هل ينجح أسطول الصمود العالمي في كسر الحصار على غزة؟

هل ينجح أسطول الصمود العالمي في كسر الحصار على غزة؟

الحكومة الإيرلندية  تقدم خدمة لفظية لفلسطين، لكنها تظل متواطئة كغيرها من معظم الحكومات الأوروبية. ومعظم المواطنين الإيرلنديين يرفضون هذا التواطؤ. ناوزي دولان – The Guardian

يبحر مئات الأشخاص من 44 دولة إلى غزة هذا الأسبوع ضمن أسطول “الصمود العالمي”. وأنا من بينهم. ونهدف إلى كسر الحصار الإسرائيلي غير القانوني سلمياً من خلال إيصال الإمدادات الضرورية. وقد انضممتُ إلى البعثة لأنني، كمواطنة أيرلندية، شاهدتُ حكومتي تواجه ما يقرّ رئيس الوزراء بأنه إبادة جماعية، بضغط بسيط من حين لآخر.

إن هذا التأطير مفرط في السخاء. فالحكومة الإيرلندية ليست عديمة الفائدة في مواجهة الإبادة الجماعية فحسب، بل إنها تشجع مرتكبيها. وتمر الطائرات العسكرية الأمريكية التي يُحتمل أن تحمل أسلحة إلى إسرائيل بشكل روتيني عبر مطار شانون الأيرلندي دون تفتيش.

أما مشروع قانون الأراضي المحتلة لعام 2018، والذي كان يهدف في الأصل إلى حظر جميع أشكال التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، فقد دخل الآن عامه السابع من الفراغ التشريعي، مع تردد لا نهاية له حول ما إذا كان ينبغي أن يشمل الخدمات. وباختيار إسرائيل، فإن البنك المركزي الإيرلندي هو، منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، السلطة التنظيمية الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي تُوافق على تداول سندات الحرب الإسرائيلية المُسوّقة صراحةً للبيع في جميع أنحاء التكتل.

ويسمح البنك المركزي الإيرلندي ببيع السندات لإسرائيل بجمع الأموال دولياً والتي تستخدمها علناً لتمويل حملتها في غزة. وفي حزيران، رفضت الحكومة الإيرلندية اقتراحاً لإنهاء تسهيل البنك المركزي لبيع هذه السندات. وهناك مفارقة بائسة في اختيار أن يكون البنك “موطناً” لإسرائيل فيما يتصل بموافقة إصدار السندات ــ في المصطلحات المالية ــ في حين يزعمون إدانة عمليات نزع الملكية القسرية.

يضفي الإيرلنديون لمسة رومانسية على تضامن إيرلندا مع فلسطين. ونشعر بفخر استثنائي غريب لاعترافنا بدولة فلسطين في أيار 2024، بعد ما يقرب من 4 عقود من اعتراف الموجة الأولى من 89 دولة في عامي 1988 و1989. وكنا الدولة رقم 142 التي فعلت ذلك.

لكن النشطاء الفلسطينيين الذين ندّعي دعمنا لهم يدركون نفاق حكومتنا. ففي أي احتجاج كبير في إيرلندا، ستسمع متحدثين فروا مؤخراً من غزة يدينون تواطؤ الحكومة الإيرلندية. كما أن الدعم الخطابي المحض الذي تقدمه الدولة لا يخدع سكان إيرلندا الشمالية؛ فالناشطون المؤيدون لفلسطين هناك ينتقدون دبلن بقدر انتقادهم لحكومة المملكة المتحدة. ومن وجهة نظر العديد من سكان بلفاست، من المنطقي تماماً أن تتعاون الجمهورية المكونة من 26 مقاطعة مع الاحتلال الاستعماري بينما تُقدم خدمة لفظية على أمل زواله.

داخل الاتحاد الأوروبي، لا تواجه إيرلندا سوى القليل من التدقيق لتورطها في جرائم الحرب الإسرائيلية مقارنةً بالقدر الموجه إلى ألمانيا، وهو أمر مفهوم. وكنت أعيش في برلين عندما بدأت إسرائيل قصفها لغزة رداً على جرائم حماس في 7 تشرين الأول، والتي حدثت بدورها بعد عقود من الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي وحصار غزة الذي يعود تاريخه إلى عام 2007.

