اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، خلال مختلف ساعات نهار اليوم الخميس، عدّة مدارس في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، حيث نفّذت عمليات تفتيش داخل صفوفها وأنزلت علم فلسطين عن بعضها، وصادرت كتبًا وصورًا ومزّقت أخرى، في حادثة غير مسبوقة باقتحام مدارس وسط المدينة في غياب الطلبة عنها.
وقال مدير مديرية التربية والتعليم الفلسطينية في الخليل، عاطف الجمل، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “ما جرى هو اقتحام طاول 17 مدرسة في مناطق مختلفة من مدينة الخليل، في حادثة غير مسبوقة من حيث النطاق والمناطق المستهدفة”. وأوضح الجمل أن جولة الاقتحامات جرت منذ صباح اليوم، في وقت كانت فيه المدارس مغلقة لعدم وجود دوام رسمي، حيث اقتصر حضور الموظفين على بعض الإداريين وعمال النظافة والأذنة الذين كانوا يجهزون المدارس استعدادًا لانطلاق العام الدراسي مطلع الأسبوع المقبل.
وأكد الجمل أن قوات الاحتلال فتشت الأبنية والغرف بصورة شاملة، وصوّرت أماكن نشاطات الطلبة، كما استولت على صور ورسومات وطنية للأسرى، وصادرت عينات من كتب لمواد التاريخ والجغرافيا والإنكليزي، والتقطت صورًا للغرف الصفّية والمدرسة التي تحوي صورًا للرئيس الراحل ياسر عرفات والرئيس محمود عباس والعلم الفلسطيني. وأفاد الجمل بأن بعض المدارس تعرّضت لإسقاط العلم الفلسطيني من على أسطحها، مشيرًا إلى أن ضبّاط الاحتلال تواصلوا مع مديري المدارس، الذين لم يكن معظمهم موجودين، وأبلغوهم بقرار الاقتحام.
وقال الجمل: “تلقّينا من المديرين اتصالات فورية، وتواصلنا عبر المديرية مع الارتباط الفلسطيني، الذي أبلغنا أن الاحتلال أرسل قائمة تضم 17 مدرسة سيجري اقتحامها، وهو أمر مقلق لاحتمال تكراره مع بدء العام الدراسي يوم الأحد القادم للمعلمين، ويوم الاثنين للطلبة”. وبيّن الجمل أن مديرية التربية والتعليم عقدت اجتماعًا لاحقًا مع مديري المدارس لفهم ما جرى بشكل دقيق، وطلبت منهم تفقد المدارس خشية أن يكون الاحتلال قد وضع بداخلها أي مواد أو أدوات، خاصة بعدما فتّش كاميرات المراقبة.
وأكد الجمل أن الأضرار اقتصرت على تمزيق بعض الصور والرسومات الخاصة بأعمال الطلبة وإلقائها أرضًا. ومن بين المدارس التي تعرّضت للاقتحام، مدرسة الحاج إسحق القواسمة للبنات في منطقة حارة الشيخ، حيث كانت تحوي رسوماً وطنية تمثل علم فلسطين ورسومات تجسّد حال الحرب في قطاع غزة ضمن نشاط صيفي انتهى مؤخرًا، وقد أقدمت قوات الاحتلال على تمزيق الرسومات ومصادرة بعض منها.
ولفت الجمل إلى أن ما يميّز هذه الحادثة أنها الأولى التي تستهدف مدارس تقع وسط مدينة الخليل، إذ كانت الاقتحامات في العادة تطاول المدارس المحاذية للتجمعات الاستيطانية أو الواقعة ضمن مناطق (H2) الخاضعة لسيطرة الاحتلال، أما هذه المرة فقد امتدت لتشمل مدارس في مناطق (H2) بالمنطقة الجنوبية وحارة الشيخ، وأخرى في مناطق مصنّفة (H1) الخاضعة للسيطرة الفلسطينية مثل مناطق نمرة والحرس، أي إنها طاولت مدارس للبنين والبنات بمختلف المراحل التعليمية.
