لصالح العمال أم أصحاب الأعمال؟ جدل حول قانون العمل الجديد في مصر

لصالح العمال أم أصحاب الأعمال؟ جدل حول قانون العمل الجديد في مصر

“قانون العمل طلع بشكل متوازن عشان كانت نيتنا حقيقية وكنا صادقين”، هكذا أعلن وزير العمل المصري محمد جبران عن بدء سريان تنفيذه.

القانون الجديد يبدأ العمل به اعتباراً من الأول من أيلول/ أيلول، بعد أن صدَّق عليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أيار/ أيار الماضي.

رغم أن القانون مرَّ بمراحل عديدة من النقاش في مجلس النواب، فإنه قوبل بانتقادات لاذعة من عدد من منظمات حقوق الإنسان والنقابات العمالية، التي رأت أن القانون لا يحقق التوازن المنشود بين حقوق العمال وأصحاب العمل.

بينما ترى الحكومة المصرية أنه “سيحقق المصلحة للجميع”، كما سيساهم في جذب المزيد من الاستثمارات إلى البلاد.

وقد تقدمت الحكومة المصرية بمشروع قانون العمل الجديد للمرة الثانية في تشرين الثاني/ تشرين الثاني الماضي، بعدما سحبته منذ عامين من مجلس النواب، بعد مواجهة اعتراضات مجتمع الأعمال.

أبرز نقاط الخلاف: العلاوة السنوية

تنص المادة (12) من قانون العمل الجديد على استحقاق العاملين، بعد سنة من تعيينهم، علاوة سنوية دورية لا تقل عن 3% من الأجر التأميني، بدلًا من نسبة الـ7% من الأجر الأساسي في القانون الحالي، وذلك في ضوء القواعد التي يصدرها المجلس القومي للأجور.

وذكرت “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”، في ورقة بحثية بعنوان: “ما العمل في قانون العمل؟”، أن القانون الجديد يمثل امتدادًا لسياسات تميل إلى أصحاب الأعمال والمستثمرين على حساب العمال، في وقت تتراجع فيه مستويات المعيشة عند العاملين بأجر، وتزداد معدلات الفقر بينهم، ويتراجع نصيبهم من الناتج المحلي الإجمالي.

ويرى مدير وحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمبادرة، وائل جمال، أن إقرار العلاوة السنوية بنسبة 3% فقط من الأجر التأميني، وهو قليل مقارنة بالأجر الأساسي، في بلد مثل مصر تتزايد فيه معدلات التضخم، يعني استمرار تآكل قيمة الأجور الحقيقية، وهو ما يحدث منذ 25 عامًا، وأثَّر سلبًا على حياة المواطنين ومستواهم الاجتماعي والمعيشي.

ويتابع جمال أن مشروع القانون يتجاهل ربط الأجور بمعدل التضخم ومستوى الأسعار، بما يُخلّ بـ”تحقيق التوازن والعدالة بين طرفي علاقة العمل”، ويرى أنه كان من الأفضل ربط العلاوة السنوية بمعدل التضخم السنوي، لضمان الحفاظ على القوة الشرائية للعمال.

وشهد العام الماضي موجة من زيادات الأسعار، إذ رفعت الحكومة أسعار تذاكر المترو والقطارات في آب 2024 بنسبة تراوحت بين 12.5% و25%، ضمن خطة تقليص الدعم. كما رفعت سعر رغيف الخبز المدعم بنسبة 300% لأول مرة منذ أكثر من 30 عامًا، ثم تبع ذلك زيادات في أسعار الإنترنت والكهرباء والوقود ومواد البناء.

ويقول جمال: صحيح أن القانون يشير إلى ضرورة تطبيق الحد الأدنى للأجور، لكنه لا يملك أي آلية لتنفيذ ذلك.

من جهته، يدافع رئيس لجنة القوى العاملة بمجلس النواب المصري، عادل عبد الفضيل، عن تلك المادة ويقول إن العلاوة المنصوص عليها هي الحد الأدنى لحقوق العمال، مما يعني أنه من المتاح لأصحاب الأعمال زيادتها، كما أن المجلس الأعلى للأجور يقر الزيادات بشكل دوري بما يضمن تحقيق التوازن بين العامل وصاحب العمل، وربط الأجر بالإنتاج.

