إسرائيل تحاول التحكم في الحقائق التي تخرج من غزة من خلال قتل الصحفيين- مقال في الغارديان

إسرائيل تحاول التحكم في الحقائق التي تخرج من غزة من خلال قتل الصحفيين- مقال في الغارديان

نتناول في عرض صحف الاثنين قضايا متنوعة من سياسية إلى اقتصادية مروراً بقضايا اجتماعية تتعلق ببعض العادات والتقاليد.

نبدأ جولتنا من صحيفة الغارديان البريطانية التي قالت، في مقال كتبه فريق التحرير بها، إنه “في كل يوم يرتفع عدد القتلى، وتزداد جرائم الحرب، ويتصاعد الغضب بينما يطالب البابا بوقف ما أسماه ‘العقاب الجماعي’ لسكان غزة”.

وذكرت الصحيفة أن أكثر من 500 من أفراد طواقم العمل الأممية طالبوا المفوض السامي في الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك بتصنيف ما يحدث في غزة على أنه إبادة جماعية.

ورأت الصحيفة أن إسرائيل، وسط كل ذلك ووسط تردي الأوضاع الإنسانية وصعوبة أو في بعض الأحيان استحالة وصول المساعدات الإنسانية الضرورية إلى سكان القطاع الذين أصبح أغلبهم غير قادرين على مواصلة الحياة من ويلات الحرب، بدأت تنقل الحرب إلى مستوى جديد.

فبدلاً من أن تتراجع عن التصعيد العسكري، أعلنت إسرائيل غزة منطقة عمليات عسكرية، وبدأت في محاولة التحكم فيما يصل من معلومات عن الحرب إلى العالم.

وطالبت منظمة مراسلون بلا حدود ومنظمة “آفاز” غير الربحية، التي تدعم الناشطين في مختلف المجالات حول العالم، إسرائيل بالوفاء بالتزاماتها الدولية لحماية الصحفيين والمدنيين علاوة على فتح حدود غزة حتى يتمكن الصحفيون الدوليون من نقل ما يحدث على الأرض بحرية.

كما نشرت الغارديان أسماء صحفيين قُتلوا في غزة مثل فاطمة حسونة، حمزة الدحدوح، وأنس الشريف الذين ذكرتهم لجنة حماية الصحفيين. وهم بنات وأبناء وآباء وشقيقات وأشقاء وأصدقاء أعزاء للكثيرين.

ورغم أنها خسائر إنسانية وشخصية كبيرة، لكنها تمثل في نفس الوقت القضاء على جيل من الصحفيين لا يمكن تعويضه.

وقال مدير منظمة مراسلون بلا حدود تيبوت بروتين: “بالمعدل الحالي لمقتل الصحفيين في غزة على يد الجيش الإسرائيلي، لن يتبق أحد ليطلعكم على ما يحدث على الأرض”.

وأشارت الغارديان إلى أن الخطورة على حياة الصحفيين تزداد لأنه “بينما يفر الجميع من ويلات الحرب، يبقى الصحفيون في القطاع من أجل نقل ما يحدث”.

وقالت إن هناك عدداً كبيراً من الصحفيين، والعاملين في قطاع الإعلام، الذين قتلوا في غزة كانوا قد تلقوا تهديدات قبل قتلهم تحذرهم من عملهم الصحفي والإعلامي.

من هم أبرز الصحفيين الذين قُتلوا في حرب غزة منذ عام 2024؟

كيف تستقبل مدينة ويندسور الزفاف الملكي؟

خطة “ريفييرا الشرق الأوسط”

نازحون فلسطينيون
أعادت إسرائيل فرض حصار على قطاع غزة، في 2 آذار/آذار 2025، إذ منعت دخول جميع المساعدات الإنسانية والأدوية والسلع التجارية، بما فيها الوقود والغذاء.

ننتقل إلى صحيفة واشنطن بوست الأمريكية التي نشرت مقالا لكارين ديونغ وكاتي برون يتناول بالتفصيل خطة إدارة ترامب لتحويل قطاع غزة إلى منطقة تحت وصاية أمريكية لمدة 10 سنوات، بهدف تحويلها إلى مركز سياحي وصناعي وتكنولوجي متطور في الشرق الأوسط.

وتتضمن هذه الخطة إخلاءً مؤقتاً لسكان غزة البالغ عددهم أكثر من مليوني شخص، إما من خلال المغادرة “الطوعية” إلى دول أخرى أو نقلهم إلى مناطق آمنة داخل القطاع أثناء إعادة الإعمار.

كما تُصرف، بموجب هذه الخطة، تعويضات مالية للمغادرين بقيمة 5000 دولار نقداً علاوة على دعم إيجار لأربع سنوات، وبدل غذاء لسنة كاملة. ويمكن أيضاً لمن يرغبون في البقاء في القطاع الحصول على “عملات رقمية” تتيح لأصحابها إعادة تطوير ممتلكاتهم أو الحصول لاحقاً على شقق في “مدن ذكية” جديدة يتراوح عددها من ست إلى ثماني مدن.

وأثارت هذه الخطة، التي أُطلق عليها اسم “صندوق إعادة تشكيل وتنمية اقتصاد غزة” (GREAT Trust)، جدلاً واسع النطاق، خاصة مع رفض دول عربية لفكرة تهجير الفلسطينيين من غزة، ولو بصفة مؤقتة، وتعدد المقترحات الدولية حول مستقبل غزة بعد الحرب.

وأشارت كاتبتا المقال إلى أن هذه الخطة، المعروفة إعلامياً “بريفييرا الشرق الأوسط”، تأتي وسط حالة من التوترات وحساسية شديدة من قبل الدول العربية الرافضة للتهجير علاوة على غياب أي رؤية إسرائيلية لإدارة غزة ما بعد الحرب.

