منها أزمة تعود للاستعمار.. لبنان وسوريا يبحثان ملفات الحدود والسجناء

منها أزمة تعود للاستعمار.. لبنان وسوريا يبحثان ملفات الحدود والسجناء

تشهد العلاقة بين دمشق وبيروت منذ الانتداب الفرنسي وحتى اليوم مدًا وجزرًا في ملفات مختلفة منها أمنية وإنسانية وسيادية وحدودية.

وبعد مدة طويلة من سقوط رئيس النظام السوري السابق بشار الأسد، بدأت قناة تفاوضية رسمية بين بيروت ودمشق، عبر لجنتين مشتركتين، واحدة لملف السجناء والمفقودين وأخرى لقضايا الحدود.

ملف السجناء

ويبلغ عدد السجناء السوريين في السجون اللبنانية، بحسب وزارة الداخلية والبلديات، نحو 2400 سجين سوري، بنسبة 30% من إجمالي عدد السجناء في السجون اللبنانية.

وتفيد المعلومات المتداولة بأن عددًا ليس بسيطًا من السوريين المسجونين في لبنان متهمون بارتكاب جرائم تصنف إرهابية، وهي المادة الخلافية بين سوريا التي تطالب بإطلاق سراح الجميع تقريبًا، ولبنان الذي يلمح إلى رفضه تسليم من ارتكب جرائم، وتحديدًا تلك المصنفة إرهابية.

ويقبع غالبية السجناء السوريين في لبنان في سجن رومية الذي يعد أكبر السجون في البلاد وأكثرها اكتظاظًا.

وعلى الجانب الآخر، تشير التقديرات إلى 700 لبناني مخفي قسرًا في سوريا ويصنفون مفقودين منذ نظام الأسد.

ملف ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا

والملف الآخر العالق بين البلدين هو ترسيم الحدود، وهي قضية إشكالية تاريخية، ففي العام 2006، وعقب خروج جيش النظام السوري السابق من لبنان، طالبت قوى ما يعرف بـ”الرابع عشر من آذار” بترسيم الحدود مع سوريا.

وعام 2008 شكلت بالفعل لجنة مشتركة لترسيم الحدود، إلا أن التوترات السياسية بين البلدين، ثم اشتعال الثورة السورية، شكلت عوامل جمدت المضي قدمًا في حلحلة عقد هذا الملف، ثم عاد ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا ليطرح من خلال الورقة الأميركية مؤخرًا.

ويبلغ عدد المعابر الشرعية بين البلدين 6 معابر وهي، المصنع ومطربا وجوسية وتلكلخ والعبودية والعريضة.

أما بخصوص المعابر غير النظامية فلا توجد إحصائيات واضحة بشأنها، إلا أنها تقدر بالعشرات نظرا لطول الحدود التي تبلغ 375 كيلومترًا بين البلدين.

وتستغل المعابر غير النظامية تاريخيًا لتهريب البضائع والبشر، ثم أصبحت تستغل في تهريب المواد المخدرة خاصة في العقد الأخير، وهو الملف الذي أثير مرارًا في لبنان، وكان سببًا في قطع بعض الدول العربية العلاقات التجارية مع بيروت، إذ شكل لبنان لسنوات ممرًا للمواد المخدرة وأبرزها الكبتاغون.

قضية اللاجئين السوريين

إلى ذلك، وغابت قضية أخرى لا تقل أهمية عن الحدود والسجناء، عن عمل اللجنتين، وهي قضية اللاجئين السوريين في لبنان، وتقدر أعدادهم 1,5 مليون لاجئ سوري في لبنان، بينهم أكثر من 755 ألفًا من المسجلين لدى الأمم المتحدة.

فيما أعلنت نائبة المفوض السامي لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة كيلي كليمنتس أن نحو مئتي ألف لاجئ سوري عادوا منذ بداية العام الجاري بصورة طوعية في أغلبهم وبمفردهم، مشيرة إلى أن هذا الرقم يرتفع بسرعة كبيرة، وإلى أن غالبية العائدين يتوجهون إلى محافظات حماة وحمص في وسط سوريا وحلب في شمالها.

