الصهيونية من وراء الستار الأيديولوجي والدعائي

الصهيونية من وراء الستار الأيديولوجي والدعائي

نشر، في 1975، الكيميائي الإسرائيلي يسرائيل شاحك (1933-2001)، وهو من أوائل الذين شخّصوا الصهيونية حركة قومية – مسيانية عنصرية ووحشية إزاء من لا ينتمي إلى “الشعب المختار”، كتيّباً بعنوان “الصهيونية على لسان زعمائها: إعلان نيات، مواقف وشهادات”، في محاولة منه يمكن القول حالياً إنها اتسمت بقدر من استشراف ما ترتّب على ما ركّز عليه من تبعات تتعلق بالدولة الصهيونية والصراع مع الفلسطينيين.

وزّع شاحك الكتيب على ثلاثة فصول، يتضمّن كل واحدٍ منها عدة أقسام: “الحرب والسياسة”، “طرد الفلسطينيين 1907 – 1973″، “استخدام الصهيونية للدين لغاية في نفس يعقوب”. وفي كلمات التمهيد، أعرب عن أمله في أن تساعد مجموعة المصادر هذه، وهي مكوّنة في الأساس من استشهادات واقتباسات لأقوال كبار قادة الصهيونية والشخصيات المركزية فيها في مجالات السياسة والصحافة والمؤسّسات الدينية، على كشف الجوهر الحقيقي للصهيونية.

كما لفت إلى أن هذا الكتيب يروم أن يضع أمام القارئ جوهر السياسة الصهيونية العامة، كما رسم زعماؤها ملامحها، وكما تصوّروها هم أنفسهم من وراء الستار الأيديولوجي والدعائي، وشدّد على أنه لم يشعر بأدنى حاجة لأن يضيف إلى المقتطفات أي تفسيرٍ لأن تفسيرها لا يحتاج عناء. وبالرغم من ذلك، ارتأى أن يشير إلى الأهمية الكبرى لأحد أقسام فصل “طرد الفلسطينيين” الذي يشتمل على وصف التخطيط لطرد الفلسطينيين من وطنهم وتنفيذ الطرد، حيث بإمكان كل قارئ، مثلما يؤكّد، أن يعرف وأن يحكم بنفسه، ليس على جوهر هذا الطرد فحسب، إنما أيضاً على تخطيطه وتنفيذه اليومي، ناهيك عن الرغبة في طرد البقية الباقية من الفلسطينيين بعد نكبة 1948 إلى ليبيا والأرجنتين، وكذلك على كل الكذب الذي يصفه بأنه متعمّد في جميع الادعاءات الرسمية للمؤسسة الإسرائيلية والصهيونية العالمية في ما يتعلّق بالطرد.

في التمهيد للكتيب، ذكر شاحك أنه تجنب التطرّق إلى موضوعات مهمة وخطرة في مآذارة الصهيونية، نظراً إلى حقيقة أنه كتب عنها الكثير ويجدر أن يُكتب عنها دائماً. ومن هذه الموضوعات خصّ بالذكر: أولاً، المآذارة اليومية لامتلاك أراضي الإقطاعيين وطرد الفلاحين الفلسطينيين بالقوة، وهي مآذارة كانت بمثابة مبدأ أساسي للحركة الصهيونية حتى 1948، ولكنها لم تؤدّ سوى إلى نقل 5% من أراضي البلد إلى أيدي المستوطنين الصهاينة وطرد الفلاحين الفلسطينيين الذين كانوا يسكنون فيها ويفلحونها.

ثانياً، عمليات تطهير منطقة الجليل، وتخفيف سكان منطقة المثلث، وتشريد قرويي منطقة القدس، وطرد عرب الجنوب والنقب، وتطهير المدن ومحو القرى، تلك العمليات التي خطّطت سلفاً بدقّة ونفذت بهدوء نفسي، ومن خلال استخدام الحرب النفسيّة والإرهاب وعمليات عسكرية نظاميّة وغير نظاميّة سواء خلال حرب 1948 أو قبلها أو بعدها.

ثالثاً، سياسة مصادرة الأرض التي اتبعتها الحكومات الإسرائيلية منذ إقامة الدولة الصهيونية. وهي سياسة استندت، برأيه، إلى سلسلة محكمة من القوانين والنظم والأوامر، كما أنها استندت إلى استخدام طريقة العصا والجزرة والطرد عنوة. وبموجب المعطيات الرسمية، سلبت إسرائيل بواسطة ذلك كله بين 1948 و1967 نحو مليون دونم من الأراضي التي كانت بملكية الفلسطينيين الذين بقوا بعد النكبة.

لم تقلّ أهمية عن هذا كله في حينه، وربما الآن أكثر فأكثر، النتيجة التي خلص إليها شاحك من هذه المتابعة لجوهر الصهيونية، ومؤداها أن الصهاينة عندما يتحدثون عن تطلعاتهم إلى السلام فإنهم يكذبون على رؤوس الأشهاد. وختم تمهيده قائلاً: “منذ اللحظة التي يتوصّل فيها القارئ إلى هذه الحقيقة، تصبح الطريق إلى تحرّره وإلى تفكيره المستقل سالكة، وليصل كل واحد في ما بعد إلى استنتاجاته”.

واضح طبعاً أن شاحك يسعى إلى زيادة وعي الجمهور الإسرائيلي حيال جوهر الصهيونية. وليس مبالغة التقدير أنه يتطلّع إلى تجنيد هذا الجمهور ليس لتغيير السياسة الإسرائيلية الرسمية المؤدلجة صهيونياً، إنما بالأساس من أجل التحرّر من الصهيونية أصلاً.