توصل العالم إلى حقيقة ثابتة وواحدة منذ بدأت المقتلة التي لا تتوقف منذ نحو عامين، أن لا مكان آمن في كل أنحاء قطاع غزّة. وعلى صِغَر مساحته وكثافة سكّانه، إلّا أنه يتعرّض لأبشع طرق اقتلاع الحياة، حتى أثبت الموت أنّه السِّمة العامة، حتى لمن ما زالوا يتنفّسون بين شهيقٍ وزفير، على أساس أنّهم “الموتى الأحياء” كما يصفون أنفسهم. ولذلك هم يستقبلون أوامر الإخلاء وضرورة ترك أماكنهم على أساس أنّها مصنّفة أماكن خطِرة بلامبالاة أو باستسلام، أو أنك فعلاً لا تعرف كيف تصف مشاعرهم مقابل الموت المعربد حولهم. ولكنهم فعلاً يتبادلون الأدوار، وهم يحاولون البحث عن لحظة نجاةٍ من بين كل أسباب الموت حولهم.
في الأيام الأخيرة، تحدّثتُ مع كثيرين ممّن قرّروا النزوح للمرّة الأولى من أطراف مدينة غزّة الشمالية الشرقية نحو جنوب القطاع، وتحديداً باتجاه ما تعرف بـ”مواصي خانيونس”، المنطقة الأكثر شهرةً بأنها مصنّفة منطقة إنسانية. وكان لسان حال هؤلاء أنّهم قد تعبوا وقرّروا أخيراً، وبعد نحو عامين من الصمود في بيوتهم أو التنقّل بين أنحاء المدينة نفسها، أن ينزحوا نحو جنوب القطاع، لأنّهم لم يعودوا يملكون طاقة الصبر والتحمّل، ولأنّهم، من دون اتفاق مكتوب، قرّروا أن يمنحوا فرصة الصمود والبقاء لمن نزحوا نحو جنوب القطاع في الأيام الأولى من الحرب.
كلّنا نذكر الإنذارات الأولى التي تلقّيناها بعد أيام قليلة من الحرب، وتحديداً في يوم الجمعة الأول، بضرورة إخلاء شمال القطاع حتى حدود وادي غزّة، والاتجاه نحو الوسط والجنوب. وكلّنا نذكر كيف خرجنا تحت وقع القصف العشوائي المجنون نحو الجنوب. ولكن قلّةً بقوا في بيوتهم أو قرّروا التنقّل بين أنحاء المدينة، فاتجهوا نحو غربها أو وسطها، فأقاموا في بيوت أقاربهم الفارغة التي نزح أصحابُها نحو الجنوب، أو أقاموا في خيامٍ في الساحات العامة، فامتلأت تلك الساحات، مثل الملعب الأشهر في المدينة، والمعروف بملعب فلسطين، وكذلك شهدت باحات الجامعات تجمّعاً كبيراً للنازحين الذين تمسّكوا بالبقاء في منطقة شمال الوادي، وظلّوا صامدين رغم القتل الملاحق لهم، وسياسة التجويع التي انتهجها العدو، لكي يدفعهم إلى المغادرة حتى تناولوا طعام الدواب. ورغم ذلك، ظلّوا صامدين في أماكنهم، خصوصاً وهم يسمعون عن كذبة المنطقة الإنسانية، وما تتعرّض له يومياً من قصف. بل إنّهم لم يتوقّفوا عن نعي أحبّتهم وأقاربهم النازحين إلى هناك، وتشتّتت العائلات وتمزّقت، وفقدت معظم أفرادها ما بين شمال وجنوب.
