
يالوا التركية… وجهة عالمية للسياحة والعلاج بالمياه الكبريتية
باتت ولاية يالوا في شمال غربي تركيا وجهة بارزة للسياحة والاستثمار، كما باتت وجهة تعليمية، وكذا لتوفير العلاج بالمياه الكبريتية، رغم أنها أصغر ولايات البلاد من حيث المساحة.
نجحت ولاية يالوا التركية باستثمار الإمكانات المتاحة والتفوّق في الإدارة وتحقيق فرص النجاح بالشكل الأمثل، مستغلةً موقعها الجغرافي القريب من إسطنبول، حيث تقع على بُعد نحو 60 كيلومتراً من الشطر الآسيوي للمدينة، حتى إنّها تُوصف بـ”حديقة إسطنبول”، كما تتميز كذلك بقربها من ولاية بورصة، أول عاصمة للإمبراطورية العثمانية، ومن ولاية كوجا إيلي المزدهرة صناعياً.
وتمتد شواطئ يالوا على بحر مرمرة بطول يتجاوز 120 كيلومتراً، لتخطّ بذلك سحراً خاصاً يُضاف إلى خصائصها العديدة، إذ تمكنت من التحول إلى وجهة عالمية للسياحة والاستثمار، وحتى بقطاع التعليم، رغم أنها أصغر ولايات تركيا، إذ تبلغ مساحتها الإجمالية نحو 839 كيلومتراً مربعاً، ولا يتخطى عدد سكانها 200 ألف نسمة.
ويكشف الدليل السياحي التركي، سردار دونميز لـ”العربي الجديد”، أن ولاية يالوا اكتسبت شهرتها العالمية نتيجة المياه المعدنية التي يُعتقد أنها ناتجة من زلزال قديم، ما جعلها من أهم مناطق السياحة الشتوية في تركيا، خصوصاً أنها أحسنت استثمار منابع المياه المعدنية والترويج لأهمية هذه المياه وفوائدها في علاج أمراض المفاصل والجلد والقولون العصبي. كما أن طقسها المعتدل ساهم بجذب المواطنين والمقيمين والسيّاح.
ويضيف: “مع ازدياد شهرتها وارتفاع نسبة إقبال السيّاح العرب تحديداً، حرصت الولاية على استقطاب الريادة والأعمال طيلة العام، فكان أن أنشأت ثاني أكبر جامعة في تركيا بعد جامعة مرمرة، وقدّمت تسهيلات للاستثمار العقاري، حيث زادت مشاريعها السكنية مثل مشروع “جنة يالوا” ومشاريعها الصناعية والغذائية، وانتشرت عشرات المطاعم العربية، وخصوصاً العراقية، ما جعلها تلبّي متطلبات المستثمرين والسيّاح والطلاب. وبرزت على الخارطة السياحية وصارت مُدرجة ضمن رحلات السياحة الدائمة خارج إسطنبول، مثل صبنجة والمعشوقية وجبل أولوداغ في بورصة”.
وعن معنى الاسم وتاريخ الولاية، يوضح دونميز أن الولاية توصف في تركيا بـ”جنّة العيش”، نتيجة جمالها وخضرتها وهدوئها، أما اسمها فيعني “بيت الساحل”، ويعود تاريخها إلى حقبة قديمة نتيجة موقعها بين إسطنبول وبورصة، وعلى طريق ولاية إزمير. البعض يعيدها إلى فترة الحثّيين قبل الميلاد، ومراجع أخرى تقول إنها أقدم، ولكن آثار الولاية تشير إلى أن الحثّيين سكنوها قبل الحضارات الرومانية والبيزنطية، لتكثر الأحاديث عن الولاية خلال الدولة العثمانية في القرن الرابع عشر الميلادي، لكونها ولاية مستقلة وصغيرة تقع على طريق مهم مليء بالجسور والأنفاق. لكن ربطها بولاية إسطنبول الكبرى حصل عام 1930 بعد تأسيس الجمهورية التركية في عام 1923. وفي عام 1995 اعتُبرت ولاية مستقلة عن إسطنبول، وتتبع لها خمس مدن، والعديد من القرى والمناطق.
