كيف تتعرض التجارة القانونية للأعضاء البشرية في الولايات المتحدة للاستغلال؟

كيف تتعرض التجارة القانونية للأعضاء البشرية في الولايات المتحدة للاستغلال؟

كان هارولد ديلارد يبلغ من العمر 56 عاماً، عندما تم تشخيص إصابته بسرطان خبيث في منطقة البطن، في تشرين الثاني/ تشرين الثاني من عام 2009. وفي غضون أسابيع، أصبح هذا الميكانيكي السابق والعامل الماهر – وهو من النوع الذي يطلق عليه في تكساس لقب “السيد المُصلِّح” والذي كان يرتدي قبعة رعاة البقر والجينز كل يوم تقريباً – في مركز رعاية في مرحلة الاحتضار.

خلال أيامه الأخيرة، زارت شركة تدعى”بيو كير” Bio Care، ديلارد في مركز الرعاية.

سألوه عما إذا كان يرغب في التبرع بجسده للعلوم الطبية، حيث يمكن للأطباء استخدامه للتدرب على جراحة استبدال الركبة. كانت الشركة ستحرق أجزاء جسده التي لن يتم استخدامها، وتعيد رماده (إلى موطنه) مجاناً.

تتذكر ابنته فرح فاسولد: “برقت عيناه… كان يرى أن ذلك يخفف العبء على عائلته. كان التبرع بجسده آخر شيء يمكنه القيام به بإيثار للغير”.

  • التبرع بالجثث والأعضاء البشرية للبحث العلمي: هدف نبيل وانتهاكات كثيرة
  • تجارة الأعضاء: كيف خدعت عصابة عائلات الضحايا في الصين؟

توفي ديلارد عشية عيد الميلاد، وفي غضون ساعات، توقفت سيارة تابعة لشركة “بيو كير” خارج مركز الرعاية ونقلت جثته. بعد بضعة أشهر، تلقت ابنته مكالمة من الشرطة. كانوا قد عثروا على رأس والدها.

صورة هارولد ديلارد (يسار) مع ابنته
تعرضت جثة هارولد ديلارد “للتشويه”، كما تقول ابنته فرح فاسولد

في مستودع الشركة، تقول الشرطة إنها عثرت على أكثر من 100 جزء من جثث 45 شخصاً. كتب محقق في ذلك الوقت: “يبدو أن جميع الجثث قد تم تقطيعها بواسطة أداة قطع خشنة، مثل منشار كهربائي”.

تقول فاسولد إنها كانت تتخيل أن جثة والدها ستُعامل باحترام، لكنها تعتقد أنه تم “تشويهها” بدلاً من ذلك.

“كنت أغمض عيني في الليل، وأرى أحواضاً حمراء ضخمة مليئة بأجزاء من الجثث. كنت أعاني من الأرق. لم أكن أنام”.

وقالت الشركة في ذلك الوقت من خلال محامٍ إنها تنفي إساءة معاملة الجثث. لم تعد الشركة موجودة الآن، ولم يُتمكن من الوصول إلى مالكيها السابقين للتعليق.

كانت هذه أول مرة تتعرف فيها فاسولد على عالم ما يسمى بـ “سماسرة الجثث”: شركات خاصة تحصل على الجثث وتقطعها ثم تبيع الأطراف لتحقيق ربح، غالباً إلى مراكز الأبحاث الطبية.

بالنسبة للمنتقدين، تمثل هذه الصناعة شكلاً حديثاً من أشكال نهب القبور. ويجادل آخرون بأن التبرع بالجثث ضروري للبحوث الطبية، وأن الشركات الخاصة تملأ ببساطة فجوة تركتها الجامعات، التي تفشل باستمرار في الحصول على ما يكفي من الجثث لدعم برامجها التعليمية والبحثية.

على الرغم من أن فاسولد لم تدرك هذا في ذلك الوقت، إلا أن قضية والدها تلقي الضوء على نقاش عاطفي يلامس جوهر أفكارنا عن الحياة، وما يعنيه أن يحظى الإنسان بـ “موت كريم”.

  • تجارة الأعضاء: كيف تمكن نيجيري من الفرار من مهربي بشر حاولوا سرقة كليته في بريطانيا؟

تجارة الجثث

منذ القرن التاسع عشر على الأقل، عندما انتشر تدريس الطب، أعجب بعض الأشخاص ذوي العقلية العلمية بفكرة استخدام جثثهم لتدريب الأطباء.

براندي شميت هي مديرة برنامج التبرع بالأعضاء في جامعة كاليفورنيا، وهو وجهة شهيرة للأشخاص الذين يرغبون في التبرع بجثثهم. تقول إنهم تلقوا العام الماضي 1,600 “تبرع كامل بالجسد”، ولديهم قائمة تضم ما يقرب من 50 ألف شخص على قيد الحياة، سجلوا بالفعل نيتهم للتبرع.

غالباً ما يكون التبرع بالجثث مدفوعاً بالإيثار البسيط، كما تقول: “كثير من الناس إما متعلمون أو مهتمون بالتعليم”.

لكن العوامل المالية تلعب دوراً أيضاً. تقول شميت إن الجنازات باهظة التكلفة، ويغري الكثيرين احتمال أن يتم نقل جثثهم مجاناً.

متجر الجثث

تسلط المحادثات مع سماسرة الجثث والعلماء والأسر المتضررة الضوء على هذه الصناعة الغامضة.

مثل معظم كليات الطب، لا تحقق جامعة كاليفورنيا أرباحاً من برنامج التبرع بالأجساد، ولديها قواعد صارمة حول كيفية التعامل مع تلك الجثث.

ولكن في العقود الأخيرة، ظهر شيء أكثر إثارة للجدل في الولايات المتحدة: شبكة من الشركات الربحية التي تعمل كوسطاء، حيث تحصل على الجثث من الأفراد، وتشرحها، ثم تبيعها. يطلق عليهم على نطاق واسع اسم سماسرة الجثث، على الرغم من أن الشركات تسمي نفسها “بنوك الأنسجة غير المخصصة للزراعة”.

بعض العملاء من جامعات تستخدم الجثث لتدريب الأطباء، وشركات هندسة طبية، تستخدم الأطراف لاختبار منتجات مثل مكونات مفصلية صناعية تستخدم لاستبدال الأجزاء التالفة من مفصل الورك.

يذكر أن تجارة الأعضاء البشرية الربحية محظورة فعلياً في المملكة المتحدة ودول أوروبية أخرى، لكن التنظيم الأقل صرامة في الولايات المتحدة سمح لهذه التجارة بالازدهار.

أكبر تحقيق من نوعه – أجراه الصحفي براين غرو من وكالة رويترز للأنباء في عام 2017 – حدد 25 شركة سمسرة أعضاء ربحية في الولايات المتحدة. حققت إحدى هذه الشركات 12.5 مليون دولار على مدى ثلاث سنوات، من تجارة أعضاء الجسم البشري.

تحظى بعض هذه الشركات باحترام واسع النطاق، وتدعي أنها تتبع مبادئ أخلاقية صارمة. بينما اتُهمت شركات أخرى بعدم احترام الموتى، واستغلال الأشخاص الضعفاء المكلومين.

تجارة عالمية

تقول جيني كليمان، التي أمضت سنوات في البحث في هذا الموضوع لتؤلف كتابها “ثمن الحياة”، إن هذه التجارة نمت بسبب ثغرة في اللوائح الأمريكية.

في حين أن قانون الأنسجة البشرية البريطاني يحظر -باستثناءات محدودة- تحقيق الربح من أي جزء بشري، لا يوجد قانون مماثل في الولايات المتحدة.

