مفاوضات دمشق ـ “قسد”: المطالب أكبر من التفاهمات

مفاوضات دمشق ـ “قسد”: المطالب أكبر من التفاهمات

تسعة أشهر مرّت على سقوط نظام الأسد في سورية، وملف “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، ذات الصبغة الكردية، والمناطق الشاسعة التي تسيطر عليها في شمال شرق سورية، لم تُفك عقدته بعد، فيما مفاوضات تراوح في مكانها بين “قسد” ودمشق.

ويبدو أن “قسد” والإدارة الذاتية التابعة لها، كما الحكومة، يدركون خطورة عدم التوصل إلى حلول وسط، ما يبقى المحادثات قائمة. وفي السياق، عُقد لقاء السبت الماضي في دمشق بين وزير الخارجية أسعد الشيباني، والرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية، والقيادية في “الاتحاد الديمقراطي”، إلهام أحمد، من دون الاتفاق على موعد جولة تفاوضية جديدة، بحسب ما قال مصدر واكب اللقاء لـ”العربي الجديد”. وذكر المصدر نفسه أن إلهام أحمد، قدمت خلال اللقاء مطالب لدمشق، منها منح الإدارة الذاتية “وزارات مهمة” في الحكومة السورية، إضافة إلى منصب مهم (جداً) في وزارة الدفاع، مستبعداً موافقة الحكومة على هذه المطالب.

ويحاول الجانبان منذ آذار/آذار الماضي، تنفيذ اتفاق وُقّع في 10 آذار، بين الرئيس أحمد الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي، ونصّ على “دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سورية ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز”. وخاض الجانبان أربع جولات تفاوض في الحسكة ودمشق، لم تحقق أي نتائج.

مصدر: طلبت “الإدارة الذاتية” وزارات مهمة في الحكومة

صالح مسلم: لا عودة لنظام مركزي

في غضون ذلك، تداولت وسائل إعلام أول من أمس الأحد، تصريحات للقيادي البارز في حزب الاتحاد الديمقراطي، صالح مسلم، لصحيفة كردستان الآن، قال فيها “لن نقبل أبداً بالعودة إلى نظام مركزي بالكامل في سورية”، مضيفاً أنه “إذا رفضت الحكومة السورية الجديدة القبول باللامركزية، فسنطالب بالاستقلال”. واعتبر حلّ “قسد”، أمراً “غير مقبول، لأنها تمثل قوة الدفاع عن منطقتنا”، مشيراً إلى أنه “يجب أن تكون هناك قوات محلية خاصة بنا لحماية مناطقنا”. وتابع: “تجربة الإدارة الذاتية هي نموذج للحل، ونحن مستعدون لتعميمها على باقي مناطق سورية”. ويسيطر هذا الحزب على “قسد” من خلال ذراعه العسكرية (وحدات حماية الشعب)، فضلاً عن كونه أبرز الأحزاب المشكلة لـ”الإدارة الذاتية” في شمال شرق سورية.

واعتبر شلال كدو، عضو المكتب السياسي لحزب اليسار الديمقراطي الكردي في سورية، وهو أحد أحزاب المجلس الوطني الكردي، أن خطاب مسلم “لا يُناسب المرحلة الحالية ولا يخدم مطالب الأكراد”، مضيفاً لـ”العربي الجديد”، أن “الركون إلى الخطاب الواقعي الهادف من شأنه أن يضع القضية الكردية على المسار الصحيح، وبالتالي فإن الحوارات مع الحكومة السورية لا مناص منها”. وفي ما يتعلق بمطلب استقلال الأكراد السوريين، رأى أن هذا الأمر “وهمٌ كبير”، موضحاً أنه “يجب ألا ننسى أن هناك وفداً كردياً مشتركاً، وهناك رؤية سياسية كردية يود هذا الوفد الذهاب بها للحوار مع السلطات السورية الجديدة”.