ويرى دونميز أن أهم مزايا ولاية يالوا، والتي قد تتفرد بها قياساً لمساحتها وعدد سكانها، تكمن بتعدّد أعراقها. فمنذ القرن التاسع عشر، وبسبب الهجرة لأطراف جبال سامانلي، سكن المنطقة يوغسلاف وروس ورومان ويونانيون وشركس، واليوم يسكنها عرب. وقد ساهم هذا التنوع الغني في تميز الولاية، والذي يبدو واضحاً من الطعام وتعدد ملامح السكان واللغات، علماً أن الأتراك بعد تأسيس الجمهورية واعتماد سياسة التتريك لم يتقنوا سوى لغتهم على حد تعبيره.
بدوره، يصف عمر تونج ولاية يالوا بأنها “أجمل بقعة في تركيا”، كونها جزيرة محاطة بالمياه من ثلاثة أطراف، تتمتع بغطاء نباتي وحرجي وعدد من الغابات، أهمها غابة “تشويقية” الشهيرة التي تجذب السيّاح وعشاق الهدوء والاسترخاء. ويتحدث تونج، المتحدر من الولاية ذاتها، عن أهمية المياه المعدنية الموجودة، حيث إن “حمامات ترمال الكبريتية” غنية بالفلورايد والكالسيوم والكبريت، وتلعب دوراً حيوياً في علاج الأمراض الجلدية، والتوسع باستغلال الينابيع لفت انتباه المقيمين خارج الولاية، حيث شكلت حمامات المياه الكبريتية مقصداً هاماً، مثل حمام كورشونلو القروي، ومغطس السلطان، وحمام والدة السلطان. ويضيف في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الولاية تحتضن اليوم العديد من الأسواق التجارية الكبيرة، مثل مجمع “أوزدلك”، و”ستار مول”، و”كيبا مول”، إلى جانب استثمارات سياحية عديدة، معظمها استثمارات عربية، ناهيك عن الاستثمار بقطاع التعليم في مدارس عربية وتركية ودولية، سواء حكومية أو خاصة، والأهم “جامعة يالوا”، وهي ثاني أكبر جامعة في تركيا، وتوفر فرصا تشجيعية للطلاب.
ويرى تونج الذي يعمل في “جامعة استينيا” بإسطنبول، أن تنوع ولاية يالوا، واستقطابها وفودا سياحية، فرض حتمية التنوع في الطعام، ولا سيما المأكولات العربية ومن ثم الأوروبية، مع الحفاظ على المطبخ التركي من الكباب بأنواعه إلى الشاورما واللحم بالعجين وتشي كوفتا والتنتوني والدجاج المغطى بالملح، لافتاً إلى أن طعم الخضار والفواكه في ولايته “مختلف ومذاقه رائع”. كما أن الفطور في يالوا لا يُقارن بغيره، حيث يتضمن الشاي والأجبان والمربّيات والبيض والمينيمن والكويماك واللحوم المجففة والمعجنات والخضار الطبيعية.
وتتفق مواقع سياحية ومراجع تاريخية على أن قرية ترمال والحمامات المعدنية الحارة فيها، تُعدّ أهم وجهات السياحة في يالوا، بل زادت من شهرة الولاية. كما تأتي هضبة إريكلي وبحيرة ديبسيز وحديقة ياديغولار ضمن عداد أهم المناطق الساحرة لأخذ قسط من الراحة والاسترخاء. وتبقى دهشة الشلالات وروعتها في كل من صودوشان وإريكلي.
لا تفتقر الولاية إلى المباني التاريخية الجاذبة، كونها تضم إلى جانب الأسواق والمحال التجارية الكبرى والقصور، أكثر من 170 مسجداً، أشهرها مسجد “رستم باشا” ومسجد “الفاتح”. ويبقى “كوشك” أو “البيت الماشي” العلامة الأبرز، وهو قصر تمّ تشييده عام 1929 بجانب شجرة الجميز، وسُمّي بـ”البيت الماشي” لأن غصناً من الشجرة تدلّى فوق البيت، وأمر مصطفى كمال أتاتورك بتحريك المنزل من دون قص الشجرة. وقد تحول في عام 2006 إلى متحف أثري يستقبل مئات الزوار، وهو غير متحف قصر أتاتورك الذي بناه بعد تأسيس الجمهورية، وكان يتخذه مقرّاً صيفياً، قبل أن يتحول عام 1981 إلى متحف يضم أثاثاً ومقتنيات خاصة بمؤسس الجمهورية التركية.