الذهب يتفوق على الدولار والبنوك المركزية تفضله على السندات الأميركية

الذهب يتفوق على الدولار والبنوك المركزية تفضله على السندات الأميركية

أظهرت تقارير اقتصادية أجنبية أن أسواق العالم بدأت تشهد تحولاً هاماً يتمثل في تفوق الذهب على الدولار واحتفاظ البنوك المركزية الأجنبية به أكثر من سندات الخزانة الأميركية، بسبب قرارات إدارة ترامب المتخبطة. وتأكد رصد تحول عالمي كبير يتمثل في تفوق الذهب على حيازات سندات الخزانة الأميركية، للمرة الأولى منذ عام 1996، ما يدل على تغيير جوهري في كيفية إدارة البنوك المركزية لاحتياطاتها. 

ويتزامن هذا التحول مع عملية تخلٍ عن الدولرة في العالم، إذ أضافت البنوك المركزية العالمية 20 مليار دولار من الذهب إلى محافظ احتياطاتها الدولية، وهو أكبر ربع سنوي على الإطلاق، ما قد يشير إلى احتمالات التحول إلى نظام نقدي عالمي جديد. فقد أشار موقع “ديسكفري أليرت” (Discovery Alert)، اليوم الاثنين، أن البنوك المركزية الأجنبية تزيد من حيازاتها من الذهب ويتراجع الاعتماد على الدولار، ووصفه بأنه “تحول استراتيجي”، إذ تتبنى المصارف المركزية الذهب بدلاً من سندات الخزانة الأميركية.

وأكد أنّ أسواق العالم تشهد تحولاً جذرياً في المشهد النقدي العالمي، يتمثل في قيام البنوك المركزية حول العالم بـ”تغييرات جذرية” في استراتيجياتها لتخصيص الاحتياطيات، ولأول مرة منذ عام 1996، يفوق الذهب الآن احتياطيات سندات الخزانة الأميركية في محافظ البنوك المركزية، ما يُشير إلى تغييرٍ جذري في نظرة هذه المؤسسات إلى الحفاظ على الثروة، وإدارة المخاطر الجيوسياسية، والسيادة المالية.

أيضاً، كشف موقع “فايننشال إكسبريس”، أمس الأحد، أن البنوك المركزية أصبحت تمتلك الآن ذهباً أكثر من سندات الخزانة لأول مرة منذ 30 عاماً (عام 1996) وهو ما يمثل تحولاً كبيراً في حيازاتها من النقد الأجنبي. ونقل عن “تافي كوستا”، الخبير الاستراتيجي في شركة كريسكات كابيتال، في تفسيره لذلك أنه “من المرجح أن تكون هذه بداية لواحدة من أهم عمليات إعادة التوازن العالمية التي شهدناها في التاريخ الحديث”.

ويعزو مجلس الذهب العالمي ما بين 15% إلى 20% من ارتفاع سعر الذهب في عام 2023 إلى نشاط الشراء الذي تقوم به البنوك المركزية، وهو ما يوضح التأثير الكبير الذي تحدثه هذه المشتريات المؤسّسية على السوق.

ويحتل الذهب الآن المرتبة الثانية من حيث أهمية احتياطيات النقد الأجنبي التي تحتفظ بها البنوك المركزية، بنسبة 20%، متجاوزاً حتى اليورو بنسبة 16%، بعد الدولار الذي يمتلك 46%.
ويوضح موقع ديسكفري أليرت أنه لأول مرة منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، تمتلك البنوك المركزية مجتمعة ذهباً يفوق ما تمتلكه من سندات الخزانة الأميركية، ويمثل هذا التحول المحوري إعادة توازن جوهرية لمحافظ البنوك المركزية، بعيداً عن الأصول التقليدية المقوَّمة بالدولار، نحو الأصول الملموسة ذات القيمة الجوهرية.