ولم يطرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أي خطة واضحة لغزة، سوى نزع سلاح حماس واستعادة الرهائن الإسرائيليين لدى حماس، مع الإصرار على بقاء السيطرة الأمنية الإسرائيلية.

وتقول إسرائيل إنها تسيطر على 75 في المئة من غزة وتخطط لاستكمال السيطرة عليها بينما يدعو وزراء من اليمين المتطرف إلى احتلال دائم وتهجير “طوعي” للفلسطينيين.

يأتي ذلك وسط حديث عن “نقل سكان غزة إلى دول ثالثة مثل ليبيا، وإثيوبيا، وجنوب السودان، وإندونيسيا، وجمهورية أرض الصومال، رغم أن معظمها يعاني من أزمات داخلية”، وفقاً للمقال.

ووسط الانتقادات الموجهة للخطة الأمريكية، أكد ترامب ونتنياهو أن أي تهجير سيكون “طوعياً ومؤقتاً” وسط استعدادات من قبل إسرائيل لهجوم جديد على غزة.

وأشارت الصحيفة أيضاً إلى أن الخطة تقترح وصاية أمريكية – إسرائيلية على غزة لعشر سنوات، دون الإشارة إلى إقامة دولة فلسطينية.

وأكدت أن التمويل سيكون من مستثمرين دوليين، باستخدام أراضي عامة كضمان، وسط مخاوف من “الاستيلاء” على الأراضي. وتضمنت خطة ترامب أن يكون الأمن الداخلي تحت إشراف شركات أجنبية خاصة في البداية، ثم يُنقل تدريجياً إلى شرطة محلية.

وتتجاهل الخطة تماماً الموقف العربي الداعم لإقامة دولة فلسطينية، إذ تلتزم السعودية ودولة الإمارات علناً بالاقتراح المصري بشأن غزة وإقامة الدولة الفلسطينية في نهاية المطاف.

هل يمكن أن يقبل الفلسطينيون بدعوات الهجرة عن غزة؟

لماذا ألغى محمود عباس نظام دفع الأموال “لعائلات الأسرى والشهداء والجرحى”؟

وداعاً ثوب الزفاف الفخم

ثوب زفاف
بدأ اتجاه في بريطانيا إلى ارتداء العروسين ملابس بسيطة أثناء حفل الزفاف

ومن عالم السياسة إلى حفلات الزفاف في بريطانيا، إذ رصدت صحيفة التلغراف البريطانية تغيراً كبيراً في مراسم الزفاف يتمثل في ارتداء ثياب بسيطة أثناء حفلات الزفاف.

تشهد بريطانيا تحولاً واضحاً في ثقافة الزواج، إذ تتجه العرائس المعاصرات نحو حفلات زفاف بسيطة وغير تقليدية بعيداً عن المراسم الكلاسيكية التقليدية وثياب الزفاف الفخمة.

وأصبح الزواج في مكاتب التسجيل، يليه استقبال في حانة محلية أو حديقة منزلية من الخيارات الشائعة بين الشخصيات العامة والمبدعين، وهو ما قد يكون مدفوعاً برغبة في توفير التكاليف.

وأصبح ثوب الزفاف القصير هو المفضل لدى العرائس مع ارتداء ملابس من إنتاج علامات تجارية متوسطة الثمن مثل “فيفيان ويسوود” و”ريفوميشن”.

وبلغ هذا الاتجاه نحو مراسم الزفاف البسيطة مداه، إذ أصبح بعض الأزواج يميلون إلى ارتداء سترات رسمية للرجال وفساتين ملونة للنساء أثناء حفلات الزفاف حتى يتسنى لهم الاحتفاظ بها لارتدائها بعد الزفاف.

ويعكس ذلك، إضافة إلى توفير النفقات، رغبة في التعبير عن الذات بعيداً عن القوالب التقليدية كما أنه يأخذ بعين الاعتبار الظروف الاقتصادية الراهنة التي دفعت الكثيرين لتقليص ميزانيات حفلات الزفاف.

لذلك، لم يعد الزفاف مناسبة لمآذارة البذخ واستعراض الثياب باهظة الثمن، بل لحظة شخصية تعبر عن أسلوب العروس وقيمها.

و سواء أُقيم الزفاف في قاعة محلية، على متن قارب، أو في على شكل احتفال بسيط على الشاطئ، فإن العروس الحديثة تختار ما يناسبها، لا ما يُتوقع منها. ويعكس هذا التغيير تزايد الثقة لدى الأجيال الحالية في خطواتهم التي تستهدف كسر العادات والتقاليد المتوارثة والاحتفاء بالبساطة والخصوصية.