لقد احتجزتني الشرطة الألمانية مرتين لمجرد مشاركتي في مظاهرات مؤيدة لفلسطين، لكنني شهدت قمعاً أشد بكثير ضد متظاهرين آخرين، حيث استُهدف المسلمون على وجه الخصوص بالعنف. وازدادت صرامة الشرطة الألمانية تجاه الاحتجاجات الفلسطينية منذ عودتي إلى إيرلندا في كانون الثاني. وفي الأسبوع الماضي، تعرضت كيتي أوبراين، وهي شابة من دبلن تبلغ من العمر 25 عاماً، لاعتداء عنيف مرتين على يد الشرطة في مظاهرة احتجاجية على غزة في برلين. وأدى هذا العنف إلى احتجاجات عفوية في إيرلندا، وتعبير رئيس الوزراء وسفير إيرلندا لدى ألمانيا عن قلقهما العميق.

لقد وجدتُ أن إيرلندا بيئة أقل عدائية للاحتجاج. ولكن ضرورة الاحتجاج تأتي من فشل حكومتي في الاستجابة على مستوى السياسة. وهناك وهم بوجود نقاش بين الدول الأوروبية: لدينا ألمانيا تدعم إسرائيل، ودول مثل إيرلندا وإسبانيا (إلى جانب النرويج) تدعم فلسطين، لذا دعونا نرى كيف سيحلون الأمر في سوق الأفكار القديم الكبير.

إن هذا الخيال يغري جميع المعنيين. فالدول التي تنتقد إسرائيل نسبياً تتجنب التدقيق لعدم موافقتها عليها محلياً بعد؛ وهم يدفعون من أجل حدوث ذلك على مستوى الاتحاد الأوروبي. وتستفيد ألمانيا من محادثة تُجرى على فرضية أن جميع دول الاتحاد الأوروبي تحافظ على علاقات اقتصادية ودبلوماسية مع إسرائيل. كما أن سلطة منتقديها في إدانة الإبادة الجماعية تضعف بسبب فشلهم في التعامل معها عملياً على أنها كذلك.

على الصعيد المحلي، تركز الحملة الإيرلندية الداعمة لفلسطين الآن على الموعد النهائي المحدد في 2  أيلول لتجديد موافقة البنك المركزي على السندات الإسرائيلية. وكان البنك قد جدد موافقته في أيلول الماضي بعد مرور ما يقرب من عام على الإبادة الجماعية. وتنظم مجموعة حملة التضامن مع فلسطين في أيرلندا (IPSC) احتجاجات أسبوعية حول هذه القضية، عادة أمام البنك المركزي.

وقد التزم ائتلاف آخر من المتظاهرين بـ”العصيان المدني” أسبوعياً في المستقبل المنظور، حيث تمثلت أولى تحركاته في إيقاف حركة المرور في وسط دبلن. وقد ازدادت مشاركة النقابات العمالية في الاحتجاجات، بما في ذلك ممثل إيرلندي لعمال ميناء مرسيليا الذين كانوا يعرقلون وصول شحنات المساعدات العسكرية إلى إسرائيل.

وهناك شعور متزايد في الحركة بأن الضغط غير كاف وأن هناك حاجة إلى تحرك عمالي: ويُستشهد بعمال التجزئة الأحد عشر في متاجر دانس الذين رفضوا التعامل مع المنتجات الجنوب أفريقية عام 1984، وقد تحدثت إحداهم، ماري مانينغ، في تجمع وطني لحملة التضامن مع فلسطين الشهر الماضي. وإذا جدد البنك السندات في 2 أيلول، فقد يكون ذلك بمثابة المحفز.

لقد سحب صندوق الثروة السيادية النرويجي استثماراته من 5 بنوك إسرائيلية، ومن شركة كاتربيلر، وهي شركة أمريكية لتصنيع معدات البناء تُزوّد ​​إسرائيل بالجرافات لتدمير الممتلكات الفلسطينية في غزة والضفة الغربية. وحتى 14 آب، كان الصندوق يمتلك حصصاً في 38 شركة إسرائيلية، ولم يتعهد بسحب استثماراته في جميع الحالات، بل اكتفى بمراجعة انتهاكات حقوق الإنسان المحتملة. وتسعى الحكومة الإسبانية إلى فرض حظر شامل على توريد الأسلحة إلى إسرائيل، في ظل ضغوط على رئيس الوزراء بيدرو سانشيز لاستدعاء سفير بلاده في تل أبيب. وتُعدّ هذه الخطوات تقدمية مقارنة بحكومات الاتحاد الأوروبي الأخرى، لكنها متأخرة بسنوات عن الرأي العام.

