
رفض واسع لتوطين مئات الآلاف من النازحين العراقيين خارج مناطقهم الأصلية
أثارت تصريحات لوزارة الهجرة العراقية، بشأن توطين مئات الآلاف من النازحين والمهجرين العراقيين في مناطق وجودهم الحالية خارج مدنهم الأصلية، رفضاً شعبياً وسياسياً واسعاً، لما تتضمّنه هذه الخطوة من معالجات خاطئة، فضلاً عن كونها تمهّد لإبعاد النازحين عن مناطق سكناهم الأصلية بشكل نهائي.
والأسبوع الماضي، تحدثت وزارة الهجرة عن مشروع مقترح تدرسه الحكومة من أجل التمهيد لغلق ملف النزوح نهائياً في البلاد، وقالت الوزارة في بيان نشرته إن “اللجنة العليا لإغاثة ودعم النازحين ناقشت اعتبار العوائل الساكنة في المخيمات مندمجة ومستقرة، وذلك تمهيداً لغلق ملف النزوح مع نهاية عام 2025″، وبيّنت أن هذا التوجه جاء انسجاماً مع مقتضيات المصلحة العامة، وبهدف إنهاء ملف النزوح في العراق، ومساعدة هذه العوائل على الاستقرار والعودة والاندماج المجتمعي.
ولا يزال مئات الآلاف من العراقيين، غالبيتهم من العرب السنة، مُهجرين منذ عام 2014، وموزعين على مخيمات ومناطق نزوح عشوائية، بفعل منع مليشيات مسلحة عودتهم لمدنهم أبرزها جرف الصخر، والعوجة، والعويسات، ويثرب، وعزيز بلد، وذراع دجلة، وطوزخورماتو، والحوض والعظيم، والسعدية، وسنجار ومناطق أخرى. وأخفقت الحكومات المتعاقبة على العراق، من إقناع تلك المليشيات بالانسحاب من هذه المدن والبلدات والمناطق وإعادة أهلها إليها.
المقترح الذي طرحته وزارة الهجرة العراقية، جوبه بمعارضة شديدة من قبل النازحين من محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين وشمال بابل وديالى وكركوك، وأغلبهم من العرب السنة الذين نزحوا عن مناطقهم بعد سيطرة تنظيم داعش عليها، وما أعقب تلك السيطرة من العمليات العسكرية لاستعادة المدن. ولا توجد أرقام رسمية عن عدد النازحين العراقيين، ولكن إحصائيات غير رسمية حصل عليها “العربي الجديد”، من مصادر حكومية تؤكد أن أكثر من مليون عراقي لا يزالون خارج مناطقهم الأصلية منذ عام 2014، من بينهم نحو 200 ألف نازح من ناحية جرف الصخر تمنعهم الفصائل المسلحة الموالية لإيران من العودة.
وإضافة إلى جرف الصخر، فإن العديد من المناطق باتت منزوعة السكان، ومنها مناطق العوجة ويثرب وعزيز بلد في صلاح الدين والعويسات في الأنبار والسعدية في ديالى وسنجار في نينوى. كما أن آلاف العائلات النازحة من التركمان السنة لا يزالون خارج قضاء تلعفر، ويسكن أغلبهم خارج العراق وفي تركيا تحديداً، ويرفضون العودة خشية الملاحقة من الأجهزة الأمنية والفصائل المسلحة التي تفرض السيطرة على قضاء تلعفر التابع لمحافظة نينوى.
الهجرة توضح بشأن مقترحها
وبالعودة إلى مقترح وزارة الهجرة بشأن توطين النازحين في مناطق النزوح، نفت وزارة الهجرة صدور أي قرار رسمي بهذا الخصوص في الوقت الحالي. وقال وكيل وزير الهجرة كريم النوري في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “الوزارة قدمت مقترحاً للدراسة فقط، يتضمن توطينهم في مناطقهم، لتسهيل اندماجهم في المجتمع، في خطوة أولى تمهّد لعودتهم لمناطقهم في المرحلة اللاحقة. وأوضح النوري أن وزارة الهجرة لا تتحمل المسؤولية عن عدم عودة النازحين لمناطقهم كجرف الصخر وسنجار وغيرها من المناطق، على اعتبار أنها جهة مشرفة فقط على إعادتهم، وتتولى عمليات إغاثتهم، وتقديم المساعدات الإنسانية لهم خلال فترة النزوح، مشدداً على أن الكثير من المناطق يمنع أهلها من العودة تحت بند التدقيق الأمني، ولا دخل للوزارة في هذا الموضوع، وإنما يتعلق بالسلطات الأمنية.