حرب العوالم: الأكثر مشاهدة والأسوأ تقييماً

حرب العوالم: الأكثر مشاهدة والأسوأ تقييماً

أتاحت خدمة أمازون برايم في نهاية شهر تموز/تموز الماضي فيلم The War of Worlds (حرب العوالم) للمشتركين قاطبة، حتى ممن هم ضمن الفترة التجريبية المجّانية، جاء ذلك بعد إعلان خجول عن الفيلم ظهر من العدم قبل ذلك بأسبوع. وخلال الأسبوع الأول من إصداره اعتلى الفيلم قوائم المشاهدة، لكن العثرة البسيطة كانت حصوله على تقييمات نقدية وجماهيرية منخفضة كالآتي: 2% على Rotten Tomatoes و2.5/10 على IMDb و1/5 على Letterboxd.
الفيلم الذي أنتجته “يونيفرسال” إبّان الحجر المنزلي خلال وباء كورونا لم يكن يحظى بعنوان، بل اعتُمد مشروعاً للمخرج تيمور بيكمامبيتوف الذي تولّى إنتاجه، وأسند الإخراج إلى ريتش لي الآتي من عالم الفيديو كليب. غابت الأخبار بعد ذلك عن المشروع، قبل أن يظهر باسمه المستمدّ من رواية بنفس الاسم لإتش جي ويلس.
لعلّ بيكمامبيتوف أحد عرّابي نوع Screenlife في السينما، وعمل خلال السنوات الماضية منتجاً لعدّة أفلام تنتهج الروي عبر شاشات الأجهزة الإلكترونيّة، لم يشكّل النموذج التجريبي علامةً فارقة، ودارت هذه الأفلام في فلك العلاقات التي تصوغها عوالم شبكات التواصل الاجتماعي، ومنها Searching وUnfriended كما أخرج بيكمامبيتوف فيلم Profile الذي يتعقّب تجنيد صحافية بريطانية ضمن صفوف “داعش”.
بدأ المشروع واعداً في ظلّ القيود المفروضة على التجمّع والاحترازات المرتبطة بتفشّي فيروس كورونا، وكان بمثابة فيلم إثارةٍ ضخم بميزانية حلقة تلفزيونية. يستعرض “حرب العوالم” غزو الفضائيين عبر شاشة الشخصية الرئيسية، بينما يحادث مرؤوسيه في العمل وأفراد عائلته. قدّم مغنّي الراب آيس كيوب شخصيّة محلّل في الأمن الوطني وشاركته البطولة إيفا لونغوريا وإيمان بينسون، وسط فيض من برامج التواصل والمكالمات الفائتة والواردة، ليأتي الفيلم هزيلاً لا يصل حتّى إلى حدّ المتعة المضحكة نظراً إلى سوئه.
تنقسم الشاشة مربّعات صغيرة، ولا تفيد التعابير المحدودة للكادر التمثيلي وصراخهم في إدماج المُشاهد، عدا عن تفكّك السرد وكثرة المواضيع التي يحاول الفيلم ادّعاءها؛ من الخصوصية إلى الرقابة الحكومية والعدو الغازي، من دون أهداف واضحة. ويخلو الفيلم من مقولةٍ يتبنّاها أو ينقدها تجاه هذه المواضيع.
لا يوجد رابط بين الفيلم والرواية المنشورة عام 1898 باستثناء مجيء كائنات فضائيّة ومحاولة مواجهتها من الجيوش الأرضيّة. اللافت أن الرواية خرجت من حقل حقوق الملكية منذ عام 2017 بعد مرور 70 عاماً على رحيل مؤلفها، وبذلك أُنجزت مواصفات الفيلم بما يناسب قالب المحتوى التدفقي؛ عنوانٌ مألوف ووجهٌ له متابعون كثيرون، إضافة إلى ميزانية ضئيلة.
الرواية واحدة من الأعمال كثيرة الاقتباس، وفي طليعتها المسلسل الإذاعي الذي صنعه أورسون ويلز في ثلاثينيات القرن الماضي. حينها، سبب الأمر ذعراً لبعض المستمعين ممن اقتنعوا لوهلة بغزو الفضائيين. ويحتلّ فيلم الخمسينيات لبايرون هاسكين مكانة محبّبة لمريدي الأفلام الكلاسيكيّة رغم نهايته التبشيريّة، وعانى فيلم “سبيلبرغ” عام 2005 من بطولة توم كروز من انقسام الآراء بشأنه، كذلك بين الحين والآخر تظهر مسلسلات متوسطة المستوى مستوحاةٌ من ذات الأصل الأدبي.
في الاقتباسات العديدة، يفنى المريخيّون لعدم قدرتهم على التكيّف مع الميكروبات الأرضيّة، أمّا الاقتباس الجديد فلا يوضح أصل الفضائيّين، وقدّم للغزو هدفاً يتعلق بسرقة المعلومات من كبرى قواعد البيانات على الكوكب، قبل أن يقضي عليهم فيروس حيويّ رقميّ بمساعدةٍ جليلة من خدمات آمازون للتوصيل.
تشي الدقائق الأولى من الفيلم بماهيّته وإيقاعه الذي لن يتبدّل. لدينا محلّل البيانات الذي يتجسس على أولاده بدافع الاهتمام، ويؤدي مهامه التي لا تحتاج سوى قائمة منسدلة تظهر بنقرة أو نقرتين على حاسوبه، وتمكّنه من صلاحياتٍ لا حصر لها من التجسّس والمراقبة والتحكّم.
لاقى الفيلم استياءً كبيراً نتيجة إغراقه بالمنتجات الحاضرة جزءاً من الحبكة، فتتكرّر الواجهات؛ فيس تايم وواتساب ومايكروسوفت تيمز وغيرها، من دون نجاح أيّ من محاولات صناعة الإثارة والترقّب، أشدّها كان عندما انقلبت درون توصيل الطلبات واحتاجت عاملاً بشريّاً ليعدّل وضعيتها، بعد إقناع أحد المختبئين بالمهمّة مقابل كوبونٍ مجاني من أمازون.
يزيد الأمر سوءاً تقنيات الـCGI المستخدمة في إظهار مركبات الفضائيين بجودة سيئة، وزوايا التصوير الهلعة التي تتقاسم مشاهد الفيلم مع مشاهد إخباريّة متنوعة لحركة الجيوش، يقترب الفيلم بدقائق معيّنة من كونه محض تقليب خاطف للفيديوهات القصيرة على شاشة موبايل.
توضح هذه الجزئية فداحة البناء المنطقي للفيلم؛ ففي حين يمضي الوقت مع الشخصيات ضمن الفضاء الزمني الحقيقي، لا يمكن اعتبار الأحداث التي تنقلها النشرات الإخبارية قابلة للحصول في حيّز زمنيّ لا يجتاز 90 دقيقة.