وأكد الجمل أن سبب الاقتحامات ما يزال مجهولًا، فلم يتم تزويدهم بأي ذريعة أو سبب، مشيرًا إلى أن المديرية أجرت اتصالات مع وزير التربية والتعليم العالي أمجد برهم، ومع محافظ الخليل خالد دودين، إضافة إلى الارتباط المدني والعسكري الفلسطيني، لمتابعة ما جرى، خاصّة أن ما جرى جاء قبيل انطلاق العام الدراسي الجديد.
وأدانت وزارة التربية والتعليم العالي في بيان لها هذا الاعتداء، مؤكدة أنه يمثّل انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية واتفاقيات حماية التعليم. وطالبت الوزارة المؤسسات الحقوقية والإنسانية بالتدخل العاجل لوقف هذه الانتهاكات المتكررة وضمان الحماية للمدارس والطواقم التدريسية. واعتبرت وزارة التربية والتعليم ما جرى “استمرارًا لسياسة الاحتلال الممنهجة لاستهداف المؤسسات التعليمية، وبث الرعب في نفوس الطلبة والطواقم التدريسية”. وطالبت وزارة التربية والتعليم بضمان الحماية للمدارس والطلبة والمعلمين، ومحاسبة الاحتلال على جرائمه المتواصلة بحق التعليم الفلسطيني.
دعا وزير المال الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش حكومته، الخميس، البدء بضم مناطق من قطاع غزة وتجويع وتهجير سكانه إذا استمرت حركة حماس في رفض نزع سلاحها، حسب قوله.
وخلال مؤتمر صحافي في القدس المحتلة، قدم الوزير اليميني المتطرف الذي يعارض بشدة أي اتفاق مع حماس لإنهاء الحرب الدائرة في القطاع منذ نحو عامين، خطته لـ”الانتصار في غزة بحلول نهاية العام”.
خطة سموتريتش
وبحسب مقترح سموتريتش، سيوجه إنذار نهائي إلى حماس لتسليم أسلحتها والتخلي عنها، وإطلاق سراح الأسرى الذين لا يزالون محتجزين في غزة.
وقال سموتريتش، إنه في حال رفض حماس، يجب على إسرائيل ضم جزء من القطاع كل أسبوع لمدة أربعة أسابيع، مما يجعل معظم قطاع غزة تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة.
وسيُطلب من الفلسطينيين خلال تلك الفترة الانتقال إلى جنوب غزة، ومن ثم ستفرض إسرائيل حصارًا على شمال ووسط القطاع لهزيمة أي مقاتلين متبقين من حماس. وأضاف: “يمكن تحقيق ذلك في ثلاثة إلى أربعة أشهر”.
ومن القدس المحتلة، أوضح مراسل التلفزيون العربي، أحمد جرادات، أن خطة سموتريتش تقوم على خيارين: الأول، منح حركة حماس فرصة للاستسلام وإعادة جميع المحتجزين، أحياءً كانوا أو قتلى، دفعة واحدة، إلى جانب نزع سلاح الحركة وإخراج قادتها من قطاع غزة. أما الخيار الثاني، فيقوم على فتح باب ما وصفه بـ”الهجرة الطوعية”.
“إقرار صريح بمشروع التهجير والتطهير”
وتأتي تصريحات سموتريتش في وقت يكثف فيه الجيش الإسرائيلي هجماته في محيط مدينة غزة تمهيدًا للسيطرة عليها وسط تزايد قلق المنظمات الإنسانية حول مصير المدنيين هناك.
وتُقدر الأمم المتحدة أن الغالبية العظمى من سكان قطاع غزة الذين يزيد تعدادهم على مليوني نسمة، اضطروا للنزوح مرة واحدة على الأقل خلال نحو عامين من الحرب هربًا من القصف والموت. وطلب وزير المال من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو “اعتماد هذه الخطة كاملة وفورًا”.
من جهتها، نددت حماس بهذا الاقتراح، وقالت في بيان إنه “إقرار صريح بمشروع التهجير القسري والتطهير العرقي ضد شعبنا، ودليل دامغ لإدانة الاحتلال أمام محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية، انطلاقًا من توافر النيّة لدى قادة الاحتلال الفاشي لارتكاب جريمة الإبادة“.
من جهته، أدان رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح التصريحات العدوانية التي أطلقها وزير المالية في حكومة الاحتلال الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش، وفق وكالة الأنباء الفلسطينية.
