرار في سورية.
وافقت نسبة هامة على فصل الدين عن الدولة 57%، بينما عارض الفصل 22% وعارض بشدّة فقط 8%. في إطار الحقل الديني، عارضت نسبة 75% اعتبار شخص غير متدين سيئاً، بينما وافق 12% على ذلك. وبخصوص التعامل مع الأشخاص، فعلى الأساس الديني فقط 21% بينما أكّدت نسبة 58% أن لا مشكلة في التعامل، وفضلت نسبة 15% التعامل مع غير متدينين.
الشرط السوري المعقد، كتأجيل الانتخابات في ثلاث محافظات، الرّقة والحسكة والسويداء، وأضيفت القنيطرة، نظراً إلى التوغل الصهيوني الخطير فيها، والكثير من السيولة والتغير، يجعل النسب المعالجة أعلاه شديدة التغير. وبالتالي، وعلى أهميتها، وهي تعطي مؤشّرات عامة، فإنه يصعب الركون إلى ثباتها، وثبات الاستنتاجات العامة لاتجاهات الرأي.