نلمح اليوم تبادلاً للأدوار وسط يأسٍ وبحثٍ عن لحظة نجاة خائبة. فقد قرّر النازحون، في بداية الحرب، البقاء في غرب مدينة غزّة، وأعلنوا رفضهم القاطع تكرار تجربة النزوح المريرة، فيما قرّر الصامدون منذ بداية الحرب أن ينزحوا هذه المرّة، لأنّ هذه الجولة الوحشية التي يشنّها العدو، حسب وصفهم، قد تفوّقت على كلّ الجولات. وأصبح استخدام الأسلحة والذخائر الحديثة أكثر بَذخاً ممّا كان عليه قبل نحو عامين، خصوصاً استخدام ما يُعرف بـ”الروبوتات المتفجّرة”، التي أصبح انفجارها يطاول مساحة واسعة تصل إلى أجسام صغارهم، وعلى محيط نحو كيلومتر من مكان انفجارها الأصلي.
يوغل العدو اليوم ويتوحّش أكثر في محاولة لإفراغ مدينة غزّة من سكّانها. وفيما يضع الخطّة تلو الخطّة، يقرّر السكّان البؤساء عديمو الحيلة، ومن دون اتفاق يُلفظ أو يُكتب، ألّا يتركوا المدينة فارغة. وها هم يتبادلون الأدوار: فينزح نحو الجنوب مَن لم يخُض تجربة النزوح منذ بداية الحرب، وهو يعرف أن لا نجاة أبداً من نزوحه. ولكنها خطّة غير مكتوبة، واتفاقية عقدها أهل المدينة ما بين خوفٍ وصبر، وبين رجاءٍ وأملٍ عاثر بأنّ المدينة لن تُفرغ من أهلها، وأنّ البقاء فيها لا يعني النجاة، بل هو انتظار بطيء لمجهولٍ مميت. ولكنهم، في كل حال، لا يرفعون أبداً راية الاستسلام.
تنقسم القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية بشأن إصرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على التوصل إلى اتفاق شامل لإنهاء حرب غزة، وفقاً لما نقلته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، أمس الثلاثاء، عن أربعة مسؤولين مطلعين على المداولات الداخلية.
وبينما يدعو عدد من الشخصيات القيادية في الجيش وجهاز الاستخبارات “الموساد” والحكومة إلى العودة إلى النهج التدريجي لحل النزاع، بدءاً بهدنة مؤقتة، يفضل نتنياهو ووزراء كبار آخرون الآن اتفاقاً أكثر صعوبة يهدف إلى إطلاق سراح جميع المحتجزين المتبقين دفعة واحدة وإنهاء الحرب بشروط وضعتها إسرائيل، وهي شروط رفضتها حركة حماس حتى الآن، بحسب ما ذكرت نيويورك تايمز.
ونقلت الصحيفة الأميركية عن المسؤولين الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم، أن من بين المعارضين لموقف نتنياهو، رئيس أركان الجيش، إيال زامير؛ ورئيس جهاز “الموساد” ديفيد برنيع، ومستشار نتنياهو للأمن القومي تساحي هنغبي، ووزير الخارجية جدعون ساعر. ولم يُعلّق المعارضون علناً. ولم يُجب مكتب رئيس الوزراء فوراً على طلب التعليق، كما رفض الجيش الإسرائيلي التعليق.
وتحدثت الصحيفة عن وجود شكوك متزايدة في قدرة إسرائيل الآن على تحقيق ما عجزت عن تحقيقه عسكريًا خلال 22 شهراً من الحرب. ونقلت عن مسؤولين أمنيين إسرائيليين أن زامير عارض في الأسابيع الأخيرة إصرار الحكومة على بسط السيطرة العسكرية الكاملة على مدينة غزة، كما أعرب عن مخاوفه بشأن إرهاق جنود الاحتياط وضعف لياقتهم البدنية، وسط تحذيرات من أن توسيع العمليات قد يعرض المحتجزين الإسرائيليين للخطر ويقتل المزيد من المدنيين الفلسطينيين. وقال أحد المسؤولين لـ”نيويورك تايمز”، إنّ زامير وخلال اجتماع مجلس الوزراء الأمني (الكابينت) أول من أمس الأحد، حذّر مرة أخرى من احتلال مدينة غزة على أساس أنه قد يؤدي إلى أن يصبح الجيش مسؤولاً وحده عن إدارة غزة.