في إيرلندا، نعلم جيداً أن حكوماتنا لا تتصرف إلا عندما يصبح الضغط الشعبي غير قابل للاستمرار، ثم تتباهى بسجلها التقدمي.

سيظل الجميع ضد ما كان يحدث في فلسطين بمجرد أن يصبح ماضياً آمناً. وبينما يحدث، تظل حكومات الاتحاد الأوروبي متواطئة. وبعض القادة يصفونه بالإبادة الجماعية، وبعضهم الآخر ليس لديهم الشجاعة الكافية، وجميعهم ما زالوا يتاجرون مع مرتكبيها.

إن حكومتي تستطيع أن تشاهد القتل الجماعي في غزة وتستمر في عملها كالمعتاد. أما أنا فلا أستطيع؛ ولهذا السبب أبحر مع أسطول الصمود العالمي. والحركة العالمية الأوسع إلى غزة، التي تقف وراء هذا الأسطول، هي حركة دولية ضخمة بقيادة مدنية من أجل القضية الفلسطينية، تنبع من الحاجة الإنسانية لمواصلة المحاولة.

وإذا وصلنا إلى وجهتنا، فسنكسر حصاراً لم يجرؤ قادتنا المزعومون حتى على إقراره. وإذا فشلنا، فلن يكون ردنا على الإبادة الجماعية على الأقل هو الاستمرار في تنظيم سندات حرب الجاني.

المصدر: The Guardian

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

وقفة في رام الله تطالب بإجراءات عملية بعد إعلان المجاعة في غزة

وقفة في رام الله تطالب بإجراءات عملية بعد إعلان المجاعة في غزة

طالبت فصائل فلسطينية ونقابات واتحادات وحراكات شعبية في رام الله، اليوم الاثنين، الأمم المتحدة والمنظمات الأممية والدولية ودول العالم باتخاذ إجراءات عملية وعدم الاكتفاء بالبيانات والشجب والاستنكار، خاصة بعد إعلان غزة منطقة مجاعة إنسانية في 22 آب/ آب الماضي. ونظمت القوى والفصائل ظهر اليوم وقفة أمام مكتب الأمم المتحدة في رام الله، ورفعت الشعارات التي تطالب بوقف التجويع والإبادة والقتل ومحاسبة الاحتلال. وكان لافتاً خلال الوقفة حديث ممثل عن مكتب الأمم المتحدة باسم الخالدي، المستشار في الأمم المتحدة، عن مصادرة قوة واحدة مجلسَ الأمن، متهماً إياها بأنها شريكة في الجريمة، وذلك في إشارة إلى الولايات المتحدة.

وقال الخالدي خلال كلمة له بعد استماعه مطالب المعتصمين ووعده بنقلها إلى الأمين العام للأمم المتحدة: “إن الأمم المتحدة نفسها أمست ضحية كما كل أهل غزة”، معتبراً أن “منع (أونروا) من العمل خطة ممنهجة ليست عبثية، بل خطة ذات أهداف سياسية، خصوصاً أنها أكبر منظمة إغاثية في قطاع غزة، ولديها ما يقارب 400 نقطة توزيع”. وتابع الخالدي: “لو أتيح لأونروا المجال للتوزيع، لما اضطر أي فلسطيني في غزة للانتقال إلى مكان آخر، ولما اضطر للذهاب إلى مصايد الموت”. وأكد الخالدي موقف الأمم المتحدة من مؤسسة غزة الإنسانية قائلاً: “نحن ضدها بالمطلق، لأننا نؤمن أنه لا يجب تسييس المساعدات الإنسانية، ولن نقبل أن تسيس المساعدات لأنها حق، بغض النظر عن الوضع الميداني، وبغض النظر عن الموقف السياسي لكل الأطراف”.

وأكد الخالدي موقف الأمم المتحدة الرافض التهجيرَ والتجويعَ وليس المجاعة، ورفض محاولة الضم وعنف المستوطنين وإرهاب المستوطنين في الضفة الغربية. وقال: “مجلس الأمن مصادر من قوة واحدة، فقبل أربعة أيام، كان هناك نداء من 14 دولة، لم توقع عليه فقط دولة واحدة، واستخدمت الفيتو، وأستطيع القول بغض النظر عن موقعي الوظيفي؛ هي شريكة في الجريمة، أقولها علناً هي شريكة في الجريمة”، في إشارة إلى الولايات المتحدة.