نص القانون على عدم جواز تشغيل العامل أكثر من 8 ساعات يوميا
عامل بناء في قطاع المقاولات

عدد ساعات العمل: لصالح من؟

نص القانون على عدم جواز تشغيل العامل أكثر من ثماني ساعات يوميًا أو 48 ساعة أسبوعيًا، ولا يدخل في حسابها الفترات المخصصة لتناول الطعام والراحة. وهو لا يختلف كثيرًا عن القانون القديم، وهو ما يعتبره وائل جمال “رقمًا غير إنساني، كما أن الظروف الاستثنائية التي يقل أو يزيد عنها هذا الرقم وفقًا لهذا القانون غير واضحة”.

ويشرح جمال: في لحظات التضخم المرتفع يُعتبر تخفيض عدد ساعات العمل من أفضل وسائل زيادة الأجر الحقيقي للعاملين، لكن في المقابل نجد مصر تُقر قانون عمل جديدًا تحتفظ فيه بواحد من أطول ساعات العمل الرسمية، مقابل انخفاضها في العالم المتقدم عن أربعين ساعة أسبوعيًا.

في المقابل، يرى رئيس لجنة القوى العاملة بمجلس النواب المصري أن القانون يعطي مرونة في زيادة أو نقصان عدد الساعات حسب حاجة العمل. كما أن القانون أعطى للعامل حق التمتع بإجازة سنوية، وأعطى لصاحب العمل الحق في تحديد مواعيد هذه الإجازة.

القانون الجديد يحظر الإضراب في المنشآت الحيوية
مجموعة من العمال داخل أحد المصانع المصرية

هل ينزع القانون سلاح الإضراب؟

نص قانون العمل المصري الجديد على ضرورة إعلان العمال عن مواعيد الإضراب، وإخطار كلٍّ من صاحب العمل والجهة الإدارية المختصة قبل التاريخ المحدد للإضراب بعشرة أيام على الأقل، على أن يتضمن الإخطار الأسباب الدافعة للإضراب ومواعيده. ويُعفى صاحب العمل من الالتزام بسداد أجور العمال خلال فترة إضرابهم.

ويرى جمال أن القانون الجديد ينزع السلاح الوحيد من يد العمال وهو الإضراب، “لأنه يضع شرط استنفاد طرق التسوية الودية للمنازعات أولًا، وهي شروط تجعل الإضراب تقريبًا مستحيلًا”.

وينص القانون الجديد على حظر الإضراب في المنشآت الحيوية التي تقدم خدمات أساسية أو في الظروف الاستثنائية، وهو ما يثير تساؤلات لدى كمال عباس، المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية، حول كيفية تحديد هذه المنشآت. ويقول: كان من الأفضل وضع إطار قانوني بدلاً من انتظار قرار من رئيس الوزراء لتحديد ماهية تلك المنشآت. مشيرًا إلى أن نهاية الإضراب يجب أن تحدد من خلال التفاوض وليس وفقًا لمواعيد مسبقة، وبهذا الشرط يفقد الإضراب شرعيته.

في المقابل، يرى عادل عبد الفضيل، رئيس لجنة القوى العاملة بمجلس النواب المصري، أن حق الإضراب منصوص عليه في الدستور المصري، كما أن مصر موقعة على اتفاقيات منظمة العمل الدولية التي تكفله، وأن القانون الجديد لم يحظره، ولكنه وضع قواعد تنظيمية لكل من الإضراب الجزئي والكلي ونظم مواعيده، حتى لا يُترك على إطلاقه ويعطل عملية الإنتاج.

هل من مزايا جديدة في القانون؟

يقول عادل عبد الفضيل، رئيس لجنة القوى العاملة بمجلس النواب المصري، إن القانون جاء بعد حوار مجتمعي راعى التطورات في سوق العمل في مصر من أجل معالجة الخلل في العلاقة بين العامل وصاحب العمل.

ويعدد عبد الفضيل مزايا القانون الجديد، مثل وضع مسؤولية رعاية الأطفال على الرجال والنساء حدًّا سواء باعتبارهم شركاء في المهام الأسرية، من خلال منح العاملة إجازة وضع 4 أشهر بدلًا من 3 أشهر في القانون القديم، كما استحدث إجازة 3 أيام للزوج في حالة وضع زوجته.

كما عالج القانون الجديد أنماطًا جديدة تشمل: العمل عن بعد، والعمل عبر المنصات الرقمية، والعمل لبعض الوقت، والعمل المرن في أوقات غير متصلة، وتقاسم العمل مع أشخاص آخرين مقابل أجر يتفق عليه.