وأكد فتوح في بيان، مساء الخميس، أن هذه التصريحات تمثل اعترافًا صريحًا بسياسة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي تنتهجها حكومة الاحتلال، وتشكّل جريمة حرب مكتملة الأركان بموجب القانون الدولي واتفاقيات جنيف الرابعة ونظام روما الأساسي.
ويُعتبر الوزير اليميني مؤيدًا شديدًا لحركة الاستيطان، ويعيش هو نفسه في مستوطنة في الضفة الغربية المحتلة.
وأقرت إسرائيل الأسبوع الماضي مشروعًا استيطانيًا شرق القدس من شأنه فصل شمال الضفة الغربية المحتلة عن جنوبها رغم تحذير المجتمع الدولي من أنه سيقوض فرص إقامة دولة فلسطينية متصلة مستقبلًا. وقال سموتريتش: إن هذا المشروع المسمى E1 يهدف إلى “دفن فكرة الدولة الفلسطينية”.
بحث اجتماع وزاري مصغّر، برئاسة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو
، الأسبوع الماضي، وسط تكتّم على تفاصيله الكاملة، فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة، ويعتزم المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) الأسبوع المقبل، مناقشة القضية. وضم الاجتماع المصغّر إلى جانب نتنياهو، الوزير المقرب منه رون ديرمر، المسؤول عن العلاقات مع الولايات المتحدة ودول الخليج، ووزير الخارجية جدعون ساعر، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش. كذلك حضر الاجتماع رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي وسكرتير الحكومة يوسي فوكس.
وكشفت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية اليوم الخميس، تفاصيل جديدة من داخل الاجتماع، حول التحركات التي يقوم بها المستوى السياسي خلف الكواليس لفرض السيادة. وعبّر رون ديرمر خلال الجلسة، عن دعمه للخطوة، ووفقاً لمصادر تحدثت معه، قال: “ستكون هناك سيادة في يهودا والسامرة (التسمية الإسرائيلية للضفة الغربية المحتلة)، والسؤال هو: على أي جزء منها؟”.
وكان ديرمر قد عبّر عن موقف مشابه قبل أسبوعين في اجتماع آخر للكابينت الموسّع، بعد أن طرح الوزراء، أوريت ستروك، وسموتريتش، وياريف ليفين الموضوع، ودفعوا نحو التقدّم في هذه الخطوة الآن، عشية انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ أيلول، التي تعتزم خلالها مجموعة من الدول بقيادة فرنسا إعلان اعترافها بدولة فلسطينية. وعملياً، فإن ديرمر يدعم المضي قدماً في الموضوع في الأسابيع القريبة، وما تبقّى في الوقت الراهن هو تحديد التفاصيل.
وناقش الوزراء في الاجتماع الوزاري المصغّر الذي عُقد الأسبوع الماضي، مسألة ما إذا كان ينبغي فرض السيادة فقط على الكتل الاستيطانية، أو على جميع المستوطنات، أو على كامل المناطق المصنفة (ج)، أو ربما فقط على المناطق المفتوحة أو غور الأردن. وظهرت “معضلة” إضافية، تتعلق بما إذا كان يجب دفع هذه الخطوة ردّاً على الاعتراف بدولة فلسطينية، أو تنفيذها مسبقاً في خطوة وقائية. وبحسب مصادر مطلعة على التفاصيل، فإن رون ديرمر نقل رسالة إلى جهات فرنسية حتى قبل إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاعتراف بدولة فلسطينية، قال فيها: “أنتم تدفعوننا إلى الرد، وهذا لن يساهم في قيام دولة فلسطينية”.
من جهته، حلّل وزير الخارجية جدعون ساعر، خلال المناقشات، الوضع السياسي لإسرائيل على الساحة الدولية، وأشار إلى أن من المتوقع أن تواجه هذه الخطوة معارضة في أوروبا، ما قد يؤدي إلى مزيد من التدهور في العلاقات بين إسرائيل والدول الأوروبية. وقد أدلى بهذه التصريحات من منطلق “مهني”، وفق الصحيفة العبرية، دون أن تكون مرتبطة بموقفه المبدئي من قضية السيادة. وفي الأشهر الأخيرة، وجّه ساعر تحذيرات لوزراء خارجية في دول مركزية حول العالم، مفادها أن “الخطوات الأحادية ضد إسرائيل ستُقابل بخطوات أحادية من جانب إسرائيل”.