وحول حجب الولايات المتحدة تأشيرات الوفد الفلسطيني للمشاركة في اجتماع الجمعية العامة الشهر الجاري، قال الخالدي إن الأمين العام لا يعارض في حال التصويت نقل جلسات الجمعية العامة في إلى فيينا أو أي مكان آخر تتوفر فيه الشروط من حيث المساحة والإمكانات اللوجستية والترجمة. واعتبر الخالدي أن “قضية غزة أكبر من كونها قضية إنسانية رغم المأساة، مؤكداً أنها قضية اجتثاث شعب بأكمله”.

من جانبه، قال رمزي رباح، رئيس دائرة مناهضة الفصل العنصري (الأبارتهايد) في منظمة التحرير الفلسطينية، لـ”العربي الجديد”، “إن الوقفة أمام مكتب الأمم المتحدة هدفها توجيه رسالة باسم الشعب الفلسطيني، عبر قواه ومؤسساته واتحاداته ونقاباته، إلى اتخاذ إجراءات عملية وخطوات ملموسة، وعدم الاكتفاء بالدعوات والمطالبات، بل بالإجراءات الملموسة من أجل كسر الحصار والتجويع والقتل الذي تآذاره إسرائيل”. كذلك دعا إلى اتخاذ خطوات ملموسة لتدفق المساعدات وإدخالها عبر المؤسسات الدولية والوكالات الدولية، والضغط من أجل وقف الحرب، ووقف القتل والإبادة والتطهير العرقي.

وتابع رباح: “هذا يجب أن يدركه العالم والمؤسسات الدولية والأمم المتحدة ومجلس الأمن الذي اتخذ القرار 2537، مطلوب أن يضع آليات تطبيقية وتنفيذية له”، مشيراً إلى أن مجلس الأمن دعا إلى وقف الحرب، وإدخال المساعدات والمواد الإغاثية والطبية، وانسحاب جيش الاحتلال من مراكز المدن ومن محيطها، وإلى مسار سياسي لإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية، عدا عشرات القرارات التي صدرت عن المنظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى.

بدوره، قال عضو المؤتمر الشعبي الفلسطيني 14 مليون نبيل عبد الرازق لـ”العربي الجديد”: “إذا كان اليوم هو ليس يوم الأمم المتحدة لتفعل ما يجب أن تفعله لإنقاذ غزة من هذا الدمار والقتل والوحشية والفاشية غير المسبوقة في التاريخ، فمتى يكون دور لهيئة الأمم المتحدة”. وتابع: “صوتنا اليوم نريد أن يصل إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وإلى كل قادة العالم وإلى كل برلمانات العالم، أن أوقفوا هذه المذبحة، هذا عار كبير ووصمة عار لن تمحى عن جبين الإنسانية”.

في حين قال منسق القوى والفصائل في رام الله عصام بكر خلال كلمة له: “إن الوقفة تأتي لتأكيد أن بيانات الشجب والإدانة والاستنكار والإعراب عن القلق من قبل المؤسسات الدولية؛ باتت لا تكفي”، مطالباً الأمم المتحدة ومؤسساتها باتخاذ الإجراءات والتدابير التي تنسجم مع إعلان غزة منطقة مجاعة. وطالب بكر بإلزام دولة الاحتلال الإسرائيلي بالخضوع للقانون الدولي، والسماح بإدخال المساعدات الغذائية والإنسانية، ومعاقبة ومحاسبة إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، على جرائمها بحق الشعب الفلسطيني، وتعليق عضويتها في المؤسسات الدولية. وقال بكر: “إن الاحتلال يرتكب جرائمه بغطاء أميركي، وإن إحدى أهم تعبيرات ذلك منع الرئيس محمود عباس والوفد الفلسطيني من الوصول إلى نيويورك لإلقاء الكلمة في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة”.

