صادرات القمح الفرنسي رهينة سوق الجزائر.. مصر والمغرب منقذان بديلان

صادرات القمح الفرنسي رهينة سوق الجزائر.. مصر والمغرب منقذان بديلان

بات القمحُ اللين الفرنسي على الرغم من عودة المحصول هذا الصيف إلى “المستوى الطبيعي” عند 33.4 مليون طن (قفز بـ30% عن العام الماضي)، رهينةً مباشرةً لارتدادات الأزمة الدبلوماسية مع الجزائر. ووفقا لمجموعة محللي السلع “أرغوس ميديا”، لا بد من تصريف نحو 9.5 ملايين طن خارج الاتحاد الأوروبي لتحقيق التوازن التجاري، غير أن انسداد منفذ تاريخي بحجم الجزائر يضغط على القدرة التصديرية الفرنسية ويُجبرها على تسريع تنويع الأسواق، وفي مقدّمتها المغرب ومصر.

وأشارت المجموعة إلى أن المنتجين الفرنسيين سيجدون صعوبةً في تصدير كل الكميات المتاحة من القمح اللين، بسبب إغلاق أسواق تاريخية مهمة واشتداد المنافسة العالمية، كما توقعت ألاّ تزيد الصادرات على 8 ملايين طن. ونقلت صحيفة “لا تريبيون” (La Tribune) الفرنسية يوم الأحد 31 آب/آب 2025 عن بينوا بييترومان، رئيس “إنترسيريال” (المنظمة البينية لقطاع الحبوب في فرنسا)، أن عودة الإنتاج “تبعث على الارتياح”، مؤكدًا أن “الجودة أيضًا مقبولة في كل مكان”، وأن المصدّرين “يشدّدون أمام البلدان المشترية على القدرة على تزويدها بالكَمّ والجودة حين تحتاج، وعلى الموثوقية”.

وتعوّل المنظمة البينية لقطاع الحبوب في فرنسا على السوق المصرية؛ إذ أفادت وكالة رويترز في 18 آب/آب بأن جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة (المشتري الحكومي للحبوب في البلاد) وافق على شراء ما لا يقل عن 200 ألف طن من القمح الفرنسي في صفقات خاصة حديثة مع مُصدّرين، بالإضافة إلى عدة شحنات قمح بوزن 30 ألف طن من أوكرانيا ورومانيا.

ويُعَدّ السوق المغربي أبرز واجهةٍ لتصدير القمح الفرنسي، إذ توقعت وزارة الزراعة الأميركية في 27 آب/آب ارتفاع حجم واردات المغرب من القمح إلى 7.5 ملايين طن خلال الموسم التسويقي 2025-2026، على خلفية الجفاف الذي أثّر في المحاصيل الزراعية.

وأشارت “La Tribune” إلى أن العقود الحديثة نحو مصر والمغرب وجنوب شرق آسيا تُجسِّد إلزامية تنويع التصدير الفرنسي، ما يضع هذه الدول ضمن أسواق التعويض ذات الأولوية بعد انكماش الجزائر والصين. بينما قالت “أرغوس ميديا” إن على فرنسا “ترسيخ مواقعها في المغرب وأفريقيا جنوب الصحراء، مع استكشاف أسواق جديدة”.

وكان السوق الجزائري لعقود الضامن الأكبر للقمح الفرنسي، إذ استورد ما يقارب 5.6 ملايين طن خلال الموسم التسويقي 2019-2020، ثم 1.8 مليون طن في 2023-2024. لكن اليوم أُغلق هذا الباب تمامًا لأسباب دبلوماسية. واستُكملت هذه القطيعة بين القمح الفرنسي والجزائر بإشارات ميدانية، ففي تشرين الأول/تشرين الأول 2024 جرى استبعاد ظرفي للقمح ذي المنشأ الفرنسي في إحدى مناقصات الوكالة الجزائرية للحبوب، قبل أن توضح الوكالة أن القيود تقنية وتتعلق بمواصفات المناقصة لا بإعلان حظر دائم.

لاحقًا، وخلال زيارةٍ إلى ولاية الشلف في حزيران/حزيران 2025 لإطلاق موسم الحصاد، أعلن وزير الفلاحة الجزائري يوسف شرفة توجّهًا نحو التوقف عن استيراد القمح الصلب ابتداءً من 2026 ضمن مسار الاكتفاء الذاتي، وهو مسار يُقلّص الواردات ككل من دون تسمية بلد بعينه. في المقابل، تتحرك فرنسا لتثبيت حضورها في المغرب وأسواق أفريقية وآسيوية بديلة، مع عقود حديثة مع مصر وجنوب شرق آسيا ضمن استراتيجية تنويعٍ إلزامية لتعويض خسارة الجزائر.