في السياق، يدفع الوزير سموتريتش منذ فترة طويلة، نحو التقدّم في مسألة السيادة، وقد أعدّ فريقه في إدارة الاستيطان بوزارة الأمن، الإجراءات المهنية اللازمة، من خرائط ومسوح ميدانية لتنفيذ الخطوة. وتجدر الإشارة إلى أنّ سموتريتش، حين يلوّح بتهديد حلّ الحكومة على خلفية صفقة محتملة مع حركة “حماس”، يضع في حساباته أيضاً نافذة الفرصة المتاحة للمضي في فرض السيادة. أما في مجلس “ييشاع”، الاستيطاني الذي يقود حملة إعلامية وجماهيرية للضغط على نتنياهو من أجل دفع الخطة قدماً، إذ توجد معارضة بشأن الاكتفاء بفرض السيادة فقط على غور الأردن أو الكتل الاستيطانية، بحجّة أن “من غير المقبول أن يكرّس المعسكر الوطني عقيدة الكتل التي يتبناها اليسار”. ويشارك الوزير سموتريتش هذا الموقف، وقد طُرح خلال النقاش. هناك توجه إضافي قيد الدراسة، يطرحه عضو الكنيست أفيحاي بوآرون، (من حزب الليكود)، الذي يعمل بالتعاون مع لوبي الاستيطان لدفع الخطة، ويتمثل بضم المناطق المفتوحة أيضاً الواقعة ضمن المناطق (أ) و (ب)، بحجة أنه يجب كسر التواصل الفلسطيني، وعدم فرض السيادة بشكل ممرات متصلة على الأرض.
من جانبه، يتحفظ نتنياهو على إعلان موقفه بوضوح من السيادة، رغم أن موقف ديرمر المقرّب منه قد يمثله، ورفض الإفصاح عن تفاصيل، في اجتماع عُقد قبل أيام، مع رؤساء مستوطنات، طالبوه بتعزيز خطوات فرض السيادة. وتعتقد مصادر مطّلعة على التفاصيل، لم تسمّها الصحيفة، أن نتنياهو يخشى الضغوط السياسية والتداعيات الدولية، ويبدو أنه يفضّل الانتظار لمعرفة ما ستفعله فرنسا فعلياً في الأمم المتحدة. وقال أحد المشاركين في الاجتماع المصغّر: “من الواضح أنه لا يمكن الاكتفاء بإغلاق القنصلية الفرنسية مقابل الاعتراف بدولة فلسطينية”. ووفقاً للصحيفة العبرية، امتنع نتنياهو وديرمر لفترة طويلة، عن الخوض في هذه القضية، بحجة أن الرصيد السياسي الدولي يجب أن يُستغل فقط لعمليات الحرب. وأفاد وزراء بأنهم يسمعون خلال اجتماعاتهم مع ممثلي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أن إسرائيل بحاجة إلى التعبير عن موقف واضح، وأن الإدارة ستدعم مثل هذا الموقف.
ولهذا الغرض، دُفع بقرارات إعلانية في الكنيست تعارض قيام دولة فلسطينية بشكل أحادي، حظيت بدعم الأغلبية من الائتلاف والمعارضة. كذلك أقر مشروع قرار يدعم فرض السيادة في الضفة الغربية، بأغلبية 71 عضو كنيست. ورغم أن نتنياهو لا يكشف عن خطواته أو موقفه علناً من فرض السيادة، إلا أن ما قد يشي بذلك، حرصه في الأيام الأخيرة على حضور مناسبتين مرتبطتين بالاستيطان، الأولى بمناسبة مرور 50 عاماً على تأسيس مستوطنة عوفرا، والثانية في لقاء احتفالي لمجلس بنيامين الاستيطاني قبل يومين ضم عشاءً فاخراً، والذي أنهى من أجله اجتماع الكابينت في وقت قصير نسبياً.