صالح مسلم: لن نقبل أبداً بالعودة إلى نظام مركزي بالكامل في سورية

من جهته، قال مدير مؤسسة كرد بلا حدود في باريس، كادار هوزان، لـ”العربي الجديد”، إن مسلم “لم يقصد الاستقلال بحد ذاته، إنما أراد القول إنه لدينا حلول أخرى”. وحمّل دمشق مسؤولية عدم تطبيق اتفاق آذار، بـ”وضعها دائماً العراقيل أمامه”. وقال: “هناك اليوم آلاف المواليد في شمال شرق سورية غير مسجّلين في النفوس، لأن الدولة لم تقم حتى اليوم بفتح الدوائر الرسمية وفق اتفاق اللجان الفرعية”، متهماً الحكومة السورية بمحاولة التنصل من اتفاق آذار “تحت ضغط إقليمي”.

خطاب “قسد” يحمل مطالب بـ”الاستقلال”

ولم يحمل خطاب “قسد” السياسي من قبل مطالب بـ”الاستقلال” عن سورية، سواء قبل سقوط نظام الأسد أو بعده. وتسيطر “قسد” على الجانب الأكبر من محافظتي الحسكة والرقة وجانب من ريف دير الزور، وقسم من ريف حلب الشمالي الشرقي. وتساءل الباحث السياسي رضوان زيادة في حديث مع “العربي الجديد” عن “أي مناطق يطالب مسلم باستقلالها”، مضيفاً: “هو يعرف أنهم أقلية في المناطق التي يسيطرون عليها”. واعتبر أن مطلب الاستقلال في شمال شرق سورية، “هو فنتازيا شبيهة بمطلب استقلال السويداء، فالطرح غير واقعي وهدفه ضرب المرحلة الانتقالية عبر تعميق الانقسامات بين السوريين”. وفي السياق ذاته، قلّل الباحث السياسي بسام سليمان في حديث مع “العربي الجديد”، من أهمية تصريحات مسلم، معرباً عن اعتقاده بأنها “تأتي في السياق التفاوضي”.

إلى ذلك، طرح سيبان حمو، وهو قيادي في “قسد”، في تصريحات نشرتها وسائل إعلام كردية، أول من أمس، تشكيل ما أسماه “مجلس عسكري مشترك مع الحكومة السورية الانتقالية”، كخطوة أولى نحو إعادة بناء “جيش وطني جديد يتسع لكل السوريين ويستند إلى مشروع ديمقراطي شامل”.

 

سورية والثمار المنتظرة من التطبيع مع الإسرائيليين

سورية والثمار المنتظرة من التطبيع مع الإسرائيليين

ما إن سقط نظام الأسد، حتى بدأت القصص تُحاك عن سيناريوهات للتطبيع بين سورية ودولة الاحتلال الإسرائيلي، وكأن مرحلة عزلةٍ طواها سقوط النظام، لتبدأ بعدها مرحلةٌ لانفتاح سوري على العالم، لا يكتمل سوى مع إنجاز هذا التطبيع. ومع ذلك بدأت الأنباء عن اجتماعات أمنية بين مسؤولي الطرفين تظهر، وبدأت معها مرحلة النفي والتكذيب. وتواترت تلك الأنباء وكانت تغيب ثم تعود إلى الظهور إلى أن أعلنت وكالة الأنباء الرسمية السورية (سانا) قبل أيام عن اجتماعٍ عُقد بين وزير الخارجية السوري ووفدٍ إسرائيلي في باريس، في 19 آب/ آب الجاري. ووسط النفي السابق والتأكيد الحالي، كذلك غياب الشفافية حول طبيعة اللقاءات وأهدافها، سيتساءل المواطن السوري عن جدوى تطبيع سورية مع دولة الاحتلال، إن حصل، في وقتٍ لم يُظهر فيه الإسرائيليون سوى الأعمال العدوانية، وقصف الأراضي السورية وقضمها، وهو ما يتناقض مع العرف العام الذي يقول بضرورة إظهار نيات حسنة قبل أي لقاء يندرج في ذلك السياق.