من الناحية النظرية، يحظر قانون التبرع التشريحي الموحد في الولايات المتحدة بيع الأنسجة البشرية – لكن القانون نفسه يسمح بفرض “مبلغ معقول” مقابل “معالجة” جزء من الجسم البشري.

وقد جعلت هذه الثغرات من الولايات المتحدة مُصدِّراً عالمياً للجثث. ووجدت كليمان في كتابها أن إحدى أكبر الشركات الأمريكية شحنت أعضاء بشرية إلى أكثر من 50 دولة، بينها بريطانيا.

وتقول السيدة كليمان: “في العديد من البلدان هناك نقص في التبرعات. والمكان الذي يمكنهم الحصول منه على الجثث هو أمريكا”.

لا يوجد سجل رسمي للوسطاء، ومن الصعب العثور على إحصاءات دقيقة. لكن وكالة رويترز للأنباء قدَّرت أن الوسطاء في الولايات المتحدة تلقوا ما لا يقل عن 50 ألف جثة، ووزعوا أكثر من 182 ألف جزء من الجسم بين عامي 2011 و2015.

  • تجارة الأعضاء: كيف خدعت عصابة عائلات الضحايا في الصين؟

“جثث الولاية”

بالنسبة للبعض، يمثل سماسرة الجثث من القطاع الخاص أسوأ أنواع الجشع المرتبط بالموت.

في تحقيقه لرويترز، وجد براين غرو حالات أصبح فيها السماسرة “متشابكين مع صناعة الجنازات الأمريكية”، من خلال ترتيبات تقوم فيها دور الجنازات بتقديم السماسرة إلى أقارب المتوفى حديثاً. في المقابل، تتلقى الدار رسوم إحالة “عمولة”، تتجاوز أحياناً ألف دولار.

من السهل العثور على قصص مرعبة، وبسبب اللوائح التنظيمية غير المُحكمة في الولايات المتحدة، غالباً ما لا يكون هناك أي سبيل قانوني لإنصاف المظلومين عندما تسوء الأمور.

بعد مشكلتها مع شركة “بيو كير”، كانت فاسولد تأمل في إقامة دعوى جنائية. بالإضافة إلى حقيقة أن أطراف والدها ربما تم قطعها بمنشار كهربائي، كانت متشككة في الطرد الذي تلقته عبر البريد، في كيس بلاستيكي، ادعت الشركة أنه رماد والدها. تقول إن محتويات الطرد لم تبدو أنها رماد بشري، كما أنها لم تشعر بذلك.

هارولد ديلارد
تقول ابنته إن هارولد ديلارد كان “راعي بقر” تكساسي كلاسيكي

تم توجيه تهمة الاحتيال في البداية إلى مالك شركة “بيوكير”، ولكن تم سحب التهمة لاحقاً لأن النيابة العامة لم تستطع إثبات وجود نية للخداع.

شعرت فاسولد باليأس المتزايد، فاتصلت بالمدعي العام المحلي. ولكن قيل لها إن الشركة لم تنتهك أي قانون جنائي في الولاية.

ومما يثير الجدل بنفس القدر التبرعات بـ”جثث الولاية”، عندما يموت شخص مشرد في الشارع، أو يموت شخص في المستشفى دون أن يكون له أقارب معروفون، يتم التبرع بجثته للعلم.

من الناحية النظرية، يحاول مسؤولو المقاطعة أولاً العثور على الأقارب، ولا يتم التبرع بالجثة إلا إذا تعذر عليهم العثور على أي شخص.

لكن بي بي سي علمت أن هذا قد لا يحدث دائماً.

في العام الماضي، كان تيم ليغيت يتصفح تطبيقاً إخبارياً في منزله في تكساس، عندما عثر على قائمة بأسماء أشخاص محليين تم استخدام جثثهم بهذه الطريقة.

صُدم عندما رأى اسم شقيقه الأكبر، ديل، الذي كان يعمل سائق رافعة (شاحنة لرفع الأحمال) وتوفي قبل عام بسبب فشل تنفسي.

استخدمت شركة تعليم طبي ربحية جثة شقيقه، لتدريب أطباء التخدير. كانت هذه الجثة واحدة من أكثر من 2,000 جثة، لم يطالب بها أحد، تم تسليمها إلى مركز العلوم الصحية بجامعة شمال تكساس بين عامي 2019 و2024، بموجب اتفاقيات مع مقاطعتي دالاس وتارانت.

  • التبرع بالجثث والأعضاء البشرية للبحث العلمي: هدف نبيل وانتهاكات كثيرة

يقول ليغيت: “كنت غاضباً. لم يكن أخي يرغب في أن يكون موضوعاً للنقاش، أو أن يشار إليه بهذا الشكل”.

يتذكر ليغيت أن شقيقه كان رجلاً هادئاً “يريد فقط أن يُترك وشأنه”، وكان كرهه للتكنولوجيا يجعل من الصعب البقاء على اتصال به. ومع ذلك، يقول ليغيت إن شقيقه كان إنساناً، مثل أي شخص آخر، يستحق أن يُعامل بكرامة في موته.

يتذكر: “كان يحب كتب مارفل الكوميدية، وكان لديه قطة سماها كات”.

في بيان إلى بي بي سي، قدم مركز العلوم الصحية بجامعة شمال تكساس “أعمق اعتذاراته” للعائلات المتضررة، وقال إنه “يعيد تركيز” برنامجه على التعليم و”تحسين جودة الصحة للعائلات والأجيال القادمة”.

وأكد المركز أنه منذ ظهور القصة لأول مرة العام الماضي، قام بفصل الموظفين الذين أشرفوا على البرنامج.

هل تم تشويه صورتهم بشكل غير عادل؟

لكن إذا نحينا قصص الرعب مثل هذه جانباً، يشير آخرون إلى أن التبرع بالجثث يلعب دوراً حاسماً في الاكتشافات العلمية.

تقول براندي شميت من جامعة كاليفورنيا إن الجثث تُستخدم، في أبسط المستويات، لتعليم الأطباء أو لتدريب الجراحين على إجراء العمليات المعقدة.

غالباً ما تكون هذه هي المرة الأولى التي يعمل فيها طالب الطب مع لحم ودم حقيقيين، وهي تجربة لا يمكن محاكاتها من خلال الكتب الدراسية.

وتقول: “هؤلاء الطلاب سيمضون قدماً لمساعدة الناس”.

ثم هناك الجثث المستخدمة للمساعدة في هندسة علاجات جديدة. تشير شميت إلى عدد من التقنيات التي لم يتم تطويرها، كما تقول، إلا بعد اختبارها على الجثث. وتشمل هذه التقنيات استبدال الركبة والورك، والجراحة الروبوتية، وأجهزة تنظيم ضربات القلب.

شخص يمسك بأدوات جراحية
بالنسبة للعديد من طلاب الطب، فإن التدريب على جثة ميتة هو أول مرة يعملون فيها على لحم ودم حقيقيين

يقول بعض الوسطاء الخاصين إنهم يتعرضون لاتهامات غير عادلة. يقول كيفن لوبرايرا، الذي يعمل في إحدى كبريات شركات “تجارة الجثث”، إن اعتمادها من قبل الجمعية الأمريكية لبنوك الأنسجة يعني أنها يجب أن تتبع المبادئ التوجيهية، التي تحدد كيفية معاملة الجثث وتخزينها. الاعتماد طوعي – وقد وقعت عليه سبع شركات – ولا يحتاج الوسيط الخاص إليه للعمل بشكل قانوني.