بالمقابل، تتساءل جهات في حزب الليكود، عما إذا كان نتنياهو سيمضي قدماً في فرض السيادة في الوقت الراهن، باعتباره إنجازاً يتوجه به إلى انتخابات، أو أنه سيحتفظ بذلك كتعهد انتخابي، أو أن الأمر سيبقى مجرد نقاشات وأحاديث دون تنفيذ فعلي.
اجتماع للكابينت الأحد المقبل
في غضون ذلك، أفادت هيئة البث الإسرائيلي (كان) مساء أمس الأربعاء، أن وزراء الكابينت سيناقشون يوم الأحد المقبل، إمكانية إعلان السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، إلى جانب مناقشة قضايا أخرى. ولفتت الى أن الكابينت سينعقد أساساً لمناقشة العمليات العسكرية في غزة والمفاوضات بشأن إطلاق سراح المحتجزين، لكن الوزراء سيبحثون خلاله أيضاً، استعدادات وردّ إسرائيل المحتمل على موجة الاعتراف بالدولة الفلسطينية المتوقّعة الشهر المقبل. ووفقاً لمصادر مطلعة على الموضوع، لم تسمّها “كان”، فإن أحد الاقتراحات الذي يُدرس ليكون خطوة ردّ، إعلان السيادة على أجزاء من الضفة.
قال مسؤولون إسرائيليون إنهم يدرسون تطبيق السيادة على أجزاء من الضفة الغربية، إما بشكل استباقي قبل اعتراف الأمم المتحدة المحتمل بدولة فلسطينية في أيلول/أيلول المقبل، أو ربما كرد فعل في حال حدوث هذا الاعتراف.
ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت، عن وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، يوم الخميس، قوله إن السيادة في “يهودا والسامرة (الضفة الغربية) أمرٌ لا مفر منه، والسؤال هو أي المناطق”.
وتشير تقارير أخرى إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حذر من “الضغوط الدولية”، ومن المرجح أنه ينتظر رؤية موقف فرنسا في الأمم المتحدة قبل اتخاذ أي خطوة.
من جانبها، حذرت وزارة الخارجية الفلسطينية من دعوات وزراء في الحكومة الإسرائيلية وحزب الليكود، لضم الضفة الغربية وتفكيك السلطة الفلسطينية.
واعتبرت أن هذه الدعوات تشكل “غطاء سياسياً لجرائم الاستيطان وتشجيعاً لمزيد من الاعتداءات”، كما دعت الخارجية الفلسطينية المجتمع الدولي إلى التعامل معها باعتبارها تصريحات “استعمارية توسعية عنصرية”، على حد وصفها.
لماذا يخفت صوت الشارع في الضفة رغم الحرب في غزة؟
ما خيارات الفلسطينيين لمواجهة “الدعوة غير الملزِمة” لفرض “السيادة الإسرائيلية” على الضفة الغربية؟
المستوطنون المتطرفون يستولون على أراضي الضفة الغربية بوتيرة متسارعة – تقرير لبي بي سي
وفي نيويورك، قال المندوب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة، رياض منصور، إن “إسرائيل تنتهج سياسة منهجية لتهجير الشعب الفلسطيني وتجريده من أرضه”.
مشيراً إلى أن الغارات الأخيرة على مستشفى ناصر في خان يونس مثال على “الاستهداف المتعمد للمدنيين والطواقم الطبية والصحفيين”.
وأضاف منصور أن “المجاعة المفروضة عمداً على غزة تتسع بسرعة”، متهماً إسرائيل بمنع دخول الصحفيين والبعثات الدولية لـ”إخفاء الحقائق”.
توسع استيطاني
جنود إسرائيليون يحملون أسلحة ويطلقون الرصاص والغاز المسيل للدموع على محتجين فلسطينيين في البلدة القديمة بالقدس الشرقية بعد مداهمة منازل واعتقال عشرات الشباب الفلسطينيين.
وتطرق رياض منصور إلى الوضع في الضفة الغربية، مؤكداً استمرار عمليات “القتل والتهجير القسري، وتصاعد عنف المستوطنين في مناطق عدة بينها المغير وسنجل ومسافر يطا”، إلى جانب تسريع المخططات الاستيطانية ولا سيما في منطقة E1، ووصف ما يجري بأنه محاولة “تقويض حل الدولتين”.
