البرلمان الدنماركي يمنح وزير الدفاع صلاحيات استثنائية

البرلمان الدنماركي يمنح وزير الدفاع صلاحيات استثنائية

وافَق البرلمان الدنماركي اليوم الثلاثاء، في جلسة استثنائية وبأغلبية مريحة، على القراءة الثالثة لمشروع قانون مثير للجدل يمنح وزير الدفاع، ترويلز لوند بولسن، صلاحيات واسعة يمكن أن تتجاوز القوانين المحلية، بحجة مواجهة “العدوانية الروسية” وتسريع تنفيذ مشاريع أمنية حاسمة. الجديد في القانون أنه يمكن للوزير إلغاء أو تجاوز قوانين محلية، بما في ذلك متطلبات بيئية وتنظيمية، للسماح ببناء مرافق دفاعية بسرعة. وتشمل الصلاحيات أيضاً منع الاعتراضات البلدية (المحلية) وإخفاء تفاصيل المشاريع عن الجمهور من جيران المباني والمنشآت العسكرية. وقال الوزير بعد التصويت صباح اليوم: “يسرنا أن تحظى الخطة بدعم البرلمان الدنماركي. إن القانون الواسع ضروري لضمان بناء الدفاع في المناطق الحساسة”. كذلك، فإن بند انقضاء القانون بنهاية عام 2028، يُعدّ مجرد مرجعية مؤقتة، حسب منتقدين يخشون أن يُستخدم أساساً لتشريعات مستقبلية تستمر في تقليص الرقابة الديمقراطية.

قانون يهمّش البرلمان الدنماركي

النائب اليساري كارل فالنتين رفض القانون بشدة قائلاً: “لا يمكن حماية الديمقراطية بتفكيكها.. هذا القانون يجعل الدنمارك تتصرف مثل الأنظمة التي ندّعي أننا نحاربها”. وأضاف نواب من أحزاب “البديل” و“اللائحة الموحدة” (اليساريين) و”حزب المواطنين”، أن هذا القانون يهمّش البرلمان الدنماركي ويمنح السلطة التنفيذية صلاحيات لا تقارن حتى بالسلطات المحلية. في المقابل، تبرّر الحكومة الدنماركية تمرير القانون، بالحاجة الملحّة لتعزيز الدفاع ضد تهديد روسي متصاعد. لكن تقرير جهاز الاستخبارات الدفاعية (FE) يدحض ذلك، مشيراً إلى أن الأوضاع لا تدل على هجوم وشيك، بل إن روسيا بحاجة لسنوات للاستعداد، حتى في حال تأخر حلف شمال الأطلسي (ناتو) عن تعزيز قدراته.

يخشى مراقبون من أن هذه التوجهات تدفع الدنمارك بعيداً عن نموذج ديمقراطية شفافة

 

ورغم أن القانون مخصّص للمشاريع العاجلة، تشير ملاحظات معارضة إلى أن بعض بنوده تفتح المجال لإضافة مشاريع مدنية غير دفاعية، مثل مشاريع خلق فرص عمل، ضمن الصلاحيات الممنوحة لوزير الدفاع. هذه الصلاحيات التي يراها معارضوها خطوة جديدة نحو مركزية متزايدة جاءت ضمن سياق تغيرات دفاعية تشهدها الدنمارك، تشمل: تمديد وجود القوات الأميركية في قواعد من دون خضوع للدستور الدنماركي وعدم مثول الجنود الأميركيين لمحاكم محلية، وتأسيس صندوق دفاعي بقيمة 50 مليار كرونة (نحو 7.9 مليارات دولار)، ورفع الإنفاق الدفاعي إلى أكثر من 3% من الناتج المحلي، وتشييد منشآت وقواعد عسكرية ومصانع ضخمة من دون العودة للبرلمان. ويمكن لوزير الدفاع فتح الباب أمام تعويضاتٍ للمواطنين، الذين أصبحوا جيراناً لمنشآت إنتاج الأسلحة أو المنشآت العسكرية بسبب التسلح في الدنمارك. كذلك يمكنه حجب معولمات عن المجتمعات المحلية بحجة “السرية”، كما لخصت وكالة الأنباء الدنماركية ريتزاو.