وفرة الإمدادات تهوي بأسعار القمح إلى أدنى مستوياتها في 3 أسابيع

وفرة الإمدادات تهوي بأسعار القمح إلى أدنى مستوياتها في 3 أسابيع

تراجعت أسعار القمح في بورصة شيكاغو إلى أدنى مستوى لها في ثلاثة أسابيع، في ظل وفرة المعروض العالمي التي غلبت على مؤشرات الطلب القوي، لتؤكد الأسواق الزراعية مجدداً هشاشتها أمام أي تغير في موازين الإنتاج العالمي. ويأتي هذا الانخفاض مدفوعاً بتحسن توقعات المحاصيل في أكبر الدول المصدّرة. ورفعت شركة الاستشارات الزراعية IKAR هذا الأسبوع تقديراتها لمحصول روسيا، التي تُعدّ أكبر مصدّر للقمح عالميا، مع اقتراب موسم الحصاد من نهايته. وفي المقابل، عزّزت الأمطار الغزيرة في أستراليا التوقعات بإنتاج وفير، الأمر الذي زاد من الضغوط على الأسعار. كما سبق للمجلس الدولي للحبوب (IGC) أن رفع في وقت سابق من آب/آب توقعاته للإنتاج العالمي خلال موسم 2025-2026.

ونقلت بلومبيرغ عن كبير محللي الحبوب في “هايتاور ريبورت”، راندي بليس، إن “العالم يتمتع حالياً بوفرة في مناطق عديدة، ما يجعل المشترين أقل اعتماداً على السوق الأميركية”، مضيفاً أن “الطلب جيد في السوق المحلي الأميركي، لكنه غير كافٍ لمعادلة هذه الكميات الكبيرة المتاحة عالمياً”. وفي التداولات، هبطت عقود القمح لشهر كانون الأول/ كانون الأول في شيكاغو بنسبة 1.5% خلال جلسة الأربعاء، وهو أكبر تراجع يومي منذ الخامس من آب/ آب، لتسجّل 5.2475 دولارات للبوشل (Bushel) عند الساعة 10:44 صباحاً بالتوقيت المحلي، علماً أن بوشل القمح يساوي 60 رطلاً أو حوالي 27.2 كيلوغراماً.

كما انخفضت عقود القمح في كانساس سيتي بالقدر نفسه تقريباً، بعد هطول أمطار وفيرة في السهول الجنوبية الأميركية عززت آفاق الموسم الزراعي المقبل، ودَفعت الأسعار نحو مستويات متدنية جديدة. ورغم هذا التراجع، سجّلت الصادرات الأميركية منافسة قوية في الأسواق العالمية، حيث ارتفعت عمليات التفتيش على شحنات القمح المعدّة للتصدير بنسبة 71% في الأسبوع المنتهي في 21 آب مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بحسب بيانات وزارة الزراعة الأميركية (USDA).

أما في أسواق السلع الأخرى، فقد تراجعت أسعار الذرة بنسبة 0.8% إلى 4.0625 دولارات للبوشل، في حين ارتفعت أسعار فول الصويا بنسبة 0.2% لتسجل 10.5125 دولارات للبوشل، علماً أن بوشل الذرة يناهز 25.4 كيلوغراماً، وبوشل فول الصويا 27.2 كيلوغراماً، علماً أن البوشل هو وحدة قياس للحبوب والبذور في الولايات المتحدة، لكنه ليس وزناً ثابتاً بل وحدة حجم، ويتحوّل إلى وزن مختلف حسب نوع المحصول. وبينما يرى خبراء أن السوق أمام مرحلة من الضغط السعري بفعل الإمدادات الوفيرة، فإن وتيرة الطلب العالمي خلال الأشهر المقبلة ستبقى العامل الحاسم في تحديد اتجاهات الأسعار.