وفي سياق متصل، أفادت تقارير فلسطينية بوجود أعمال توسع استيطاني جديدة في البؤرة المقامة على قمة جبل الرأس بقرية أم صفا شمال رام الله.
وهاجمت مجموعة من المستوطنين، صباح الخميس، رعاة أغنام في منطقة عين سامية قرب بلدة كفر مالك شرق رام الله.
وأفادت مصادر محلية فلسطينية أن المستوطنين استولوا على أكثر من 300 رأس غنم، واعتدوا بالضرب على أحد الرعاة قبل أن يلقوه قرب مستوطنة “كوكب الصباح” المقامة على أراضي المنطقة.
يأتي هذا فيما أغلقت القوات الإسرائيلية، ليل الأربعاء، البوابات الحديدية في مداخل بلدة حزما شمال شرق القدس، وذلك رداً على هجوم بالحجارة استهدف حافلة مستوطنين مما أدى إلى تضررها قرب البلدة، ما تسبب بأزمة خانقة للمركبات، وفق مصادر محلية.
اعتقالات جديدة
اعتقلت القوات الإسرائيلية الصحفي أسيد عمارنة، من بيت لحم، إضافة إلى فلسطيني آخر يدعى شادي بداونة بعد مداهمة منزله في مخيم عايدة شمال المدينة. كما داهمت قوة عسكرية عدة منازل في مدينة البيرة، دون الإبلاغ عن اعتقالات.
وبحسب نادي الأسير الفلسطيني فإن 55 صحفياً فلسطينياً معتقلون في السجون الإسرائيلية، من بينهم 50 صحفياً اعتُقلوا بعد السابع من تشرين الأول/تشرين الأول 2023، حيث كان آخرهم الصحفي أسيد عمارنة والذي اعتقل صباح الخميس من منزله في مدينة بيت لحم.
كما أفادت مصادر عائلية بأن السلطات الإسرائيلية حكمت على الصحفي معاذ عمارنة البالغ 36 عاماً، بالسجن الإداري لمدة أربعة أشهر.
وهذه هي المرة الثانية التي يُعتقل فيها عمارنة منذ السابع من تشرين الأول/ تشرين الأول، حيث اعتُقل 9 أشهر إدارياً “دون تهمة”.
وكان عمارنة قد فقد عينه اليسرى عام 2019 بعد إصابته برصاص القوات الإسرائيلية أثناء تغطيته احتجاجاً في بلدة صوريف جنوب الضفة الغربية.
تعيش قرية بيرين، شرق الخليل، جنوبي الضفة الغربية، تحت حصار استيطاني خانق، بعدما تحولت أراضيها إلى مسرح لتوسع استعماري متسارع، إذ أقام المستوطنون خلال اليومين الماضيين بؤرتين جديدتين داخل القرية، جرّفوا خلالهما الأراضي وشقّوا الطرق، ونقلوا إليها عشرات البيوت المتنقلة (الكرفانات). وتجري عمليات التوسع بحماية عسكرية ودعم من حكومة الاحتلال الإسرائيلي التي جعلت القرية الصغيرة بسكانها الـ530 نسمة محاطة من الجهات الأربع بمستوطنات ومعسكر للجيش الإسرائيلي، فيما تُسجّل اعتداءات شبه يومية على الأهالي ومصادر رزقهم، ويخشون من أن يكون مصير قريتهم الانعزال الكامل عن محيطها، تمهيدًا لمرحلة التهجير الكامل منها.
ويتحدث رئيس مجلس قروي بيرين فريد برقان، في حديث مع “العربي الجديد”، عن الأسلوب الذي يتبعه المستوطنون في السيطرة على أراضي الفلسطينيين، إذ يبدأ الأمر عادة بوصول أحدهم مع غنمتين فقط، قبل أن يتحوّل خلال أيام إلى بؤرة استيطانية كاملة فيها خدمات لهذا المستوطن وعائلته. ويشير برقان إلى أنّ الأهالي فوجئوا خلال الأسبوع الماضي بإنزال ستة كرفانات دفعة واحدة في المستوطنة التي يجري العمل عليها منذ مطلع حزيران/ حزيران الماضي، والتي تدعى “متسيبي زيف”، حيث باتت تضمّ 12 كرفاناً.