نينوى: مقترح توطين النازحين تغيير ديمغرافي
ورغم أنه مقترح، لكن ينظر إليه على أنه محاولة لإبعاد النازحين عن مناطقهم وتغيير ديمغرافية المناطق التي تركها النازحون، وهو ما أشار إليه عضو مجلس محافظة نينوى مهند نجم الجبوري، وقال الجبوري في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “هذا المقترح مرفوض، وهو يتضمن معالجات خاطئة لملف النزوح الذي ينبغي أن تعمل السلطات المركزية ووزارة الهجرة على حله، عبر السماح للأهالي بالعودة، وتوفير الخدمات في المناطق، وتقديم التعويضات، وتسهيل إجراءات العودة للنازحين، بدل إبعادهم عن مناطق إلى الأبد”. وحذّر الجبوري من أن يؤدي تطبيق هذا المقترح إلى تغيير ديمغرافية الكثير من المناطق الخاصة بالنازحين، سواء في نينوى وخارجها، وهو أمر لا يمكن القبول به، فيما دعا وزارة الهجرة إلى إلغاء هذا المقترح، وإعادة النظر فيه لما يحمل من تداعيات سلبية على الوضع العام في البلاد، كما أنه لا يعالج مشكلة النازحين، بل يبقيها معلقة. وأكد عشرات النازحين خلال وقفات احتجاجية داخل مخيم بزيبز بمحافظة الأنبار ومخيمات النازحين في محافظة دهوك، رفضهم المطلق لتوجه الوزارة نحو غلق ملف النزوح بهذه الطريقة، فيما أعلنوا عدم القبول بها، كونها ستغير ديمغرافية مناطقهم، وتبعدهم عنها بشكل رسمي وبرعاية الدولة.
الأنبار ترفض فكرة توطين النازحين
من جانبه، أكد عضو مجلس محافظة الأنبار، عدنان الكبيسي، رفض الحكومة المحلية في الأنبار فكرة توطين النازحين في مناطق النزوح، مشدداً على أن “سبب الرفض ليس عدم قبول فكرة الاندماج مع النازحين، ولكن بسبب التأكيد على عدم ضياع حقوق النازحين وأراضيهم وأملاكهم في مناطقهم التي غادروها”، مبيناً أن مقترح توطين النازحين بمناطق النزوح لا يمثل حلاً للمشكلة”. واتهم الكبيسي السلطات الاتحادية والحكومات المتعاقبة بالفشل في إنهاء ملف النزوح رغم مرور 11 عاماً على بدء النزوح، مستبعداً في الوقت نفسه أن يحل هذا الملف قريباً رغم تعهّد الحكومات بإنهائه وتضمين إعادة النازحين لمناطقهم في البرنامج الوزاري للحكومة الحالية.
ودعا الكبيسي حكومة بغداد ووزارة الهجرة إلى إغاثة نازحي مخيم بزيبز بمحافظة الأنبار، مؤكداً أنهم يواجهون كارثة إنسانية، ولا سيما خلال الصيف الحالي، كما حذر من مأساة إنسانية مقبلة في المخيم خلال فصل الشتاء المقبل، بسبب نقص المساعدات الإغاثية من الأغذية والماء والوقود والخيام وغيرها من أبسط متطلبات الحياة.