وكشف استطلاع احتياطيات الذهب لدى البنوك المركزية لعام 2025، الذي أجراه مجلس الذهب العالمي، أن 43% من محافظي البنوك المركزية يخططون لزيادة احتياطياتها من الذهب خلال الاثني عشر شهراً القادمة. وبلغ إجمالي ما تملكه البنوك المركزية من الذهب رسمياً 36 ألفاً و344 طناً في أيار 2025، وكان إجمالي ما اشترته البنوك المركزية من الذهب في عامَي 2020 و2021 أقل من 1000 طن، ثم لوحظ طلب كبير على الذهب من البنوك المركزية.

الذهب والاحتياطي الحالي

وتُشكل احتياطيات الذهب لدى البنوك المركزية حالياً حوالى 27% من احتياطياتها الأجنبية، مُمثلة زيادة ملحوظة عن العقود السابقة، ورغم أن هذه النسبة تُشير إلى نموٍّ كبير، إلّا أنها لا تزال أقل بكثير من ذروتها في سبعينيات القرن الماضي، التي بلغت 74%، مما يُشير إلى وجود مجالٍ واسعٍ لاستمرار التوسع في احتياطيات الذهب النسبية.

ووفقاً لمجلس الذهب العالمي، اشترت البنوك المركزية العالمية 1082 طناً من الذهب في عام 2022، و1037 طناً في عام 2023، و1180 طناً في عام 2024، وهو رقم قياسي، ويمثل هذا زيادة هائلة عن متوسط 400-500 طن من الذهب التي جرى شراؤها خلال العقد السابق، ويوضح نمط الشراء المستدام هذا نهجاً استراتيجياً وليس تكتيكياً لتجميع الذهب. وتشير تقارير بنك التسويات الدولية إلى أنّ احتياطيات الذهب لدى البنوك المركزية بلغت 36 ألفاً و700 طن على مستوى العالم بحلول نهاية عام 2023، وهو ما يسلط الضوء على حجم استراتيجية الحفاظ على الثروة هذه.

وتنظر البنوك المركزية على نحوٍ متزايد إلى الذهب بوصفه حمايةً من الانخفاض المحتمل في قيمة العملات الرئيسية، وخاصة الدولار، ويجعل الدور التاريخي للذهب مخزناً للقيمة بديلاً جذاباً للعملات الورقية التي تواجه ضغوطاً تضخمية وسياسات التيسير الكمي. وتحتفظ البنوك المركزية حول العالم بحوالى 36 ألفاً و700 طن من الذهب، وهو ما يمثل حوالى 20% من إجمالي الذهب المُستخرج على الإطلاق، ووفقاً لقاعدة بيانات احتياطيات الذهب الرسمية للبنوك المركزية (آب 2024)، يكشف توزيع هذه الاحتياطيات عن أولويات استراتيجية مهمة.

ومع ذلك، لوحظ تراجع في وتيرة شراء البنوك المركزية للذهب، وفقاً لبيانات مجلس الذهب العالمي، إذ شهدت مشتريات البنوك المركزية اتجاهاً هبوطياً في الربعَين الأوَّلَين من عام 2025، فبلغت 244 طناً في الربع الأول، و166 طناً في الربع الثاني. وتقدر شركة ميتالز فوكس، وهي شركة استشارية مستقلة رائدة في مجال أبحاث المعادن النفيسة، أن البنوك المركزية ستنهي عام 2025 بشراء أقل بنسبة 8%، لكنها ستظل في النهاية تمتلك مشتريات تبلغ 1000 طن.

تقليل الاعتماد على الدولار

تسعى العديد من الدول إلى تنويع استثماراتها استراتيجياً، بعيداً عن الأصول المقوَّمة بالدولار، بهدف إنشاء محافظ احتياطية أكثر توازناً. ويتجلى هذا التوجه في بيانات الاحتياطي الفيدرالي، التي تُظهر انخفاضاً في الحيازات الأجنبية من سندات الخزانة بمقدار 76 مليار دولار في عام 2023، مسجلة أول انخفاض لها منذ عام 2015. وتعمل البنوك المركزية على نحوٍ نشط لتقليل التعرض لقرارات السياسة النقدية الأميركية، وتقليل التعرض للعقوبات المحتملة، وتقليل الاعتماد على نظام الدفع سويفت، الذي عالج 150 تريليون دولار من المدفوعات عبر الحدود في عام 2023.