شهدت الأشهر الفائتة تغيّراً واضحاً في نهج أمازون برايم الإنتاجي، لتقليل النفقات بعد عقد من الإنفاق السخيّ، فهوت بمقصلة الإلغاء على بعض مسلسلاتها المُكلفة مثل اشتقاقات مسلسل Citadel، ومسلسلها الملحمي The Wheel of Time بعد ثلاثة مواسم لم تصنع تأثيراً في الثقافة الشعبية. وأعلنت الشبكة في شهر آذار/آذار آخر حلولها لتغطية النفقات الكبرى باللجوء إلى توزيع بعض الأعمال المكلفة عبر البث التلفزيوني التقليدي، وهذا ما سيشهده الموسم القادم من The Rings of Power إصدار أمازون عن سلسلة ملك الخواتم، وهو العمل الأكثر كلفة في التاريخ.

حرب العوالم: الأكثر مشاهدة والأسوأ تقييماً

حرب العوالم: الأكثر مشاهدة والأسوأ تقييماً

أتاحت خدمة أمازون برايم في نهاية شهر تموز/تموز الماضي فيلم The War of Worlds (حرب العوالم) للمشتركين قاطبة، حتى ممن هم ضمن الفترة التجريبية المجّانية، جاء ذلك بعد إعلان خجول عن الفيلم ظهر من العدم قبل ذلك بأسبوع. وخلال الأسبوع الأول من إصداره اعتلى الفيلم قوائم المشاهدة، لكن العثرة البسيطة كانت حصوله على تقييمات نقدية وجماهيرية منخفضة كالآتي: 2% على Rotten Tomatoes و2.5/10 على IMDb و1/5 على Letterboxd.
الفيلم الذي أنتجته “يونيفرسال” إبّان الحجر المنزلي خلال وباء كورونا لم يكن يحظى بعنوان، بل اعتُمد مشروعاً للمخرج تيمور بيكمامبيتوف الذي تولّى إنتاجه، وأسند الإخراج إلى ريتش لي الآتي من عالم الفيديو كليب. غابت الأخبار بعد ذلك عن المشروع، قبل أن يظهر باسمه المستمدّ من رواية بنفس الاسم لإتش جي ويلس.
لعلّ بيكمامبيتوف أحد عرّابي نوع Screenlife في السينما، وعمل خلال السنوات الماضية منتجاً لعدّة أفلام تنتهج الروي عبر شاشات الأجهزة الإلكترونيّة، لم يشكّل النموذج التجريبي علامةً فارقة، ودارت هذه الأفلام في فلك العلاقات التي تصوغها عوالم شبكات التواصل الاجتماعي، ومنها Searching وUnfriended كما أخرج بيكمامبيتوف فيلم Profile الذي يتعقّب تجنيد صحافية بريطانية ضمن صفوف “داعش”.
بدأ المشروع واعداً في ظلّ القيود المفروضة على التجمّع والاحترازات المرتبطة بتفشّي فيروس كورونا، وكان بمثابة فيلم إثارةٍ ضخم بميزانية حلقة تلفزيونية. يستعرض “حرب العوالم” غزو الفضائيين عبر شاشة الشخصية الرئيسية، بينما يحادث مرؤوسيه في العمل وأفراد عائلته. قدّم مغنّي الراب آيس كيوب شخصيّة محلّل في الأمن الوطني وشاركته البطولة إيفا لونغوريا وإيمان بينسون، وسط فيض من برامج التواصل والمكالمات الفائتة والواردة، ليأتي الفيلم هزيلاً لا يصل حتّى إلى حدّ المتعة المضحكة نظراً إلى سوئه.
تنقسم الشاشة مربّعات صغيرة، ولا تفيد التعابير المحدودة للكادر التمثيلي وصراخهم في إدماج المُشاهد، عدا عن تفكّك السرد وكثرة المواضيع التي يحاول الفيلم ادّعاءها؛ من الخصوصية إلى الرقابة الحكومية والعدو الغازي، من دون أهداف واضحة. ويخلو الفيلم من مقولةٍ يتبنّاها أو ينقدها تجاه هذه المواضيع.
لا يوجد رابط بين الفيلم والرواية المنشورة عام 1898 باستثناء مجيء كائنات فضائيّة ومحاولة مواجهتها من الجيوش الأرضيّة. اللافت أن الرواية خرجت من حقل حقوق الملكية منذ عام 2017 بعد مرور 70 عاماً على رحيل مؤلفها، وبذلك أُنجزت مواصفات الفيلم بما يناسب قالب المحتوى التدفقي؛ عنوانٌ مألوف ووجهٌ له متابعون كثيرون، إضافة إلى ميزانية ضئيلة.
الرواية واحدة من الأعمال كثيرة الاقتباس، وفي طليعتها المسلسل الإذاعي الذي صنعه أورسون ويلز في ثلاثينيات القرن الماضي. حينها، سبب الأمر ذعراً لبعض المستمعين ممن اقتنعوا لوهلة بغزو الفضائيين. ويحتلّ فيلم الخمسينيات لبايرون هاسكين مكانة محبّبة لمريدي الأفلام الكلاسيكيّة رغم نهايته التبشيريّة، وعانى فيلم “سبيلبرغ” عام 2005 من بطولة توم كروز من انقسام الآراء بشأنه، كذلك بين الحين والآخر تظهر مسلسلات متوسطة المستوى مستوحاةٌ من ذات الأصل الأدبي.
في الاقتباسات العديدة، يفنى المريخيّون لعدم قدرتهم على التكيّف مع الميكروبات الأرضيّة، أمّا الاقتباس الجديد فلا يوضح أصل الفضائيّين، وقدّم للغزو هدفاً يتعلق بسرقة المعلومات من كبرى قواعد البيانات على الكوكب، قبل أن يقضي عليهم فيروس حيويّ رقميّ بمساعدةٍ جليلة من خدمات آمازون للتوصيل.
تشي الدقائق الأولى من الفيلم بماهيّته وإيقاعه الذي لن يتبدّل. لدينا محلّل البيانات الذي يتجسس على أولاده بدافع الاهتمام، ويؤدي مهامه التي لا تحتاج سوى قائمة منسدلة تظهر بنقرة أو نقرتين على حاسوبه، وتمكّنه من صلاحياتٍ لا حصر لها من التجسّس والمراقبة والتحكّم.
لاقى الفيلم استياءً كبيراً نتيجة إغراقه بالمنتجات الحاضرة جزءاً من الحبكة، فتتكرّر الواجهات؛ فيس تايم وواتساب ومايكروسوفت تيمز وغيرها، من دون نجاح أيّ من محاولات صناعة الإثارة والترقّب، أشدّها كان عندما انقلبت درون توصيل الطلبات واحتاجت عاملاً بشريّاً ليعدّل وضعيتها، بعد إقناع أحد المختبئين بالمهمّة مقابل كوبونٍ مجاني من أمازون.
يزيد الأمر سوءاً تقنيات الـCGI المستخدمة في إظهار مركبات الفضائيين بجودة سيئة، وزوايا التصوير الهلعة التي تتقاسم مشاهد الفيلم مع مشاهد إخباريّة متنوعة لحركة الجيوش، يقترب الفيلم بدقائق معيّنة من كونه محض تقليب خاطف للفيديوهات القصيرة على شاشة موبايل.
توضح هذه الجزئية فداحة البناء المنطقي للفيلم؛ ففي حين يمضي الوقت مع الشخصيات ضمن الفضاء الزمني الحقيقي، لا يمكن اعتبار الأحداث التي تنقلها النشرات الإخبارية قابلة للحصول في حيّز زمنيّ لا يجتاز 90 دقيقة.