اعتقال معارضين

ويخشى مراقبون من أن هذه التوجهات تدفع الدنمارك بعيداً عن نموذج ديمقراطية شفافة، نحو نهج يُعطي تنفيذية الدولة مزيداً من الاستقلال عن السيطرة الشعبية. ويمكن للوزير أن يُقرر تجاهل القواعد في مجالي التخطيط والبيئة فيما يتعلق بمبنى مُحدد أو نشاط مُحدد في مجال الدفاع. وانتقدت منظماتٌ مختلفة تمرير القانون، وينطبق الأمر نفسه على أحزابٍ يسارية مثل حزب البديل وتحالف الأحمر والأخضر (اللائحة الموحدة)، والتي صوّتت ضده، إلى جانب حزب المواطنين والنائبة المستقلة تيريزا سكافينيوس. واعتقلت الشرطة الدنماركية من المكان المخصص للجمهور أعلى قاعة البرلمان ثلاثة أشخاص قاموا بالتشويش على المناقشات ومقاطعة التصويت على القانون.

محافظ البنك المركزي الدنماركي: تجب دراسة الانضمام إلى منطقة اليورو

محافظ البنك المركزي الدنماركي: تجب دراسة الانضمام إلى منطقة اليورو

صرّح محافظ البنك المركزي الدنماركي بأن على الدنماركيين التفكير في الانضمام إلى منطقة العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) إذا أرادوا الاضطلاع بدور أكبر في الاتحاد الأوروبي، مشيراً إلى أن مثل هذه الخطوة قد تُحصّن البلاد بشكل أكبر ضد الاضطرابات العالمية. وقال محافظ البنك المركزي الدنماركي، كريستيان كيتل تومسين، في مقابلة مع شبكة “بلومبيرغ” أمس الخميس، إن الدنمارك تُعد بالفعل دولة ضمن منطقة اليورو من منظور الاقتصاد الكلي بسبب سياسة ربط العملة، لكن تبنّي العملة الأوروبية الموحدة سيمنحها دوراً أكبر في صنع القرار، ويجعلها أكثر اندماجاً في التعاون الإقليمي.

وأضاف محافظ البنك المركزي الدنماركي أنه قد يتساءل البعض عن الفارق، و”أعتقد أن الإجابة تكمن في التساؤل: أليس من الأفضل أن تكون الدنمارك أكثر تكاملاً في مجال التعاون الأوروبي؟”. وأوضح أن بلاده تشارك بالفعل في التعاون مع الاتحاد الأوروبي بشكل عام، لكن البنك المركزي الأوروبي واليورو يمثلان جزءاً أساسياً من هذا التعاون. وأشار إلى أن قرار الانضمام إلى العملة الأوروبية الموحدة هو في نهاية المطاف قرار سياسي، لافتاً إلى أن أغلبية كبيرة للغاية من الشعب تؤيد الترتيبات القائمة بشأن تثبيت سعر الصرف.

كما ذكر تومسين أن الانضمام إلى منطقة اليورو قد يوفر حماية إضافية في مواجهة الاضطرابات العالمية، قائلاً: “قد يعتقد البعض أنه إذا أصبح العالم أكثر غموضاً، فإن قواعد اللعبة ستصبح أقل وضوحاً، ولا يمكن الاعتماد على التزام الجميع بها. وبالتالي، فإن دولة صغيرة ستكون أكثر أماناً في حال انضمامها إلى الآخرين”.

وكانت الدنمارك قد قررت عدم الانضمام إلى منطقة اليورو عام 1992، وأكّد هذا الموقف استفتاء شعبي أُجري عام 2000. ومن بين 6 دول في الاتحاد الأوروبي لم تعتمد العملة الأوروبية الموحدة، يُبدي الناخبون الدنماركيون أكبر قدر من التشكيك بشأن الانضمام إلى منطقة اليورو. 

بدلًا من ذلك، تُبقي الدنمارك عملتها، الكرونة، محصورةً في نطاقٍ ضيقٍ يبلغ 2.25% مقابل اليورو، مما يُوائِم السياسة النقدية بشكلٍ فعّال مع تلك التي وضعها البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت. ويسمح هذا الوضع للدنمارك بالتمتع باستقرار سعر الصرف الأجنبي، ولكنه يعني أنها لا تملك أي تأثير على القرارات النقدية في منطقة اليورو.