ويُعتبر القمح من أكثر السلع الزراعية تأثيرا على الأمن الغذائي العالمي، إذ يشكل مصدراً رئيسياً للغذاء لأكثر من 2.5 مليار إنسان حول العالم. وتؤدي تقلبات أسعاره إلى انعكاسات مباشرة على كلفة المعيشة في الدول النامية والمتقدمة على حد سواء، لا سيما في البلدان المستوردة بشكل كبير من روسيا وأوكرانيا وأستراليا والولايات المتحدة. وعندما تتراجع الأسعار، تستفيد الدول المستوردة عبر تقليص فاتورة الغذاء وتخفيف الضغوط التضخمية، إلا أن استمرار الانخفاض قد يُضر بالمزارعين المحليين ويهدد استدامة الإنتاج. في المقابل، يؤدي ارتفاع الأسعار، كما حدث في أعقاب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022، إلى موجات تضخم غذائي واحتجاجات اجتماعية في عدد من الدول النامية.

وتشير تقديرات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) إلى أن القمح يشكّل نحو 20% من إجمالي السعرات الحرارية المستهلكة عالمياً، ما يجعل استقراره عاملاً أساسياً في تحقيق التوازن بين العرض والطلب الغذائي عالميا. ومن هنا، فإن أي زيادة أو وفرة في المعروض العالمي لا تُقرأ فقط على أنها مؤشر اقتصادي في الأسواق المالية، بل عامل مباشر يحدد أمن الغذاء العالمي واستقرار المجتمعات.

إعادة تشغيل مطحنة دير الزور بعد توقف لسنوات

إعادة تشغيل مطحنة دير الزور بعد توقف لسنوات

شهدت محافظة دير الزور خطوة جديدة في مسار إعادة الإعمار، بعد توقيع المؤسسة السورية للحبوب اتفاقية استثمارية مع شركة أليكو لإعادة تأهيل وتشغيل مطحنة دير الزور الحديثة، التي توقفت عن العمل لسنوات طويلة بسبب الحرب.

الاتفاقية التي وُصفت بأنها “استراتيجية”، تنص على تحديث البنية الإنتاجية للمطحنة، وتزويدها بتقنيات ومعدات حديثة، بما يرفع من طاقتها التشغيلية، ويتيح إنتاج طحين بجودة عالية يلتزم بالمعايير الصحية المعتمدة. المشروع، وفق مصادر مطلعة، يأتي لتلبية الاحتياجات المتزايدة من مادة الطحين في المحافظة التي عانت على مدى سنوات من نقص حاد في المواد الغذائية الأساسية.

وقال المدير العام للمؤسسة السورية للحبوب، حسن عثمان، إن الاتفاقية الموقعة مع القطاع الخاص تمثّل خطوة عملية لضمان توفير مادة الطحين بجودة عالية وبشكل مستمر، بما يساهم في تحقيق استقرار نسبي في تأمين الخبز، إحدى أهم السلع الأساسية للمواطنين. وأوضح لـ”العربي الجديد” أن الخطوة “تتجاوز إعادة تأهيل منشأة صناعية متوقفة، لتشكّل استثماراً مباشراً في ملف الأمن الغذائي“، مؤكداً أن التعاون مع شركة خاصة يعكس توجهاً نحو شراكة بين القطاعين العام والخاص في مشاريع تعتبر حساسة على مستوى المعيشة اليومية للسكان.

ولفت إلى أن المؤسسة تمتلك 39 مطحنة عامة، 23 منها تعمل حالياً بطاقة إنتاجية إجمالية تصل إلى نحو 3050 طناً يومياً، في حين تجري الاستعانة بالمطاحن الخاصة عبر عقود طحن لتغطية الطلب كاملاً.

وأشار عثمان إلى أن المؤسسة تعمل على خطة شاملة لصيانة وتأهيل المطاحن العامة لرفع كفاءتها، لافتاً إلى إيقاف مطحنتين في حلب لإعادة تأهيلهما، وكذا صيانة مطاحن في سلمية وجبلة والناصرية والغزلانية. وأضاف أن حاجة محافظة دير الزور وحدها تقدَّر بـ220 طناً يومياً، يجري تأمينها من الإنتاج المحلي، ومن كميات إضافية من محافظات أخرى. ومن المنتظر أن يوفر المشروع أكثر من مئتي فرصة عمل مباشرة لأبناء دير الزور، إلى جانب مئات فرص العمل غير المباشرة في مجالات النقل والخدمات. كما يُعوَّل عليه في تأمين احتياجات المحافظة من مادة الطحين محلياً.

في الوقت نفسه، يرى مراقبون أن إعادة تشغيل المطحنة تحمل دلالات رمزية أيضاً، فهي من أولى المنشآت الإنتاجية الكبرى التي يُعاد تأهيلها في المحافظة، ما قد يشجع على إطلاق مشاريع استثمارية مماثلة في قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات. ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، تبقى التحديات قائمة، خصوصاً في ظل واقع البنية التحتية المتهالكة، وضعف شبكة الكهرباء والنقل، فضلاً عن استمرار العقوبات الاقتصادية التي تعوق استيراد بعض التجهيزات والمواد.