وأمس الثلاثاء، قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، إنّ إسرائيل لم ترد حتى الآن على الوسطاء بشأن مقترح اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى الذي وافقت عليه حركة حماس. وأوضح الأنصاري خلال مؤتمر صحافي أسبوعي في مقرّ وزارة الخارجية في الدوحة: “ليس هناك رد إسرائيلي على الوسطاء حتى الآن، وهناك اتصالات للعودة إلى المفاوضات”، التي تنصلت منها حكومة الاحتلال تماماً، قبل إعلانها عن مخطط لاحتلال مدينة غزة وتهجير سكانها لاستكمال الإبادة الجماعية.
وفي سؤال لمراسل “العربي الجديد” بشأن إمكانية طرح الوسطاء مبادرة جديدة تقوم على صفقة شاملة في ظل التعنت الإسرائيلي، قال الأنصاري إنّ هناك اتصالات تجري حالياً للوصول إلى نمذجة مختلفة للوصول إلى اتفاق، مضيفاً: “لن أخوض في تفاصيل هذه الاتصالات، لكن نحن منفتحون على جميع الحلول بكل أشكالها إذا كان من ممكن أن تصل بنا إلى اتفاق، لكن في الوقت الحالي العرض الموجود على الطاولة هو الخطة المعلن عنها سابقاً ووافقت عليها حماس، غير ذلك رسمياً ليس هناك شيء على الطاولة سوى الاتصالات وتبادل الأفكار”.
وترفض إسرائيل حتّى الساعة الردّ على مقترح اتفاق غزة الذي وافقت عليه حركة حماس، والذي يتضمّن اتفاقاً جزئياً على أساس مقترح أميركي سابق، ويقضي بهدنة لمدة 60 يوماً، تتخللها مجموعة من الإجراءات، يأتي في مقدمتها إطلاق سراح عشرة من المحتجزين الإسرائيليين الأحياء، ونحو 19 من الجثامين، في مقابل إدخال كميات كبيرة يُتَّفَق عليها من المساعدات الإنسانية إلى القطاع وتوزيعها عبر الآلية الأممية، وقال الأنصاري “لا يمكن أن يقبل المجتمع الدولي ربط القضية الإنسانية بوجود صفقة لإطلاق الأسرى”، ودعا إلى “فتح المعابر وإدخال المساعدات لغزة”، لافتاً إلى أن خطوات إسرائيل تلقى معارضة إقليمية ودولية واضحة، كما دعا المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية القطرية المجتمع الدولي إلى تشكيل موقف موحد لإيقاف إسرائيل، وقال: “لا فائدة من انتظار عملية السلام بينما لا يوجد طرف إسرائيلي يريد هذه العملية”.
في وقت يواصل فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة على قطاع غزة المحاصر، من خلال غارات كثيفة تؤدي إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى يوميا، نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية عن أربعة مسؤولين مطلعين، أمس الثلاثاء، قولهم إن القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية منقسمة بشأن إصرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على التوصل إلى اتفاق شامل لإنهاء حرب غزة. وقالت الصحيفة إن عددا من الشخصيات القيادية في الجيش وجهاز (الموساد) والحكومة دعوا إلى العودة إلى النهج التدريجي لحل النزاع، بدءًا بهدنة مؤقتة، مضيفة أن نتنياهو ووزراء كبار آخرون يفضلون الآن اتفاقًا أكثر صعوبة يهدف إلى إطلاق سراح جميع المحتجزين المتبقين دفعة واحدة وإنهاء الحرب بشروط وضعتها إسرائيل، وهي شروط رفضتها حركة حماس حتى الآن.
