السندات تتصدر مشهد الأسواق: أرقام قياسية وتهاوي الأسهم

السندات تتصدر مشهد الأسواق: أرقام قياسية وتهاوي الأسهم

تواصل العوائد على السندات لعب دور البطولة في مشهد الأسواق المالية، لتفرض ضغوطاً متزايدة على أسواق الأسهم وتعيد صياغة خريطة التمويل في أوروبا والولايات المتحدة معاً. ففي وول ستريت، تراجعت الأسهم الأميركية بقوة مطلع أيلول/أيلول، مع استمرار نزيف أسهم التكنولوجيا الكبرى، نتيجة ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات إلى نحو 4.27%، وهو مستوى لا يتجاوزه سوى 3% من الوقت خلال الثمانية عشر عاماً الماضية. هذا الارتفاع دفع المستثمرين إلى إعادة تقييم مخاطر السوق في ظلّ موسم اقتصادي تقليديّ يتسم بالتقلب.

وخسر مؤشر “ستاندرد أند بورز” (S&P 500) نحو 0.9%، فيما هبط ناسداك 100 بنسبة 1% متأثراً بانحدار أسهم أشباه الموصلات بقيادة “إنفيديا” التي فقدت أكثر من 3%. أما مؤشر تقلبات السوق (Cboe VIX) فاستقر قرب مستوى 18 نقطة، ما يعكس توتراً متصاعداً، فيما تتصاعد المخاوف من تبعات الرسوم الجمركية على الشركات الصناعية، مع تحذيرات “كاتربيلار” من خسائر أعمق من المتوقع، بينما يترقب المستثمرون بيانات التوظيف الأميركية هذا الأسبوع لتحديد مسار الفائدة المقبلة، بحسب بلومبيرغ.

وفي تفاصيل أوردتها رويترز، فتحت المؤشرات الرئيسية في بورصة وول ستريت على انخفاض اليوم الثلاثاء، مع شعور المستثمرين العائدين من عطلة طويلة بالقلق إزاء مدى قانونية الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وترقبهم تقارير اقتصادية مهمة. وهبط المؤشر داو جونز الصناعي 257.1 نقطة بما يعادل 0.56% إلى 45287.73 نقطة.

أما في أوروبا، فقد شهدت الأسواق يوماً تاريخياً مع تسجيل إصدارات سندات قياسية تجاوزت 49.6 مليار يورو (57.7 مليار دولار) في يوم واحد، لتتخطى الرقم القياسي السابق البالغ 47.6 مليار يورو. وحققت المملكة المتحدة أكبر عملية تمويل في تاريخها عبر إصدار 14 مليار جنيه إسترليني من السندات لأجل 10 سنوات، وسط طلبات قياسية بلغت أكثر من 141 مليار جنيه، بمشاركة قوية من البنوك المركزية الدولية. إيطاليا من جهتها جذبت طلبات قياسية بنحو 218 مليار يورو على إصداراتها المزدوجة (7 سنوات و30 سنة).

وتأتي هذه الشهية الكبيرة للسندات الأوروبية رغم المخاوف المالية والسياسية، خصوصاً في فرنسا التي تترقب تصويتاً على الثقة بالحكومة، ما يشير إلى أن العوائد المرتفعة باتت عامل جذب للمستثمرين الباحثين عن عائد ثابت في بيئة عالمية مضطربة.

ولم تقتصر الطفرة على أوروبا؛ فالسعودية دخلت السباق بإصدارات صكوك دولية تستهدف جمع 15 مليار دولار، لدعم موازنتها وتمويل مشاريع “رؤية 2030”. وبحسب روتيرز، حددت المملكة عائد الصكوك لأجل 10 سنوات بعلاوة 75 نقطة أساس فوق سندات الخزانة الأميركية، والصكوك لأجل 5 سنوات بعلاوة 65 نقطة أساس. وفي اليابان، اندفعت الشركات نحو الأسواق العالمية بالدولار واليورو، ما يضعها على مشارف رقم قياسي تاريخي يتجاوز مئة مليار دولار من الإصدارات خلال عام واحد.

