الإجازة الصيفية مناسبة للإنتاج

الإجازة الصيفية مناسبة للإنتاج

لا يمكن وضع كل من يحصلون على عطلة صيفية في “سلة واحدة”. إذ من بين هؤلاء من هم صغار ما زالوا في مراحل التعليم الأساسية، وهم بحاجة إلى من يهتم بشؤونهم الكبيرة والصغيرة. والبعض في عمر المراهقة، وفي مرحلة التعليم المتوسطة، وهؤلاء يستطيعون تدبير أمورهم نسبياً، لكنهم يحتاجون إلى من يتولى الشؤون الكبيرة. ثم هناك طلاب المراحل الثانوية وبعض الجامعية ممن لا يزالون تحت السن القانونية.
لا تكمن المعضلة في الفئات العمرية، فما نشهده تعبير عن مشكلة أكثر تعقيداً، وتتمثل بحال الفوضى التي تعيشها البلاد، حيث لا تتوافر الإمكانات لرعاية الصغار عبر تجمعات تحتاج إلى مشرفين وإداريين ومنشطين. وبالطبع، لا تملك وزارات التعليم مثل هذا الحشد من الكفاءات. وينطبق الأمر نفسه على تلاميذ المرحلة المتوسطة، وإن كانت أوضاعهم أقل تعقيداً، لكونهم أكثر قدرة على الاعتماد على الذات. بينما الفئة العمرية بين 16 و22 سنة يمكن الإفادة منها في مشاريع تطوعية.
والواقع أن أبناء الفئات الثلاث يمضون فصل الصيف يتسكعون في الأحياء والحارات والطرقات، وأحياناً يكونون عبئاً على الأهل والمجتمع. إذ لا تتوفر الهيئة أو المؤسسة التي تهتم بتنظيمهم في مشروعات صغيرة تنعكس إيجاباً على أوضاعهم السلوكية والنفسية، وتغرس فيهم قيماً يحتاج المجتمع إلى ترسيخها، قد تبدأ من تنظيف المدرسة والطريق، أو الحي والقرية، بما في ذلك غرس الزهور والنباتات والاهتمام بها، ما يرتد إيجاباً على البيئة المحلية، وينغرس في نفوسهم مستقبلاً.
إذا انتقلنا إلى الفئات العمرية الأكبر، يمكن أيضاً تنمية روح الإنتاج من خلال مساعدة المزارعين في جمع المحاصيل، والحرفيين في مآذارة مهنهم، والمهندسين في تنفيذ مشاريع تخدم المجتمع المحلي، وترسخ قيم العمل لديهم، إضافة إلى كسب بعض النقود التي تشعرهم بأهمية ما يجنونه، ومبدأ الحفاظ عليه، وإنفاقه في أماكنه الصحيحة.

كل ما سبق يتطلب تنظيماً مدروساً، ولا يعني ذلك وجود هيئات تتولى التشغيل بقدر ما تعمل على تجميع الطاقات وتوجيهها، ويشمل ذلك تنظيم مسابقات المواهب، أو حلقات القراءة الجماعية، واكتشاف القدرات الرياضية، وتبادل الخبرات الشبابية. مع أهمية التعرف إلى المجتمع المحلي وعاداته وتقاليده، والمساهمة في تخفيف العبء اليومي عن العاملين في المرافق العامة.
ويستطيع طلاب الطب والهندسة والصيدلة والتمريض والإعلام وغيرهم المساهمة في تحسين المجتمع المحلي، مع ضرورة ألا تصل الأمور إلى التعالي على ما يمتلكه من مهارات، باعتبار أن ما لدى هذا المجتمع ما يمكن التعلم منه، أو يستفيد منه الطلاب.
تتمثل الميزة الأبقى بالتعرف إلى المجتمع، ونسج علاقات وصداقات، وتبادل المعارف، وهذا يعتبر ثروة يجب تعزيزها وتطويرها كي لا تبقى الهوة قائمة بين المتعلمين ومجتمعهم.

(باحث وأكاديمي)

ليبيا: استطلاع حكومي حول وزن الحقيبة المدرسية

ليبيا: استطلاع حكومي حول وزن الحقيبة المدرسية

أطلقت وزارة التربية والتعليم في حكومة الوحدة الوطنية الليبية استطلاعاً للرأي العام يهدف إلى رصد آراء أولياء الأمور والمعلمين والمهتمين بالشأنين التربوي والصحي بشأن وزن الحقيبة المدرسية، وما يترتب عليه من آثار سلبية على صحة التلاميذ، خصوصاً في مراحل النمو المبكرة.
وأكدت الوزارة، في بيان، أن هذه الخطوة تأتي في إطار حرصها على تعزيز البيئة التعليمية، وضمان سلامة الطلبة، مشيرة إلى أن “الحِمل الزائد للحقائب المدرسية قد يؤدي إلى مشكلات صحية من بينها تشوهات العمود الفقري وإجهاد العضلات، ما يجعل من الضروري البحث عن حلول واقعية مستدامة لا تؤثر في جودة التعليم”.