تجويع غزة… موائد خالية من أساسيات الغذاء

تجويع غزة… موائد خالية من أساسيات الغذاء

لم تنجح شاحنات البضائع التي دخلت إلى قطاع غزة مؤخراً في كسر حدة التجويع، كونها محدودة للغاية مقارنة بحجم الحاجة، وأسعارها تفوق القدرة الشرائية لغالبية العائلات التي فقدت مصادر رزقها وسط الحرب الإسرائيلية المتواصلة منذ نحو 23 شهراً.

يخيم شبح التجويع على آلاف العائلات الفلسطينية في قطاع غزة، والتي لم تستفد كثيراً من دخول أعداد محدودة من شاحنات المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم في رفح (جنوب)، ومنطقة زيكيم في الشمال، ولا تزال موائدهم أسيرة أطعمة مكررة لا تكفي لمسك رمق الأطفال أو الكبار، ولا تحمي أجسادهم من الأمراض، تنحصر في العدس والأرز وبعض المعلبات. ويفيد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة بأن الاحتلال يواصل منع أكثر 430 صنفاً من المواد الغذائية الأساسية، والمواد المحظورة تشمل اللحوم الحمراء والبيضاء، والأسماك، والأجبان، ومشتقات الألبان، والفواكه والخضراوات، والمكملات الغذائية، إلى جانب أصناف ضرورية مثل المدعمات التي تحتاج إليها الحوامل وأصحاب الأمراض المزمنة.

ويوضح المكتب الإعلامي الحكومي في بيان، أن الاحتلال لم يسمح خلال الثلاثين يوماً الماضية إلا بدخول 14% فقط من الاحتياجات، ما سبَّب العجز القائم، وأن أكثر من 95% من سكان القطاع بلا مصادر دخل، في حين يمنع الاحتلال تنظيم عمليات توزيع المساعدات أو تأمينها، ويواصل سياسة (هندسة التجويع) ضد نحو 2.4 مليون فلسطيني في قطاع غزة، ما أدى إلى ارتفاع عدد ضحايا الجوع وسوء التغذية، وسط مخاوف من تفاقم الأعداد خلال الفترة المقبلة، خاصة بين الأطفال وكبار السن والمرضى.

وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، السبت، تسجيل 10 وفيات جديدة، من بينهم 3 أطفال بسبب التجويع وسوء التغذية في القطاع خلال 24 ساعة، ليرتفع عدد ضحايا التجويع إلى 332 شهيداً، من بينهم 124 طفلاً. وأعلنت الأمم المتحدة في 22 آب/آب، المجاعة في مدينة غزة، اعتماداً على تقييم للمبادرة العالمية للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي.

تجلس الفلسطينية أم نزار ريان (35 سنة) على باب خيمتها في وسط مدرسة لإيواء النازحين غربي مدينة غزة، وقد بدا على ملامحها الإعياء، توزع نظراتها صوب أطفالها السبعة، وتقول لـ “العربي الجديد”: “اليوم كان طعامنا أرزّاً من التكيّة الخيرية. إذا كان هناك أرز نتناول وجبة، وإذا لم يصل الأرز إليهم فلا نأكل. نعيش طوال الأسبوع على وجبة الأرز اليومية، وأحياناً معلبات إن توفرت. الأولاد يطلبون اللحوم أو البطاطا أو الخضراوات، لكنّ الأسعار باهظة، ولا نملك ثمنها. حتى الملابس والأدوية لم نعد قادرين على توفيرها”. ويزيد مصاب ريان وضع زوجها الذي فقد بصره على إثر تعرضه للضرب المبرح خلال اقتحام قوات الاحتلال للمدرسة التي نزحوا إليها سابقاً في مخيم جباليا شمالي القطاع، قبل توجههم إلى حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، فالزوج لا يستطيع إعالة أسرته، وأصبح أسير الفراش، لذا أصبحت العائلة أسيرة المساعدات المحدودة التي تقدّمها التكيات الخيرية.

نزح الفلسطيني بدري معروف (44 سنة) مع أفراد أسرته الستة من بيت لاهيا إلى مدرسة إيواء في حي الشيخ رضوان المهدد بالإخلاء، ويختصر حال أسرته قائلاً: “أكلنا طوال الأسبوع الأرز والعدس فقط. دخلت بعض البضائع، لكن لا يتوفر لدي أموال لشراء أي منها كوني مُعطلاً عن العمل منذ بداية الحرب، ولا أستطيع توفير قوت يومي”. ويضيف معروف لـ “العربي الجديد”: “أولادي يطلبون بندورة أو بطاطا أو حلاوة، لكني لا أقدر على تلبية مطالبهم، وزوجتي مريضة قلب، وتزداد حالتها سوءاً من قلة الطعام، ولا أملك حتى ثمن دوائها. دخول بعض الأصناف لم يغيّر شيئاً في واقع التجويع، فالبضائع غالية، ونحن بلا مصدر دخل”.

