صفقة الغاز وتهديد إسرائيل والأسئلة الحائرة

صفقة الغاز وتهديد إسرائيل والأسئلة الحائرة

كنت أتوقع أن تخرج الرئاسة المصرية على الفور وببيان قوي لترد على استفزازات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة لمصر، وتهديده بوقف العمل باتفاقية تصدير الغاز الطبيعي، وهي الاتفاقية التي تم إبرامها قبل أيام بقيمة 35 مليار دولار، وتعد الأضخم من نوعها في تاريخ دولة الاحتلال، وتنص على توريد إسرائيل الغاز المسال لمصر حتى العام 2040. أو على الأقل أن يأتي الرد القوي على تهديد نتنياهو بحق مصر من قبل وزير الخارجية بدر عبد العاطي أو المتحدث الرسمي باسم الوزارة، أو من قبل رئيس الحكومة مصطفى مدبولي.

لكن على أية حال جاء الرد المصري الرسمي على لسان ضياء رشوان، رئيس هيئة الاستعلامات المصرية، وهي إحدى المؤسسات السيادية، والذي هاجم في أحد البرامج التلفزيونية المذاعة مساء أمس الأربعاء تصريحات نتنياهو المستفزة بشأن إلغاء صفقة الغاز. وقال إن هذه التصريحات لا تعدو كونها استفزازاً سياسياً. وأضاف رشوان مهدداً: “أنصح نتنياهو، إذا كان يملك الجرأة، أن يلغي اتفاقية الغاز مع مصر”، وقال بالعامية: “بقول له يا ريت يلغي اتفاقية الغاز مع مصر، إذا كان يستطيع تحمل النتائج الاقتصادية وليس السياسية… سيكون هو الخاسر”، مؤكدا أنه في المقابل لن تتأثر مصر لأنها تمتلك بدائل للتعامل مع أي سيناريو محتمل.

لماذا لا تتخذ الإدارة المصرية تهديدات نتنياهو الأخيرة مبررا لإلغاء صفقة الغاز المريبة، خاصة وأنه لم يتم عرضها بعد على الجهات المسؤولة في مصر ومنها مجلس الوزراء والبرلمان؟

وخلال اللقاء التلفزيوني شدد رشوان على أن الحديث عن وجود مسار واحد للطاقة تعتمد عليه مصر “مجرد وهم”، في إشارة هنا إلى ما يردده البعض من اعتماد مصر شبه الكامل على الغاز الإسرائيلي مصدراً حيوياً للطاقة وتغذية المصانع ومحطات توليد الكهرباء بالوقود، مؤكدًا أن الإدارة المصرية لديها بدائل استراتيجية وتضع سيناريوهات للتعامل مع ما يمكن أن يحدث.

كلام رشوان يفتح الباب مجدداً أمام طرح عشرات الأسئلة الحائرة والتي سبق وأن طرحت بعضها في مقالات سابقة، ويؤكد ما سبق أن أكدناه من قبل وهو أن صفقة الغاز الضخمة في صالح الاقتصاد الإسرائيلي وموازنته التي تعاني من عجز حاد، فالرجل يُذكر نتنياهو بالخسائر المالية والاقتصادية التي ستتحملها إسرائيل في حال إلغاء الصفقة، وهذا يعني أن الصفقة تحقق الرفاه للإسرائيليين حيث سيتم توجيه الأموال المصرية المتدفقة، ولمدة 15 سنة، على الخزانة الإسرائيلية التي ستقوم من جانبها بإعادة توجيهها لإقامة مشروعات بنية تحتية من مدارس ومستشفيات وطرق وغيرها، وهو أمر سبق وأن اعترف به نتنياهو في العام 2020، ووزير الطاقة في آب 2025، وربما توجيه جزء من أموال الصفقة لشراء أسلحة تقتل بها قوات الاحتلال أهالي غزة لتواصل حرب الإبادة الجماعية التي بدأتها قبل نحو عامين.

أما عن الأسئلة الحائرة التي لم تجد إجابة بعد:

1 – إذا كانت الصفقة في صالح الاقتصاد المصري كما يحاول البعض الترويج وعلى نطاق واسع، فلماذا التذكير هنا من قبل رئيس هيئة الاستعلامات المصرية أن إلغاء الصفقة يعد خسارة اقتصادية لنتنياهو ودولة الاحتلال؟

2 – إذا كانت هناك بدائل أمام الدولة المصرية للحصول على غاز بديل كما قال ضياء رشوان، وربما أرخص وبتسهيلات مالية، وهذا حقيقي، فلم الإصرار على شراء الغاز الإسرائيلي بالذات وفي هذا التوقيت الحساس، ووضع قطاع الطاقة وصانع القرار المصري عرضة للابتزاز الإسرائيلي المتواصل والرخيص والمستفز كما حدث منتصف هذا الأسبوع؟

3 – لماذا لا تتخذ الإدارة المصرية تهديدات نتنياهو الأخيرة مبررا لإلغاء صفقة الغاز المريبة، خاصة وأنه لم يتم عرضها بعد على الجهات المسؤولة في مصر ومنها مجلس الوزراء والبرلمان، أو على الجانب الإسرائيلي الرسمي لمناقشتها وتمريرها؟

4 – إذا لم تكن هناك إجابات عن تلك الأسئلة وغيرها فنحن ربما نكون أمام مسرحية متكاملة الأركان أبطالها الطرفان، وربما مدخل لتصوير الصفقة الجديدة على أنها هدف أو “جوووون” جديد يصب في مصلحة الأمن القومي لمصر وليس العكس.