في موازاة ذلك، قال رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي إيال زامير لجنود الاحتياط، أمس الثلاثاء، إن الجيش سيعمّق عملياته في غزة ولن يتوقف حتى الحسم. جاء ذلك خلال زيارته قاعدة نحشونيم، رفقة قائد الفرقة 99 يوآف برونير وقائد اللواء 11 في يوم تجنيد قوات الاحتياط للواء 11. وبحسب بيان صادر عن الجيش، قال زامير: “تكاتف أعداؤنا في كل أنحاء الشرق الأوسط في السابع من تشرين الأول (تشرين الأول 2023) ومنذ ذلك الحين لضربنا ولإبادتنا. نعمل بحزم ضدهم جميعاً باستمرار وبدون هوادة، إذ نلحق بهم ضربات قاسية وندمرهم ونحسم ضدهم وننتصر عليهم. تمتد أعمالنا إلى كل أرجاء الشرق الأوسط. لن تجد حماس أي مكان يمكنها اللجوء إليه، وفي أي مكان نعثر فيه عليهم، سواء إذا كانوا مسؤولين أو أفراد، نضربهم جميعاً طول الوقت. إننا نستعد لاستمرار الحرب، وسنكثّف ونعمّق أعمالنا القتالية، وبالتالي استدعيناكم. لقد بدأنا في مناورتنا في قطاع غزة وأقول ذلك لإبعاد الشكوك. أصبحنا ندخل إلى أماكن لم ندخل إليها لغاية الآن ونعمل فيها بكل حزم وقوة وشجاعة وبروح قتالية عالية. أود أن أقول لكم إن الجيش الإسرائيلي لا يعرض في أي مكان شيئاً إلا الحسم. لن نوقف الحرب إلى أن نحسم هذا العدو”.
وتزداد الظروف الإنسانية صعوبة وتعقيدا إثر إحكام الاحتلال حصاره على غزة ومنع دخول المساعدات الكافية لسكان القطاع، إذ أعلنت وزارة الصحة في غزة، أمس الثلاثاء، أنها سجّلت خلال الـ24 ساعة الماضية، 13 حالة وفاة نتيجة المجاعة وسوء التغذية، من بينها 3 أطفال، ليرتفع إجمالي وفيات سوء التغذية إلى 361 شهيداً، منهم 130 طفلاً. ومنذ إعلان المجاعة، سُجّلت 83 حالة وفاة، من بينها 15 طفلاً. وتتكشف يوما بعد يوم صور مأساوية لمعاناة الغزيين الذين وجدوا أنفسهم بلا مصدر دخل وبلا عمل أو قدرة على تأمين الاحتياجات الأساسية لأسرهم، في ظل حرب ممتدة تلتهم مقومات الحياة، وتتزامن مع ارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة وغلاء الأسعار نتيجة شح البضائع.
“العربي الجديد” يتابع تطورات حرب الإبادة على غزة أولاً بأول..
يواصل أسطول الصمود العالمي لكسر الحصار عن غزة، مسيرته عبر البحر المتوسط التي انطلقت من مدينة برشلونة الإسبانية، ويضمّ حشداً كبيراً من النشطاء والفنانين والسياسيين الذين يهدفون لكسر الحصار عن القطاع الذي يتعرض لإبادة جماعية يستخدم فيها الاحتلال الإسرائيلي سلاح التجويع والحصار. ومن المقرّر أن يلتحق بالأسطول موجة أخرى من سفن أسطول الصمود المغاربي التي تنطلق من تونس يوم 4 أيلول/أيلول الحالي، وتضم سفناً ونشطاء من تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا.
كما أعلنت اللجنة المنظمة لأسطول عمر المختار انطلاقهم من الساحل الليبي يوم 6 أيلول الحالي، للانضمام إلى أسطول الصمود في المياه الدولية. ويشارك على متن “عمر المختار” عدد من الشخصيات والنشطاء الليبيين والدوليين، من بينهم رئيس الوزراء الليبي الأسبق عمر الحاسي، وعدد من النشطاء من الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا، بالإضافة للصحافية والناشطة البريطانية البارزة إيفون ريدلي صاحبة التاريخ الطويل في مناصرة القضية الفلسطينية، والتي شاركت في محاولات عديدة لكسر الحصار عن غزة بدءاً من سفن “حرّروا غزة” عام 2008 وصولاً إلى سفينة “الضمير” التي استهدفها الاحتلال الإسرائيلي قبيل الإبحار في أيار/أيار الماضي. ومن المتوقع انضمام العديد من السفن والقوارب الصغيرة إلى الأسطول انطلاقاً من موانئ أوروبية وأفريقية، على غرار السفن التي انطلقت من ميناء جنوة الإيطالي.
