by | Sep 2, 2025 | أخبار العالم
ما أبعد اليقين، وما أندره، وما أخطره إذا زاد عن حدّه أو غاب… يبدو اليقين في ظاهره حاجزاً عن الوعي، لكنهما، عند من جرّبهما، وجهان لعملة الحياة الحقيقية. حياة من يعرف المعنى، فيعيش به وله، وحين يرحل فإليه، أنّى للمتفرّجين أن يدركوا ذلك؟ وهم مجرّد مراقبين، يسمعون ويشاهدون ويصفقون أو يُبرطمون، وكفى.
مرّت لحظاتٌ قليلةٌ في تجربة جيلنا، لامسنا فيها يقيناً، فأدركنا من نحن؟ وإلى من وإلى ماذا ننتمي؟ وأين نقف؟ وإلى أين ينبغي لنا وعلينا أن نذهب؟ في تجربة جيلنا لم نشهد سوى لحظتين، ثورات الربيع العربي، ويوم 7 تشرين الأول (2023)، هكذا فرزتنا التجربة، صقلتنا، أحرقتنا، كما تحرق النار الذهب فيصير إبريزاً.
ما الهزيمة؟ الهزيمة أن نتوقّف. هكذا تعلّمنا، لست مهزوماً ما دمت تقاوم وقوفك واستسلامك، الهزيمة ليست قدراً، ولا نهاية التاريخ، بل هي نقطة على خطّه، ولنا وعلينا أن نتجاوزها، هذا هو الطريق، أيا كان اختلافنا بشأن الطريقة.
هل مات أبو عبيدة؟ ليس هذا هو السؤال، بل لماذا خطّط العدو لاغتياله؟ لماذا رآه هدفاً وانتصاراً؟ ولماذا كان الإعلان عن اغتياله (صدق أم لم يصدق) مصدر نشوة وفرحة وشماتة للعدو ولحلفائه من الصهاينة العرب؟، لا نتحدّث عن مقاتل يحمل السلاح، بل صوت يحمل قضية، فما المرعب في كلماته حد استهداف حياته؟ حين تدرك الإجابة، سوف تدرك أن العدو حكاية، وأن انتصاره المتخيّل حكاية، وأن الاستسلام “الواقعي” حكاية، وأن المقاومة حكاية، ومن يملك الحكاية يملك المستقبل، ولا يعني وصول أبو عبيدة بصوته وحكايته سوى أن ثمّة أملاً وثمّة مستقبلاً.
من هنا اندفعت النيران لتغتال المستقبل، ومعها وخلفها رصاصات الخداع الشامل. أخبار وتغطيات ومنشورات وتغريدات تستهدف انتزاع سردية أبو عبيدة من صدورنا، فهي الأخطر على مستقبل العدو وعلى مستقبل حلفائه من الصهاينة العرب. يمضي الرجال وتبقى الحكاية.
يمكنك الآن أن تقرأ بوضوح خطابات قناتي “العربية” و”سكاي نيوز” وتعليقات الكتائب الإلكترونية والتيوس المستعارة في مصر، عندها تفهم لماذا احتفوا؟ ولماذا انتشوا؟ ولماذا قلّلوا من شهيد محتمل، وشوّهوا صورته، وشكّكوا في نيته؟ إنه خط إنتاج لم يتوقّف، منذ 7 تشرين الأول، اتهامه بأنه في فنادق الدوحة لا في غزّة، معايرته بأنه ملثّم، المطالبة بتعريته ليسهل قتله، وأخيرا شماتة تجاوزت، في بعض صياغاتها، حدّ التصهين إلى حدودٍ بلا اسم، بلا أصل، بلا هوية، تماماً مثل أصحابها.
لا يدعو هذا إلى الحزن أو إلى القهر بل إلى الوعي، نقطة التفوّق، ربما، الوحيدة لدى عدونا، وعيه بنفسه ووعيه بنا، ربما أكثر منا، وعيه بأهمية أبو عبيدة، وكل أبو عبيدة، بخطورة الصوت النافذ، والرواية الحية، والحكاية المقاوِمة، ومن ثم الغد الممكن، لا المستحيل، كما كذّبونا فصدقناهم، فغدونا شهود زور على أنفسنا، وصرنا أكذب من أكاذيبهم.