مصر وصفقة الغاز والتسريبات الإسرائيلية… ماذا عن التوقيت؟

مصر وصفقة الغاز والتسريبات الإسرائيلية… ماذا عن التوقيت؟

في الوقت الذي كانت فيه الحكومة المصرية تستعد لإنشاء خط أنابيب جديد، تمهيداً لاستقبال الكميات الإضافية من الغاز الإسرائيلي بداية من عام 2026، وفقاً للاتفاق الأخير المبرم مع شركة نيوميد الإسرائيلية، المساهم الرئيسي في حقل ليفياثان، كانت مصادر إعلامية عبرية تنشر في المقابل تسريبات حول نية تل أبيب تأجيل تنفيذ اتفاق الغاز الأخير مع مصر.

التسريب نشرته صحيفة عبرية هي يسرائيل هيوم، أمس الثلاثاء، ذكرت أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وجّه تعليمات بعدم تنفيذ الاتفاقية الجديدة لتصدير الغاز الطبيعي إلى مصر إلا بموافقته، وأنه أوعز بألّا يُستكمل الدفع في الاتفاق الموقع بين شراكة “ليفياثان” للطاقة وشركة مصرية من دون موافقته الشخصية، وبررت الصحيفة تلك الخطوة بأنها تأتي على خلفية تقارير تتحدث عن “انتهاكات مصرية للملحق الأمني لمعاهدة السلام التي وقعتها مع تل أبيب في واشنطن في 26 آذار/ آذار 1979”.

إذا كانت الصفقة في صالح الأمن القومي للدولة المصرية كما يدعي البعض، فلم لا يتم اطلاع الرأي العام المصري على تفاصيلها وشروطها والشركة التي تقف وراءها وأسعار البيع ومقارنتها بالأسعار المتداولة في أسواق الطاقة العالمية؟

صحيح أنه لم تصدر تصريحات رسمية من الجانب الإسرائيلي تؤكد أو تنفي تلك التسريبات المريبة من حيث التوقيت، وصحيح أيضاً أن الجانب المصري التزم الصمت حتى الآن، لكن لا يجب هنا أن نقف عند تلك التسريبات على أنها فقط مجرد ورقة ضغط جديدة من الحكومة المتطرفة في تل أبيب على القاهرة، أو أنها تتعلق بخلاف آني بين القاهرة وتل أبيب بخصوص تطورات الحرب على غزة وقضية التهجير والمفاوضات الجارية والخلافات حول احتلال محور صلاح الدين (فيلادلفي)، لكن يجب أن ننظر لما هو أبعد وهو أن إسرائيل بتلويحها بتلك التسريبات أو إقدامها على وقف تدفق الغاز إلى مصر، كما حدث في فترات سابقة، يمكن أن تعبث بملف الطاقة المصري في أي وقت، وأنها يمكن أن تقطع تدفق الغاز عن الاقتصاد المصري وفق أجندتها التوسعية وربما بلا غرامات أو عقوبات، خاصة أن نص الاتفاقية الأخيرة أقرب إلى عقد إذعان.

بشكل عام فإن التسريب الصادر عن الصحيفة المقربة من نتنياهو، يعيدنا إلى المربع الأول لنعود ونسأل مرة أخرى: هل هناك ضرورة ملحة لإبرام الحكومة المصرية اتفاقاً لاستيراد الغاز الإسرائيلي في صفقة تعد الأضخم في دولة الاحتلال حيث تبلغ قيمتها 35 مليار دولار؟ وما حجم المخاطر التي تحيط بالأمن القومي المصري وقطاعاته الاقتصادية بما فيه قطاع الطاقة والصناعة مع ربط الأسواق المصرية وأنشطتها الحيوية المختلفة بتلك الصفقة المريبة ولمدة تصل إلى العام 2040؟

وإذا كانت الصفقة في صالح الأمن القومي للدولة المصرية كما يدعي البعض، فلم لا يتم اطلاع الرأي العام المصري على تفاصيلها وشروطها والشركة التي تقف وراءها وأسعار البيع ومقارنتها بالأسعار المتداولة في أسواق الطاقة العالمية؟ ولماذا لا يتم عرض الصفقة الأخيرة على البرلمان المصري والأحزاب المصرية لمناقشتها نظراً لخطوة بنودها، والآثار المترتبة عليها، ومنها خروج 35 مليار دولار من موازنة مصر، التي تعاني من عجز حاد، لتمويل الموازنة الإسرائيلية الموجهة لتمويل الانفاق العسكري وحرب الإبادة على غزة، والتزام دافعي الضرائب في مصر بسداد قيمة تلك الصفقة لمدة 15 سنة؟