أوضاع مأساوية في المخيمات
ويؤكد الصحافي من محافظة الأنبار، أحمد ناجي، أن نازحي مخيم بزيبز الذي يضم أكثر من ألفي عائلة نازحة، غالبيتهم من ناحية جرف الصخر ومنطقة العويسات، يواجهون مأساة إنسانية وعدم تقديم أي مساعدات لهم من الجهات الحكومية، على اعتبار أن المخيم لم يعد يتبع لوزارة الهجرة والمهجرين. وقال ناجي في حديث مع “العربي الجديد”، إن “نازحي مخيم بزيبز يعيشون في خيام متهالكة منذ 10 سنوات”، كاشفاً عن أن أبرز المشاكل التي تواجه نازحي المخيم اليوم تتمثل في عدم وجود الماء الصالح للشرب، وانقطاع الكهرباء بشكل شبه مستمر، إلا لساعات معدودة، في ظل الارتفاع الكبير بدرجات الحرارة، وبين أن سكان المخيم يعتمدون على مياه الآبار غير الصالحة للشرب التي تتسبب بتسجيل مئات الإصابات بالأمراض المعوية والجلدية لا سيما في صفوف الأطفال، مشيراً إلى أن المخيم يعتمد المساعدات الإنسانية التي تقدم كمبادرات من أهالي الأنبار وبعض فاعلي الخير والمنظمات المحلية والدولية التي تراجع دورها الإغاثي خلال الأشهر الماضية بشكل لافت.
مقترح ينتهك حقوق الإنسان
ويرى الحقوقي وعضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق علي البياتي، أن “مقترح وزارة الهجرة يمثل مصدر قلق وانتهاكاً لحقوق الإنسان، على اعتبار أن الحقوق تستوجب أن يكون هناك عودة طوعية وآمنة للنازحين، مع ضمان تقديم الخدمات ومتطلبات الحياة الكريمة”، لافتاً إلى أن إجبارهم على البقاء في مناطق النزوح يمثل انتهاكاً واضحاً لحقوق النازحين ولحقوق الإنسان. وقال البياتي لـ”العربي الجديد” إن “الدافع الحقيقي وراء مقترح توطين النازحين هو دافع سياسي، ولا يمكن أن ينظر إليه من وجهة نظر إنسانية، لأن موجبات النزوح في العراق انتهت بانتهاء القتال وإعلان الحكومة العراقية النصر على داعش”، منوها بأن تطبيق فكرة توطين النازحين ستفضي إلى تغيير ديمغرافية بعض المناطق، لا سيما جرف الصخر وسنجار التي لم يعد أهلها إليها حتى الآن. وشدد البياتي على أن حل مشكلة النزوح يتطلب إعلاناً وطنياً لإنهاء المشكلة، يتضمن طلب المساعدة الدولية في غلق هذا الملف، وإعادة إعمار المدن المدمرة، وتأمين الخدمات، وتحقيق المصالحة المجتمعية، وإشراك النازحين في القرارات الخاصة بهم ومستقبلهم.
ولا يزال ملف النزوح من الملفات المعقدة التي لم تنجح الحكومات المتعاقبة في حلها وتجاوزها رغم مرور 10 سنوات على بدء رحلة النزوح للعائلات العراقية، وترجع أسباب عدم إنهاء مشكلة النازحين إلى سيطرة الفصائل المسلحة على العديد من المناطق ومنع أهلها من العودة لها، إلى جانب انعدام الخدمات الأساسية في المناطق التي دمرتها العمليات العسكرية، فضلاً عن رفض بعض العائلات العودة لأسباب أمنية وعشائرية، بسبب انتماء أحد أفراد تلك العائلات لتنظيم داعش.
وبعد إغلاق وزارة الهجرة المخيمات التابعة لها في أغلب مناطق البلاد، والإبقاء على مخيم واحد وهو مخيم الجدعة “الأمل” جنوب الموصل والمخصص لاستقبال النازحين من مخيم الهول في سورية، فإن سكان المخيمات من النازحين يمكن تقسيمهم إلى قسمين، الأول من منطقتي العويسات وجرف الصخر الذين يقطنون مخيم بزيبز في عامرية الفلوجة بمحافظة الأنبار، والقسم الثاني يشمل نازحي قضاء سنجار (الإيزديين والعرب) والذين يزيدون عن 150 ألف نازح، حيث لجأ النازحون الإيزيديون إلى مخيمات تابعة لسلطة إقليم كردستان في محافظتي دهوك وأربيل، في حين أن أغلب النازحين العرب من سنجار اتخذوا من مدينة الموصل موقعاً للنزوح والاستقرار، في ظل منعهم من العودة لمناطقهم من قبل حزب العمال الكردستاني والمليشيات التابعة له.