يقول لوبرايرا إن المشكلة لا تكمن في “الشركات النزيهة مثل شركته، بل في الشركات غير النزيهة”. ويضيف: “لا تزال هناك برامج غير معتمدة. أنا أقول للناس دائماً: ابتعدوا عنها”.

ويضيف أنه من الخطأ تشديد اللوائح المنظمة لصناعته، إلى درجة القضاء عليها بالكامل، بسبب بعض “الشركات الفاسدة”.

ماذا بعد التجارة الربحية؟

كل من تحدثت إليهم تقريباً -من جميع أطراف النقاش- يعتقدون أن هناك حاجة إلى مزيد من التنظيم في الولايات المتحدة.

إذاً، كيف يمكن أن يكون ذلك؟

ترى شميت، من جامعة كاليفورنيا، أن الولايات المتحدة يمكن أن تحذو حذو الدول الأوروبية، وتحظر سمسرة الأعضاء البشرية الربحية.

وتقول إن هناك بعض “التكاليف المشروعة” التي تترتب على معالجة الجثث، مثل الإنفاق على النقل والمواد الكيميائية الحافظة. وتقول إنه من المعقول أن تفرض الشركات رسوماً على هذه التكاليف. لكن فكرة تحقيق ربح فعلي تجعل الكثيرين يشعرون بالاشمئزاز.

وتقول: “أعتقد أن القدرة على بيع الرفات البشرية، أو تحقيق ربح منها، تعقد الفكرة الإيثارية للتبرع من أجل التعليم”.

وتقترح أن تحذو الولايات المتحدة حذو سياستها الخاصة بالتبرع بالأعضاء، التي يحكمها قانون التبرع التشريحي الموحد، وتحظر بيع الأعضاء.

لكن المؤلفة كليمان تقول إنه إذا حظرت الولايات المتحدة التبرع بالجثث بهدف الربح غداً، فلن يكون هناك ما يكفي من الجثث لتلبية الطلب.

وتقول: “إذا كنت لا تريد أن يكون هناك تجارة في هذه الأعضاء، فنحن بحاجة إلى إيجاد طريقة لجعل المزيد من الناس يتبرعون بدافع الإيثار”.

وهي تحث الجامعات على إطلاق حملات ترويجية أكثر قوة، تطلب فيها مباشرة التبرع بالجثث. “لا توجد حملة توعية عامة مماثلة لتلك الموجودة للتبرع بالأعضاء (بهدف الربح)، على سبيل المثال”.

وتقول إنه بمجرد معالجة هذا النقص، يمكن للولايات المتحدة حظر التبرع بهدف الربح.

ومن الممكن أيضاً أن يؤدي التقدم في تكنولوجيا الواقع الافتراضي (VR) إلى عدم الحاجة إلى الجثث الحقيقية في المستقبل. يمكن للطبيب المتدرب ببساطة ارتداء سماعة رأس والتدرب على مريض، تم إنشاؤه بواسطة الكمبيوتر.

في عام 2023، أصبحت جامعة “كيس ويسترن ريزيرف” واحدة من أوائل كليات الطب في الولايات المتحدة، التي أزالت الجثث البشرية من برنامجها التدريبي، واستبدلتها بنماذج الواقع الافتراضي.

وقال مارك غريسوولد، أستاذ في الكلية، لموقع Lifewire الإلكتروني في ذلك الوقت إن الأجساد البشرية الحقيقية تحافظ على “ألوان الجسم وملمسه، ما قد يجعل من الصعب تمييز – على سبيل المثال – العصب عن الأوعية الدموية”.

في المقابل، قال إن برنامج الكمبيوتر “يوفر للطلاب خريطة ثلاثية الأبعاد واضحة تماماً لهذه الهياكل التشريحية، وعلاقاتها ببعضها”.

لكن كليمان تقول إن تقنية الواقع الافتراضي، بشكل عام، ليست جيدة بما يكفي حتى الآن لمحاكاة التدريب على الجثث.

في الوقت الراهن، يبدو أن الطلب على الجثث البشرية سيظل قائماً، وكذلك الأموال التي يمكن ربحها.

لصالح العمال أم أصحاب الأعمال؟ جدل حول قانون العمل الجديد في مصر

لصالح العمال أم أصحاب الأعمال؟ جدل حول قانون العمل الجديد في مصر

“قانون العمل طلع بشكل متوازن عشان كانت نيتنا حقيقية وكنا صادقين”، هكذا أعلن وزير العمل المصري محمد جبران عن بدء سريان تنفيذه.

القانون الجديد يبدأ العمل به اعتباراً من الأول من أيلول/ أيلول، بعد أن صدَّق عليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أيار/ أيار الماضي.

رغم أن القانون مرَّ بمراحل عديدة من النقاش في مجلس النواب، فإنه قوبل بانتقادات لاذعة من عدد من منظمات حقوق الإنسان والنقابات العمالية، التي رأت أن القانون لا يحقق التوازن المنشود بين حقوق العمال وأصحاب العمل.

بينما ترى الحكومة المصرية أنه “سيحقق المصلحة للجميع”، كما سيساهم في جذب المزيد من الاستثمارات إلى البلاد.

وقد تقدمت الحكومة المصرية بمشروع قانون العمل الجديد للمرة الثانية في تشرين الثاني/ تشرين الثاني الماضي، بعدما سحبته منذ عامين من مجلس النواب، بعد مواجهة اعتراضات مجتمع الأعمال.

أبرز نقاط الخلاف: العلاوة السنوية

تنص المادة (12) من قانون العمل الجديد على استحقاق العاملين، بعد سنة من تعيينهم، علاوة سنوية دورية لا تقل عن 3% من الأجر التأميني، بدلًا من نسبة الـ7% من الأجر الأساسي في القانون الحالي، وذلك في ضوء القواعد التي يصدرها المجلس القومي للأجور.

وذكرت “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”، في ورقة بحثية بعنوان: “ما العمل في قانون العمل؟”، أن القانون الجديد يمثل امتدادًا لسياسات تميل إلى أصحاب الأعمال والمستثمرين على حساب العمال، في وقت تتراجع فيه مستويات المعيشة عند العاملين بأجر، وتزداد معدلات الفقر بينهم، ويتراجع نصيبهم من الناتج المحلي الإجمالي.

ويرى مدير وحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمبادرة، وائل جمال، أن إقرار العلاوة السنوية بنسبة 3% فقط من الأجر التأميني، وهو قليل مقارنة بالأجر الأساسي، في بلد مثل مصر تتزايد فيه معدلات التضخم، يعني استمرار تآكل قيمة الأجور الحقيقية، وهو ما يحدث منذ 25 عامًا، وأثَّر سلبًا على حياة المواطنين ومستواهم الاجتماعي والمعيشي.

ويتابع جمال أن مشروع القانون يتجاهل ربط الأجور بمعدل التضخم ومستوى الأسعار، بما يُخلّ بـ”تحقيق التوازن والعدالة بين طرفي علاقة العمل”، ويرى أنه كان من الأفضل ربط العلاوة السنوية بمعدل التضخم السنوي، لضمان الحفاظ على القوة الشرائية للعمال.

وشهد العام الماضي موجة من زيادات الأسعار، إذ رفعت الحكومة أسعار تذاكر المترو والقطارات في آب 2024 بنسبة تراوحت بين 12.5% و25%، ضمن خطة تقليص الدعم. كما رفعت سعر رغيف الخبز المدعم بنسبة 300% لأول مرة منذ أكثر من 30 عامًا، ثم تبع ذلك زيادات في أسعار الإنترنت والكهرباء والوقود ومواد البناء.