لكن الاتفاقية، برأي خبراء محليين، تمثل بداية يمكن البناء عليها في سبيل إعادة تشكيل بيئة اقتصادية أكثر استقراراً في محافظة لطالما وُصفت بأنها “سلة غذاء” للبلاد. وتندرج هذه الاتفاقية ضمن جهود وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لتعزيز التنمية المستدامة، وتمكين القطاع الخاص من المشاركة الفعالة في إعادة إعمار البنى التحتية الحيوية في سورية. 

إعادة تشغيل مطحنة دير الزور بعد توقف لسنوات

إعادة تشغيل مطحنة دير الزور بعد توقف لسنوات

شهدت محافظة دير الزور خطوة جديدة في مسار إعادة الإعمار، بعد توقيع المؤسسة السورية للحبوب اتفاقية استثمارية مع شركة أليكو لإعادة تأهيل وتشغيل مطحنة دير الزور الحديثة، التي توقفت عن العمل لسنوات طويلة بسبب الحرب.

الاتفاقية التي وُصفت بأنها “استراتيجية”، تنص على تحديث البنية الإنتاجية للمطحنة، وتزويدها بتقنيات ومعدات حديثة، بما يرفع من طاقتها التشغيلية، ويتيح إنتاج طحين بجودة عالية يلتزم بالمعايير الصحية المعتمدة. المشروع، وفق مصادر مطلعة، يأتي لتلبية الاحتياجات المتزايدة من مادة الطحين في المحافظة التي عانت على مدى سنوات من نقص حاد في المواد الغذائية الأساسية.

وقال المدير العام للمؤسسة السورية للحبوب، حسن عثمان، إن الاتفاقية الموقعة مع القطاع الخاص تمثّل خطوة عملية لضمان توفير مادة الطحين بجودة عالية وبشكل مستمر، بما يساهم في تحقيق استقرار نسبي في تأمين الخبز، إحدى أهم السلع الأساسية للمواطنين. وأوضح لـ”العربي الجديد” أن الخطوة “تتجاوز إعادة تأهيل منشأة صناعية متوقفة، لتشكّل استثماراً مباشراً في ملف الأمن الغذائي“، مؤكداً أن التعاون مع شركة خاصة يعكس توجهاً نحو شراكة بين القطاعين العام والخاص في مشاريع تعتبر حساسة على مستوى المعيشة اليومية للسكان.

ولفت إلى أن المؤسسة تمتلك 39 مطحنة عامة، 23 منها تعمل حالياً بطاقة إنتاجية إجمالية تصل إلى نحو 3050 طناً يومياً، في حين تجري الاستعانة بالمطاحن الخاصة عبر عقود طحن لتغطية الطلب كاملاً.

وأشار عثمان إلى أن المؤسسة تعمل على خطة شاملة لصيانة وتأهيل المطاحن العامة لرفع كفاءتها، لافتاً إلى إيقاف مطحنتين في حلب لإعادة تأهيلهما، وكذا صيانة مطاحن في سلمية وجبلة والناصرية والغزلانية. وأضاف أن حاجة محافظة دير الزور وحدها تقدَّر بـ220 طناً يومياً، يجري تأمينها من الإنتاج المحلي، ومن كميات إضافية من محافظات أخرى. ومن المنتظر أن يوفر المشروع أكثر من مئتي فرصة عمل مباشرة لأبناء دير الزور، إلى جانب مئات فرص العمل غير المباشرة في مجالات النقل والخدمات. كما يُعوَّل عليه في تأمين احتياجات المحافظة من مادة الطحين محلياً.

في الوقت نفسه، يرى مراقبون أن إعادة تشغيل المطحنة تحمل دلالات رمزية أيضاً، فهي من أولى المنشآت الإنتاجية الكبرى التي يُعاد تأهيلها في المحافظة، ما قد يشجع على إطلاق مشاريع استثمارية مماثلة في قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات. ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، تبقى التحديات قائمة، خصوصاً في ظل واقع البنية التحتية المتهالكة، وضعف شبكة الكهرباء والنقل، فضلاً عن استمرار العقوبات الاقتصادية التي تعوق استيراد بعض التجهيزات والمواد.