ويتعرض الدولار، بوصفه عملةً احتياطيةً عالمية، لتهديد بسبب وضع الدين الأميركي، وعندما تتعرض العملات الاقتصادية والورقية لتهديد عوامل جيوسياسية متغيرة، يزداد الذهب جاذبية.  ويؤكد صندوق النقد الدولي أنه على الرغم من أن الدولار هو العملة الاحتياطية الأكثر استخداماً في العالم، إلّا أن تأثيره يتضاءل باستمرار.

أسرار انتعاش تجارة الدولار في ليبيا

أسرار انتعاش تجارة الدولار في ليبيا

وسط أزمات اقتصادية متلاحقة وانقسام سياسي مزمن، انتعشت تجارة الدولار، وتحوّل سوق الصرف الموازية للعملة في ليبيا إلى مرجع يومي يحدد أسعار الصرف ويؤثر مباشرة في معيشة المواطنين، متقدّمة بذلك على المصارف الرسمية التي عجزت عن تلبية الطلب المتزايد على النقد الأجنبي. في العاصمة طرابلس، كما في مدن أخرى مثل بنغازي وزليتن، تنتشر عمليات بيع الدولار وشرائه في العلن. سيارات بلا لوحات تتوقف قرب الأسواق، يترجل منها رجال يحملون أكياساً مملوءة بالدنانير والدولارات، قبل أن يوزعوها على سماسرة الصرف الذين يديرون نشاطاً بات يوازي المصارف في حجمه، وربما تفوق عليها في مرونته.

وفي السياق، يقول عبد الهادي كلباس، أحد سماسرة العملة في طرابلس لـ”العربي الجديد”: “نحن نقدم خدمات تحويل فورية داخل البلاد وخارجها، ونوفر النقد بالدولار واليورو، وحتى بالدينار. المصارف لا تستطيع مجاراتنا”. ويضيف أن شركات سياحة وسفر تلجأ إليهم لتسديد الحجوزات وتحويل الأموال.

شباب كُثر وجدوا في تجارة النقد الأجنبي مصدر رزق سريع. أحمد الغرياني (22 عاماً)، خريج كلية الآداب، يوضح لـ”العربي الجديد” أنه يحقق يومياً نحو 100 دينار (سعر الصرف 5.5 دنانير للدولار) من المضاربة بالدولار في سوق المشير وسط طرابلس: “لم أجد وظيفة، فصرت أتردد يومياً على السوق وأشتري من محلات الصرافة غير المرخصة”.

ورغم الإجراءات التي أعلنها مصرف ليبيا المركزي للحد من نشاط السوق السوداء للعملة، بقيت أسعار الدولار في سوق المشير المؤشر الحقيقي للعملة الصعبة. هنا، يؤكد الخبير الاقتصادي محمد الشيباني لـ”العربي الجديد” أن “السوق الموازية باتت المحرك الفعلي لسعر الصرف، فيما تحولت الإجراءات الرسمية إلى رد فعل متأخر”، مشيراً إلى أن الانقسام السياسي ساهم في ترسيخ هذا الواقع.

وفي السنوات الأخيرة، تحوّل هذا السوق إلى مركز رئيسي لتجارة العملة الصعبة في ليبيا. تسيطر السوق الموازية على حركة البيع والشراء، بينما يجد مئات الشباب العاطلين من العمل فرصة لدخول مهنة الصرافة، التي أصبحت “ملاذاً سريعاً” لتأمين مصدر دخل في بلد يرزح تحت أزمات اقتصادية متلاحقة.