شهدت الأشهر الفائتة تغيّراً واضحاً في نهج أمازون برايم الإنتاجي، لتقليل النفقات بعد عقد من الإنفاق السخيّ، فهوت بمقصلة الإلغاء على بعض مسلسلاتها المُكلفة مثل اشتقاقات مسلسل Citadel، ومسلسلها الملحمي The Wheel of Time بعد ثلاثة مواسم لم تصنع تأثيراً في الثقافة الشعبية. وأعلنت الشبكة في شهر آذار/آذار آخر حلولها لتغطية النفقات الكبرى باللجوء إلى توزيع بعض الأعمال المكلفة عبر البث التلفزيوني التقليدي، وهذا ما سيشهده الموسم القادم من The Rings of Power إصدار أمازون عن سلسلة ملك الخواتم، وهو العمل الأكثر كلفة في التاريخ.

حرب العوالم: الأكثر مشاهدة والأسوأ تقييماً

حرب العوالم: الأكثر مشاهدة والأسوأ تقييماً

أتاحت خدمة أمازون برايم في نهاية شهر تموز/تموز الماضي فيلم The War of Worlds (حرب العوالم) للمشتركين قاطبة، حتى ممن هم ضمن الفترة التجريبية المجّانية، جاء ذلك بعد إعلان خجول عن الفيلم ظهر من العدم قبل ذلك بأسبوع. وخلال الأسبوع الأول من إصداره اعتلى الفيلم قوائم المشاهدة، لكن العثرة البسيطة كانت حصوله على تقييمات نقدية وجماهيرية منخفضة كالآتي: 2% على Rotten Tomatoes و2.5/10 على IMDb و1/5 على Letterboxd.
الفيلم الذي أنتجته “يونيفرسال” إبّان الحجر المنزلي خلال وباء كورونا لم يكن يحظى بعنوان، بل اعتُمد مشروعاً للمخرج تيمور بيكمامبيتوف الذي تولّى إنتاجه، وأسند الإخراج إلى ريتش لي الآتي من عالم الفيديو كليب. غابت الأخبار بعد ذلك عن المشروع، قبل أن يظهر باسمه المستمدّ من رواية بنفس الاسم لإتش جي ويلس.
لعلّ بيكمامبيتوف أحد عرّابي نوع Screenlife في السينما، وعمل خلال السنوات الماضية منتجاً لعدّة أفلام تنتهج الروي عبر شاشات الأجهزة الإلكترونيّة، لم يشكّل النموذج التجريبي علامةً فارقة، ودارت هذه الأفلام في فلك العلاقات التي تصوغها عوالم شبكات التواصل الاجتماعي، ومنها Searching وUnfriended كما أخرج بيكمامبيتوف فيلم Profile الذي يتعقّب تجنيد صحافية بريطانية ضمن صفوف “داعش”.
بدأ المشروع واعداً في ظلّ القيود المفروضة على التجمّع والاحترازات المرتبطة بتفشّي فيروس كورونا، وكان بمثابة فيلم إثارةٍ ضخم بميزانية حلقة تلفزيونية. يستعرض “حرب العوالم” غزو الفضائيين عبر شاشة الشخصية الرئيسية، بينما يحادث مرؤوسيه في العمل وأفراد عائلته. قدّم مغنّي الراب آيس كيوب شخصيّة محلّل في الأمن الوطني وشاركته البطولة إيفا لونغوريا وإيمان بينسون، وسط فيض من برامج التواصل والمكالمات الفائتة والواردة، ليأتي الفيلم هزيلاً لا يصل حتّى إلى حدّ المتعة المضحكة نظراً إلى سوئه.
تنقسم الشاشة مربّعات صغيرة، ولا تفيد التعابير المحدودة للكادر التمثيلي وصراخهم في إدماج المُشاهد، عدا عن تفكّك السرد وكثرة المواضيع التي يحاول الفيلم ادّعاءها؛ من الخصوصية إلى الرقابة الحكومية والعدو الغازي، من دون أهداف واضحة. ويخلو الفيلم من مقولةٍ يتبنّاها أو ينقدها تجاه هذه المواضيع.
لا يوجد رابط بين الفيلم والرواية المنشورة عام 1898 باستثناء مجيء كائنات فضائيّة ومحاولة مواجهتها من الجيوش الأرضيّة. اللافت أن الرواية خرجت من حقل حقوق الملكية منذ عام 2017 بعد مرور 70 عاماً على رحيل مؤلفها، وبذلك أُنجزت مواصفات الفيلم بما يناسب قالب المحتوى التدفقي؛ عنوانٌ مألوف ووجهٌ له متابعون كثيرون، إضافة إلى ميزانية ضئيلة.