انضمت الدنمارك إلى الاتحاد الأوروبي عام 1973، لكنها حصلت على استثناء رسمي (Opt-out) من الانضمام إلى اليورو وفق معاهدة ماستريخت 1992، وهو ما أُعيد تأكيده في استفتاء شعبي عام 2000، حين رفض 53.2% من الناخبين تبنّي العملة الموحدة، رغم نسبة مشاركة مرتفعة بلغت نحو 87%.

ومعاهدة الاتحاد الأوروبي، أو ما يعرف بـ”معاهدة ماستريخت”، تم التوقيع عليها في 7 شباط/ شباط 1992 من طرف 12 دولة أوروبية (بلجيكا، الدنمارك، ألمانيا الاتحادية، اليونان، إسبانيا، فرنسا، أيرلندا، إيطاليا، لوكسمبورغ، هولندا، البرتغال، المملكة المتحدة) بهدف تحويل المجموعة الأوروبية إلى اتحاد أوروبي، ودخلت حيز التنفيذ ابتداء من 1 تشرين الثاني/ تشرين الثاني 1993. وأخذت المعاهدة/ الاتفاقية اسمها من مكان توقيعها، حيث تم التوقيع عليها في مدينة ماستريخت الهولندية.

مع ازدياد الغموض في المشهد الاقتصادي الدولي وتراجع وضوح “قواعد اللعبة”، تبدو الدنمارك أمام معادلة دقيقة: إما الاستمرار في نهج الحذر والاعتماد على ترتيبات التثبيت القائمة، أو اتخاذ خطوة اندماجية كاملة تضعها في قلب القرار الأوروبي.

(أسوشييتد برس، العربي الجديد)

“إنفورماسيون” الدنماركية تسأل: من يقرر ما نراه من صور حرب غزة؟

“إنفورماسيون” الدنماركية تسأل: من يقرر ما نراه من صور حرب غزة؟

خصّصت صحيفة إنفورماسيون الدنماركية، في عددها الصادر اليوم الجمعة، جزءاً كبيراً من ملحقها الثقافي لاستكشاف موضوع حساس ومؤلم للغاية: صور الحرب على غزة وكيف تصل إلى الرأي العام الغربي، وتأثيرها عليه، بالإضافة إلى كيفية التحكم أو التأطير في هذه الصور والمعاناة التي تنقلها. جاء الملف الثقافي في أربع صفحات كاملة، ليعكس جهداً معمقاً في استعراض هذه القضية الإعلامية والإنسانية والسياسية.

تُعرف صحيفة إنفورماسيون بأنها من أكثر الصحف توازناً في تغطيتها للقضية الفلسطينية في الدنمارك، حتى قبل بداية حرب الإبادة على غزة في العام 2023. في هذا الملف، تقدم الصحيفة صوراً مؤلمة لأطفال وأمهاتهم في غزة، تظهر حجم المعاناة الإنسانية، خاصةً تلك التي التقطت في ظروف قاسية تعكس هشاشة الفئات المتضررة.

وقد سبق للصحيفة أن تفردت بنشر صور صادمة لجثث وجرحى أطفال من غزة، وأرسلت هذه الصور إلى السياسيين من مختلف الاتجاهات داخل برلمان كوبنهاغن، طالبةً منهم التعليق عليها. وقد عبّر كثير منهم عن استيائهم وغضبهم من دولة الاحتلال الإسرائيلي، بل بكى بعضهم لهول المشاهد، في لحظة نادرة من التأثر العميق أمام مأساة إنسانية بلا تزييف أو مجاملة.