وتمتد الانعكاسات إلى السلع الأساسية، حيث ترتبط أسعار المواد الغذائية والدواجن والوقود بسعر الدولار الموازي. يقول المواطن محمود التير لـ”العربي الجديد”: “أصبح السوق الموازي حياة كل ليبي.. إذا أردت الكاش أو تحويلاً أو حتى منحة الأبناء، لا خيار أمامك سوى السوق”. ورغم طابعه غير القانوني، يعتبره كثيرون وسيلة عملية لحل أزمات السيولة وتلبية احتياجات سكان المناطق النائية.

ويكشف صاحب مكتب صرافة غير مرخص في منطقة الظهرة، مسعود راشد، عن آلية توزيع الدولار في السوق المحلي، موضحاً لـ”العربي الجديد” أن “مصدر الدولارات أحياناً يأتي من كبار السوق، حيث تصل السيارات يومياً وتحمل الأموال في أكياس قمامة سوداء توزع على المحلات، ونحن نعمل حسب كمية العملة، سواء كانت أجنبية أو محلية، مع حصولنا على نسبة من المبلغ المبيع”.

من جانبه، يؤكد خليفة الرجباني، صاحب محل صرافة لـ”العربي الجديد”، رواية مشابهة، لافتاً إلى أن “مصادر تغذية سوق العملة تشمل بطاقات الأغراض الشخصية، والطلبة الموفدين للخارج، والعاملين في السفارات، الذين يأتون إلينا بالدولار النقدي للبيع. كذلك يشارك رجال أعمال في بيع كميات كبيرة، ما يشكل السوق من كبار السوق الذين يشترون ويبيعون كميات ضخمة، بينما نعمل نحن صغار السوق وسطاء، ونبيع حسب ما يصلنا عبر غرف واتساب، ونرفع الأسعار لنحصل على رواتبنا أو نسبة من المبيعات”.

ويشير الرجباني إلى أن “العمليات اليومية أحياناً تصل إلى 10 آلاف دولار، مع تحويلات للأجانب”، ما يعكس حركة نشطة وواسعة في سوق العملة الموازية، وسط غياب رقابة فعالة من الجهات المختصة. ووفقاً لوزير المالية الأسبق فرج بومطاري، تستحوذ السوق الموازية على نحو 10 مليارات دولار سنوياً، بما يعادل 57% من التداول النقدي الأجنبي عام 2020. وتشير تقديرات رسمية إلى أنها شكّلت نحو 60% من الناتج المحلي الإجمالي بين 2013 و2020، فيما تتحدث دراسات غير رسمية عن وصولها إلى 88% مطلع 2021.

تاريخياً، كان حجم الاقتصاد غير الرسمي في ليبيا محدوداً، إذ لم يتجاوز 3.1% عام 2006 بعد سلسلة إجراءات اتخذها المصرف المركزي، غير أن الفوضى السياسية والانقسام بعد 2011 سمحا بتمدده على نحو غير مسبوق. ويطرح مصرف ليبيا المركزي خطة تهدف إلى تقليص الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي إلى بضعة قروش قبل نهاية العام، عبر تفعيل مكاتب الصرافة رسمياً وإشراف مباشر على عمليات البيع والشراء. مصادر مطلعة تعتبر أن “المصرف يمتلك القدرة على احتواء السوق، لكن نجاح الخطة مرتبط بمدى التزام المؤسسات الرسمية التنسيق الفعلي”.

ويثير الخبير المالي وعضو مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي، مراجع غيث، تساؤلات حادة عن دور المصرف في تغذية السوق السوداء بالدولار. وقال لـ”العربي الجديد” إن “الأغلبية تؤكد أن السوق السوداء تتغذى على الفساد في الاعتمادات وبطاقات الأغراض الشخصية، التي تصدر جميعها عن المصرف المركزي”، متسائلاً: “هل يعني ذلك أن المصرف، عن وعي أو عن جهل، يغذي هذه السوق؟ ولماذا لا يتخذ إجراءات بالتعاون مع مؤسسات الدولة المختصة لمحاربة هذه الآفة، التي يسميها البعض ‘السوق الموازية’ وكأنها سوق شرعي مقابل السوق الرسمي؟”.