“الهزيمة: أن يسكت أبو عبيدة”، هكذا يخبرنا العدو، وهكذا يردّد حلفاؤه في الداخل العربي، فهو في خطابات إعلام محور الاستسلام الواقعي ليس شهيداً، ولا مقاتلاً، ولا رمزاً، ولا ينبغي أن يكون، هكذا تجري الأمور، وهكذا تأتي الإجابات واضحة كصفعة، رغم محاولات أصحابها الفاشلة في اللفّ والدوران، والتذرّع حيناً بالواقعية، وحيناً بالوطنية، وحيناً بالخوف من الإسلاميين، وحيناً بمحاربة الإرهاب، المطلوب أن نسكت، في إسرائيل وفي فروعها الإقليمية، الكلمة هي جريمة أبو عبيدة وجيله، الكلمة هي “الشهادة” ، شهادة الحي على الأموات، الحر على السجناء، “ابن الربيع والأمل والشمس والزينة” على أولاد العتمة والرماد والهشاشة والتيه، هذه هي الحكاية، أو كما قال عم أحمد فؤاد نجم؛ “أصل الحكاية ولد/ فارس ولا زيه/ خَد من بلال ندهته/ ومن النبي ضيه/ ومن الحسين وقفته/ في محنته زيه/ قدم شبابه فدا/ والحق له عارفين/ يا ابن الربيع والأمل والشمس والزينة/ مين يا فتى أعلمك/ فعل الخريف فينا؟/ وكبرت برة الزمان/ اللي ابتلاك بينا/ نايمين على ودننا/ مع إننا عارفين”.
by | Sep 1, 2025 | أخبار العالم
خلال الأشهر التسعة الماضية، وبينما كانت الدولة السورية الجديدة تحاول أن تتشكل بعد حربٍ استمرت 14 سنة، وبعد عقود من الفساد الممنهج، بدأ الاحتدام حول المصطلحات المتداولة في الواقع السياسي السوري، ليس فقط بين بعض التجمّعات الطائفية وعدة مثقفين من جهة، والدولة الناشئة من جهة مقابلة، بل بين عناصر السلطة نفسها القادمين من خلفياتٍ مختلفة، ما زاد الطين بلة. ما يعني أننا أمام خلافاتٍ على مستويات متعددة، ربما حُسم بعضها على الأقل داخل السلطة نفسها أو من أعلاها، عندما قرّر الرئيس أحمد الشرع التأكيد أنه ليس امتداداً للأحزاب الإسلامية والجهادية أو للربيع العربي. هذه قطيعة تنهي آمال بعض المنضوين في عباءة السلطة من المرجعية السلفية والجهادية في أخذ البلاد إلى حدود إمارتهم الإسلامية، لكنها أيضاً تقطع مع مصطلحاتٍ تداولها “الربيع العربي”، أي إنها ليست انقلاباً “معدياً” للشعوب على الأنظمة القائمة.
يعكس هذا المشهد المليء بالجدل حقيقة أن سورية اليوم ليست فقط أمام تحدّي إعادة الإعمار المادي، بل أمام معركة تعريفية عميقة للمصطلحات التي ستشكل هويتها السياسية والاجتماعية، فالصراع لم يعد عسكريّاً بين النظام الأسدي والمعارضة، كما كان في السنوات الماضية، بل تحوّل إلى عدة صراعات، أحدها “المسلحة”، إضافة إلى الصراع حول المرجعيات التي ينبغي أن تؤسّس عليها الدولة: هل هي دولة تستند إلى الشرعية الدينية، أم إلى شعارات الثورات، أم أنها تتجه نحو صيغة جديدة يمكن أن توازن بين مكوناتها المتنوعة؟
لا تُبنى الدولة على ولاءاتٍ ضيقة، ولا على شعاراتٍ عابرة، بل على قاعدة العدالة والمساواة التي تكفل لكل مواطنٍ حقوقه كاملة
وسط هذا التنازع على المصطلحات والمرجعيات، يظلّ مفهوم المواطنة الغائب الحاضر. وربما هو المنقذ، فهو المصطلح الذي يملك القدرة على تجاوز الخلافات النظرية، إذا استطاعت السلطة الجديدة أن تجعله المضمون النهائي الذي يجب أن يتحوّل إلى مآذارة فعلية تترجم في حياة الناس. فالمواطنة تعني حقوقاً متساوية، وأن الدولة لا تُبنى على ولاءاتٍ ضيقة، ولا على شعاراتٍ عابرة، بل على قاعدة العدالة والمساواة التي تكفل لكل مواطنٍ حقوقه كاملة، من تعليم وصحة وفرص عمل ومشاركة سياسية، بصرف النظر عن دينه أو طائفته أو خلفيته.