وبحسب برقان، فوجئ أهالي القرية، يوم السبت الماضي، بأن المستوطنين شرعوا مجدداً بشقّ طرقٍ استيطانية داخل أراضيهم، وشقوا شوارع فرعية وجلبوا المزيد من الكرفانات (البيوت المتنقلة) بشكل متقطع، حتى طلع فجر الاثنين الماضي، وقد وجدوا بؤرتين جديدتين على أراضي القرية؛ واحدة تضمّ 20 كرفاناً، والأخرى 50 كرفاناً. ويقول برقان: “واحدة من البؤر كانت قبل أسابيع تضم كرفاناً واحداً، تحوّلت اليوم إلى مستوطنة متكاملة بشوارع معبّدة وكهرباء ومياه، وربطها الاحتلال بشارع جديد يصل مستوطنتي (بني حيفر)، و(متسيبي زيف)، بطول أربعة كيلومترات. وبالقرب منها أقيم معسكر للجيش الاسرائيلي، ومبانٍ ضخمة ادُّعي أنها كنيس يهودي، لكنها في الحقيقة مساكن للمستوطنين”.
ويلفت برقان إلى أن تطورات الاستيطان لا تتوقف؛ ففي 13 إبريل/ نيسان الماضي، أشرف مستوطن يُدعى شموئيل أفيجاي على تجريف واسع استولى خلاله على 1400 دونم، رافقه نصب بوابات وكاميرات مراقبة وأعمدة كهرباء وأبراج، وزراعة أشجار، وفتح طرق جديدة انطلاقاً من منطقة سدّة الفحص، جنوب مدينة الخليل، وصولاً إلى منطقة تسمى خلايل المغربي محاذية لبيرين. وخلال الأيام الماضية جلب المستوطن عشرين كرفاناً وزوّد المنطقة بالطاقة الشمسية، حتى أصبحت بؤرة جديدة، ثمّ في منطقة مجاورة جلب المستوطنون 50 كرفاناً، وأقاموا بؤرة أخرى، إضافة لتسيير حافلات يومية إلى مواقع البؤر لتحفيز المستوطنين على الإقامة فيها.
ذلك يعني أنه خلال الأسبوع الجاري، وفي أقل من 24 ساعة، وصل إلى أراضي بيرين 70 كرفاناً جديداً، في خطة تستهدف سبعة آلاف دونم تعود للقرية، بينها 1400 دونم لصالح بؤرة تدعى “أدورين”، إضافة إلى خمسة آلاف دونم لصالح البؤرة الأخرى والطرق الواصلة بينهما. ويؤكد برقان أن بعض الكرفانات وضعت على بعد لا يتجاوز خمسة أمتار عن منازل الفلسطينيين في القرية، فيما نُصبت نجمة داوود ضخمة عند مدخل القرية الرئيسي “وكأنها إعلان صريح بالسيطرة الكاملة على بيرين”، وفق قوله.
ويشير برقان إلى أنّ قرية بيرين صغيرة ومحاصرة، لا يتجاوز عدد سكانها 530 نسمة، معظمهم مهجّرون منذ عام 1948، وهم يتعرّضون بشكل متكرر لاعتداءات المستوطنين من حرق منازل ومركبات، وصولاً إلى محاولات الطعن والاعتداء المباشر على النساء والأطفال. وبحسب ما يقول رئيس المجلس، فإنّ غياب استجابة المؤسسات الفلسطينية والدولية فاقم معاناة السكان، إذ فقد كثيرون مصدر رزقهم الوحيد المتمثل في تربية الأغنام، بعدما سرق المستوطنون المواشي، وأحرقوا المراعي والمزارع. ويضيف “هناك عائلات منذ ثلاثة أشهر بالكاد تأكل خبزاً جافاً، وقد دخل بعض الآباء في حالة نفسية صعبة نتيجة انعدام الموارد اللازمة لأسرهم”.