ويتابع عبد الفضيل: كما استحدث نظامًا قضائيًا متخصصًا للفصل في الدعاوى العمالية، بالإضافة إلى إلزام أصحاب الأعمال بضرورة توفير بيئة عمل خالية من التحرش والتنمر.

ومع ذلك، أقر عباس ببعض الإضافات الإيجابية للقانون، مثل إنشاء المحاكم العمالية ووضع قيود على “استمارة ستة”. لكنه لم يوضح آلية التنفيذ وطريقة إلزام رجال الأعمال بالاتفاقات التي تُوقَّع مع العمال.

“ويشكك في جدية تنفيذ الاتفاقيات مع العمال، مستشهدًا باتفاق أُبرم مرتين بين إحدى شركات الأجهزة الكهربائية الكبرى والعمال المطالبين بتحسين الأجور وظروف العمل، وذلك في مقر وزارة العمل وبحضور الوزير الأسبق شخصيًا، ورغم ذلك لم تلتزم الشركة بأي من الاتفاقين”. لذلك يطالب مفتشي وزارة العمل بالقيام بدورهم في مراقبة تنفيذ القانون وتوقيع غرامات مالية على المخالفين، بحسبه.

عمال يقومون بمعالجة الرنجة المملحة في مصنع أبو السيد
عمال تصنيع السمك المدخن في القاهرة

ماذا ينتظر العمال بعد تطبيق هذا القانون؟

يضع كمال عباس، المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية، عدة توصيات يطالب بها الحكومة المصرية، وهي: الإسراع في إنشاء المحاكم العمالية وتفعيلها بشكل حقيقي، وعدم عرقلة إنشاء نقابات عمالية مستقلة، وتفعيل الحوار المجتمعي حول قضايا العمل، وتأسيس مجلس تشاوري يضم “ممثلين حقيقيين للعمال” من النقابات المستقلة وقطاع الخاص، ليكون معبرًا عن القوى العاملة الفعلية.

وطالب بسرعة إصدار مشروع قانون العمالة المنزلية، والنظر في المشروع المقدم من دار الخدمات النقابية العمالية منذ خمس سنوات ولا يزال حبيس الأدراج.

ويقول عباس إن دار الخدمات ستراقب جدية وزارة العمل في إلزام أصحاب الأعمال بتعليق اللوائح وتطبيق القانون، خاصة فيما يتعلق بالعقود المؤقتة وإنهاء عقود العمل التي تمنح صلاحيات واسعة لأصحاب العمل، وتطبيق الحد الأدنى للأجور البالغ سبعة آلاف جنيه (ما يقرب من 145 دولارًا)، ومدى التزام الشركات والحكومة به. بالإضافة إلى مراقبة تسجيل العمالة غير المنتظمة، حيث لم يتجاوز عدد المسجلين مليوني عامل من أصل 13 مليونًا يعملون في قطاع الصناعة.

وأكد أن الدار ستقدم الدعم القانوني والفني للعمال دون تحديد مدة زمنية للمراقبة، مشددًا على أن قانون العمل هو “شاغل العمال اليومي”.

من جانبه، قال محمد البهي، عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الصناعات، إن الاتحاد يحترم قرارات الجهات التشريعية، وأن تطبيق القانون قد يواجه بعض المشكلات الفردية، لكنه لا يتوقع اعتراضات واسعة من أصحاب الأعمال. وأضاف أن قطاع الصناعة يمنح أعلى الرواتب في الدولة، ملتزمًا بالقانون ومعايير التضخم، مؤكدًا أن العمال راضون عن أجورهم وعلاواتهم. وأشار البهي إلى أن اتحاد الصناعات شارك في صياغة القانون، وبالتالي لا مجال للاعتراض عليه بعد صدوره، معتبرًا أن العلاقة بين أصحاب الأعمال والعمال تقوم على “المكسب للطرفين”.

يشمل قانون العمل الجديد نحو 30 مليون عامل في مصر، معظمهم في القطاع الخاص الذي يمثل 82.3% من قوة العمل، بحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء. أما العاملون في قطاع الأعمال الحكومي فتسري عليهم بعض أحكام القانون فقط، بينما يُستثنى عمال الخدمة المنزلية الذين سيصدر لهم قانون خاص.

رغم غياب إحصاءات رسمية موحدة حول الإضرابات العمالية في مصر، تشير تقارير حقوقية إلى تراجعها بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، بسبب التشريعات المقيدة للإضراب وإلغاء النقابات المستقلة.

