أضافت زيارة الوفد الأميركي إلى بيروت تعقيدات سياسية جديدة على المشهد السياسي في البلاد.
وقد ألغى المبعوث الأميركي توم باراك زيارة إلى قرى في جنوب لبنان بالتزامن مع احتجاجات نفذها أهالي بلدة الخيام اعتراضًا على الزيارة رافعين فيها لافتات معارضة لسياسات واشنطن ورافضين طروحات نزع السلاح من حزب الله.
ولا يكتمل المشهد في الجنوب اليوم دون الإشارة إلى استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على قرى حدودية بينها كفركلا.
استياء شعبي من زيارة باراك
ويأتي الاستياء الشعبي من زيارة باراك عقب تصريحاته في قصر بعبدا التي قرأت على أنها خطوة إلى الوراء عن موقفه في زيارته الماضية على ضرورة مبادلة إسرائيل لبنان بخطوة بعد مقررات الحكومة اللبنانية الأخيرة في موضوع حصر السلاح بيد الدولة.
باراك اكتفى هذه المرة بدعوته إلى ضرورة نزع سلاح حزب الله أولاً باعتبار ذلك خطوة من شأنها أن تشجع إسرائيل على الانسحاب من الأراضي اللبنانية.
احتجاجات رافضة لزيارة المبعوث الأميركي إلى جنوب لبنان – غيتي
ورفع باراك ما وصف بلهجة الاستقواء والاستعلاء على منبر قصر بعبدا، ووجه إهانة إلى الصحفيين ما أسهم في زيادة الاستياء السياسي والشعبي من الزيارة.
من جهتها، اكتفت الرئاسة اللبنانية ببيان وُصف بالخجول أعربت فيه عن أسفها للكلام الذي صدر عفوًا عن منبرها من قبل أحد ضيوفها دون تسمية بارّاك صراحة.
وروّجت أوساط حركة أمل أن الوفد الأميركي القادم من تل أبيب لم يأت بأي جديد وبأن الأمور ذهبت نحو التعقيد مجددًا، فيما قال المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله إن واشنطن تريد القضاء على مقومات الصمود والدفاع التي يتمتع بها لبنان، مشيرًا إلى أن ما وصفها بالإملاءات الجديدة بمثابة تنصل واضح من اتفاق وقف إطلاق النار في أواخر تشرين الثاني/ تشرين الثاني الماضي.
“خطوة إلى الأمام”
وفي هذا الإطار، يرى الكاتب والباحث السياسي أسعد بشارة أن زيارة باراك الأخيرة تمثل “خطوة إلى الأمام، لأن مسار التفاوض الذي تقوده الولايات المتحدة ما زال مستمرًا ولم ينته بعد”.
وأوضح بشارة، في حديث إلى التلفزيون العربي من بيروت، أن الموفد الأميركي شدّد على ضرورة تحقيق تقدم في مسار تطبيق أي تفاهم يُفترض أن يفضي إلى انسحاب إسرائيلي من جنوب لبنان وسحب سلاح حزب الله، معتبرًا أن التفاوض لا يمكن أن ينتهي من دون بلوغ هذين الهدفين.
كما لفت إلى أهمية عقد مؤتمر دولي لمساعدة لبنان على إعادة الإعمار، مؤكدًا أن الهدفين الأساسيين المتعلقين بالانسحاب الإسرائيلي يتمثلان في وقف الاعتداءات والاغتيالات الإسرائيلية ووقف الخروقات الجوية والبرية للأراضي اللبنانية.
كما يلحظ الكاتب السياسي أن “اتفاق وقف إطلاق النار أعطى إسرائيل الذريعة إذ جاءت حصرية السلاح بيد القوى الشرعية في نصه الحرفي، وهو ما “لم يطبق من جهة لبنان”، حسب قوله. وأوضح أن مبادئ حصرية السلاح لم يبدأ البحث في آلية تنفيذها بعد.
انتكاسة في مصلحة إسرائيل
من جهته، يعتبر عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” في مجلس النواب اللبناني، إيهاب حمادة، أن رئيس البرلمان نبيه بري عبّر عن “انتكاسة” لمسار الوساطة الأميركية، بعد أن كان الوفد قد وعد في زيارته السابقة بـ”خبر طيب”.
وفي حديث إلى التلفزيون العربي من بيروت، يوضح حمادة أن “الخبر الطيب المقصود كان يتمثل في تنصّل واشنطن من الضغط على إسرائيل”، مشيرًا إلى أن “الإجابة جاءت من الجنوب، حيث لم يتمكّن الموفد الأميركي باراك من زيارة المنطقة”.
ويرى حمادة أن زيارة الوفد الأميركي “خطوة إلى الأمام في اتجاه وضع لبنان تحت الرهن الإسرائيلي، والمضي في مشروع صهيو-أميركي يخدم مصالح إسرائيل”.
ويضيف أن حزب الله ملتزم بما أُعلن من قبل رئاسة الجمهورية اللبنانية، لافتًا إلى إعلان الجيش اللبناني سيطرته على نحو 90% من المواقع جنوب نهر الليطاني، “في وقت يواصل الجيش الإسرائيلي اعتداءاته وخروقاته”.
تعويل أميركي على استمرار المباحثات
وفي قراءة للموقف الأميركي، يشير المستشار السابق في البيت الأبيض ستيف جيل إلى أن المبعوث الأميركي في وضع لا يُحسد عليه فيما لا يثق الطرفان اللبناني والإسرائيلي ببعضهما البعض.
وفي حديث إلى التلفزيون العربي من واشنطن، يلفت جيل إلى أن الولايات المتحدة تريد أن تكون وسيطًا، مشيرًا إلى أن إجراء مباحثات يعني إحراز تقدم قد يفضي إلى اتفاق مستدام.
جيل يرى أن احتلال إسرائيل للأراضي في جنوب لبنان جاء لدرء خطر الصواريخ التي كانت تُطلق من لبنان، حسب قوله.