الرواية واحدة من الأعمال كثيرة الاقتباس، وفي طليعتها المسلسل الإذاعي الذي صنعه أورسون ويلز في ثلاثينيات القرن الماضي. حينها، سبب الأمر ذعراً لبعض المستمعين ممن اقتنعوا لوهلة بغزو الفضائيين. ويحتلّ فيلم الخمسينيات لبايرون هاسكين مكانة محبّبة لمريدي الأفلام الكلاسيكيّة رغم نهايته التبشيريّة، وعانى فيلم “سبيلبرغ” عام 2005 من بطولة توم كروز من انقسام الآراء بشأنه، كذلك بين الحين والآخر تظهر مسلسلات متوسطة المستوى مستوحاةٌ من ذات الأصل الأدبي.
في الاقتباسات العديدة، يفنى المريخيّون لعدم قدرتهم على التكيّف مع الميكروبات الأرضيّة، أمّا الاقتباس الجديد فلا يوضح أصل الفضائيّين، وقدّم للغزو هدفاً يتعلق بسرقة المعلومات من كبرى قواعد البيانات على الكوكب، قبل أن يقضي عليهم فيروس حيويّ رقميّ بمساعدةٍ جليلة من خدمات آمازون للتوصيل.
تشي الدقائق الأولى من الفيلم بماهيّته وإيقاعه الذي لن يتبدّل. لدينا محلّل البيانات الذي يتجسس على أولاده بدافع الاهتمام، ويؤدي مهامه التي لا تحتاج سوى قائمة منسدلة تظهر بنقرة أو نقرتين على حاسوبه، وتمكّنه من صلاحياتٍ لا حصر لها من التجسّس والمراقبة والتحكّم.
لاقى الفيلم استياءً كبيراً نتيجة إغراقه بالمنتجات الحاضرة جزءاً من الحبكة، فتتكرّر الواجهات؛ فيس تايم وواتساب ومايكروسوفت تيمز وغيرها، من دون نجاح أيّ من محاولات صناعة الإثارة والترقّب، أشدّها كان عندما انقلبت درون توصيل الطلبات واحتاجت عاملاً بشريّاً ليعدّل وضعيتها، بعد إقناع أحد المختبئين بالمهمّة مقابل كوبونٍ مجاني من أمازون.
يزيد الأمر سوءاً تقنيات الـCGI المستخدمة في إظهار مركبات الفضائيين بجودة سيئة، وزوايا التصوير الهلعة التي تتقاسم مشاهد الفيلم مع مشاهد إخباريّة متنوعة لحركة الجيوش، يقترب الفيلم بدقائق معيّنة من كونه محض تقليب خاطف للفيديوهات القصيرة على شاشة موبايل.
توضح هذه الجزئية فداحة البناء المنطقي للفيلم؛ ففي حين يمضي الوقت مع الشخصيات ضمن الفضاء الزمني الحقيقي، لا يمكن اعتبار الأحداث التي تنقلها النشرات الإخبارية قابلة للحصول في حيّز زمنيّ لا يجتاز 90 دقيقة.

شهدت الأشهر الفائتة تغيّراً واضحاً في نهج أمازون برايم الإنتاجي، لتقليل النفقات بعد عقد من الإنفاق السخيّ، فهوت بمقصلة الإلغاء على بعض مسلسلاتها المُكلفة مثل اشتقاقات مسلسل Citadel، ومسلسلها الملحمي The Wheel of Time بعد ثلاثة مواسم لم تصنع تأثيراً في الثقافة الشعبية. وأعلنت الشبكة في شهر آذار/آذار آخر حلولها لتغطية النفقات الكبرى باللجوء إلى توزيع بعض الأعمال المكلفة عبر البث التلفزيوني التقليدي، وهذا ما سيشهده الموسم القادم من The Rings of Power إصدار أمازون عن سلسلة ملك الخواتم، وهو العمل الأكثر كلفة في التاريخ.

من يُعلم الصم في غزة كيف يستشعرون أصوات القصف؟

من يُعلم الصم في غزة كيف يستشعرون أصوات القصف؟

يمضي فضل كراز معلم لغة الإشارة من مكان لآخر حسبما يقدر في قطاع غزة المدمر، محاولاً الوصول إلى من يعرفهم من ذوي الإعاقة السمعية. يصل فضل إلى خيمة إيمان شلح أو أم محمد، التي تحكي لنا عن أبنائها الصم أيضاً، بلغة إشارة يترجمها لنا فضل: “أخاف عليهم كثيراً… لو هناك قصف قريب لا يسمعونه وبالتالي من الممكن أن يتعرضوا للأذى”.

بهذه الكلمات البسيطة والموجعة اختزلت إيمان شلح مأساة 20 ألف شخص من فاقدي السمع في قطاع غزة بحسب منظمة الصحة العالمية. بالنسبة لهؤلاء، الخطر لا يُسمع مقدما، بل يظهر فجأة، تاركاً إياهم الفئة الأكثر هشاشة وعرضة للأذى.