الصورة التي أثارت الجدل: محمد زكريا أيوب المعتوق

يطرح الملف أسئلة جوهرية حول اختيار الصور التي تصل إلينا، ومن يقرر ما يجب أن نراه من مأساة غزة. هل تُعرض الصور كاملة وشفافة، أم تخضع لرقابة إعلامية تخدم مصالح معينة؟

يستعرض التقرير حادثة الصورة الشهيرة للطفل الفلسطيني محمد زكريا أيوب المعتوق (عام ونصف) الذي ظهر نحيفاً جداً ومعدته منتفخة بشكل مروع بسبب سوء التغذية الحاد، في مشهد اختزل مأساة آلاف الأطفال في غزة. هذه الصورة التي نشرتها عدة وسائل إعلام، مثل “نيويورك تايمز”، شكلت شهادة بصرية صارخة عن واقع الحصار والحرب، لكنها أثارت جدلاً واسعاً. فقد ادعى جيش الاحتلال الإسرائيلي أن الطفل يعاني من شلل دماغي وليس فقط من الجوع، بينما أشارت وسائل إعلام أخرى إلى أمراض مزمنة سابقة يعاني منها الطفل. هذا الخلاف بين الروايات أشعل حرباً معلوماتية دفعت صحيفة إنفورماسيون نفسها إلى نشر تصحيح حول الصورة.

يُبرز هذا الحدث صعوبة توثيق الحقيقة في ظل الحصار وغياب الصحافة الخارجية، حيث يمنع الاحتلال دخول الصحافيين، ويُقتل كثير منهم خلال الحرب. إذاً، المعاناة حقيقية ولكنها مشوشة بالتضليل الإعلامي، ما يضعنا في دوامة من التشكيك والشك.

 إرهاق المشاهدين

تشير الصحيفة إلى ظاهرة “فرط الحس”، وهو إرهاق الجهاز الحسي بسبب تدفق كم هائل من الصور والمعلومات المتناقضة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. تتشابك في الخلاصات الإخبارية صور الدمار والأطفال الجائعين مع إعلانات الإغاثة ومقاطع فيديو الترفيه، ما يؤدي إلى حالة من الارتباك والسأم. توضح إنفورماسيون أن هذه الاستراتيجية الإعلامية، سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة، تجعل الجمهور غارقاً في حالة من “شلل الحركة” أمام المعاناة التي يراها، فتتحول المأساة إلى شيء بعيد وغير واقعي، ويضعف تفاعل الجمهور الحقيقي معها.

تأطير الصور: من يختار المشاهد؟

يقدم الملحق الثقافي تحليلاً دقيقاً ومفصلاً لكيفية “تأطير” الصور في وسائل الإعلام. فالصور التي نراها “غالباً ما تكون مختارة بعناية، تُصوّر بطريقة تكرّس أنماطاً نمطية عن الفلسطينيين، مثل الطفل الضعيف، الأم الباكية. وتضيف: “بحسب الفيلسوفة جوديث باتلر في كتابها أطر الحرب، فإن بعض الأرواح تُصنف بأنها قابلة للحزن بينما يتم تجاهل أرواح أخرى”. تتابع: “وهذا التأطير لا يعكس فقط المأساة الإنسانية، بل يخدم أيضاً سرداً سياسياً معيناً يُعرّف من يستحق أن يحزن عليه الجمهور”. كما تُبرز إنفورماسيون أن الصور ليست فقط وسيلة توثيق بل أداة سياسية وثقافية، وتؤثر على الرأي العام والوعي العالمي.

الصورة دليلاً ونصاً سينوغرافياً

تحدثت الصحافية ماري ناجا لوريتزن دياس في التقرير عن ازدواجية الصور في الحروب المعاصرة، مؤكدةً أنها تستخدم كدليل ملموس على انتهاكات حقوق الإنسان، وفي الوقت نفسه تصبح جزءاً من “السينوغرافيا الحربية” التي تؤطر المشهد بطرق معينة. فالصور تحمل شهادات مرئية عن العنف والدمار، لكنها تتضمن أحياناً عناصر درامية ورمزية تجعل المتلقي يتعامل معها كعرض مسرحي، ما يثير تساؤلات حول أصالة وصدق الصور.

الاعتياد على المعاناة: التسوية البصرية

يحذر التقرير من ظاهرة خطيرة تتمثل في “الاعتياد” على صور الدمار والمعاناة، بحيث تصبح مألوفة ولا تثير ردات فعل قوية، ما يُفقد المجتمعات حساسيتها تجاه المآسي. ويستشهد التقرير بأعمال الفنان روبرت لونغو التي تصور الدمار بشكل موحد، ما يرسخ فكرة أن مشاهد الحروب أصبحت جزءاً من “المشهد الطبيعي” للحياة، وهو ما يؤدي إلى تقليل الضغط على الحكومات والمنظمات للتدخل.