أما عن الأهمية الاستراتيجية للاستيطان في بيرين، فيوضح رئيس مجلس قروي بيرين فريد برقان أنها قرية جبلية ترتفع أكثر من 800 متر عن سطح البحر، وتشرف على منطقة الأغوار والبحر الميت، وتكشف مناطق الخليل وقرية بني نعيم شمالاً، ومدينة يطا ومسافرها جنوباً، ما يجعلها نقطة حساسة ضمن مخطط الاحتلال لإحكام الطوق على المنطقة وربط المستوطنات المحيطة بها. ويؤكد برقان في هذا السياق أنّ أهالي بيرين “متمسكون بأرضهم ولن يغادروها، لكنهم بحاجة إلى دعم حقيقي من المؤسسات لتأمين صمودهم على الأقل بتوفير الغذاء والعلف لمواشيهم، لأنّ بقاءهم في أرضهم هو خط الدفاع الأخير في مواجهة التوسع الاستيطاني”.
ومن زاوية أوسع، يبين الباحث في مركز أبحاث الأراضي راجح التلاحمة، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنّ “هذه الأهمية الاستراتيجية لا تقتصر على بيرين وحدها، بل تمتد إلى كامل المنطقة الشرقية من الخليل الممتدة بين شمال يطا (جنوباً)، وجنوب بني نعيم (شمالاً)، والتي تشكّل محوراً رئيسياً في المشروع الاستيطاني الإسرائيلي”. ويوضح التلاحمة أنّ الاحتلال يسعى إلى ملء ما يسميه بـ”الحلقات المفقودة” عبر إنشاء بؤر جديدة تربط التلال الشرقية بمدينة الخليل والمستوطنات المحيطة بها، ضمن خطة تهدف إلى تحويلها إلى كتلة استيطانية مترابطة.
ويؤكد التلاحمة أنّ الاحتلال يرى في هذه التلال فراغات جغرافية لا بد من تعبئتها سريعاً، لذلك يسارع إلى إقامة بؤر استيطانية وربطها بشبكة طرق التفافية، ما يجعلها كتلة مترابطة تعزز السيطرة على المنطقة، ويشير إلى أنّ المشهد الحالي، من جنوب الخليل حتى شرقها، يكشف عن خطة متكاملة، بعدما باتت معظم التلال الشرقية مشبعة بالبؤر والمستوطنات المتصلة في ما بينها، ويبيّن أنّ هذا التمدد الاستيطاني يحظى بغطاء حكومي مباشر ودعم مالي غير مسبوق، إذ تضخ وزارات إسرائيلية ميزانيات ضخمة لمشاريع البنية التحتية في البؤر الجديدة، إلى جانب دعم مؤسسات مثل “كيرن هجِبعوت – صندوق التلال”، التي تعمل على إنشاء بؤر استيطانية في المناطق المصنفة “ج” من الضفة الغربية، من خلال توفير الكرفانات، وتجهيز الطرق، وأحياناً تقديم خدمات الحراسة، مع تلقيها تمويلات إضافية من جماعات يهودية في الولايات المتحدة، ووزارات رسمية مثل الأمن الداخلي والإسكان في حكومة الاحتلال، كما يجري في بيرين.
ويوضح التلاحمة أنّ حصيلة هذه السياسة ظهرت بانتشار ما يقارب 50 بؤرة استيطانية، رعوية وزراعية وسكنية، تمتد من جنوب شرقي الخليل حتى شمالها، أقيمت آخرها بالتزامن مع بؤر بيرين في أطراف مسافر يطا الشرقية بمنطقة تُعرف باسم “حوارة”، حيث بدأ المستوطنون نصب بيوت خشبية تمهيداً لربطها بالطرق المؤدية إلى بؤر بيرين، ويرى أنّ “الهدف من ربط هذه البؤر والمستوطنات يتجاوز التوسع العمراني الاستيطاني، ليصل إلى تقطيع أوصال القرى الفلسطينية ومنع نموها في المناطق المصنفة (ج)، وبالتالي إجهاض أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية”.
ويوضح أنّ الاحتلال يسعى للوصول إلى فكرة “استيطان واحتلال بأقل التكاليف”، إذ حلّت مجموعات المستوطنين في البؤر الرعوية والزراعية محلّ الجيش الاسرائيلي، بعدما جرى تسليحها بقرار من وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير. ويؤكد التلاحمة أنّ الأخير يعمل على تحويل هذه المجموعات إلى ما يشبه قوة شرطة إسرائيلية رسمية، ما يحميها من أي ملاحقة قانونية رغم ما ترتكبه من انتهاكات يومية بحق الفلسطينيين.