بالطبع، لا يتحقق هذا الأمر بكبسة زر تلغي ما ورثته السلطة الحالية من واقع مجتمعي مدمّر، وما تابعته الأحداث اللاحقة للتحرير في 8 كانون الأول/ كانون الأول (2024) بتحريض مفتعل من نظام مهزوم وقوى داعمة له، لزعزعة الاستقرار المجتمعي لضمان استمرار الفوضى التي تقوّض بناء الدولة. ويتطلب تحقيق ذلك أساساً أن تضع السلطة الناشئة قواعد واضحة لقطيعتها مع إرث السلطة السابقة التي كرّست الفساد والإقصاء. ومن جهة أخرى، يتطلب القطيعة الحاسمة مع المرجعيات المتشدّدة أيضاً، التي تحاول بعض الأطراف استحضارها من جديد، لمواجهة التغيير الخارج عن سيطرتها. كذلك يتطلب من المجتمع المدني والمثقفين تجاوز دور الرافض سلفاً أو المتلقّي الصامت، والانتقال إلى المشاركة الفاعلة في صياغة خطابٍ بديلٍ يعزّز فكرة المواطنة بوصفها الهوية الوطنية الأوسع.
المواطن الذي فقد ثقته بالدولة عقوداً طويلة من التمييز والفساد، لن يقتنع بخطاب سياسي مجرّد، بل بما يلمسه من تغييراتٍ حقيقيةٍ في حياته
ما يثير القلق أن استمرار النقاش عند مستوى “المصطلحات” قد يعوق الانتقال إلى مستوى “المآذارات”، فالمواطن الذي فقد ثقته بالدولة عقوداً طويلة من التمييز والفساد، لن يقتنع بخطاب سياسي مجرّد، بل بما يلمسه من تغييراتٍ حقيقيةٍ في حياته. لذلك يحتاج الحديث عن المواطنة ترجمة فورية في بنى القانون والمؤسّسات، بحيث يشعر الفرد بأن حقوقه مصونة، وأنه ليس مضطرّاً إلى احتماء طائفي أو مناطقي كي ينال ما يستحقه من الدولة.
علمتنا الحرب الطويلة أن غياب المواطنة هو ما فتح الباب أمام الانقسامات والصراعات، فعندما تحوّل الولاء إلى الطائفة أو الجماعة بدلاً من الدولة، تراجع الانتماء الوطني، وتفتّت النسيج الاجتماعي. أما إذا أُعيد الاعتبار إلى المواطنة، فإنها ستعيد اللحمة الوطنية، وتعيد توجيه الولاء نحو الدولة باعتبارها البيت المشترك لجميع السوريين.
لذلك ليس النقاش الفكري الراهن عبئاً، بل هو فرصة “سورية” لإعادة تعريف العلاقة بين السلطة والمجتمع. وإذا تمكّنت السلطة من السير على طريق بناء دولة مدنية عادلة، وشارك المجتمع بدوره في تعزيز قيم المواطنة بدلاً من الانغلاق على الهويات الضيقة، يمكن أن يولد عقد اجتماعي جديد، ينهي مرحلة التشتت والاتهامات المتبادلة، لكن ذلك كله أيضاً مشروط بتنظيم المجتمع المدني نفسه، وبقبول السلطة وجوده، ويقابله بقبول المجتمع سلطة قانون تنظمه، وليس مرجعية طائفية تغلق حدوده وتضعه في مواجهة بعضه بعضاً.