الحياة خلف الصور: فلسطينيو غزة يعيشون رغم الحرب

في الختام، يدعو التقرير القارئ إلى تذكر أن غزة ليست فقط مشاهد موت ودمار، بل مكان يعيش فيه الناس حياتهم اليومية، يبدعون، ويقاومون من خلال الفن والثقافة. ويشير الملحق الثقافي إلى معرض “بينالي غزة” الذي يعرض أعمالاً لفنانين فلسطينيين لم يستطيعوا مغادرة القطاع، كمقاومة ثقافية تكسر التجانس المرعب لصور الحرب.

في المحصلة، تقدم صحيفة إنفورماسيون الدنماركية في ملحقها الثقافي قراءة معمقة وطويلة حول كيفية تشكيل صور الحرب على غزة، وتأثيرها المعقد على الرأي العام الغربي، والأبعاد السياسية والثقافية المرتبطة بها. ويطرح الملف أسئلة ملحة حول مصادر الصور، دقتها، التلاعب الإعلامي، والاستجابة الإنسانية أمام مشاهد المأساة المتواصلة. يبقى السؤال عندها: هل نرى الحقيقة كاملة؟ ومن يقرر ما نراه وكيف نراه؟

ويحث الملحق الصحافة والجمهور على البحث عن الحقيقة الكاملة، والامتناع عن الانجرار خلف صور منتقاة أو محرّفة، مع الوقوف إلى جانب الإنسان في قلب المأساة وليس فقط في ظلال الصورة.

الدنمارك تلغي الفيتو الإسرائيلي وتقترب من الاعتراف بدولة فلسطين

الدنمارك تلغي الفيتو الإسرائيلي وتقترب من الاعتراف بدولة فلسطين

في تحوّل دبلوماسي لافت، أعلنت الدنمارك أن قرار الاعتراف بدولة فلسطين لم يعد مشروطاً بموافقة الحكومة الإسرائيلية، في مؤشر واضح إلى تغيير مهم في توجهات السياسة الخارجية الدنماركية تجاه القضية الفلسطينية، وذلك في وقت يتصاعد فيه الزخم الدولي المؤيد للاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وقال وزير الخارجية الدنماركي لارس لوكا راسموسن، في تصريحات لهيئة البث العام “دي آر” مساء الخميس: “في الواقع، كنا قد منحنا الحكومة الإسرائيلية نوعاً من حق النقض (الفيتو) بشأن اعترافنا بفلسطين، وهذا لم يعد مجدياً. لذلك، نرفع الآن هذا الحق (الفيتو)”. وتُعد الدنمارك من بين دول شمال أوروبا التي تبدي حساسية خاصة تجاه وضع الضفة الغربية المحتلة، حيث تعتبر أن الاستيطان الإسرائيلي والمساس بالوضع القانوني للأراضي الفلسطينية يُعدّان من أبرز العوائق أمام تطبيق حل الدولتين.

وترتبط كوبنهاغن بعلاقات دبلوماسية مع السلطة الفلسطينية، إذ تمتلك تمثيلاً رسمياً في مدينة رام الله، وتشارك من خلال “البيت الدنماركي” في برامج تنموية واجتماعية وثقافية، تركز على الحقوق المدنية ودعم المجتمع المحلي. كما تحتفظ فلسطين بممثلية دبلوماسية في كوبنهاغن، يترأسها السفير مانويل حساسيان.

تغيير في ثوابت السياسة الخارجية

لطالما التزمت الدنمارك، على غرار عدد من الدول الأوروبية، بموقف يُرجئ الاعتراف بالدولة الفلسطينية إلى حين التوصل إلى اتفاق سلام على أساس حل الدولتين. لكن هذا الموقف بدأ يتآكل، خاصة مع تعثر المفاوضات وتصلّب الحكومة الإسرائيلية الرافضة لهذا الحل. في هذا السياق، أشار راسموسن إلى أن الحكومة الإسرائيلية الحالية، برئاسة بنيامين نتنياهو، لا تُظهر أي نية للسير في مسار الدولتين، مؤكداً أن الدنمارك “لا يمكنها أن تنتظر موافقة إسرائيل إلى الأبد”.

