فرنسا على مفترق طرق ومخاوف من انزلاق نحو الفوضى

فرنسا على مفترق طرق ومخاوف من انزلاق نحو الفوضى

باتت فرنسا على مفترق طرق وعلى موعد مع أزمات جديدة، وتقف على حافة هاوية اقتصادية وسياسية، وهناك مخاوف متزايدة من انزلاق البلاد نحو الفوضى والغموض، وأجواء تظاهرات “السترات الصفراء” تطل برأسها مجدداً، وصبر الفرنسيين نفد أو كاد ينفد، ليس من الحكومة الحالية بل من الوضع المعيشي برمته، ومن أداء الحكومات المتعاقبة وبالأخص حكومات الرئيس إيمانويل ماكرون، وحالة اللايقين تهدد استقرار الشارع والمشهد السياسي والاقتصادي معاً، وسيطرة الحكومة وقدرتها على منع تلك الفوضى تراجعت بشدة، في ظل تنامي سيناريوهات سقوطها اليوم، وشبح الانتخابات المبكرة وحل البرلمان يعود ليتصدر المشهد، وهناك حالة احتقان وغضب شعبي تتزايد يوماً بعد يوم، وتتنامى معها دعوات للإضراب العام.

غداً، 8 أيلول/أيلول، تدخل فرنسا مرحلة جديدة من الانقسام السياسي والمجتمعي والاضطرابات المالية والاقتصادية، ومعها تتفاقم الأزمات المعيشية للمواطن الذي يئن بشدة من الغلاء والبطالة والفقر الذي وصل لمستويات مرعبة، وكذا من ضعف القدرة الشرائية، والشعور بالظلم والغبن الاجتماعي، وغياب العدالة الاقتصادية، وتطارده كذلك خطط وإجراءات تقشفية لا تنتهي تبدأ بزيادة الضرائب وفواتير الكهرباء، وخفض الإنفاق العام بـ44 مليار يورو، وتخفيضات في الإنفاق الاجتماعي وإلغاء عطلات، ولا تنتهي عند زيادة الأسعار وثبات الأجور.

تدخل فرنسا غداً مرحلة جديدة من الانقسام السياسي والمجتمعي والاضطرابات المالية والاقتصادية، ومعها تتفاقم الأزمات المعيشية للمواطن الذي يئن بشدة من الغلاء والبطالة والفقر الذي وصل لمستويات مرعبة،

يحدث كل ذلك تحت عنوان عريض وبراق هو “خطة إصلاح الميزانية” التي تعاني بالفعل من عجز مالي غير مسبوق، وزيادة في الدين العام والذي بلغ مستوى تاريخياً عند 3.346 تريليونات يورو (3.9 تريليونات دولار) في الربع الأول من العام الجاري 2025، أي ما يعادل نحو 114% من الناتج المحلي الإجمالي.

غدا الاثنين، تترقب فرنسا تصويت الجمعية الوطنية على الثقة بحكومة فرنسوا بايرو، في لحظة حاسمة من تاريخ الدولة، صاحبة ثاني أقوى اقتصاد داخل الاتحاد الأوروبي، تصويت لن يحدد مصير الحكومة الحالية فقط، بل المستقبل السياسي لإيمانويل ماكرون نفسه، وربما يحدد مستقبل الخريطة السياسية في الفترة المقبلة.

وبغض النظر عن نتيجة التصويت على حكومة بايرو، والتي من المتوقع سقوطها على نطاق واسع، فإن فرنسا تستعيد هذه الأيام أجواء العام 2018 حيث اندلاع مظاهرات “السترات الصفراء” ضد زيادات الأسعار ومنها الوقود. وحتى لو افلتت الحكومة من خطر السقوط المدوي، وهو أمر ضعيف، فإن الشارع الفرنسي تنتظره موجة قلاقل واحتجاجات وإضرابات واسعة مع إعلان حركة “لنغلق كل شيء” إلى شل البلاد يوم الأربعاء المقبل، احتجاجاً على مشروع ميزانية الحكومة المهددة بالسقوط.

لا تتوقف أزمة فرنسا عند هذه الحدود، بل تتعداه لما هو أوسع، حيث تصل تداعياتها الخطيرة إلى الاقتصاد الأوروبي الذي يخوض معارك شرسة، أخطرها التدهور الاقتصادي المتزايد في القارة العجوز، والحرب التجارية التي يخوضها دونالد ترامب ضد دول الاتحاد، وكلفة حرب أوكرانيا الضخمة، والعجز المالي وزيادة الدين العام والإفراط في الاستدانة، وتقلص عدد السكان في العديد من البلدان، والبطء في التحول إلى الاقتصاد الرقمي.

وبالطبع فإن زيادة المخاطر الجيوسياسية والاجتماعية والاقتصادية داخل فرنسا ومنطقة اليورو ستفاقم تلك الأزمات، وستدفع المستثمرين والأموال نحو الهروب من الأسواق الأوروبية، خاصة من أسواق الدين مثل السندات وأذون الخزانة، وهو ما يشكل ضغطاً إضافياً على الوضع المالي لدول الاتحاد وزيادة أعباء الدين والاقتراض والحصول على أموال بتكلفة عالية، وهو ما يجعل حكومات تلك الدول في صدام متواصل مع المواطن.