الذهب يتفوق على الدولار والبنوك المركزية تفضله على السندات الأميركية

الذهب يتفوق على الدولار والبنوك المركزية تفضله على السندات الأميركية

أظهرت تقارير اقتصادية أجنبية أن أسواق العالم بدأت تشهد تحولاً هاماً يتمثل في تفوق الذهب على الدولار واحتفاظ البنوك المركزية الأجنبية به أكثر من سندات الخزانة الأميركية، بسبب قرارات إدارة ترامب المتخبطة. وتأكد رصد تحول عالمي كبير يتمثل في تفوق الذهب على حيازات سندات الخزانة الأميركية، للمرة الأولى منذ عام 1996، ما يدل على تغيير جوهري في كيفية إدارة البنوك المركزية لاحتياطاتها. 

ويتزامن هذا التحول مع عملية تخلٍ عن الدولرة في العالم، إذ أضافت البنوك المركزية العالمية 20 مليار دولار من الذهب إلى محافظ احتياطاتها الدولية، وهو أكبر ربع سنوي على الإطلاق، ما قد يشير إلى احتمالات التحول إلى نظام نقدي عالمي جديد. فقد أشار موقع “ديسكفري أليرت” (Discovery Alert)، اليوم الاثنين، أن البنوك المركزية الأجنبية تزيد من حيازاتها من الذهب ويتراجع الاعتماد على الدولار، ووصفه بأنه “تحول استراتيجي”، إذ تتبنى المصارف المركزية الذهب بدلاً من سندات الخزانة الأميركية.

وأكد أنّ أسواق العالم تشهد تحولاً جذرياً في المشهد النقدي العالمي، يتمثل في قيام البنوك المركزية حول العالم بـ”تغييرات جذرية” في استراتيجياتها لتخصيص الاحتياطيات، ولأول مرة منذ عام 1996، يفوق الذهب الآن احتياطيات سندات الخزانة الأميركية في محافظ البنوك المركزية، ما يُشير إلى تغييرٍ جذري في نظرة هذه المؤسسات إلى الحفاظ على الثروة، وإدارة المخاطر الجيوسياسية، والسيادة المالية.

أيضاً، كشف موقع “فايننشال إكسبريس”، أمس الأحد، أن البنوك المركزية أصبحت تمتلك الآن ذهباً أكثر من سندات الخزانة لأول مرة منذ 30 عاماً (عام 1996) وهو ما يمثل تحولاً كبيراً في حيازاتها من النقد الأجنبي. ونقل عن “تافي كوستا”، الخبير الاستراتيجي في شركة كريسكات كابيتال، في تفسيره لذلك أنه “من المرجح أن تكون هذه بداية لواحدة من أهم عمليات إعادة التوازن العالمية التي شهدناها في التاريخ الحديث”.

ويعزو مجلس الذهب العالمي ما بين 15% إلى 20% من ارتفاع سعر الذهب في عام 2023 إلى نشاط الشراء الذي تقوم به البنوك المركزية، وهو ما يوضح التأثير الكبير الذي تحدثه هذه المشتريات المؤسّسية على السوق.

ويحتل الذهب الآن المرتبة الثانية من حيث أهمية احتياطيات النقد الأجنبي التي تحتفظ بها البنوك المركزية، بنسبة 20%، متجاوزاً حتى اليورو بنسبة 16%، بعد الدولار الذي يمتلك 46%.
ويوضح موقع ديسكفري أليرت أنه لأول مرة منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، تمتلك البنوك المركزية مجتمعة ذهباً يفوق ما تمتلكه من سندات الخزانة الأميركية، ويمثل هذا التحول المحوري إعادة توازن جوهرية لمحافظ البنوك المركزية، بعيداً عن الأصول التقليدية المقوَّمة بالدولار، نحو الأصول الملموسة ذات القيمة الجوهرية.

وكشف استطلاع احتياطيات الذهب لدى البنوك المركزية لعام 2025، الذي أجراه مجلس الذهب العالمي، أن 43% من محافظي البنوك المركزية يخططون لزيادة احتياطياتها من الذهب خلال الاثني عشر شهراً القادمة. وبلغ إجمالي ما تملكه البنوك المركزية من الذهب رسمياً 36 ألفاً و344 طناً في أيار 2025، وكان إجمالي ما اشترته البنوك المركزية من الذهب في عامَي 2020 و2021 أقل من 1000 طن، ثم لوحظ طلب كبير على الذهب من البنوك المركزية.