كما تشهد الدنمارك حراكاً إعلامياً وشعبياً متزايداً يصف ما يجري في قطاع غزة بـ”الإبادة الجماعية”، إلى جانب موجة انتقادات شديدة بسبب تصريحات لوزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش حول نية ضم 83% من الضفة الغربية، ما عمّق الشعور بغياب أي أفق سياسي للحل، وعزز الدعوات داخل البرلمان والأحزاب السياسية لفرض عقوبات على الاحتلال، ومراجعة العلاقة مع إسرائيل.

الاقتراب من الاعتراف دون حسمه

رغم الزخم المتصاعد، أكد راسموسن أن بلاده لم تتخذ بعد قراراً نهائياً بشأن الاعتراف بدولة فلسطين، لكنها “تقترب من هذه الخطوة”، وتدرس حالياً الشروط المناسبة لتنفيذها. كما أعلن راسموسن نية انضمام الدنمارك إلى “إعلان نيويورك”، وهو مبادرة دولية تسعى إلى وقف إطلاق النار في غزة، واستعادة الحكم الفلسطيني في كل من الضفة الغربية والقطاع، وتهيئة الطريق نحو تسوية سياسية شاملة تقوم على حل الدولتين.

دولة فلسطينية بشروط واضحة

في رؤيته لحل الدولتين، أوضح وزير الخارجية الدنماركي أن بلاده لا تكتفي بالاعتراف الرمزي، بل تطالب بقيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح، تُجري إصلاحات مؤسسية، ولا تكون خاضعة لسيطرة حركة حماس. وقال راسموسن: “الدولة الفلسطينية التي نتخيلها هي دولة بلا حماس، بلا جماعات مسلحة، تُطلق سراح الرهائن، وتلتزم بالقانون الدولي. وجود حماس في غزة، المصنفة منظمة إرهابية من قبل الاتحاد الأوروبي، يُعقّد المشهد، لكنه لا يمنع تغيير نهجنا السياسي”.

تحرك أوروبي متسارع

يأتي هذا التغير في الموقف الدنماركي في سياق أوسع يشهده الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي. فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعلن في تموز/ تموز الماضي، أن بلاده ستعترف بدولة فلسطين “في الوقت المناسب”، وقد يتبلور ذلك خلال أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية أيلول/ أيلول الجاري. كما عبّرت دول أخرى مثل بلجيكا وأستراليا وكندا عن استعدادها لاتخاذ خطوات مشابهة، فيما تتحضر فرنسا والسعودية لعقد اجتماع دولي خاص بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وفي هذا الإطار، قال راسموسن: “لا جدوى من ربط قرارنا باعتراف إسرائيل. لو بقينا ننتظر، فلن يحدث شيء. آن الأوان لإعادة النظر”، وذلك ربما يعكس جدية ما طرحه الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن خسارة الاحتلال الإسرائيلي في معركة الرأي العام والعلاقات العامة حول العالم.

وفي حين سبق أن وصفت الحكومة الدنماركية الاعتراف بالدولة الفلسطينية بأنه “خطوة رمزية”، يبدو أن المزاج السياسي في كوبنهاغن آخذ بالتغير. فقد باتت الرمزية، في هذا السياق الدولي الضاغط، تُعد ذات أثر سياسي ملموس، خاصة مع تصاعد الغضب من الجرائم الإسرائيلية في غزة، وتعطل العملية السياسية. وكانت وزيرة الخارجية الفلسطينية فارسين شاهين قد دعت، في وقت سابق، الدنمارك إلى الاعتراف الفوري بفلسطين، وردّ عليها راسموسن آنذاك بقوله: “الاعتراف في الظروف الحالية يعني الاعتراف بنصف الحقيقة فقط، فهناك سلطة في رام الله، لكن حماس تسيطر على غزة، وهذا واقع لا يمكن تجاهله”.