مأساة أخرى يعيش تفاصيلها الفلسطيني سامي غبن (44 سنة)، والذي يعيل أسرة مكونة من 10 أفراد، وبات عاجزاً عن توفير أدنى مقومات الحياة لأطفاله، ما يدفعه إلى الذهاب لمناطق دخول المساعدات الإنسانية في أقصى شمالي القطاع، رغم أن الرحلة “مقامرة بالحياة”. ويقول غبن لـ “العربي الجديد”: “نضطر إلى الذهاب قرب حاجز زيكيم كي نحصل على كرتونة غذائية، لكن المكان هناك عبارة عن مصيدة موت. اليوم أكلنا جميعاً علبة حمص واحدة، وطعامنا المعتاد هو أرز أو عدس من التكيات. كيلو الحطب بـ7 شواكل، ولا نستطيع شراءه، وبالتالي نأكل من دون تسخين. حياتنا بائسة. نفس الأكل كل يوم، والنتيجة أمراض جلدية والتهابات وضعف مناعة عند الأطفال. ابني يسألني عن ملوخية أو جبن أو طماطم. لكن إذا أردت أن تطعم أولادك فعليك أن تخاطر بحياتك”.

الصورة

أطفال وحصص طعام في مدينة غزة - 30 آب 2025 (عبد الحكيم أبو رياش/ الأناضول)

ظفر بحصص طعام من مطابخ خيرية في مدينة غزة، 30 آب 2025 (عبد الحكيم أبو رياش/ الأناضول)

من جانبها، تقول الفلسطينية هناء أبو العيش، وهي أم لأسرة مكونة من 6 أفراد: “نعاني عدم القدرة على شراء الأطعمة، رغم دخول بعض البضائع في الفترة الأخيرة، ونعتمد على الأطعمة المعلبة مثل الحمص والفول، وطوال أيام الأسبوع لا أطبخ، وأعتمد على الأرز الذي توزعه التكيّات الخيرية في مدرسة النزوح”. وتحكي لـ “العربي الجديد”: “في كل أيام الأسبوع طعامنا مكرر، ولا يتغير عن العدس والأرز والمعكرونة وبعض المُعلبات. لا أذهب إلى السوق لأنني لا أملك مالاً لشراء أي شيء. سعر كيلو البندورة 120 شيكلاً، فكيف أشتريها؟ أنا مريضة قلب، وطعام المعلبات مضر لحالتي، لكننا لا نملك غيره. المجاعة مستمرة في قطاع غزة رغم دخول أصناف من البضائع، والغالبية يواجهون صعوبات في توفير الطعام بسبب عدم وجود مُعيل”.

ولا يختلف حال الفلسطيني موسى عطية كثيراً، فهو أب لثمانية أطفال، وبات عاجزاً عن تلبية أدنى مقومات الحياة، خصوصاً المأكل والمشرب. ويقول لـ “العربي الجديد”: “دخول بعض البضائع لا يغير الواقع الصعب الذي نعيشه، خاصة أنني عاطل، ولا أملك أموالاً لشراء مستلزمات العائلة. أولادي أنفسهم في المربى أو العسل، أو حتى البسكويت. بعد دخول البضائع لم أقدر على شراء الخضراوات أو الفواكه. زهقنا من العدس والفاصوليا والأرز، والمجاعة لا تزال موجودة”.

تعيش الفلسطينية سامية طشطاش مع أشقائها الثلاثة من ذوي الإعاقة داخل خيمة في مدرسة إيواء بمدينة غزة، وهم بلا مُعيل، وتقول لـ “العربي الجديد”: “إذا جاءنا أرز من تكية المدرسة نأكل، وإذا لم يأتنا فلا نأكل، وطوال الأسبوع نعيش على العدس والمعكرونة والأرز. نفسي أذوق الدجاج أو البطاطا أو الباذنجان. البضائع وصلت إلى السوق، لكننا لا نستطيع الشراء لأنه ليس لدينا أموال”. وتضيف طشطاش: “البضائع التي دخلت قطاع غزة أسعارها مرتفعة، وتفوق مقدرة الجميع، وحتى الآن لم أستطع شراء أي شيء منها. نحلم بتغيير روتين الطعام اليومي، ونعود إلى تناول الدجاج والخضراوات، لكن حتى اللحظة تظل هذه مجرد أمنية لا نملك تحقيقها”.

