من الشائع أن يلجأ الناس إلى الطعام كوسيلة للتعامل مع المشاعر القوية والصعبة. فعندما نأكل استجابةً لعواطفنا يُطلق على ذلك اسم “الأكل العاطفي”، وهو سلوك واسع الانتشار يكاد يُمارَس من قبل الجميع في أوقات مختلفة.
ورغم أنّ الأكل قد يبدو طريقة فعّالة للتخفيف من الضغط في لحظته، إلا أنّه لا يعالج السبب الحقيقي. فإذا كنت تشعر بالتوتر أو القلق أو الملل أو الحزن أو الوحدة أو الإرهاق، فإن الطعام لا يمكنه أن يُزيل تلك المشاعر من جذورها. بل إنّ بعض الأشخاص يدخلون في دورة معقّدة: يلجؤون إلى الطعام للتخفيف من التوتر، ثم يشعرون بالذنب والعار بعد الأكل، فتتفاقم مشاعرهم السلبية بدلًا من أن تنحسر.
ما هو الأكل العاطفي؟
الأكل العاطفي هو الميل إلى تناول الطعام كردّ فعل للمشاعر السلبية مثل التوتر، الحزن، القلق أو الوحدة، بدلًا من الاستجابة للجوع الجسدي. وغالبًا ما يرتبط هذا السلوك بتناول أطعمة عالية السعرات والدهون مثل الشوكولاتة، البطاطس المقلية أو الآيس كريم، بهدف التهدئة أو تشتيت الانتباه.
ويُعدّ هذا السلوك آلية تكيّف يستخدمها البعض للتعامل مع المشاعر غير المرغوبة. ورغم أنّه لا يُصنَّف كاضطراب أكل رسمي، فإنّ هناك استراتيجيات صحية تساعد على التكيّف معه بشكل فعّال، بحسب موقع Psych Central.
لماذا نلجأ للطعام؟
هناك أسباب عدّة تجعل الناس يلجؤون إلى الطعام عند مواجهة المشاعر الصعبة، وفق ما ورد في موقع Healthline. فالمشاعر السلبية تولّد أحيانًا شعورًا بالفراغ أو النقص العاطفي، بينما يؤدي تناول الطعام إلى إفراز مادة “الدوبامين” في الدماغ، وهي مادة كيميائية مرتبطة بالمتعة والرضا، ما يجعل الطعام يبدو وكأنّه حلّ سريع ومريح.
الأكل العاطفي هو الميل إلى تناول الطعام كرد فعل للمشاعر السلبية – غيتي
ومع مرور الوقت، قد تتكوّن عادات وروتينيات مرتبطة بالطعام. فإذا اعتاد شخص ما أن يأكل كلما شعر بالتوتر، فقد يبدأ تلقائيًا باللجوء إلى الطعام عند أول إشارة ضغط، من دون وعي أو إدراك للسبب.
كما أنّ الطعام قانونيًا ومتوفر في كل مكان، ما يجعله وسيلة سهلة وسريعة للحصول على الراحة. ولا يمكن إغفال أنّ الرسائل والصور المرتبطة بالطعام، سواء عبر الإعلانات أو وسائل التواصل الاجتماعي، قد تثير مشاعر الجوع حتى في غياب الحاجة الفعلية للأكل.
ما هي علامات الأكل العاطفي؟
تشمل أبرز العلامات الدالة على الأكل العاطفي ما يلي:
-
تناول الطعام عند الشعور بالحزن أو الانزعاج.
-
الأكل بسرعة كبيرة.
-
الشعور بالذنب أو الخجل بعد الأكل.
-
الإكثار من الوجبات السريعة.
-
الإفراط في تناول الطعام.
-
الرغبة الشديدة في أطعمة محدّدة.
-
زيادة الوزن بشكل غير مقصود.
ما هي أسباب الأكل العاطفي؟
رغم أنّ الإنسان يمرّ بمجموعة واسعة من المشاعر، إلا أنّ بعض المشاعر السلبية تُحفّز هذا السلوك أكثر من غيرها، ومن أبرزها: الضغط النفسي، الغضب، القلق، الحزن والملل.
وتُظهر الدراسات أنّ الأكل العاطفي قد يكون أكثر شيوعًا لدى النساء أو لدى ذوي البشرة البيضاء من غير أصول لاتينية. كما أنّ وتيرته تميل إلى الانخفاض مع التقدّم في العمر.
ففي دراسة أجريت عام 2021، تبيّن أنّ الأشخاص الذين يجدون صعوبة في تأجيل الإشباع اللحظي تزيد احتمالية لجوئهم إلى الأكل العاطفي بنسبة 18% مقارنةً بمن يتمتعون بضبط النفس.
وأشارت دراسة أخرى عام 2019 إلى أنّ تغيّرات في منطقة “الوطاء الوحشي” (Lateral Hypothalamus) في الدماغ قد تزيد الميل إلى هذا السلوك بالتوازي مع ارتفاع مستويات التوتر.
غالبًا ما يتضمن الأكل العاطفي تناول أطعمة عالية السعرات – غيتي
إلى جانب ذلك، يلعب نوع الطعام دورًا أساسيًا؛ فالأطعمة الغنية بالسكر المكرّر والدهون العالية قد تُحدث تأثيرات إدمانية من خلال تغيير مسارات المكافأة في الدماغ، ما يزيد من الرغبة في تناولها مرارًا.
كيف تتوقف عن الأكل العاطفي؟
على الرغم من أنّ الأكل العاطفي لا يُعدّ اضطرابًا طبيًا بحد ذاته، إلا أنّه يمكن التخفيف من حدّته عبر مجموعة من الاستراتيجيات:
-
طلب المساعدة من مختصين: يمكن البدء باستشارة طبيب الأسرة الذي قد يُحيلك إلى أخصائي تغذية أو مختص في الصحة النفسية.
-
إيجاد بدائل للتعامل مع التوتر: أظهرت دراسة عام 2018 أنّ البحث عن وسائل أخرى لإدارة الضغط النفسي يقلّل من نوبات الأكل العاطفي.
-
-
مآذارة الرياضة: التمارين البدنية تخفّف من حدّة المشاعر السلبية والاكتئاب، وهما من أبرز محفّزات الأكل العاطفي.
-
تقنيات الحدّ من التوتر: تساعد على تعزيز الوعي بإشارات الجوع والشبع الجسدية، التي غالبًا ما يتم تجاهلها تحت الضغط.
-
تبنّي أسلوب “الأكل الواعي”: يشمل الانتباه لإشارات الجوع والشبع، تناول الطعام ببطء، تذوّق كل لقمة بوعي، وتسجيل ما يتم تناوله في مفكرة أو تطبيق لمراجعة أنماط الأكل وأسبابها.
كما يمكن التخفيف من تأثير الأكل العاطفي عبر خطوات عملية مثل إزالة الأطعمة الغنية بالسكريات والدهون من المنزل، أو الاحتفاظ بخضروات مغسولة ومقطّعة في الثلاجة لتكون خيارًا صحيًا جاهزًا عند الحاجة.
وفي حال لم تنجح استراتيجيات المساعدة الذاتية، قد يكون من المفيد اللجوء إلى معالج مختص في الصحة النفسية، وفق موقع “أياركلينك“، إذ يمكن أن يساعد العلاج النفسي على فهم الأسباب العميقة وراء الأكل العاطفي وتعلّم مهارات جديدة للتأقلم الصحي مع المشاعر. وقد يكشف أيضًا ما إذا كان الأمر جزءًا من اضطراب أكل فعلي يحتاج إلى معالجة متخصّصة.