“يسرائيل هيوم”: نتنياهو يجمّد تنفيذ اتفاق الغاز مع مصر لهذا السبب

“يسرائيل هيوم”: نتنياهو يجمّد تنفيذ اتفاق الغاز مع مصر لهذا السبب

التزمت القاهرة الصمت حتى مساء اليوم الثلاثاء، حيال ما نشرته صحيفة “يسرائيل هيوم” العبرية بشأن توجيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتأجيل تنفيذ اتفاق الغاز مع مصر. وقالت الصحيفة المقربة من نتنياهو في تقرير لها، إنه أوعز بألا يُستكمل الدفع قدماً في الاتفاق الموقع بين شراكة “ليفياثان” للطاقة وشركة مصرية من دون موافقته الشخصية، مؤكدة أنه سيبحث تفاصيل الصفقة مع وزير الطاقة إيلي كوهين وأعضاء الكابينت الأمني السياسي. وأشارت “يسرائيل هيوم” إلى أن هذا التوجيه يأتي على خلفية تقارير تتحدث عن “انتهاكات مصرية” للملحق العسكري في اتفاق السلام بين البلدين.

وبحسب الصحيفة، فإن الاتفاق الذي جرى الإعلان عنه في 7 آب/آب 2025، يتضمن توريد 130 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى مصر حتى عام 2040، بقيمة تقديرية تبلغ 35 مليار دولار، على مرحلتين تبدأ أولاهما في النصف الأول من 2026. والمشتري المصري هو شركة “بلو أوشن إنرجي” (BOE). وأضافت أن نتنياهو شدد على ضرورة عدم التقدم في تنفيذ الاتفاق أو توقيع خطوات إجرائية إضافية ما لم يُعرض الأمر عليه مباشرة، مشيرة إلى أنه يسعى إلى إعادة فحص كافة التفاصيل قبل إقرارها.

وأوضحت “يسرائيل هيوم” أن قرار نتنياهو مرتبط بتقارير تفيد بأن مصر رفعت من عدد قواتها العسكرية في شبه جزيرة سيناء، وزادت من حجم العتاد والأسلحة المنتشرة هناك، وهو ما تعتبره أوساط إسرائيلية خرقاً للملحق العسكري في معاهدة السلام (كامب ديفيد). وأشارت الصحيفة أيضاً إلى ما وصفته بـ”تراجع دور قوة المراقبين متعددة الجنسيات”، الأمر الذي أثار قلقاً داخل المؤسستين الأمنية والسياسية في إسرائيل.

وكان “العربي الجديد” قد انفرد الأسبوع الماضي بالكشف عن زيادة الجيش المصري من حجم قواته في سيناء، عبر نشر وحدات إضافية وتعزيزات عسكرية، في إطار ترتيبات مرتبطة بتأمين الحدود الشرقية مع ازدياد مخاطر تدفق اللاجئين الفلسطينيين مع توسيع العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة. وقد أثارت هذه الخطوة تساؤلات في الأوساط الإسرائيلية حول مدى توافقها مع نصوص الاتفاقية.

وبحسب التقرير، فإن تعليق المضي قدماً في الاتفاق لا يرتبط فقط بالجوانب الاقتصادية، وإنما يحمل أيضاً بعداً سياسياً وأمنياً، إذ يعكس رغبة نتنياهو في استخدام ورقة الطاقة ضمن معادلة الضغط المتبادل مع القاهرة. وتشير الصحيفة إلى أن الصفقة كانت تشكّل خطوة محورية في مسار تعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة، وفي الوقت نفسه تضمن لإسرائيل منفذاً إضافياً إلى الأسواق الأوروبية.

وتؤكد “يسرائيل هيوم” أن قرار نتنياهو يعني عملياً تجميد التنفيذ إلى حين استكمال مراجعة الكابينت الأمني والسياسي، وأن مستقبل الصفقة سيظل رهناً بالمسار الذي ستتخذه العلاقات الثنائية والتطورات الأمنية في سيناء.

وعلّق السفير المصري أيمن زين الدين، على ما نشرته صحيفة “يسرائيل هيوم” بشأن توجيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتأجيل تنفيذ اتفاق الغاز مع مصر، قائلاً إن الخطوة، إذا صحت، تمثل “فرصة ممتازة لمصر لإلغاء هذا الاتفاق غير الموفق”. وأضاف زين الدين، في منشور عبر صفحته على “فيسبوك”، أن الاتفاق “ذو آثار خطيرة على المدى البعيد”.