تختلف العوامل التي تحدّد العلاقة بين الدول العربية والكيان الإسرائيلي عن العوامل التي تحدّد هذه العلاقة بينها وبين أي كيان أو دولة أخرى. فهذا الكيان احتل أراضي دول عربية، وضم بعضها لتكون جزءاً من كيانه، فأقام عليها مستوطنات لمنع عودتها يوماً ما إلى سيادة دولتها، وبينها الجولان السوري المحتل. لذلك إن لم تكن هذه علاقة عداء، تسبّبت بها الجرائم التي ارتكبها هذا الكيان بحق أبناء تلك الدول، فهي علاقة ملتبسة يشوبها التوجس الدائم، توجُّس لم ينتفِ وبقي يلازم أحاسيس أبناء الشعوب العربية، حتى بعد مضي عقود على التطبيع بينه وبين عدة دول عربية. لذلك تبين أن هنالك فرقاً بين تطبيع الأنظمة والحكومات مع هذا الكيان وتطبيع الشعوب التي بقيت على مسافة بعيدة عنه، وربما على عداء مع سياساته، وفي كل الأحوال عدم اعتراف به. أما تطبيع الحكومات فأمر آخر، يُنجز في اللحظة التي تبدأ مع لقاء وفودها مع ممثليه مباشرة ومن دون وسيط ثالث، لأن تلك اللقاءات بمثابة اعتراف به، وكذلك اعتراف بشرعية احتلاله، حتى في غياب اتفاقات تنظم هذا الأمر.

تطبيع هذا الحكم مع الشعب السوري بكامل أبنائه وفي كل المناطق، يمكن أن يكون بديلاً عن أي تطبيع

وبناء على ذلك، تدخل المباحثات والمفاوضات المباشرة بين الحكومة السورية والكيان الإسرائيلي في خانة التطبيع والاعتراف. ويفسح الغموض الذي لفَّ المباحثات واللقاءات المجالَ واسعاً لفرضيات، تصل إلى حد انتظار مفاجآت مدوية من تلك اللقاءات، خصوصاً لقاء باريس، تكون من الضخامة إلى درجة أنها قد تصدم الشعب السوري وشعوب المنطقة وكذلك المتابعين والمحللين. وبما أن اجتماع باريس هو الرابع بين الطرفين، بحسب بعض المتابعين، بعد اجتماع أذربيجان، وربما أبوظبي وغيرهما، والأول الذي أعلنت عنه الحكومة السورية واعترفت به، ربما في محاولة للظهور بمظهر الشفافية، كان من المتوقّع أن تعلن هذه الحكومة عن بعض ما دار به. غير أن هذه الحكومة لم تكن لتعلن عنه إلا بعدما ساهمت بجعل المجال مفتوحاً لكثيرين لكي يزيدوا تكهناتهم وتحليلاتهم، علاوة على الانتقادات التي طاولتها من أبناء الشعب السوري وغيره، بسبب الغموض الذي تعمل وفقه، وعدم التصريح عن اللقاءات السابقة وعما دار فيها، وهو ما يدخل في خانة ازدراء هذا الشعب.

مهما يكن من أمر، أدارت الحكومة السورية الحالية هذه المفاوضات بطريقة تختلف عن المألوف، إذ كان من المفترض أن تشترط انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من المناطق التي احتلتها بعد سقوط نظام بشار الأسد، في الثامن من كانون الأول/ كانون الأول الماضي، نوعاً من إظهار الإسرائيليين حسن نياتهم، ولكي لا يظهر السوريون وكأنهم هم من يسعون إلى التطبيع بعدما كانت دولة الاحتلال تاريخياً هي التي تستميت لحصول ذلك. وبينما أفادت وكالة الأنباء السورية بأن المناقشات التي جمعت وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني مع وزير الشؤون الاستراتيجية ورئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي رون ديرمر، دارت حول خفض التصعيد في الجنوب السوري، وإعادة تفعيل اتفاق فض الاشتباك لسنة 1974، فإن ذلك يدلّ على أن الأهداف الأبعد، والمتعلقة بقضية الجولان السوري المحتل، لم تكن ضمن المداولات. لذلك فإن انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي السورية التي احتلتها بعد سقوط النظام، والتهدئة في الجنوب، أي السويداء، هو السقف الذي وصلت إليه المفاوضات، وليس قضية الجولان. ويدفع هذا الأمر السوريين إلى التساؤل عما إذا كانت المفاوضات ستفضي إلى التطبيع، أم إلى التهدئة فحسب، وهو ما لا يتطلب عقد لقاءات مباشرة، بل يكفي أن تتم عبر وسيط.