وقبيل توجهها إلى ليبيا للمشاركة في الاستعدادات والتدريبات التي تسبق انطلاق “عمر المختار”، دعت الصحافية والناشطة البريطانية إيفون ريدلي “كل من لديه قارب صغير في البحر المتوسط، إلى الانضمام للأسطول والمشاركة في محاولة كسر الحصار عن غزة ونقل المساعدات إلى أهلها”.
وواجه عدد من قوارب أسطول الصمود التي انطلقت من برشلونة أول أمس صعوبات بسبب سوء الأحوال الجوية، لكن القائمين على الأسطول أعلنوا استمرارهم في الإبحار رغم تعطل أجهزة الاتصالات على متن بعض السفن. وأكدوا أنهم يواصلون الإبحار بسرعة 3.2 عقدة باتجاه تونس استعداداً لمتابعة الرحلة الكبرى نحو غزة، وأن الأسطول “ثابت على التزامه بالوصول إلى غزة عبر مهمة إنسانية وسلمية، لكسر الحصار الإسرائيلي غير القانوني، وإعلاء صوت الشعوب ضد الإبادة”.
وقالت اللجنة المنظمة في بيانها: “عندما تُضطر سفن مدنية صغيرة إلى القيام بالعمل الذي عجزت عنه الحكومات، بالإبحار نحو غزة لكسر الحصار وإنهاء الإبادة، فإن مثل هذه التحديات تصبح مألوفة. لو أن واحدة فقط من الحكومات المتواطئة أرسلت سفنها الأكثر قدرة إلى غزة، لما وقع هذا العبء على عاتق الناس العاديين”.
أسفر إهمال قادة في لواء غولاني في جيش الاحتلال الإسرائيلي عن مقتل جنود وإصابتهم في محور موراغ العسكري، الذي يفصل بين رفح وخانيونس جنوبي قطاع غزة، في الآونة الأخيرة، وفق شهادات جنود وضباط، نقلتها صحيفة “هآرتس” العبرية اليوم الثلاثاء. ووصف الجنود والضباط ما يحدث في المنطقة التي تتمركز فيها قوات الاحتلال على المحور، بـ”انعدام الانضباط العملياتي”، ما يودي بحياة جنود.
وقال الجنود الذين تحدثوا إلى “هآرتس”، إنهم حذّروا قائد اللواء وقادة كبار آخرين، لكن هؤلاء تجاهلوا تحذيراتهم. وقال أحدهم بغضب: “الجنود يُقتلون بسبب إهمال القادة، ولا أحد يفعل شيئاً”. وأضافوا أن جيش الاحتلال، لم يُجرِ تحقيقات معمّقة وموثوقة، بشأن الحوادث التي قُتل أو أُصيب فيها جنود.
ووقعت الحادثة القاتلة الأخيرة في المنطقة يوم السبت الماضي، حيث قُتل جندي الاحتياط أريئيل لوبلينر. وكان لوبلينر ضمن قافلة لوجستية متوجّهة إلى الموقع العسكري التابع للواء غولاني في محور موراغ. وبعد خروج الجنود من الموقع، بدأوا بالتحرك من أجل مغادرة المنطقة، وعندها أصيب لوبلينر برصاصة أُطلقت من إحدى نقاط الحراسة في المكان، وأدت إلى مقتله، فيما علّق جيش الاحتلال، بأن الحادث نجم عن “طلقة طائشة”. لكن مصادر الصحيفة العبرية، لفتت إلى صورة أكثر تعقيداً، إذ وجّه الجندي مطلق النار سلاحه نحو القافلة، ولسبب غير واضح، فتح صمام الأمان وأطلق النار. ولم يُعزل الجندي من منصبه، ويواصل الخدمة في الوقت الراهن في الموقع. وذكر مصدر مطّلع على ما يجري في المحور المذكور، لم تسمّه الصحيفة، أن الجيش لم يحقق بعد في ظروف إطلاق النار أو في حالة الجندي النفسية.