ويقول جمال: صحيح أن القانون يشير إلى ضرورة تطبيق الحد الأدنى للأجور، لكنه لا يملك أي آلية لتنفيذ ذلك.

من جهته، يدافع رئيس لجنة القوى العاملة بمجلس النواب المصري، عادل عبد الفضيل، عن تلك المادة ويقول إن العلاوة المنصوص عليها هي الحد الأدنى لحقوق العمال، مما يعني أنه من المتاح لأصحاب الأعمال زيادتها، كما أن المجلس الأعلى للأجور يقر الزيادات بشكل دوري بما يضمن تحقيق التوازن بين العامل وصاحب العمل، وربط الأجر بالإنتاج.

نص القانون على عدم جواز تشغيل العامل أكثر من 8 ساعات يوميا
عامل بناء في قطاع المقاولات

عدد ساعات العمل: لصالح من؟

نص القانون على عدم جواز تشغيل العامل أكثر من ثماني ساعات يوميًا أو 48 ساعة أسبوعيًا، ولا يدخل في حسابها الفترات المخصصة لتناول الطعام والراحة. وهو لا يختلف كثيرًا عن القانون القديم، وهو ما يعتبره وائل جمال “رقمًا غير إنساني، كما أن الظروف الاستثنائية التي يقل أو يزيد عنها هذا الرقم وفقًا لهذا القانون غير واضحة”.

ويشرح جمال: في لحظات التضخم المرتفع يُعتبر تخفيض عدد ساعات العمل من أفضل وسائل زيادة الأجر الحقيقي للعاملين، لكن في المقابل نجد مصر تُقر قانون عمل جديدًا تحتفظ فيه بواحد من أطول ساعات العمل الرسمية، مقابل انخفاضها في العالم المتقدم عن أربعين ساعة أسبوعيًا.

في المقابل، يرى رئيس لجنة القوى العاملة بمجلس النواب المصري أن القانون يعطي مرونة في زيادة أو نقصان عدد الساعات حسب حاجة العمل. كما أن القانون أعطى للعامل حق التمتع بإجازة سنوية، وأعطى لصاحب العمل الحق في تحديد مواعيد هذه الإجازة.

القانون الجديد يحظر الإضراب في المنشآت الحيوية
مجموعة من العمال داخل أحد المصانع المصرية

هل ينزع القانون سلاح الإضراب؟

نص قانون العمل المصري الجديد على ضرورة إعلان العمال عن مواعيد الإضراب، وإخطار كلٍّ من صاحب العمل والجهة الإدارية المختصة قبل التاريخ المحدد للإضراب بعشرة أيام على الأقل، على أن يتضمن الإخطار الأسباب الدافعة للإضراب ومواعيده. ويُعفى صاحب العمل من الالتزام بسداد أجور العمال خلال فترة إضرابهم.

ويرى جمال أن القانون الجديد ينزع السلاح الوحيد من يد العمال وهو الإضراب، “لأنه يضع شرط استنفاد طرق التسوية الودية للمنازعات أولًا، وهي شروط تجعل الإضراب تقريبًا مستحيلًا”.

وينص القانون الجديد على حظر الإضراب في المنشآت الحيوية التي تقدم خدمات أساسية أو في الظروف الاستثنائية، وهو ما يثير تساؤلات لدى كمال عباس، المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية، حول كيفية تحديد هذه المنشآت. ويقول: كان من الأفضل وضع إطار قانوني بدلاً من انتظار قرار من رئيس الوزراء لتحديد ماهية تلك المنشآت. مشيرًا إلى أن نهاية الإضراب يجب أن تحدد من خلال التفاوض وليس وفقًا لمواعيد مسبقة، وبهذا الشرط يفقد الإضراب شرعيته.

في المقابل، يرى عادل عبد الفضيل، رئيس لجنة القوى العاملة بمجلس النواب المصري، أن حق الإضراب منصوص عليه في الدستور المصري، كما أن مصر موقعة على اتفاقيات منظمة العمل الدولية التي تكفله، وأن القانون الجديد لم يحظره، ولكنه وضع قواعد تنظيمية لكل من الإضراب الجزئي والكلي ونظم مواعيده، حتى لا يُترك على إطلاقه ويعطل عملية الإنتاج.

هل من مزايا جديدة في القانون؟

يقول عادل عبد الفضيل، رئيس لجنة القوى العاملة بمجلس النواب المصري، إن القانون جاء بعد حوار مجتمعي راعى التطورات في سوق العمل في مصر من أجل معالجة الخلل في العلاقة بين العامل وصاحب العمل.

ويعدد عبد الفضيل مزايا القانون الجديد، مثل وضع مسؤولية رعاية الأطفال على الرجال والنساء حدًّا سواء باعتبارهم شركاء في المهام الأسرية، من خلال منح العاملة إجازة وضع 4 أشهر بدلًا من 3 أشهر في القانون القديم، كما استحدث إجازة 3 أيام للزوج في حالة وضع زوجته.

كما عالج القانون الجديد أنماطًا جديدة تشمل: العمل عن بعد، والعمل عبر المنصات الرقمية، والعمل لبعض الوقت، والعمل المرن في أوقات غير متصلة، وتقاسم العمل مع أشخاص آخرين مقابل أجر يتفق عليه.

ويتابع عبد الفضيل: كما استحدث نظامًا قضائيًا متخصصًا للفصل في الدعاوى العمالية، بالإضافة إلى إلزام أصحاب الأعمال بضرورة توفير بيئة عمل خالية من التحرش والتنمر.

ومع ذلك، أقر عباس ببعض الإضافات الإيجابية للقانون، مثل إنشاء المحاكم العمالية ووضع قيود على “استمارة ستة”. لكنه لم يوضح آلية التنفيذ وطريقة إلزام رجال الأعمال بالاتفاقات التي تُوقَّع مع العمال.

“ويشكك في جدية تنفيذ الاتفاقيات مع العمال، مستشهدًا باتفاق أُبرم مرتين بين إحدى شركات الأجهزة الكهربائية الكبرى والعمال المطالبين بتحسين الأجور وظروف العمل، وذلك في مقر وزارة العمل وبحضور الوزير الأسبق شخصيًا، ورغم ذلك لم تلتزم الشركة بأي من الاتفاقين”. لذلك يطالب مفتشي وزارة العمل بالقيام بدورهم في مراقبة تنفيذ القانون وتوقيع غرامات مالية على المخالفين، بحسبه.

عمال يقومون بمعالجة الرنجة المملحة في مصنع أبو السيد
عمال تصنيع السمك المدخن في القاهرة

ماذا ينتظر العمال بعد تطبيق هذا القانون؟

يضع كمال عباس، المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية، عدة توصيات يطالب بها الحكومة المصرية، وهي: الإسراع في إنشاء المحاكم العمالية وتفعيلها بشكل حقيقي، وعدم عرقلة إنشاء نقابات عمالية مستقلة، وتفعيل الحوار المجتمعي حول قضايا العمل، وتأسيس مجلس تشاوري يضم “ممثلين حقيقيين للعمال” من النقابات المستقلة وقطاع الخاص، ليكون معبرًا عن القوى العاملة الفعلية.

وطالب بسرعة إصدار مشروع قانون العمالة المنزلية، والنظر في المشروع المقدم من دار الخدمات النقابية العمالية منذ خمس سنوات ولا يزال حبيس الأدراج.