نظرة سريعة من رموز الحكم الجديد في سورية إلى تجربة الأردن ومصر في التطبيع مع الإسرائيليين ستُظهر لهم تواضع مكاسب هذين البلدين منه

ولكن ما الذي يمكن أن تجنيه سورية من التطبيع مع الإسرائيليين، إن كان هذا هو الهدف البعيد من اللقاءات والمباحثات، وتطبيقاً للشرط الأميركي لرفع العقوبات؟ في الشهر المقبل تحل ذكرى توقيع اتفاقية التطبيع بين الأردن ودولة الاحتلال، والتي مر عليها أكثر من ثلاثة عقود. وبهذه المناسبة، بدأت تظهر كتابات ودراسات حول ما جناه الأردن من تلك الاتفاقات. وإضافة إلى إشارتها للمقاطعة الشعبية لكل ما هو إسرائيلي، تناولت بعض تلك الدراسات آخر المؤشرات حول الاقتصاد الأردني، أظهرت ارتفاع الدين العام وكذلك معدل البطالة، خصوصاً بين الشباب، إضافة إلى تواضع معدلات النمو مقارنة بالخطط. أي أن التنمية والازدهار اللذين كانا مقرونين بالتطبيع، ذهبا أدراج الرياح.

لذلك فإن نظرة سريعة من رموز الحكم الجديد في سورية إلى تجربة الأردن ومصر في التطبيع مع الإسرائيليين، ستُظهر لهم تواضع مكاسب هذين البلدين منه، ويمكن لهذا الأمر أن ينطبق على بلادهم إن دخلوا في التجربة ذاتها وطبعوا مع الإسرائيليين، خصوصاً إذا لم يكن المقابل هو عودة الجولان كاملاً للسيادة السورية. ومن هنا، تطبيع هذا الحكم مع الشعب السوري بكامل أبنائه وفي كل المناطق، ومشاركته بالقرار واعتباره مصدر الشرعية، والتعويل عليه وعلى قدراته وعلى ثروات البلاد وإدارتها الإدارة المثلى، يمكن أن يكون بديلاً عن أي تطبيع إن كان المراد منه زيادة قوه البلاد ووضعها على سكة الازدهار.

وفي العودة إلى الإعلان الرسمي السوري عن لقاء باريس، ربما يكون المقصود به البدء في تحضير الرأي العام في الداخل لما ستعلن عنه الحكومة لاحقاً بعد لقاءات مقبلة، مخافة أن يكون رد الفعل الشعبي على أي اتفاقية تطبيع مفاجئة أو مجحفة بحقه، سلبياً وربما عنيفاً يطيح بالحكومة، بعدما ذاق الشعب السوري مرارات كثيرة تسبب بها الإسرائيليون مذ احتلوا فلسطين والجولان، ثم أتت تلك الاتفاقية لتكون بمثابة مكافأة لهم.

المبعوث الأمريكي إلى سوريا: تمكين الاقتصاد شرط للاستقرار وتخفيف العقوبات مستمر

المبعوث الأمريكي إلى سوريا: تمكين الاقتصاد شرط للاستقرار وتخفيف العقوبات مستمر

أكد المبعوث الأمريكي إلى سوريا توم باراك أن تحقيق الاستقرار في البلاد يتطلب تمكين الاقتصاد من العمل بشكل فعال.