مأساة إيمان ليست فقط في أنها فاقدة للسمع، ولا تستطيع سماع أصوات القصف والانفجارات لحماية نفسها وأبنائها منه، بل في أنها فقدت زوجها المعيل الوحيد للعائلة في هذه الحرب، وفقدت معه ابنتها، لتجد نفسها وحيدة في خيمة نزوح في مدينة غزة، مع ثلاثة أطفال، اثنان منهم فاقدان للسمع مثلها.

  • فضل كراز يرافق الصم والبكم في غزة ويعلمهم استشعار خطر القصف الذي لا يسمعون صوته

تواصل إيمان وصف معاناتها اليومية قائلة: “ما نعيشه في الحرب صعب صعب جدًا، أحاول أن أصرخ على أبنائي إذا رأيتهم يحاولون مغادرة الخيمة، لكن الصرخة لا تخرج مني لأنني لا أتحدث، ولا تصل لهم لأنهم لا يسمعون، هذا الخوف الدائم يجبرني على إبقائهم سجناء في مساحتهم الضيقة داخل الخيمة، خوفًا من عالم خارجي لا يستطيعون فك شفرة مخاطره الصوتية، دائما ما أسأل نفسي: إذا تركتهم يخرجون، وكان هناك قصف لا نسمع صوته، ماذا سيحدث لهم؟

أذن من لا يسمع

من رحم هذه المعاناة ولد دور فضل الذي يعمل في مجال تعليم لغة الإشارة في عدة جمعيات خيرية في قطاع غزة منذ 33 عاماً، ومع اندلاع الحرب، تطوع لمساعدة هذه الفئة بالمجان، ولم يتردد لحظة في تقديم خدماته.

يقول فضل: “عملي الطويل في مجال لغة الإشارة خلق علاقة وطيدة بيني وبين الصم والبكم، وأصبحت ارتاد مخيمات النزوح، وأقوم بزيارات لهم، كي أعلمهم بعض النصائح والتعليمات المنقذة للحياة، مثل كيفية تمييز وقت القصف من حركات المحيطين”.

ويضيف: “الاستجابة المثلى التي يجب أن يفعلوها في هذا الوقت للنجاة والحفاظ على حياتهم، كذلك بادرت بفكرة تعليم الأشخاص المحيطين بالصم والبكم في مخيمات النزوح أساسيات لغة الإشارة، كي يكونوا قادرين على التواصل معهم وإنقاذهم وقت الحاجة”.

  • “الأطفال ينامون على بطون فارغة”، شهادات تكشف تفاقم المجاعة في قطاع غزة المنكوب

ويضيف فضل: “من بين من أعرفهم جيداً أم محمد وأبنائها، بدأت معرفتي بها حينما رأيتها ترتاد إحدى الجمعيات التي أعمل بها طلبا للمساعدة، فرق قلبي لحالها، خاصة بعدما خسرت معيلها الوحيد، فهذا هو أكثر وقت تحتاج فيه لمن يمد لها ولصغارها يد العون”.

يدرك فضل أن التحديات التي نتجت عن الحرب تتجاوز خطر القصف المباشر، فهي تمس أبسط تفاصيل الحياة، ويروي لنا موقفًا يكشف مدى عمق الأزمة: “في إطار مبادرتي لزيارة النازحين من الصم والبكم، وتقديم يد العون لهم، عندما كنت أزور أم محمد و أبنائها يوماً في خيمتهم داخل إحدى المدارس التي تحولت لدار إيواء، كانت درجات الحرارة مرتفعة للغاية، فطلبت منها شربة ماء، فصدمتني بقولها إنه لا يوجد لديها ولا لدى صغارها قطرة ماء”.

عندما سألتها عن السبب أخبرتني أن السيارة المخصصة لنقل وتوزيع المياه حينما تصل للمخيم، يقوم سائقها بالضغط على بوقها أكثر من مرة لتنبيه النازحين، فيتزاحمون بدورهم للحصول على المياه، أما أنا فلا أسمع صوت البوق، وبالتالي دائما ما يفوتني نصيبي من مياه الشرب”، وفق فضل.

فضل كراز معلم لغة الإشارة مع عائلة أم محمد
فضل كراز معلم لغة الإشارة مع عائلة أم محمد

يضيف مدرب الإشارة: “هذا الوضع كان يجعل أم محمد مضطرة للذهاب لخيام جيرانها النازحين، وسؤالهم بعض الماء، ما أثر في بشكل عميق، وجعلني أفكر في إيجاد طريقة لمساعدتها، ومن هنا جاءت مبادرتي بتعليم جيران الصم والبكم أساسيات لغة الإشارة، كي يتواصلوا مع أم محمد وينبهونها بقدوم صهريج المياه لتأخذ حصتها منها، كذلك أحرص على الحضور بنفسي أحيانا لأعبئ لها ما تحتاجه من مياه، لكنني لا أقوى على فعل هذا دائما، فكان الحل الأمثل هو إيجاد لغة تواصل بينها وبين الآخرين.”

  • “غزة لم تعد جحيماً فقط، بل أصبحت أسوأ”

من هنا، بات دور فضل كراز لا يقتصرعلى التواصل، بل يمتد لتعليم استراتيجيات البقاء، يقول عنه الطفل محمد شلح البالغ من العمر 12 عاما بوعي يفوق عمره: “الأستاذ فضل علمني الكثير، علمني عندما أشاهد الناس تجري وقت القصف ألا أخرج إلى الشارع، وأظل في مكاني حتى يكون المكان آمنًا لأنني لا أسمع، أنا لا أستطيع تخيل مصيري أنا وأمي وأختي في هذه الحرب إن لم يكن الأستاذ فضل موجودا”.