by | Aug 29, 2025 | أخبار العالم
ليست دعوة جماعة الإخوان المسلمين إلى حلِّ نفسها وليدة مقال مستشار الرئيس السوري للشؤون الإعلامية، أحمد زيدان، المعنون: “متى ستحل جماعة الإخوان المسلمين في سوريا نفسها؟” (الجزيرة. نت، 22/8/2025)، إذ سبق أن طرحت هذه الفكرة أطراف متعدّدة، بما في ذلك أصوات من داخل الجماعة نفسها. وبصرف النظر، في هذه المرحلة، عن الأسباب التي ساقها زيدان، وتلك التي تبنّاها مؤيدون ومروّجون لفكرته خارج السياق السوري، تبرز هنا قضية أعمق تستحقّ الوقوف عندها: إن تصاعد الدعوات المطالبة بحلِّ الجماعة، خلال العقد الماضي ونيف، يرتبط، في جوهره، بحملة القمع الشرسة التي استهدفت فروعها في مختلف الأقطار العربية، وتحويلها إلى “بعبع” إعلاميٍّ وسياسيٍّ، يتولى جزء واسع من النظام الرسمي العربي تصديره وتوظيفه. ولا يعني ذلك أن الجماعة لم تعانِ، خلال العقود الماضية، من تكلّسٍ تنظيميٍّ وفكريٍّ، إلا أنها، رغم ذلك، بقيت رقماً صعباً (وفي بعض الدول العربية، الرقم الأصعب) ضمن المعادلات السياسية الداخلية، في ظل واقع عربي أكثر تكلّساً، وعلى جميع الصعد، من واقع الجماعة نفسها. ما سبق يشير إلى أن استهداف الجماعة يرتبط، بالدرجة الأولى، بمحاولات إخضاع المجتمعات العربية وقواها السياسية والاجتماعية الحيّة والأكثر فعالية.
تثير دعوات الجماعة إلى حلِّ نفسها جملة من القضايا الجوهرية: أولاً، إنها تمثل استجابة، بل قبولاً ضمنياً أو علنياً، بمشروعية الإلغاء والقمع الذي تآذاره أنظمة عربية بحق المعارضة السياسية. ثانياً، تنطوي هذه الدعوات على مآذارة وصاية فكرية وتنظيمية على أحد أكبر التنظيمات العربية وأكثرها امتداداً شعبياً. ثالثاً، تتزامن هذه الدعوات مع التأكيد الإسرائيلي – الأميركي المتكرّر، خلال العامين الماضيين، على مشروع “إعادة تشكيل الشرق الأوسط”، وهو ما يتطلب سحق قوى المقاومة والممانعة فيه. رابعاً، تترافق هذه الدعوات مع اقتراب واشنطن من تصنيف الجماعة منظمة إرهابية، في خطوة لا يمكن فصلها عن السياق العام لإعادة تعريف الشرعية السياسية في المنطقة بما يتماشى مع منطق التطبيع والاحتواء. خامساً، تصدُر هذه الدعوات من دون أي محاولة جادة للإجابة عن سؤالين جوهريين: ما هو البديل للإخوان المسلمين؟ وما هي خطّة المواجهة لمحاولات إعادة تشكيل المنطقة وإخضاعها، والتي يشكل تحييد الجماعة مجرّد مرحلة فيها، لا غاية نهائية.
الأنظمة التي تضع الجماعة عنواناً للرجعية والتخلف والإرهاب والفوضى هي نفسها غارقة في الرجعية والتخلف والإرهاب
لا يمثّل ما سبق رفضاً مبدئياً لفكرة حلِّ الجماعة، بل دعوة إلى التساؤل: كيف ولماذا؟ إذا كان الأمر متعلقاً بالتكلّسِ الفكريِّ والتنظيميِّ، فإن هذا ينسحب على معظم القوى الفكرية والسياسية في الفضاء العربي، بما فيها الليبرالية والمحافظة واليسارية، بل وحتى على أنظمةٍ عربيةٍ كثيرة تقود دولاً فاشلة. أما إذا كان مرتبطاً بالحملة الأمنية الشرسة التي شُنّت على الجماعة بعد “الربيع العربي”، فإن حلَّها لن يكون وصفة لتجاوز الاستعصاء العربيِّ، ولا حتى لسحب ذريعة القمع من الأنظمة. لقد كان استهداف الجماعة خلال العقد ونصف الماضيين نتيجة أنها القوة السياسية الأكثر تنظيماً وتأثيراً في الحراكات الشعبية العربية. ولو وُجد تنظيم غير إسلامي أكثر تنظيماً وتأثيراً، لكان هو هدف الاستهداف بذرائع أخرى. وهذا يعيدنا إلى سؤال بالغ الأهمية: من سيملأ الفراغ السياسي والاجتماعي والشعبي الذي سيخلّفه غياب الجماعة؟ أم أن الدعوة إلى حلَّها هي، في جوهرها، دعوة إلى القبول بدولة البطش العربية، حتى من حيث هي فاشلة ابتداءً؟ وفي السياق نفسه، يمضي مشروع إعادة تشكيل المنطقة، إسرائيلياً وأميركياً، بخطى ثابتة، وسط تواطؤٍ خسيسٍ من أطيافٍ واسعةٍ في النظام الرسمي العربي. وهنا يبرز سؤال آخر: ماذا بعد حلِّ الجماعة؟ هل من خطة للتصدي لمحاولات تفكيك المنطقة، تمييع هويتها، وإعادة رسم خرائطها؟
لا أحد يقدّم إجابات عن هذه الأسئلة، بل يكتفي معظم دعاة الحلِّ باختزال عار الواقع العربي في وجود الجماعة من عدمه، وكأن حلَّها مفتاح الخلاص. وهذا في جوهره تنصّل من المسؤولية عن واقع الانحدار العربي وضرورات التصدّي له.