وأشار براك، في منشور في منصة “إكس” للتواصل الاجتماعي، إلى أن “قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجريء بشأن تخفيف العقوبات عن سوريا لا يزال ساريا، بالتزامن مع قيام وزارة التجارة الأمريكية بتخفيف ضوابط التصدير”.

وأوضح أن هذه الإجراءات تسمح بالموافقة على تراخيص في قطاعات أساسية تشمل الاتصالات، البنية التحتية، الطاقة، الطيران، وغيرها من المجالات.

وفي وقت سابق أعلنت وزارة التجارة الأمريكية تخفيف قيود التصدير إلى سوريا من خلال قاعدة جديدة تقلل من متطلبات تراخيص الصادرات المدنية.

وبموجب القاعدة الجديدة، بات بالإمكان تصدير السلع والبرمجيات والتكنولوجيا الأمريكية ذات الاستخدامات المدنية البحتة إلى سوريا من دون الحاجة إلى ترخيص مسبق.

وذكرت الوزارة أن الموافقات على تراخيص الصادرات ستصبح أسهل في قطاعات البنية التحتية للاتصالات، والصرف الصحي، وتوليد الطاقة، والطيران المدني.

المصدر: RT

إلى متى العبث الإسرائيلي في الجغرافيا السورية؟

إلى متى العبث الإسرائيلي في الجغرافيا السورية؟

عملت إسرائيل، منذ سقط نظام بشار الأسد في صباح 8 كانون الأول/ كانون الأول 2024، على استهداف مواقع عسكرية سورية عديدة، حيث تمكنت من تدمير جل العتاد العسكري المتوفر، ثم تابعت استهدافات مواقع عسكرية أخرى، ووصل بها الأمر إلى ضرب قيادة الأركان العسكرية السورية، ومحيط القصر الجمهوري، وتتابع اليوم ما بدأته من قصف واستهداف ضمن لعبة التدخل المباشر في الواقع السوري، ومآذارة سياسة المفاوضات تحت النار، حتى بات الاستهداف العدواني الإسرائيلي يواكب كل حدث، ويفعل فعله اليومي تدخّلاً سافراً وفاجراً في ديناميات الوضع السوري، بدءاً من المنطقة العازلة التي احتلتها إسرائيل، وصولاً إلى هبوط مروحياتها في محافظة السويداء، دعماً لظاهرة حكمت الهجري ومجموعاته العسكرية، ثم إلى حالات إنزال جوي وزرع كثير من أدوات التجسس الإسرائيلي وتقنّياته في غير مكان من محافظتي القنيطرة وريف دمشق، في حالة تحدٍّ واضح وفاقع لحكومة دمشق، واستمراراً للضغط عليها، كي تقبل بأن توقّع اتفاقاً أمنياً مع إسرائيل، تريده الأخيرة على قدّها ومقاسها، وضمن استراتيجياته العدوانية ضد سورية والمنطقة العربية، وفي أجواء الضعف وقلة الحيلة، التي وجدت حكومة دمشق نفسها ضمنها، وضمن واقع عربي وإسلامي عاجز كل العجز عن إبداء أي دعم لحكومة دمشق، وفي غياب أي مشروع عربي ناهض ومناهض أو انعدامه، قد يتمكّن من إيقاف إسرائيل عند حدّها، وتعويق خططها العدوانية تجاه المنطقة العربية برمّتها. ولأن إسرائيل تعرف مستوى العجز العربي الذي وصل إلى حد غير مسبوق في التاريخ، عندما تُركت غزّة وناسها أمام حرب إبادة جماعية يومية، تجاوز فيها عدد الشهداء الفلسطينيين 63 ألفاً نتيجة القصف العدواني منذ نحو سنتين.