التصريحات الأخيرة الصادرة عن وزير الخارجية الدنماركي، والقرار بإلغاء “الفيتو الإسرائيلي” الضمني، والانخراط في المبادرات الدولية الداعمة لحل الدولتين، كلها مؤشرات إلى أن كوبنهاغن بصدد إعادة رسم سياستها الخارجية تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. ورغم أن الاعتراف الرسمي لم يُعلن بعد، إلا أن الدنمارك باتت، كما يبدو، أقرب من أي وقت مضى إلى اتخاذ هذه الخطوة، خاصة إذا ما استمر الزخم الأوروبي والدولي في هذا الاتجاه.

ويبقى أن نترقب ما ستسفر عنه الجمعية العامة للأمم المتحدة بنهاية هذا الشهر، وما إذا كانت كوبنهاغن ستنضم رسمياً إلى الدول التي اعترفت بدولة فلسطين، أم ستواصل السير تدريجياً نحو ذلك في إطار سياسة محسوبة.

العمالة الأجنبية في الدنمارك: ضرورة اقتصادية مهدّدة بالتلاشي

العمالة الأجنبية في الدنمارك: ضرورة اقتصادية مهدّدة بالتلاشي

في الوقت الذي تشهد فيه الدنمارك نمواً اقتصادياً ملحوظاً، باتت تعتمد بصورةٍ متزايدة على فئة معينة من العمالة الأجنبية الضرورية، لا سيّما من دول أوروبا الشرقية مثل بولندا ورومانيا. هؤلاء العمال، الذين يزيد عددهم اليوم عن 80 ألفاً، لا يحافظون على استقرار سوق العمل فحسب، بل يضخّون أيضاً مليارات الكرونات في خزينة الدولة. لكن تطوراً ديموغرافياً مقلقاً يُثير التساؤلات: هل تستطيع الدنمارك الاستمرار في جذب هذه العمالة في المستقبل القريب؟

بحسب تصريحات صحافية لألكسندر سوندرغورد، نائب مدير السياسات والتحليل في منظمة SME Denmark، وهي جمعية أنشأتها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتضم نحو 18 ألف شركة دنماركية على المستويين المحلي والأوروبي، فإن: “الأيدي العاملة الأجنبية أصبحت جزءاً لا يُقدّر بثمن في سوق العمل الدنماركية”، ويلعب العمال من بولندا ورومانيا دوراً محورياً في العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة. لا يمكن المبالغة في تقدير مساهمتهم؛ فهم يوفّرون يداً عاملة تُمكّن الشركات من تلبية الطلب المتزايد”.

ويُشير تحليل صادر عن غرفة التجارة الدنماركية، اليوم الثلاثاء، إلى أن العمالة الأجنبية ساهمت في الناتج المحلي الإجمالي لعام 2024 بما لا يقل عن 361 مليار كرونة (ما يعادل نحو 12% من إجمالي الاقتصاد الوطني).

العمالة الأجنبية بالأرقام

وبلغ عدد العمال البولنديين والرومانيين في الدنمارك أكثر من 80 ألفاً، وهو رقم يزيد بأكثر من خمسة أضعاف مقارنة بما كان عليه قبل 15 عاماً، ويشكّلون اليوم نحو ربع إجمالي القوى العاملة الأجنبية. ووفق وكالة سوق العمل والتوظيف الدنماركية، فإنّ الحاجة إلى الأيدي العاملة الأجنبية مرشحة للارتفاع في السنوات القادمة. وفي المقابل، تتوقع جمعية أصحاب العمل الدنماركية أن ينخفض عدد العمال المهرة المحليين بمقدار 150 ألفاً بحلول عام 2035، ما يُشكّل “تحدياً مجتمعياً كبيراً” بحسب توصيفها.

ولم يكن قدوم العمال الأجانب إلى الدنمارك مجرد استجابة للنمو، بل أحد أسبابه كذلك. فبحسب غرفة التجارة، ساهم هؤلاء العمال بنحو ربع إجمالي نمو الناتج المحلي الإجمالي بين الربع الأول من 2024 والربع الأول من 2025، إذ بلغ معدل النمو الإجمالي 4% بالأسعار الثابتة، ونُسبت نقطة مئوية كاملة تقريباً إلى مساهمتهم المباشرة.