ويقول عباس إن دار الخدمات ستراقب جدية وزارة العمل في إلزام أصحاب الأعمال بتعليق اللوائح وتطبيق القانون، خاصة فيما يتعلق بالعقود المؤقتة وإنهاء عقود العمل التي تمنح صلاحيات واسعة لأصحاب العمل، وتطبيق الحد الأدنى للأجور البالغ سبعة آلاف جنيه (ما يقرب من 145 دولارًا)، ومدى التزام الشركات والحكومة به. بالإضافة إلى مراقبة تسجيل العمالة غير المنتظمة، حيث لم يتجاوز عدد المسجلين مليوني عامل من أصل 13 مليونًا يعملون في قطاع الصناعة.

وأكد أن الدار ستقدم الدعم القانوني والفني للعمال دون تحديد مدة زمنية للمراقبة، مشددًا على أن قانون العمل هو “شاغل العمال اليومي”.

من جانبه، قال محمد البهي، عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الصناعات، إن الاتحاد يحترم قرارات الجهات التشريعية، وأن تطبيق القانون قد يواجه بعض المشكلات الفردية، لكنه لا يتوقع اعتراضات واسعة من أصحاب الأعمال. وأضاف أن قطاع الصناعة يمنح أعلى الرواتب في الدولة، ملتزمًا بالقانون ومعايير التضخم، مؤكدًا أن العمال راضون عن أجورهم وعلاواتهم. وأشار البهي إلى أن اتحاد الصناعات شارك في صياغة القانون، وبالتالي لا مجال للاعتراض عليه بعد صدوره، معتبرًا أن العلاقة بين أصحاب الأعمال والعمال تقوم على “المكسب للطرفين”.

يشمل قانون العمل الجديد نحو 30 مليون عامل في مصر، معظمهم في القطاع الخاص الذي يمثل 82.3% من قوة العمل، بحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء. أما العاملون في قطاع الأعمال الحكومي فتسري عليهم بعض أحكام القانون فقط، بينما يُستثنى عمال الخدمة المنزلية الذين سيصدر لهم قانون خاص.

رغم غياب إحصاءات رسمية موحدة حول الإضرابات العمالية في مصر، تشير تقارير حقوقية إلى تراجعها بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، بسبب التشريعات المقيدة للإضراب وإلغاء النقابات المستقلة.

ترامب يثير الجدل بإلغاء الحماية الأمنية لكامالا هاريس، فما السبب؟

ترامب يثير الجدل بإلغاء الحماية الأمنية لكامالا هاريس، فما السبب؟

أصدر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قراراً يقضي بإنهاء الحماية الأمنية من جانب جهاز الخدمة السرية لنائبة الرئيس السابقة، كامالا هاريس، بعد مضي سبعة أشهر على تركها مهام منصبها في أعقاب إخفاق حملتها الرئاسية.

وينص القانون على تولى جهاز الخدمة السرية في الولايات المتحدة توفير حماية أمنية تمتد لستة أشهر لنائبي الرئيس السابقين وأفراد أسرهم عقب انتهاء فترة ولايتهم.

بيد أن تلك الفترة يمكن تمديدها، وقد أفادت تقارير بأن الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن، آذار هذا الحق قبل مغادرة منصبه.

وأثار الإجراء الذي اتخذه ترامب جدلاً، إذ وصفه حاكم ولاية كاليفورنيا، غافين نيوسوم، وكذلك رئيسة بلدية لوس أنجلوس، كارين باس، بأنّه قرار ينطوي على دوافع سياسية.

وفيما يلي ما نعرفه عن القرار حتى الآن.

ما السبب الذي دفع بايدن إلى تمديد الحماية الأمنية لهاريس؟

نائبة الرئيس الأمريكي السابقة كامالا هاريس (يسار) الرئيس السابق جو بايدن في غرفة روزفلت في البيت الأبيض في واشنطن العاصمة، الولايات المتحدة، يوم الأحد 14 تموز/تموز 2024
نائبة الرئيس الأمريكي السابقة كامالا هاريس (يسار) والرئيس السابق جو بايدن في غرفة روزفلت في البيت الأبيض في واشنطن العاصمة، الولايات المتحدة، يوم الأحد 14 تموز/تموز 2024 (صورة أرشيفية)

لم يصدر، حتى الآن، أي تعليق من بايدن أو هاريس، بشأن أسباب تمديد الحماية الأمنية لها لمدة تتجاوز المهلة القانونية المحددة بستة أشهر، وأفادت شبكة “سي إن إن” الإخبارية الأمريكية بأن بايدن أصدر توجيهاً غير معلن سابقاً بتمديد الحماية لمدة عام كامل، وذلك قبيل مغادرته منصبه.

ومن الناحية القانونية يعد قرار بايدن ضمن صلاحياته المشروعة.

ويحق لجهاز الخدمة السرية، بمقتضى قانون مصدّق عليه عام 2008، تقديم الحماية الأمنية لنواب الرئيس السابقين، وأزواجهم، والأبناء الذين تقل أعمارهم عن ستة عشر عاماً عقب مغادرة المنصب.

وعلى الرغم من أن القانون يحدد مدة الحماية بستة أشهر كحد أقصى، إلا أن وزير الأمن الداخلي يمتلك صلاحية تتيح له إصدار قرار يقضي بتوفير “حماية مؤقتة” في الحالات التي تستدعيها “المعلومات أو الظروف الراهنة”.

وقال رونالد كيسلر، الخبير في شؤون جهاز الخدمة السرية، لبي بي سي: “بصرف النظر عن الأبعاد السياسية، فإن ذلك يُعد إجراء روتينياً”.

هل هاريس في خطر؟

نائبة الرئيس الأمريكي السابقة كامالا هاريس تتحدث مع مسؤولة الأمن القومي السابقة في إدارة ترامب أوليفيا تروي والناخبة الجمهورية السابقة أماندا ستراتون في 17 تموز/تموز 2024 في كالامازو بولاية ميشيغان
نائبة الرئيس الأمريكي السابقة كامالا هاريس خلال حديث مع مسؤولة الأمن القومي السابقة في إدارة ترامب أوليفيا تروي والناخبة الجمهورية السابقة أماندا ستراتون في 17 تموز/تموز 2024 في كالامازو بولاية ميشيغان (صورة أرشيفية)

أفادت مصادر مطلعة لشبكة “سي بي إس”، الشريك الإخباري لبي بي سي في الولايات المتحدة، بأن عمليات تقييم التهديد الأخير لهاريس لم تثبت وجود أي مؤشرات مقلقة تبرّر تمديد ترتيبات الحماية الخاصة بها.

بيد أن بعض مصادر فريق هاريس أفادت بأنه، نظراً لكونها أول امرأة وأول شخص من ذوي أصول عرقية خارجية تتبوأ منصب نائب الرئيس، وكانت مرشحة في انتخابات رئاسية محتدمة ومؤثرة، فإنها قد تتعرض لتهديدات إضافية.

وكان قد أُعلن عن عدد من التهديدات الموجهة إلى هاريس أثناء شغلها منصب نائب الرئيس وأثناء ترشحها للرئاسة في عام 2024.

كما اعتقلت السلطات عدداً من الرجال ووجهت إليهم اتهامات من بينها تهديدات إلكترونية بحق هاريس في عام 2024، وفي واقعة أخرى، اعترفت سيدة من ولاية فلوريدا في عام 2021 بتوجيه تهديدات لهاريس، وقالت السيدة إنها أرسلت مقاطع فيديو إلى زوجها الذي يقضي عقوبة السجن أظهرت فيها أسلحة نارية، وزعمت إمكانية تنفيذ “عملية اغتيال” خلال خمسين يوماً.