من جهتها، تؤكد اختصاصية التغذية، سماهر أبو عجوة لـ “العربي الجديد”، أن “غياب التنوع الغذائي الذي يشمل البروتينات والخضراوات والفواكه، يؤدي إلى ضعف المناعة، والإصابة بالأمراض المزمنة، وتأخر نمو الأطفال، وانتشار أمراض مثل فقر الدم والهزال، وما يتوفر حالياً في قطاع غزة لا يلبي أدنى مقومات الصحة السليمة”. وتضيف أبو عجوة : “الغذاء الصحي يعتمد على التنوع الذي يشمل الكربوهيدرات، والبروتينات، والدهون الصحية، وفي غزة حالياً، ما يتناوله الناس يومياً يقتصر على العدس والأرز والمعكرونة وبعض المعلبات، بينما الخضراوات والفواكه معدومة تقريباً، واللحوم غائبة تماماً، وهذا يعني نقصاً خطيراً في الفيتامينات والمعادن الأساسية، ما يؤدي إلى ضعف المناعة وانتشار الأمراض”.

وتحذر الطبيبة الفلسطينية من خطورة الاعتماد على تناول الأطعمة المُعلبة لفترات طويلة، مؤكدة أن “المعلبات مليئة بالأملاح والمواد الحافظة، وهي تسبب مشكلات في القلب والكلى والجهاز الهضمي، كما تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع مستوى سكر الدم، وصولاً إلى الأورام السرطانية. الأطفال الذين يتغذون على هذه الأطعمة سيعانون الهزال وضعف النمو، وربما التأخر العقلي”. وتشدد أبو عجوة على أن “غياب البروتين الحيواني والخضراوات والفواكه سيترك آثاراً طويلة المدى على الصحة العامة لأهالي غزة، خاصة الأطفال والمرضى وكبار السن، ونتحدث عن جيل كامل مهدد بالإصابة بسوء التغذية الحاد”.

إسرائيل تهاجم بيان مجلس الأمن حول غزة

إسرائيل تهاجم بيان مجلس الأمن حول غزة

هاجمت إسرائيل بيان مجلس الأمن الداعي إلى وقف فوري للحرب على غزة وتسليم الأسرى ووقف المجاعة.

 يأتي هذا مع بدء الخارجية الإسرائيلية حملة إعلامية للرد على تقرير يؤكد أن ربع سكان غزة يعانون من الجوع الشديد.

برنامج الأغذية العالمي: المساعدات الإضافية لقطاع غزة غير كافية إطلاقاً

برنامج الأغذية العالمي: المساعدات الإضافية لقطاع غزة غير كافية إطلاقاً

كشفت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، سيندي ماكين، اليوم الخميس، أنّ مساعداتٍ غذائية إضافية تصل إلى قطاع غزة، لكنّها لا تزال غير كافية إطلاقاً لمنع انتشار المجاعة. وأردفت بالقول: “تدخل كميات إضافية من الغذاء. نسير في الاتجاه الصحيح، لكنّها لا تكفي للقيام بما يتعيّن علينا فعله لضمان ألا يعاني السكان من سوء التغذية والتضوّر جوعاً”. وذكرت أنّ البرنامج قادر حاليّاً على توصيل نحو 100 شاحنة مساعدات يوميّاً إلى غزة، لكن هذا العدد لا يزال أقل بكثير من 600 شاحنة كانت تدخل إلى قطاع غزة بشكل يومي خلال وقف إطلاق النار.