ورغم إدراكه للخطر المحيط، يصر فضل على مواصلة الطريق الذي اختاره لنفسه، كمتطوع لغة إشارة في هذه الحرب، يقول عن اختياره: “أحيانًا وأنا في الطريق لزيارة أسرة نازح من الصم والبكم، تراودني أفكار مثل: ماذا لو حدث قصف هنا أو هناك؟ بالتأكيد أشعر بالخوف”.

“لكن ثمة شعور آخر يزاحم الخوف بداخلي، شعور بالرغبة الحقيقية في تنفيذ هذه المبادرة، في إنقاذ هؤلاء البشر، وإن كان على تعريض حياتي للخطر أن ذهبت لمكان ما، فالخطر في قطاع غزة كله”، بحسب فضل.

“أطفالنا للصم”: يد تساعد من تحت الركام

فعاليات في "جمعية أطفالنا للصم"
فعاليات في “جمعية أطفالنا للصم”

هذا الصمود الفردي لفضل كراز تدعمه جهود مؤسسية، تكاد تكون الوحيدة الصامدة في غزة، “جمعية أطفالنا للصم” التي لم تكن مجرد جمعية من جمعيات المجتمع المدني، بل كانت شريان حياة لهذه الفئة، فهي الوحيدة التي ما زالت تقدم خدماتها لفاقدي السمع في قطاع غزة، رغم تعرض مقرها للقصف.

يؤكد مدير الجمعية فادي عابد ل بي بي سي، أن الجمعية واجهت نفس مصير الكثيرين: “مقرنا، حاله كحال باقي المؤسسات، تعرض لضرر بالغ جدًا أدى إلى توقف الخدمات”.

لكن الإرادة كانت أقوى من الدمار، حيث يضيف عابد: “نظرًا للحاجة الكبيرة، تمكنت جمعية “أطفالنا للصم” من إيجاد مكان جديد لاستمرار عملها وعدم توقف الخدمات الأساسية، هذا الإصرار على البقاء لم يكن مجرد رد فعل، بل كان فلسفة عمل في وجه حرب طويلة المدى، ولا نعلم متى ستضع أوزارها، وإصرار الناس على البقاء والعودة للروتين اليومي، كان دافعاً أساسياً لنا، رغم اقتراب الحرب من عامها الثاني.”

  • ما تداعيات احتلال إسرائيلي كامل لغزة على سكانها وحماس؟

أمام واقع المدارس المدمرة ومراكز الإيواء المكتظة، ابتكرت الجمعية حلولاً من رحم الأزمة كما يقول مديرها: “البديل كان إيجاد نقاط تعليمية أو صفوف دراسية في الخيام لتعليم الصم والبكم، والأمر الأكثر إلهامًا، هو أن من قام بتجهيز هذه الفصول، هم الأشخاص ذوو الإعاقة أنفسهم”.

وتابع: “بعد أن فقدوا فرص عملهم بسبب الحرب، قمنا بإعادة استيعابهم وتأهيل الورش اللازمة لهم، هم من قاموا بتصنيع الأثاث والطاولات والكراسي للطلاب، ليكونوا نموذجًا وقصة صمود يحتذى بها، وهؤلاء الطلاب كانوا قبل الحرب من المترددين على الجمعية، وممن حصلوا بداخل أروقتها على العديد من الأنشطة التعليمية التي مكنتهم من أداء مهمتهم في الحرب بنجاح”.

فعاليات في "جمعية أطفالنا للصم"
فعاليات في “جمعية أطفالنا للصم”

خلف هذه القصص الإنسانية، يسلط فادي عابد الضوء على أرقام وصفها بالصادمة، حسب مسوحات ميدانية قامت بها الجمعية، تكشف عن أزمة صحية متفاقمة يعانيها فاقدو السمع في قطاع غزة، فبحسب الجمعية، هناك35 ألف شخص في غزة، بينهم أطفال وبالغون، يعانون من فقدان السمع بشكل مؤقت أو دائم نتيجة الانفجارات المتواصلة، والتلوث البيئي، وغياب الرعاية الطبية اللازمة.

كما تضاعف معدل الإصابات بمشاكل السمع ثلاث مرات -بحسب جمعية “أطفالنا للصم”- عما كان عليه قبل الحرب، إضافة إلى ارتفاع ملحوظ في مشاكل السمع لدى الأطفال حديثي الولادة الذين وُلدوا أثناء الحرب، ما يتطلب تدخلات عاجلة.

  • “ما الجملة الأخيرة التي قالها لك قبل أن يستشهد”؟ غزيون يستحضرون كلمات وداع أحبتهم

كما تشير مسوحات الجمعية بحسب مديرها فادي عابد، إلى أن 83% من ذوي الإعاقة السمعية فقدوا أدواتهم المساعدة، كالسماعات الطبية، نتيجة النزوح المتكرر وعدم وجود صيانة أو قطع غيار، ويزيد الطين بلة، بحسب عابد، منع إسرائيل لدخول أدوات مساعدة جديدة إلى القطاع، رغم الحاجة الماسة لها.

تتشابك خيوط هذه القصة لترسم لوحة واقعية لواقع الصامتين في الحرب التي يشهدها قطاع غزة، الأم إيمان التي تحاول أن تكون درعاً حامياً لأطفالها، والطفل محمد الذي يواجه الخطر بوعي بصري نافذ، ومدرب لغة الإشارة فضل الذي يمد جسور التواصل بيديه لكل من يحتاجه، وفادي الذي يقود مؤسسة تحاول إعادة بناء الحياة من تحت أنقاض الحرب، جميعهم بدوره ومن موقعه يروي فصلاً مختلفاً من فصول الحرب، وشهادات حية.