تجد إسرائيل واقعها القوي وفرط القوة لديها وبدعم أميركي غربي، يحفّزها على الاستمرار في استهداف كل شيء في سورية

في سياق هذا الواقع العربي، ومنه السوري بالضرورة، تجد حكومة دمشق نفسها عاجزة عن التصدّي للعدوان الإسرائيلي، كما تجد إسرائيل أن واقعها القوي وفرط القوة لديها وبدعم أميركي غربي، يحفّزها على الاستمرار في استهداف كل شيء في سورية، تهيئة للأجواء نحو اتفاق أمني تريده، وتسعى إليه، تكون فيه هي الرابحة الوحيدة. ولأن الحكومة في سورية واقعاً وعياناً غير قادرة على مواجهة هذا العدوان، وهذه حقيقة لا تخفى على أحد، في الخارج أو في الداخل السوري، وهي تريد وقف هذا العدوان المتواصل، بأي وسيلة، كي تتمكّن من الالتفات إلى واقعها الداخلي بتحدّياته العديدة والمتكاثرة يوميّاً، ثم بناء مؤسّسات الدولة المنهارة، وإعادة الإعمارـ حيث بلغت نسبة الهدم والدمار اللذين ألحقهما بها نظام بشّار الأسد، ما ينوف عن 65% من حجم البنية التحتية في سورية، وتحتاج عملية إعادة الإعمار المقدّرة أمميّاً إلى ما يزيد عن 500 مليار دولار في حدوده الدنيا، كما تحتاج تأمين الخدمات المفتقدة، من كهرباء ودواء ومشاف ومواصلات ومحروقات وتقنيات حديثة، أضحت ضرورية للحياة البشرية، ثم إعادة بناء الدولة الوطنية السورية الحديثة. لذلك تتوجّه، بشكل ضروري وأكيد، نحو وقف للعدوان الإسرائيلي، ضمن صفقة تفاهمات أمنية، قد لا تلبي الغرض الوطني والغاية الوطنية على أكمل وجه في سورية، خصوصاً أن إسرائيل (المنتفخة) كليّاً جرّاء حربها في قطاع غزّة وجنوب لبنان وإيران، إنها تعيش حالة من الانتشاء والتمكّن من المنطقة، فهي على هذا الأساس لن تدخل في أية مفاوضات قد تؤدّي إلى إعادة الجولان المحتل إلى سورية، وهي التي تدرك تمام الإدراك أن اميركا داعمة لها في كل مواقفها، منذ اعترف الرئيس ترامب في ولايته الأولى باحتلال إسرائيل الجولان، وضمّه إلى دولة الكيان.

حكومة دمشق الآن، وأمام تحدّيات كبيرة وكثيرة، تجد نفسها في حالة عجز وفوات

لذلك، ما نحن مقبلون عليه، وقد يكون بعيداً، اتفاق أمني لن يتطرّق إلى الجولان المحتل، بل سيكتفي بترتيبات أمنية وتحديثٍ ما لاتفاق فض الاشتباك الموقع بين حافظ الأسد وإسرائيل، حيث يضمن بأن تبقى المنطقة الجنوبية السورية خالية من السلاح الثقيل. وقد يعيد هذا الاتفاق بعضاً مما احتلته إسرائيل منذ ما بعد 8 كانون الأول، وليس كله، حيث أعلنت أنها لن تتخلى عن قمّة جبل الشيخ الاستراتيجية، التي أعادت احتلالها بعد فرار بشّار الأسد، علاوة على الاستمرار باللعب في ورقة الأقليات، وخصوصاً ورقة الطائفة الدرزية، حتى بات العلم الإسرائيلي (بكل أسف) يرفع في ساحة الكرامة بالسويداء، من دون خجل أو حس وطني، رغم اعتراضات معظم أهل السويداء وجبل العرب على ذلك.

سيبقى التصعيد الإسرائيلي ضد سورية مستمرّاً ومتواصلاً بين فينة وأخرى، وكلما وجدت إسرائيل أن هناك تعثّراً أو تمنّعاً في المفاوضات الجارية بين إسرائيل وحكومة دمشق في أذربيجان، برعاية تركية وأميركية، أو في باريس، وسوف تستمر إسرائيل ببسط يدها القاتلة والمجرمة عبر مآذارة القتل واستخدام السلاح الحديث فوق رؤوس السوريين، حتى تتحقق أهدافها، في منع سورية من القيام دولة قوية، وحتى تبقى حالة الضعف مستمرّة ومتتابعة، وحالة التشظي والتفتّت ماثلة، في سياق فرجة أميركية وعالمية، وكذلك عجز عربي وإسلامي.