لكن الاتفاقية، برأي خبراء محليين، تمثل بداية يمكن البناء عليها في سبيل إعادة تشكيل بيئة اقتصادية أكثر استقراراً في محافظة لطالما وُصفت بأنها “سلة غذاء” للبلاد. وتندرج هذه الاتفاقية ضمن جهود وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لتعزيز التنمية المستدامة، وتمكين القطاع الخاص من المشاركة الفعالة في إعادة إعمار البنى التحتية الحيوية في سورية. 

إعادة تشغيل مطحنة دير الزور بعد توقف لسنوات

إعادة تشغيل مطحنة دير الزور بعد توقف لسنوات

شهدت محافظة دير الزور خطوة جديدة في مسار إعادة الإعمار، بعد توقيع المؤسسة السورية للحبوب اتفاقية استثمارية مع شركة أليكو لإعادة تأهيل وتشغيل مطحنة دير الزور الحديثة، التي توقفت عن العمل لسنوات طويلة بسبب الحرب.

الاتفاقية التي وُصفت بأنها “استراتيجية”، تنص على تحديث البنية الإنتاجية للمطحنة، وتزويدها بتقنيات ومعدات حديثة، بما يرفع من طاقتها التشغيلية، ويتيح إنتاج طحين بجودة عالية يلتزم بالمعايير الصحية المعتمدة. المشروع، وفق مصادر مطلعة، يأتي لتلبية الاحتياجات المتزايدة من مادة الطحين في المحافظة التي عانت على مدى سنوات من نقص حاد في المواد الغذائية الأساسية.

وقال المدير العام للمؤسسة السورية للحبوب، حسن عثمان، إن الاتفاقية الموقعة مع القطاع الخاص تمثّل خطوة عملية لضمان توفير مادة الطحين بجودة عالية وبشكل مستمر، بما يساهم في تحقيق استقرار نسبي في تأمين الخبز، إحدى أهم السلع الأساسية للمواطنين. وأوضح لـ”العربي الجديد” أن الخطوة “تتجاوز إعادة تأهيل منشأة صناعية متوقفة، لتشكّل استثماراً مباشراً في ملف الأمن الغذائي“، مؤكداً أن التعاون مع شركة خاصة يعكس توجهاً نحو شراكة بين القطاعين العام والخاص في مشاريع تعتبر حساسة على مستوى المعيشة اليومية للسكان.

ولفت إلى أن المؤسسة تمتلك 39 مطحنة عامة، 23 منها تعمل حالياً بطاقة إنتاجية إجمالية تصل إلى نحو 3050 طناً يومياً، في حين تجري الاستعانة بالمطاحن الخاصة عبر عقود طحن لتغطية الطلب كاملاً.

وأشار عثمان إلى أن المؤسسة تعمل على خطة شاملة لصيانة وتأهيل المطاحن العامة لرفع كفاءتها، لافتاً إلى إيقاف مطحنتين في حلب لإعادة تأهيلهما، وكذا صيانة مطاحن في سلمية وجبلة والناصرية والغزلانية. وأضاف أن حاجة محافظة دير الزور وحدها تقدَّر بـ220 طناً يومياً، يجري تأمينها من الإنتاج المحلي، ومن كميات إضافية من محافظات أخرى. ومن المنتظر أن يوفر المشروع أكثر من مئتي فرصة عمل مباشرة لأبناء دير الزور، إلى جانب مئات فرص العمل غير المباشرة في مجالات النقل والخدمات. كما يُعوَّل عليه في تأمين احتياجات المحافظة من مادة الطحين محلياً.

في الوقت نفسه، يرى مراقبون أن إعادة تشغيل المطحنة تحمل دلالات رمزية أيضاً، فهي من أولى المنشآت الإنتاجية الكبرى التي يُعاد تأهيلها في المحافظة، ما قد يشجع على إطلاق مشاريع استثمارية مماثلة في قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات. ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، تبقى التحديات قائمة، خصوصاً في ظل واقع البنية التحتية المتهالكة، وضعف شبكة الكهرباء والنقل، فضلاً عن استمرار العقوبات الاقتصادية التي تعوق استيراد بعض التجهيزات والمواد.

لكن الاتفاقية، برأي خبراء محليين، تمثل بداية يمكن البناء عليها في سبيل إعادة تشكيل بيئة اقتصادية أكثر استقراراً في محافظة لطالما وُصفت بأنها “سلة غذاء” للبلاد. وتندرج هذه الاتفاقية ضمن جهود وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لتعزيز التنمية المستدامة، وتمكين القطاع الخاص من المشاركة الفعالة في إعادة إعمار البنى التحتية الحيوية في سورية.