الذهب والاحتياطي الحالي

وتُشكل احتياطيات الذهب لدى البنوك المركزية حالياً حوالى 27% من احتياطياتها الأجنبية، مُمثلة زيادة ملحوظة عن العقود السابقة، ورغم أن هذه النسبة تُشير إلى نموٍّ كبير، إلّا أنها لا تزال أقل بكثير من ذروتها في سبعينيات القرن الماضي، التي بلغت 74%، مما يُشير إلى وجود مجالٍ واسعٍ لاستمرار التوسع في احتياطيات الذهب النسبية.

ووفقاً لمجلس الذهب العالمي، اشترت البنوك المركزية العالمية 1082 طناً من الذهب في عام 2022، و1037 طناً في عام 2023، و1180 طناً في عام 2024، وهو رقم قياسي، ويمثل هذا زيادة هائلة عن متوسط 400-500 طن من الذهب التي جرى شراؤها خلال العقد السابق، ويوضح نمط الشراء المستدام هذا نهجاً استراتيجياً وليس تكتيكياً لتجميع الذهب. وتشير تقارير بنك التسويات الدولية إلى أنّ احتياطيات الذهب لدى البنوك المركزية بلغت 36 ألفاً و700 طن على مستوى العالم بحلول نهاية عام 2023، وهو ما يسلط الضوء على حجم استراتيجية الحفاظ على الثروة هذه.

وتنظر البنوك المركزية على نحوٍ متزايد إلى الذهب بوصفه حمايةً من الانخفاض المحتمل في قيمة العملات الرئيسية، وخاصة الدولار، ويجعل الدور التاريخي للذهب مخزناً للقيمة بديلاً جذاباً للعملات الورقية التي تواجه ضغوطاً تضخمية وسياسات التيسير الكمي. وتحتفظ البنوك المركزية حول العالم بحوالى 36 ألفاً و700 طن من الذهب، وهو ما يمثل حوالى 20% من إجمالي الذهب المُستخرج على الإطلاق، ووفقاً لقاعدة بيانات احتياطيات الذهب الرسمية للبنوك المركزية (آب 2024)، يكشف توزيع هذه الاحتياطيات عن أولويات استراتيجية مهمة.

ومع ذلك، لوحظ تراجع في وتيرة شراء البنوك المركزية للذهب، وفقاً لبيانات مجلس الذهب العالمي، إذ شهدت مشتريات البنوك المركزية اتجاهاً هبوطياً في الربعَين الأوَّلَين من عام 2025، فبلغت 244 طناً في الربع الأول، و166 طناً في الربع الثاني. وتقدر شركة ميتالز فوكس، وهي شركة استشارية مستقلة رائدة في مجال أبحاث المعادن النفيسة، أن البنوك المركزية ستنهي عام 2025 بشراء أقل بنسبة 8%، لكنها ستظل في النهاية تمتلك مشتريات تبلغ 1000 طن.

تقليل الاعتماد على الدولار

تسعى العديد من الدول إلى تنويع استثماراتها استراتيجياً، بعيداً عن الأصول المقوَّمة بالدولار، بهدف إنشاء محافظ احتياطية أكثر توازناً. ويتجلى هذا التوجه في بيانات الاحتياطي الفيدرالي، التي تُظهر انخفاضاً في الحيازات الأجنبية من سندات الخزانة بمقدار 76 مليار دولار في عام 2023، مسجلة أول انخفاض لها منذ عام 2015. وتعمل البنوك المركزية على نحوٍ نشط لتقليل التعرض لقرارات السياسة النقدية الأميركية، وتقليل التعرض للعقوبات المحتملة، وتقليل الاعتماد على نظام الدفع سويفت، الذي عالج 150 تريليون دولار من المدفوعات عبر الحدود في عام 2023.

ويتعرض الدولار، بوصفه عملةً احتياطيةً عالمية، لتهديد بسبب وضع الدين الأميركي، وعندما تتعرض العملات الاقتصادية والورقية لتهديد عوامل جيوسياسية متغيرة، يزداد الذهب جاذبية.  ويؤكد صندوق النقد الدولي أنه على الرغم من أن الدولار هو العملة الاحتياطية الأكثر استخداماً في العالم، إلّا أن تأثيره يتضاءل باستمرار.