وفي آذار/آذار، بعد أن غادرت هاريس منصبها، اعتقلت السلطات رجلاً من فلوريدا بعد أن أفادت أنباء بأنه هدد باغتيالها ببندقية قناصة.

بيد أن كيسلر قال إنه بالمقارنة بسياسيين آخرين، فإن هاريس “لم تُحدث قدراً كبيراً من الجدل بحسب ما أراه”.

وأضاف: “أرى أنّ هذا قرار صائب لجهاز الخدمة السرية”.

ويأتي قرار رفع الحماية الأمنية عن هاريس قبل أسابيع قليلة من انطلاق جولتها في عدد من المدن للترويج لكتابها الذي يحمل عنوان “107 أيام”، والذي يركز على حملتها الرئاسية القصيرة غير الناجحة.

وبحسب كيسلر، فإن تنفيذ مثل هذه المهمة يزيد من أعباء جهاز الخدمة السرية، الذي يعاني من نقص في الموظفين والموارد، فضلاً عن تحمل الجهاز مسؤولية حماية الشخصيات الدولية وكبار الضيوف خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في شهر أيلول/أيلول.

وقال: “سيستلزم الأمر، ربما، نشر نحو اثني عشر من جهاز الخدمة السرية في جميع أنحاء البلاد لمتابعة هاريس خلال جولتها الرئيسية، وهذا يُشكل ضغطاً كبيراً على الجهاز”.

ما هي عناصر الأمن التي يُتخذ قرار بإلغائها؟

أفراد الأمن يراقبون من الأعلى بينما تستعد المرشحة الديمقراطية للرئاسة ونائبة الرئيس الأمريكي السابقة كامالا هاريس الصعود على متن طائرة الرئاسة الثانية في مطار هاري ريد الدولي في الأول من تشرين الثاني/تشرين الثاني 2024 في لاس فيجاس، نيفادا.
أفراد أمن يراقبون من الأعلى بينما تستعد المرشحة الديمقراطية للرئاسة ونائبة الرئيس الأمريكي السابقة كامالا هاريس الصعود على متن طائرة الرئاسة الثانية في مطار هاري ريد الدولي في الأول من تشرين الثاني/تشرين الثاني 2024 في لاس فيغاس، نيفادا (صورة أرشيفية)

وتتجاوز حماية جهاز الخدمة السرية حدود الأفراد المسؤولين عن قيادة السيارات ومرافقة الشخص الخاضع للحماية، وكذلك حمايته وحماية أسرته المباشرة.

علاوة على ذلك، يُناط بجهاز الخدمة السرية مهمة تأمين المنازل، مثل مقر إقامة هاريس في لوس أنجلوس، بما في ذلك تركيب أنظمة الإنذار والحماية، ويقوم أفراد الجهاز مسبقاً بتحديد ورصد التهديدات المحتملة، سواء كانت مرسلة عبر الوسائل الإلكترونية أو شبكات التواصل الاجتماعي.

ولا يُعرف حجم تكاليف تلك الحمايات، كما أن جهاز الخدمة السرية لم يعلن عنها.

وقد تصل تكلفة الحماية الخاصة للمشاهير وكبار الشخصيات وقادة الأعمال إلى ملايين الدولارات سنوياً، بحسب شدة التهديدات ودرجة الحماية المطلوبة.

فعلى سبيل المثال أفادت تقارير بأن شركة “ميتا” دفعت ما يزيد على 23 مليون دولار أمريكي لتوفير الحماية الشخصية لمارك زوكربيرغ في عام 2023، بما في ذلك 9.4 مليون دولار تكاليف أمنية مباشرة.

هل هذا إجراء انتقامي من ترامب ينطوي على دوافع سياسية؟

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
ألغى ترامب سابقاً الحماية الأمنية المقدمة من جهاز الخدمة السرية لمؤيدين وخصوم سابقين على حد سواء

عقب الإعلان عن رفع الحماية الأمنية عن هاريس، سارع بعض مؤيديها والساسة من منتقدي ترامب إلى وصف الإجراء بأنه ينطوي على دوافع سياسية من جانب الرئيس.

وكان ترامب قد أقدم سابقاً على رفع الحماية الأمنية المقدمة من جهاز الخدمة السرية عن كل من المؤيدين والخصوم السابقين على حد سواء، ومن بينهم هانتر وآشلي بايدن، أبناء الرئيس السابق، وكذلك أنطوني فوسي، المدير السابق للمعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية.

كما ألغى الحماية الأمنية الممنوحة لعدد من المسؤولين السابقين في إدارته وحلفائه، ومن بينهم وزير الخارجية الأسبق مايك بومبيو، وجون بولتون، المستشار السابق للأمن القومي الذي أصبح منتقداً صريحاً للرئيس.

وقال بوب سالادي، المتحدث باسم حاكم ولاية كاليفورنيا، غافين نيوسوم، لشبكة “سي إن إن” الإخبارية: “سلامة مسؤولينا لا ينبغي أن تصبح رهينة دوافع سياسية متقلبة أو انتقامية على الإطلاق”.

وأوضح كيسلر أنّ جهاز الخدمة السرية، الذي يعاني من نقص حاد في كوادر العمل، من المحتمل أن يعيد توجيه جهوده نحو التهديدات الأكثر إلحاحاً، بما في ذلك التهديدات الموجهة إلى ترامب وفريق إدارته.

وأضاف: “ربما يرضي ذلك الرئيس ترامب، إلا أنّ هناك أسباباً عملية حقيقية ومقنعة”.

وثمة اعتقاد بأن نائب الرئيس السابق، ديك تشيني، هو الشخص الوحيد الآخر الذي مُنح تمديد الحماية الأمنية له من جهاز الخدمة السرية بعد انتهاء ولايته، بموجب قرار من الرئيس الأسبق باراك أوباما.

هل تختلف اللوائح المطبقة على الرؤساء السابقين؟

على خلاف نواب الرئيس السابقين، فكل من تولّى رئاسة البلاد يتمتع بحماية أمنية دائمة مدى الحياة، ما لم يقرر التنازل عنها طواعية.

ففي عام 1994، ومن منطلق تقليل التكاليف، قرّر الكونغرس تقييد الحماية الممنوحة للرؤساء السابقين وأزواجهم بعشر سنوات عقب انتهاء ولايتهم.

بيد أن أوباما وقّع في عام 2013 قانوناً يقضي مجدداً بمنح الحماية الأمنية مدى الحياة، ويشمل هذا القانون حالياً الرؤساء السابقين، جورج دبليو بوش، وبيل كلينتون، وأوباما، وبايدن.

ومن المعروف أن الرئيس الوحيد الذي اختار التنازل عن الحماية الأمنية الممنوحة له كان ريتشارد نيكسون في عام 1985.

وقال أعضاء فريقه، في ذلك الوقت، لصحيفة “نيويورك تايمز”، إنه اتخذ هذا القرار لتقليل نفقات الوكالة.

ماذا وراء “أكبر سرقة كتب في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية”؟

ماذا وراء “أكبر سرقة كتب في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية”؟

في نيسان/نيسان 2022، دخل شخصان مكتبة جامعة تارتو في إستونيا، وطلبا الاطلاع على ثمانية كتب لفنانين من القرن التاسع عشر: الشاعر والكاتب المسرحي الروسي ألكسندر بوشكين، والكاتب الروسي الشهير من أصل أوكراني نيكولاي غوغول.