وحذّرت ماكين بعد زيارة لغزة من أنّ القطاع وصل إلى “حافة الانهيار الكامل”، داعيةً إلى معاودة تفعيل شبكة البرنامج لتوزيع المواد الغذائية بصورة عاجلة منعاً لاتّساع انتشار المجاعة. وأتت زيارتها إلى القطاع عقب إعلان الأمم المتحدة رسميّاً المجاعة في غزة في 22 آب/ آب الجاري. وقالت ماكين في بيان: “التقيتُ أطفالاً يتضوّرون جوعاً ويتلقّون علاجاتٍ لسوء التغذية الخطير، ورأيتُ صوراً لهم حين كانوا بصحة جيدة. لا يمكن التعرّف إليهم”. وأضافت: “بلغ اليأس ذروته وكنت شاهدة على ذلك بشكل مباشر”.

ولم يتسنَّ الحصول على تعليق من وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي تابعة للجيش الإسرائيلي، وتشرف على تدفق المساعدات إلى القطاع، بحسب تصريحات ماكين. وقال التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو مرصد عالمي للجوع، في تقرير أصدره، الجمعة، إنّ نحو 514 ألف شخص، أي ما يقرب من ربع سكان القطاع، يواجهون حاليّاً ظروف المجاعة في مدينة غزة والمناطق المحيطة بها. وهاجمت إسرائيل مراراً هذه النتائج، ووصفتها بأنها “مغلوطة ومنحازة لحركة حماس”.

وزارت ماكين هذا الأسبوع دير البلح وخانيونس، وتفقّدت عيادة تقدم الخدمات للأطفال والحوامل والمرضعات، والتقت أمهات من النازحين روَين لها المعاناة اليومية، كما سلّطت الضوء على الصعوبات المستمرة التي تواجه إيصال المساعدات للسكان الأكثر عرضة للخطر في عمق قطاع غزة. وقالت: “ما شهدناه هو خراب تامّ. بتعبيرٍ مبسّط مناطق سُوّيت بالأرض. ورأينا سكاناً يعانون من جوعٍ وسوء تغذية لدرجة بالغة الخطورة”.

وأضافت: “يثبت ذلك وجهة نظري، وهي أنّنا نحتاج للتمكن من الوصول إلى العمق (في قطاع غزة) لنتأكد من أنهم يحصلون باستمرار على ما يحتاجونه”. وشدّدت على الحاجة “الفورية لإعادة تفعيل شبكتنا الواسعة الموثوقة من 200 نقطة توزيع للغذاء في أنحاء قطاع غزة والتكيات والمخابز”، وعلى الأهمية العاجلة “لتوفير الظروف الملائمة لنتمكن من مساعدة الأكثر ضعفاً وإنقاذ حياة الناس”.

ورأت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، أنّ التحسن الطفيف الذي تحقق في دخول الأغذية والإمدادات التي تُتاح تجاريّاً إلى قطاع غزة ساهم في تراجع الأسعار، لكنّ أغلب السكان لا يستطيعون تحمّل تكلفته. وأملت أن يتمكن برنامج الأغذية العالمي من الدخول بشكل أكبر إلى قطاع غزة، بعد اجتماع عُقد أمس الأربعاء مع رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي إيال زامير، ضغطت خلاله للوصول إلى هناك من دون عوائق، وإتاحة المزيد من الطرق الآمنة، وضمان عدم تعرّض الشاحنات لعمليات مطوّلة قبل الحصول على الإذن والتصاريح بالدخول. وأفاد بيان للجيش بأنّ زامير “أكد التزام إسرائيل بإتاحة وصول المساعدات الإنسانية لسكان قطاع غزة”.

وحذّر تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي من أنّ المجاعة قد تنتشر إلى دير البلح في وسط القطاع وخانيونس في جنوبه بنهاية أيلول/ أيلول المقبل. ووصفت ماكين تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي بأنّه “المعيار الذهبي” لقياس انعدام الأمن الغذائي، وحثت على تكثيف دخول المساعدات للقطاع.

ورفضت إسرائيل تقرير المرصد العالمي، وقالت إنّه “معيب للغاية”، وطالبت أمس الأربعاء التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي بسحبه. ولم يصدر بعد من المرصد تعليق على ذلك. كما طالبت إسرائيل بسحب تقرير الخبراء الذي استندت إليه الأمم المتحدة لإعلان المجاعة، والذي وصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنّه “كذب صريح”. وأتت تصريحات ماكين في وقت كثّف الجيش الإسرائيلي، أمس الأربعاء، عملياته عند أطراف مدينة غزة التي يسعى لإخلائها من سكانها على الرغم من إعلان الأمم المتحدة المجاعة فيها.

(رويترز، فرانس برس)