ويتناول الاستطلاع عدداً من المحاور، من أبرزها تقييم مدى تأثير وزن الحقيبة على صحة التلاميذ، واستعراض المقترحات الممكنة لتخفيف هذا العبء، مثل تقليص المناهج الدراسية، وتوفير خزائن شخصية في المدارس لحفظ الكتب، وتنظيم الجداول الدراسية بصورة أكثر فاعلية، إلى جانب مقترحات أخرى.
ودعت الوزارة المواطنين كافة، لا سيما أولياء الأمور والمعلمين، إلى المشاركة بآرائهم وملاحظاتهم في الاستطلاع، مؤكدة أنّ النتائج التي ستُجمع ستسهم في دعم خططها الرامية إلى توفير بيئة تعليمية صحية وآمنة تراعي المعايير التربوية الحديثة.
وفي مطلع شهر آب/آب، طرحت الوزارة استطلاعاً آخر لأخذ آراء المواطنين بشأن مقترح إلغاء الشهادة الإعدادية، في خطوات تسعى من خلالها إلى إشراك أولياء الأمور في القرارات التي تعتزم اتخاذها حول مسار العملية التعليمية، رغم الانتقادات الكبيرة التي قوبل بها الاستطلاع.
وترى المسؤولة في إدارة الصحة المدرسية وفاء حقيق أن مسألة الوزن الزائد للحقيبة المدرسية ليست قضية شكلية يمكن التغاضي عنها، بل إنها، قبل أن تكون شأناً صحياً، شأن تربوي يتصل مباشرة بعلاقة الطالب مع الكتاب وأدوات التعليم. وتؤكد لـ”العربي الجديد” أنّ “الرأي الطبي لا يحتاج توضيحاً في إسهام ثقل الحقيبة في الشعور بآلام متكررة في الظهر والكتفين، وانحناءات غير طبيعية في العمود الفقري قد ترافق الطفل على المدى البعيد، علاوة على مشاهدتنا أطفالاً في حالة إعياء جسدي من جراء حمل الكتب الثقيلة، وحالة الإعياء هذه تنعكس على تركيز الطفل، وتضعف انتباهه داخل الفصل”.

يشكو أهالي تلاميذ ليبيا من ضعف مستوى المدارس (عبد الله دوما/فرانس برس)

يشكو أهالي تلاميذ ليبيا من تردي المدارس (عبد الله دوما/فرانس برس)

وتشدد حقيق على ضرورة أن تتحلى الوزارة بالجدية لمعالجة المشكلة، موضحة أنّ “الجدية لا تقتصر على طلب تقليص الجدول الدراسي اليومي، بل تنطلق من مراجعة جذرية لطبيعة المناهج، ليتم التخلص من الحشو والتكرار، ليتقلص حجم الكتب الدراسية، وبالتالي يخف وزنها، إضافة الى الاستفادة من التعليم الإلكتروني الذي يمكن أن يقلل اعتماد الطلاب على الكتب المطبوعة”.
من جانب أولياء الأمور، يؤيد عمران المغزازي الخطوة، ويعتبر أنها تعكس اهتمام الوزارة بصحة الطلاب، مؤكداً أن أطفاله، الذين يدرس أحدهم في الصف الخامس الابتدائي، يشكون باستمرار من ثقل الحقيبة المدرسية، رغم أنه يساعد في نقلها إلى باب المدرسة. ويضيف لـ”العربي الجديد” أن “تخفيف العبء على الأطفال يجب أن يواكبه تقليص عدد الكراسات المنزلية التي يكثر المعلمين من فرضها عليهم، مع ضرورة اعتماد المدارس التقليد القائم في المدارس حول العالم، وهو توفير خزائن لحفظ الكتب، وتقليل ما يحمله الطالب إلى منزله، على أن ترافق ذلك برامج توعية للطلاب وأولياء الأمور حول طريقة حمل الحقيبة بشكل لا يؤثر على صحة الطالب”.

في المقابل، ينتقد محمد شلّوف طرح القضية على أولياء الأمور لمعرفة رأيهم، مضيفاً لـ”العربي الجديد”: “سوف أبادر بطرح رأيي، وإن كان الدافع هو صحة الطالب، فالأولى أن تنظر الوزارة إلى الاكتظاظ الذي تعاني منه الفصول الدراسية إلى حد أنها تصبح بؤراً للعدوى، وعليها الاعتناء بإصلاح دورات المياه التي تقتفر إليها بعض المدراس، كما أنّ عليها النظر في مدارس يشتكي طلابها ومعلموها من برد الشتاء بسبب عدم وجود نوافذ”.
يضيف شلّوف: “الاستطلاعات وما تطرحه من قضايا مجرد محاولة لامتصاص الاستياء حيال القصور الحكومي في كل شيء، من غياب المعلم المؤهل، والمدرسة المناسبة، والكتاب المدرسي الذي يتأخر أسابيع وربما أشهراً. نطالب بخطة إصلاح شاملة للعملية التعليمية بما يضمن مخرجات ذات جودة عالية”.