حكومة دمشق الآن، وأمام تحدّيات كبيرة وكثيرة، تجد نفسها في حالة عجز وفوات. ورغم العلاقة القوية مع تركيا، ثم الرضى الأميركي عن ما تفعله، إلا أنها لم تعد تجد حلّاً لوقف العدوان، إلا أن توقع اتفاقاً أو تفاهماً مع إسرائيل، قد لا يكون مفيداً للسوريين بقدر ما هو مفيد للإسرائيليين.

سورية: الشرع يشكّل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية

سورية: الشرع يشكّل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية

أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع اليوم الخميس المرسوم رقم 149 لعام 2025، القاضي بتشكيل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية. ويُنظر إلى هذا المرسوم على أنه جزء من سلسلة إجراءات سياسية وقانونية تهدف إلى معالجة آثار سنوات طويلة من الصراع والانتهاكات، وتعزيز الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، ووضع أسس قانونية جديدة لإغلاق ملفات عالقة.

ونصّ المرسوم على أنه، بناءً على أحكام الإعلان الدستوري وعلى مرسوم إحداث الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية رقم 20 لعام 2025، تُشكَّل لجنة الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية من السيدات والسادة: عبد الباسط عبد اللطيف (رئيساً)، زهرة نجيب البرازي (عضواً ونائباً)، إضافة إلى 11 عضواً هم أحمد سيفو السيفو، جمانة رياض سيف، حسن محمد جبران، ياسمين علي مشعان، محمد خير محمد أيوب، محمد إبراهيم الدغيم، أحمد محمد حزرومة، زيد مروان صباغ، فتاة محمد صقر، تركي عبد العزيز عبد الحميد، رديف مصطفى أنور، وذلك وفق المادة الأولى من المرسوم.

وجاء في المادة الثانية أنه يباشر أعضاء الهيئة مهامهم بإشراف رئيسها فور تبلّغهم بالمرسوم، ويتم توزيع المهام بينهم وفق النظام الداخلي الناظم لعمل الهيئة، على أن يُنشر المرسوم ويُعد نافذاً من تاريخ صدوره، وذلك وفقاً للمادة الثالثة.

ويرى المحامي أيهم السبسبي، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن المرسوم رقم 149 القاضي بتشكيل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية “يشكّل خطوة مفصلية في مسار الدولة السورية نحو تعزيز العدالة وبناء الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة”. ولفت إلى أن الخطوة “تؤسس لإطار قانوني يعالج تراكمات عاشها السوريون لسنوات، من انتهاكات ومظالم ونزاعات عقارية وحقوقية”.

وأشار السبسبي إلى أن الهيئة “ستحمل الكثير من المطالب بما يخص جبر الضرر، ومحاسبة المسؤولين عن ارتكاب الجرائم والانتهاكات، وإنصاف المتضررين”. وقال: “الهيئة ضرورة وطنية لبدء عملية إغلاق ملفات عالقة منذ سنوات، ويتطلب منها أن توفّر بيئة قانونية صلبة لتعزيز الاستقرار ومبادئ المصالحة”.

وينظر السبسبي إلى الهيئة على أنها شرط أساسي لبناء دولة القانون وليست خياراً ترفياً، وعليها أن تضمن عدم تكرار الانتهاكات وتهيئة الأرضية لمرحلة جديدة تحت عنوان العدالة والمساواة في سورية، حيث إن تشكيل الهيئة يمثل أيضاً خطوة نحو ترسيخ دولة القانون، تكمن أهميتها في معالجة المظالم والحقوق، وبناء مسار المصالحة الوطنية. ولفت إلى أن “هذه الخطوة تعتبر مساراً جديداً في طريق العدالة، وهو ما تحتاجه سورية اليوم أكثر من أي وقت”.