ارتفاع ثقة الشركات في بريطانيا إلى أعلى معدلاتها خلال 10 سنوات

ارتفاع ثقة الشركات في بريطانيا إلى أعلى معدلاتها خلال 10 سنوات

ارتفعت ثقة الأعمال في بريطانيا الشهر الجاري إلى أعلى معدلاتها خلال نحو 10 سنوات، مع اتجاه أغلبية الشركات إلى توظيف مزيد من العمالة خلال العام المقبل رغم زيادة الضرائب التي فرضتها وزيرة المالية راشيل ريفز. وأظهر مؤشر باروميتر الأعمال، الذي يصدره بنك لويدز البريطاني، أنّ أكثر من 80% من الشركات ذكرت أنّ الزيادة الحادة في ضريبة الأجور والحد الأدنى للأجور في إبريل/ نيسان الماضي لن يكون لها سوى تأثير محدود على خططها للتوظيف.

وكشف المؤشر أنّ خطط التوظيف ارتفعت للشهر الرابع على التوالي، حيث أعربت 62% من الشركات عن اعتزامها إضافة عمالة خلال الشهور الـ12 المقبلة. وأظهر الاستطلاع، الذي شمل 1200 شركة وأُجري خلال أول أسبوعين من الشهر الجاري، ارتفاع ثقة الشركات بنسبة 2% ليسجل المؤشر 54 نقطة، في أعلى معدل له من تشرين الثاني/ تشرين الثاني عام 2015.

ونقلت وكالة بلومبيرغ للأنباء عن هان جو هو، كبير خبراء الاقتصاد لدى مصرف لويدز التجاري، قوله: “يشير استمرار الاتجاه الصعودي في ثقة الأعمال إلى أن الشركات البريطانية ما زالت تشعر بالتفاؤل بشأن آفاقها التجارية، في حين أن هناك فتوراً في الثقة حيال الاقتصاد البريطاني الأوسع”.

ارتفاع مؤشر ثقة الأعمال في بريطانيا إلى أعلى مستوى منذ نحو عقد يعكس مزيجاً من العوامل الاقتصادية والسياسية. فمن جهة، ورغم الضغوط المالية الناجمة عن السياسات الضريبية الجديدة، خصوصاً زيادة ضريبة الأجور والحد الأدنى للأجور، يبدو أن الشركات تتبنى نظرة طويلة الأمد تُرجح النمو على التحديات قصيرة الأجل. هذا التفاؤل قد يرتبط أيضاً بتحسن نسبي في بيئة الأعمال نتيجة استقرار السياسات النقدية وتراجع الضغوط التضخمية مقارنة بالعامين الماضيين.

لكن في المقابل، يظهر تباين واضح بين ثقة الشركات في مستقبل أعمالها الخاصة وبين رؤيتها للاقتصاد البريطاني ككل. فتراجع النمو الاقتصادي، وضعف الإنتاجية، واستمرار التحديات المرتبطة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “بريكست“، كلها عوامل لا تزال تلقي بظلالها على الاقتصاد الأوسع. ومع ذلك، يبدو أن الشركات تراهن على قدراتها الداخلية في الابتكار والتوظيف وتوسيع الإنتاج، وهو ما يفسر ارتفاع خطط التوظيف للشهر الرابع على التوالي.

إضافة إلى ذلك، فإن سوق العمل البريطانية لا تزال من أبرز نقاط القوة في الاقتصاد، حيث تُظهر مرونة في مواجهة الأزمات، ما يدفع الشركات إلى الاستثمار في الكفاءات البشرية لتعزيز تنافسيتها. هذا يفسر قبولها بزيادة تكاليف التشغيل مقابل الحفاظ على جاذبية القوى العاملة وضمان استمرارية النمو.

يُظهر ارتفاع ثقة الأعمال في بريطانيا أن القطاع الخاص يسعى إلى تجاوز التحديات المالية والاقتصادية عبر الاستثمار في التوظيف والتوسع، مع إبداء مرونة أمام السياسات الضريبية الجديدة. لكن هذا التفاؤل لا يخلو من الحذر، إذ يظل مشروطاً بقدرة الحكومة على توفير بيئة اقتصادية مستقرة تدعم خطط النمو. ومع أن مؤشر باروميتر الأعمال يبعث برسالة إيجابية عن مستقبل الشركات، إلا أن التباين بين تفاؤلها الداخلي وقلقها حيال الاقتصاد الكلي يعكس أن الطريق نحو انتعاش شامل لا يزال يحتاج إلى إصلاحات هيكلية ودعم أكبر للإنتاجية والاستثمار.

(أسوشييتد برس، العربي الجديد)