من يشغل الوظائف بدل الدنماركيين؟

أكثر من واحد من كل ثمانية موظفين في الدنمارك اليوم يحمل جنسية أجنبية. ويتركز هؤلاء كثيراً في الوظائف التي لا تلقى إقبالاً من الدنماركيين، لا سيّما في قطاعات الزراعة، والبناء، والتنظيف، والمطاعم. فعلى سبيل المثال: يُمثّل الأجانب أكثر من 40% من عمال قطاع الزراعة، ونحو الثلث في قطاع الفنادق والمطاعم، وحوالى 20% في قطاع البناء.

وعن ذلك يقول سوندرغورد: “هناك ببساطة بعض الوظائف التي لا يرغب الدنماركيون في شغلها، سواء لأسباب ثقافية، أو بسبب طبيعة العمل أو مستوى الأجور. وهنا يأتي دور العمالة الأجنبية التي تسد هذه الفجوة”.

ويبلغ معدل البطالة “الصافي” وفق بيانات سوق العمل الدنماركية وموقع ترايدينغ إيكونوميكس (Trading Economics) في أيار/أيار 2025، نحو 2.5%، وهو مستقر منذ أربعة أشهر.
هذا المعدل يعكس فقط من جرى تسجيلهم فعلياً بوصفهم عاطلين ومستفيدين من الدعم. في حين تقدّر منظمة العمل الدولية (ILO) البطالة في الدنمارك بنحو 6.7%، وتشمل هذه النسبة الأشخاص القادرين على العمل ويبحثون عنه دون أن يكونوا مسجلين.

ولا تقتصر مساهمة العمال الأجانب على الاقتصاد فحسب، بل تمتد إلى النسيج الاجتماعي في المناطق الريفية. ففي القرى الصغيرة خارج المدن الكبرى، حيث تقع مصانع الإنتاج الزراعي والصناعي، يُساهم المهاجرون من أوروبا الشرقية في إنعاش المجتمعات المحلية من خلال المدارس، والمتاجر، والأنشطة الرياضية كأندية كرة القدم. ويؤكد سوندرغورد: “لا ينبغي التقليل من أهمية انتقال عائلات أوروبية شرقية إلى القرى الدنماركية. هؤلاء يساهمون في الحفاظ على حياة اجتماعية واقتصادية نابضة في المناطق التي تُعاني نزوحاً سكانياً مستمراً”.

لكن رغم هذه الصورة الإيجابية، هناك تحدٍّ حقيقي يلوح في الأفق. فالدنمارك ليست الدولة الوحيدة التي تسعى إلى جذب عمال أجانب، بينما تُعاني دول أوروبا الشرقية من انخفاض سكاني حاد. وتشير التقديرات إلى أن 15 من أصل 20 دولة في العالم ذات أعلى معدلات انخفاض سكاني تقع في أوروبا الشرقية، بما في ذلك بولندا ورومانيا.

خطر تناقص العمالة الأجنبية

رومانيا، على سبيل المثال، قد تخسر ما يقرب من ثلث سكانها بحلول عام 2050، إذ يُتوقع أن ينخفض عدد السكان من نحو 20 مليوناً إلى أقل من 14 مليوناً، بحسب بيانات المفوضية الأوروبية.
تعاني كثير من الدول الأوروبية من تراجع معدلات الخصوبة والولادات، ما قد يؤدي إلى انعكاسات خطيرة على رفاهية وتقدم اقتصاداتها. ويحذر سوندرغورد من أنه “على المدى الطويل، سيكون من الصعب جذب نفس العدد من العمال البولنديين والرومانيين، ببساطة لأن عددهم في تناقص مستمر”.

مستقبل معقّد لسوق العمل

وبينما تستفيد الدنمارك حالياً من حرية تنقل الأفراد داخل الاتحاد الأوروبي، فإنّ الواقع الديموغرافي في بلدان المنشأ يُنذر بأزمة مستقبلية. ويحذر خبراء سوق العمل الدنماركية من أنه بدون تبني سياسات هجرة مدروسة، وتسهيلات لاستقطاب العمال من خارج الاتحاد الأوروبي، قد تجد الدنمارك نفسها في مواجهة أزمة حقيقية في سوق العمل، تهدد ليس النمو الاقتصادي فحسب، بل أيضاً تماسك المجتمعات المحلية خارج المدن الكبرى.