تحدث الرجلان بالروسية، مؤكدين لموظف المكتبة أن الأصغر سناً منهما يُجري بحثاً لإكمال دراسته في الولايات المتحدة.

بعد ثلاثة أشهر، لاحظ موظفو المكتبة استبدال كتابين من الكتب الثمانية بنسخ مزيفة. وكشفت سجلات المكتبة أن الكتابين الأصليين كانا قد خرجا للمرة الأخيرة بحوزة نفس الرجلين في نيسان/نيسان.

سارع أمناء المكتبة إلى فحص الكتب الستة الأخرى التي تعد من الكلاسيكيات الروسية. وبعد فحص دقيق، تبيّن أن جميعها مزيفة بطريقة متقنة، إذ كانت تبدو أصلية لوجود أختام المكتبة وأرقام الجرد عليها.

لم تكن مكتبة تارتو هي الضحية الوحيدة. فبعد أسابيع، اختفت أيضاً عشرة كتب نادرة من مكتبة جامعة تالين في العاصمة الإستونية.

سرقة نسخة نادرة من رواية لماركيز في معرض ببوغوتا

ألف ليلة وليلة: قصة الكتاب الأكثر سحرا في الشرق والغرب

على مدار 18 شهراً، سُرقت طبعات أصلية لكتب كلاسيكية روسية وغيرها من المطبوعات الأثرية باللغة الروسية من عشرات المكتبات الأوروبية في دول البلطيق وفنلندا وسويسرا وفرنسا.

في بعض الحالات، استُبدلت النسخ الأصلية بنسخ مزيفة، وفي حالات أخرى، خرجت الكتب من المكتبة ولم تعد إليها أبداً.

وفي استجابة لتلك الحوادث، أطلقت وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون في مجال إنفاذ القانون (يوروبول) تحقيقاً يسمى بـ”عملية بوشكين”، نسبةً إلى سرقة أعمال الكاتب المسرحي الروسي. وشارك في التحقيق أكثر من 100 ضابط، إذ قاموا بتفتيش عدد من الممتلكات في عدة دول أوروبية. وأسفرت الحملة حتى الآن عن اعتقال تسعة من المشتبه بهم، جميعهم يحملون الجنسية الجورجية.

كأس العالم 2022: لماذا اتهم مغاربة الفيفا وقطر بـ “سرقة” تراثهم؟

لوحة مُجمّعة من صور غوغول والمدان بيكا تسيريكيدزه.
المُدان بيكا تسيريكيدزه، يظهر على يمين الصورة المركبة مع نيكولاي غوغول، قائلاً لبي بي سي إنه شعر وكأنه “ساحر” مع الكتب.

“الساحر مع الكتب”

كان بيكا تسيريكيدزه البالغ 48 عاماً، أول مشتبه به يُقبض عليه. حُوكم وأُدين بارتكاب ثلاث جرائم في بلدين مختلفين في نفس الوقت، لاتفيا وإستونيا، بينها سرقات من مكتبتي تارتو وتالين.

يقضي تسيريكيدزه حالياً عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات وثلاثة أشهر في إستونيا، حيث يُسمح للسجناء بالتحدث إلى الصحفيين.

وفي حديثه لبي بي سي قال تسيريكيدزه، إنه قرر عام 2008 الاتجار في الكتب القديمة، من خلال شرائها وترميمها وإعادة بيعها، لتوفير احتياجات أسرته.

وعن التعليم الذي تلقاه للعمل كمرمم كتب، أوضح أنه “تعلم كل شيء من خلال المآذارة”.

وشبّه نفسه بأنه مثل “ساحر” مع الكتب. مضيفاً: “بمجرد أن أُمسك الكتاب أستطيع أن أحدد فوراً قيمته والمبلغ الذي قد يدفعونه في المزاد من أجله”.

كانت أول مواجهة لتسيريكيدزه مع القانون في عام 2016 عندما أُدين في جورجيا بتهمة سرقة كتب قديمة من متحف تبليسي التاريخي. وقد اعترف بذنبه في ذلك الوقت، ليصدر ضده حكماً بالسجن مع وقف التنفيذ.

صورة مُجمّعة تصور ضابط شرطة من الخلف والمكتبة الوطنية في لاتفيا في الخلفية.
تختفي الكتب القديمة والقيّمة من مكتبات الجامعات لأن اللصوص يفترضون أنها لن تُكتشف لعدة أشهر.

“أكبر عملية سرقة منذ الحرب العالمية الثانية”

في تشرين الأول/تشرين الأول 2023، جلس زوجان شابان في قاعة المطالعة بمكتبة جامعة وارسو: ارتدى الرجل قبعة بيسبول سوداء وكانت المرأة ذات شعر أحمر.

كان يتصفحان كتباً قديمة في المكتبة، وفي لحظة ما، كان الرجل يُقبّل رفيقته على خدها. ظهر كل هذا في تسجيل من كاميرا مراقبة.

تبيّن أن الشاب هو ماتي، ابن تسيريكيدزه، أما المرأة فهي آنا غوغولادزي، زوجة ماتي.

لاحقاً قبضت الشرطة عليهما بتهمة سرقة كتب من المكتبة، تُقدر قيمتها بحوالي 100 ألف دولار، وأُدينا بالجريمة.

تمتلك جامعة وارسو مجموعة ثرية جداً من كتب ما قبل وما بعد الاتحاد السوفيتي. وكانت هذه المطبوعات قد نجت بأعجوبة من انتفاضة وارسو عام 1944، عندما احترق مبنى الجامعة نفسه.

قال البروفيسور هيرونيم غرالا، من جامعة وارسو لبي بي سي: “نحن الجيل الذي يدرك تماماً فكرة أن أحدهم حافظ على هذه الكتب من أجلنا ذات يوم”.

خلال أقل من عام، بلغ إجمالي السرقات من مكتبة الجامعة 73 نسخة نادرة، تُقدر قيمتها بنحو 600 ألف دولار. ولم يُقبض على بعض الجناة حتى الآن.

وصف البروفيسور غرالا حجم الجرائم لوسائل الإعلام، بأنها “أكبر سرقة منذ الحرب العالمية الثانية. إنها تشبه تحطيم جوهرة تاج”.

لوحة مُجمّعة تُظهر زوجين شابين يجلسان على طاولة في مكتبة، وسيارة شرطة ومباني مكتبة جامعة وارسو في الخلفية.
استهدف ماتي نجل تسيريكيدزه وزوجته آنا جوجولادزي، مكتبة جامعة وارسو.

لم يلاحظ موظفو المكتبة استبدال الكتب الأصلية بالمزيفة على الفور. قال البروفيسور غرالا: “إن الكتب المزيفة كانت تحمل الرمز نفسه (الكود)، وبنفس حجم النسخ الأصلية، ولم تكن هناك كتب مفقودة من على الرفوف”.

وقال البروفيسور غرالا لبي بي سي: “لا شك أن مجموعة اللصوص التي وصلت في البداية (كانت تستهدف كتباً محددة) وأعدت نفسها جيداً. ويبدو أنهم صنعوا نُسخاً عالية الجودة”.

وأشار البروفيسور غرالا إلى أن الإصلاحات المكتبية الأخيرة التي خضعت لها هذه المكتبة ربما كانت السبب في تزايد عدد السرقات، خاصة تلك المتعلقة بتخفيف قواعد الفحص للكتب النادرة والقديمة.

وتهدف هذه الإجراءات في الأصل إلى زيادة سهولة وصول القُرّاء للكتب.