الصورة
آليات الاحتلال في محور موراغ جنوبي قطاع غزة / 6 آب 2025 (Getty)
وفي تموز/تموز الماضي، وقعت حادثة قاتلة أخرى في ذات الموقع العسكري. حينها طلب قادة الجندي عمّيت كوهين، منه تسليح طائرة مسيّرة مدنية بقنبلة، رغم أن هذا النوع من الطائرات لا يُفترض استخدامه في العمليات القتالية العسكرية. وبعد أن أطلق الجنود الطائرة في الجو، سقطت القنبلة بين أقدامهم، مما أدى إلى مقتل كوهين في الانفجار، وإصابة ضابط كان بجانبه بجروح خطيرة. الجيش الإسرائيلي سارع إلى الادّعاء بأن “كوهين كان يعبث بالطائرة المسيّرة بشكل غير مسؤول”، لكن شهادات من جنود في القوة تشير إلى أن القادة هم من أمروا كوهين بتركيب القنبلة على الطائرة، في مخالفة واضحة للأوامر العسكرية، وبطريقة عرّضت حياة الجنود للخطر. ورغم خطورة الحادث، لم يُعاقب أي قائد ولم يُعزل أحد من منصبه.
إلى جانب الحوادث القاتلة، وقعت في ذات الموقع العسكري عدة حوادث أخرى، والتي قال الجنود إنها “انتهت دون قتلى فقط بفضل الحظ”. على سبيل المثال، اندلع حريق مساء أمس الاثنين في أحد المباني داخل الموقع الذي يتمركز فيه الجنود، مما تسبب بأضرار جسيمة لمعداتهم. وتبيّن أن الحريق اندلع نتيجة سيجارة مشتعلة ألقاها أحد الجنود بالقرب من المعدات. واضطر الجنود إلى مغادرة المبنى بسبب النيران، وتم استدعاء جرافة للمساعدة في جهود الإطفاء.
وقبل نحو ثلاثة أسابيع، أصابت قذيفة هاون الجدار الخارجي لأحد المباني في الموقع العسكري. واعتقد الجنود في البداية أنهم يتعرضون لهجوم من قبل المقاومة، وبدأوا بمحاولة تحديد مصدر إطلاق النار. لكن تحقيقاً أجراه القادة في الميدان، كشف أن فريقاً من نفس الكتيبة هو من أطلق قذيفة هاون عيار 120 ملم باتجاه المبنى الذي كان بداخله عشرات الجنود من نفس القوة. وقال القادة والجنود الذين تحدثوا إلى “هآرتس”، إن الموقع العسكري لا يطبّق ما يُعرف بـ”الانضباط العملياتي” المطلوب من الجنود في منطقة قتال. وساقوا مثالاً على ذلك، بأن الجنود في الموقع لا يرتدون الأحذية أو الجوارب أثناء وجودهم فيه، كما يتم تخزين المواد المتفجرة والعبوات الناسفة بطريقة فيها إهمال، تُعرضهم للخطر.
ويوضح الجنود أنهم يعانون من إنهاك شديد نتيجة القتال المكّثف الذي يشاركون فيه منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/تشرين الأول 2023، والذي يؤثر، بحسب قولهم، في جاهزيتهم القتالية. ورغم الطلبات المتكررة من أهالي الجنود، فإن الجيش لا يسمح لهم بالخروج للاستراحة بشكل أكثر انتظاماً، ولا يجري مراجعة لسلوك القادة في اللواء. وقال مصدر مطّلع على ما يجري في الموقع العسكري: “يجب أن تكون هناك دراية بهذا الحدث، وبما يحدث هناك”.