مرّة أخرى، لا يسعى هذا المقال إلى الإجابة عن سؤال ما إذا كان على الجماعة حلَّ نفسها أم لا، بل يرفض جعل هذه المسألة شرطاً للنهوض أو معياراً للتردي عربياً. الأنظمة التي تضع الجماعة عنواناً للرجعية والتخلف والإرهاب والفوضى هي نفسها غارقة في الرجعية والتخلف والإرهاب، ومسؤولة عن إشاعة الفوضى. أما إسرائيل، فإن الجماعة بالنسبة لها، بما في ذلك امتدادها في حركة حماس، تمثل عقبة تجب إزالتها لتتمكّن من إعادة تطويع المنطقة بما يخدم مصالحها.
الحديث عن حلِّ الجماعة كأنه مفتاح الفرج العربي وَهْم، وخطاب العاجز، وهو المنطق نفسه الذي يرى في استسلام “حماس” وخروجها من غزّة خلاصاً لقطاع غزّة والضفة الغربية من الاحتلال والتهويد
ومن المفارقات أن زيدان يدعو إلى حلِّ جماعة الإخوان في سورية بذريعة التكلّس التنظيمي، وذريعة “كثرة المتصيّدين والمتربصين داخلياً وخارجياً” بسورية، في وقتٍ توسّع فيه إسرائيل احتلالها واعتداءاتها على سورية الجديدة، وتعبث بملف الطائفية والعرقية فيها، بذريعة أن من يحكمها “إرهابيون” و”متطرّفون”. وإذا كانت الغاية إحباط مؤامرات المتربّصين، أفلا يكون من الأولى أن تعلن هيئة تحرير الشام، ذات الجذور في تنظيم القاعدة المصنف إرهابياً، عن حلِّ نفسها، ويتخلى رئيسها أحمد الشرع عن هيئته ومظهره الإسلاميين؟ قناعتي أن الشرع لو تحوّل إلى أحد رموز الليبرالية والتطبيع، فلن يوقف ذلك مشروع إسرائيل في العبث بسورية وتفكيكها. ألم تسمعوا تصريح نتنياهو قبل أسبوعين عن “إسرائيل الكبرى”، التي تشمل دولاً لا تزال في حالة حرب معها، كلبنان وسورية، وأخرى مطبّعة، كالأردن ومصر، وأخرى تسير على خطاهما؟ أيضاً، لن يكون حلُّ الجماعة في سورية العصا السحرية لنيل الرضى الأميركي أو العربي المضادّ للثورات، فواشنطن، التي اعترفت بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل عام 2019، تعتبر إسرائيل بوصلة سياساتها في المنطقة. ومعسكر الثورات المضادة لا يقبل بأي تغيير شعبيٍّ سلميٍّ ديمقراطيٍّ، فكيف إذا كانت خلفيته إسلامية؟
باختصار، الحديث عن حلِّ الجماعة كأنه مفتاح الفرج العربي وَهْم، وخطاب العاجز، وهو المنطق نفسه الذي يرى في استسلام “حماس” وخروجها من غزّة خلاصاً لقطاع غزّة والضفة الغربية من الاحتلال والتهويد. … ليس تنظيم الإخوان المسلمين مقدّساً، وقد يحلُّ لأسباب كثيرة، لكن تحويله إلى كبش فداء للخلاص من واقع البؤس العربي هو تضليل، وتبسيط، وسذاجة سياسية.