طابع بريدي صغير

تقليدياً، تختم جميع المكتبات حول العالم الكتب بأختام، ويختلف حجمها وفقاً للبلد والمكتبة. فعلى سبيل المثال، تتميز روسيا بـ “ختم قوي”، كما يقول الخبير وهاوي جمع الكتب النادرة، بيوتر دروزينين.

يقول الخبراء إنه من الممكن نظرياً تحديد أن الكتاب ربما سُرق من خلال هذا الختم. ومع ذلك، ليس هذا هو الحال دائماً، فقد تبيع المكتبات أحياناً الكتب كفائض لديها، كما حدث في العهد السوفيتي، بسبب ضيق مساحة المكتبات. أو ربما تُلغى المكتبة وتُغلق، كما حدث مع العديد من المكتبات الإدارية خلال فترة البيريسترويكا.

ويوضح دروزينين، أنه قد يكون من الصعب أيضاً تحديد أصل الكتب التي يوجد عليها أختام من القرن التاسع عشر وما قبله. ويقول: “إذا كان الختم من القرن الثامن عشر أو التاسع عشر، قد لا نعرف ما حدث للكتاب. نعم، النسخة تعود إلى هناك (المكتبة)، ولكن لا أحد يعلم كيف خرجت”.

إضافة إلى ذلك، يمكن إزالة الأختام كيميائياً، أو استبدال الصفحات القديمة في الكتاب بصفحات جديدة مطبوعة على ورق قديم. غالباً لا يلاحظ آثار هذه التلاعبات إلا هواة جمع الكتب القديمة أو الخبراء.

نادراً ما تخلو مكتبة من كتاب قديم لا يحمل ختماً، لأن هذه الكتب أُضيفت إلى المجموعة قبل بدء العمل بنظام “وسم” جميع الكتب.

صورة مُجمّعة تصور كتاباً مخفياً في حضن معطف، مع مبنى مكتبة جامعة موسكو الحكومية في الخلفية.
في بعض الأحيان، يقوم اللصوص بسرقة الكتب من المكتبات وعدم إعادتها ببساطة.

آلاف الدولارات

قال تسيريكيدزه لبي بي سي من سجنه في إستونيا: “نصف كيلوغرام من الذهب، قيمته 60 ألف دولار، يحرسه 22 رجلاً مسلحاً. بينما كتابان، قيمتهما 60 ألف دولار، موجودان في مكان ما في مكتبة أوروبية، تحرسهما سيدة عجوز ضعيفة. وأحياناً، لا توجد حتى كاميرات مراقبة.”

والسؤال الآن، ما هو السر وراء هذه الأسعار الباهظة، خاصة بالنسبة للكلاسيكيات الروسية من القرن التاسع عشر، والتي شهدت ارتفاعاً مطرداً في السنوات الأخيرة؟

أشار دروزينين إلى ارتفاع حاد في أسعار الكتب الروسية النادرة في السوق بين عامي 2022 و2024، عندما كانت موجة الجريمة الأوروبية في ذروتها.

وقال إنه كان ينبغي على الخبراء أن يعلموا أن “هذه ليست مجموعة خاصة تُباع”.

وأشار دروزينين إلى أن الدائرة الضيقة من مشتري الكتب الثمينة ربما اعتبروا ما يقومون به عملاً وطنياً.

وقال: “إنها لحظة عودة تاريخية لكتب مهمة إلى وطنها”.

ولنأخذ مثالاً آخر هوالمواطن الجورجي ميخائيل زامتارادزي، الذي أُدين بسرقة وبيع كتب قيّمة من مكتبة جامعة فيلنيوس في ليتوانيا في حزيران/حزيران.

سجّل زامتارادزي في المكتبة باستخدام وثائق مزورة، وطلب 17 طبعة نادرة، معظمها يحمل أختاماً. ثم استبدل 12 كتاباً بنسخ مقلدة، وسرق خمسة منها ولم يُعِدها إلى المكتبة.

قُدّرت القيمة الإجمالية للكتب المسروقة بنحو 700 ألف دولار.

اعترف زامتارادزي في المحكمة بأنه سرق الكتب بناء على طلب من موسكو، وأنه حزمها وأرسلها بالحافلة إلى بيلاروسيا، وحصل مقابل ذلك على 30 ألف دولار من العملات المشفرة.

وادّعى أن نسخاً ووثائق مزورة أُرسلت إليه أيضاً من موسكو.

كما زعم زامتارادزي أن زبونه كان عضواً رفيع المستوى في دار مزادات في موسكو.

صورة مُجمّعة لطابع بريدي من إحدى الكتب المسروقة من مكتبة في فيلنيوس.
يقول الخبراء “مجرد أن الكتاب يحمل ختماً قديماً، لا يعني بالضرورة أنه سُرق من مكتبة”.

لم تكن هذه المرة الأولى التي تخضع فيها دور المزادات للتدقيق. بحسب البروفيسور غرالا، بِيعَت أربعة مطبوعات من مكتبة جامعة وارسو في دار المزادات “ليت فَند” في موسكو في أواخر عامي 2022 و2023.

حصلت بي بي سي على لقطات مصوّرة لموقع المزاد الإلكتروني من قبل من البروفيسور غرالا ، تُظهر الكتب المُباعة، والتي يُفترض أنها كانت من مجموعة المكتبة.

كان أحد هذه الكتب كتاب “حكايات إيفان بلكين” لبوشكين، مع وجود ختم واضح في صور الطبعة يعود للقرن التاسع عشر. وضم نفس المزاد مجموعة أخرى مكونة من أربعة مجلدات من قصائد بوشكين، حيث يمكن رؤية ختم جامعة وارسو على الصور الموجودة على صفحة دار المزادات الإلكترونية، التي اختفت لاحقاً.

صرح مدير دار مزادات “ليت فَند”، سيرجي بورميستروف، بأن المزاد يعمل وفقاً للتشريعات الروسية ولا يقبل بيع الكتب التي تحمل أختام مكتبات حكومية عاملة.

وأضاف أن مالكي الكتب يوقعون عقداً مع دار المزادات لتأكيد الأصل القانوني لأي كتاب يُقبل في المزاد، ويقوم خبير من دار المزادات بفحص كل كتاب بدقة للتأكد من خلوه من أختام أو علامات من مكتبات قائمة ومازالت تعمل.

لا تُثير الأختام القديمة الشكوك دائماً، وقال بورميستروف لبي بي سي، إن “عدداً هائلاً من كتب المكتبات الإمبراطورية الروسية توزع في سنوات ما بعد الثورة (البلشفية) في جميع أنحاء العالم، فأصبحت جزءاً من العديد من المجموعات الحكومية والخاصة، وهو ما جعلها متداولة بحرية في السوق العالمية”.

أما البروفيسور غرالا فأوضح لبي بي سي أن مسألة الأختام القديمة “مُعقدة”.

وقال: “إذا كان هناك ختم تاريخي لمكتبة جامعة وارسو، وتم الحفاظ على الرمز التاريخي، فهذا يجعلها قطعة أثرية بحد ذاتها. لن يضع أحد ختماً أو رمزاً جديداً عليها. لقد عاشت هذه الكتب مع أختامها لمدة 200 عام، ولم تتعرض للختم مرة أخرى احتراماً لها”.

حتى الآن، مازالت عملية بوشكين جارية. وينتظر مشتبه به واحد على الأقل المحاكمة في فرنسا بتهمة سرقة كتب من مكتبات هناك. وتعتقد السلطات أن العديد من المجرمين ما زالوا طلقاء، مثلهم مثل بعض أثمن الكتب في أوروبا.