وأضافت كليمنتس أن المفوضية لا تشجع على العودة، لكن القرار يبقى خيارًا فرديًا لكل عائلة سورية، موضحة أن المفوضية لا تستطيع تحديد ما إذا كانت سوريا بلدًا آمنًا، وعبرت عن ذلك بالقول هناك مناطق آمنة وهادئة وأخرى أقل آمنًا بكثير.

مطالبات بعودة السوريين الموقوفين في السجون اللبنانية

وفي هذا الإطار، أوضح الباحث السياسي السوري أحمد مظهر سعدو أن الحكومة السورية تواجه ضغوطًا شعبية متزايدة للمطالبة بعودة السوريين الموقوفين في السجون اللبنانية، خاصة أولئك الذين مضت على توقيفهم فترات طويلة دون توجيه أي تهم رسمية أو صدور أحكام قضائية بحقهم.

وفي حديث للتلفزيون العربي من دمشق، أشار سعدو إلى أن هذه الضغوط الشعبية تنبع من رغبة حقيقية في استعادة جميع الموقوفين الذين تم اعتقالهم في لبنان على خلفية انتمائهم للثورة السورية.

وأضاف أن دراسات موثوقة كشفت أن غالبية هؤلاء المعتقلين تم توقيفهم بناءً على خلفيات سياسية وانتمائية، وليس لأسباب جنائية بحتة.

وختم سعدو بالقول إن هناك عدة آليات يمكن من خلالها إعادة هؤلاء المحتجزين إلى سوريا، دون أن يعني ذلك بالضرورة الإفراج عنهم، إذ يمكن تسليمهم للسلطات السورية، وفي حال وجود أحكام قضائية بحقهم تتعلق بمخالفات جنائية، يمكن متابعة تنفيذها داخل السجون السورية.

مصلحة إستراتيجية لبنانية

من جانبه، أكد الأكاديمي والباحث السياسي علي مراد أن هناك مصلحة إستراتيجية لبنانية في معالجة ملف إدارة السجون، باعتباره قضية معلّقة ترتبط جزئيًا بمرحلة سابقة من العلاقة مع النظام السوري.

وفي حديث للتلفزيون العربي من بيروت، أشار مراد إلى أن النظام القضائي اللبناني يعاني من بطء عام، وشدد على أن المصلحة المشتركة للبنان وسوريا تكمن في التعاون الرسمي بين الدولتين، والاحتكام إلى منطق المؤسسات، وهو ما لم يكن سائدًا خلال خمسة عقود من حكم حزب البعث.

وأوضح مراد أن الجانب اللبناني، عند طرحه للعقبات القانونية والقضائية، وجد تفهمًا من الجانب السوري، الذي أدرك أن الحل لا يمكن أن يكون سياسيًا فقط، بل يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الأحكام القضائية وسيادة القضاء اللبناني، وهو ما قوبل بتفهم واضح من دمشق.

وفد سوري في لبنان: بحث في الحدود واللجوء والموقوفين

وفد سوري في لبنان: بحث في الحدود واللجوء والموقوفين

أجرى وفد سوري، اليوم الاثنين، زيارة إلى بيروت، التقى خلالها نائب رئيس الحكومة اللبناني طارق متري حيث جرى البحث في القضايا المشتركة بين لبنان وسورية، على رأسها الملفات المتّصلة بالحدود واللجوء والموقوفين السوريين في السجون اللبنانية والمعتقلين والمفقودين اللبنانيين في الداخل السوري.

وضمّ الوفد السوري الوزير السابق ومدير الشؤون العربية في وزارة الخارجية محمد طه الاحمد والوزير السابق محمد يعقوب العمر مسؤول الادارة القنصلية، ومحمد رضا منذر جلخي، رئيس الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً. وخلال اللقاء، جرى البحث في القضايا المشتركة وسُبل معالجتها بما يعزّز الثقة والاحترام المتبادل والرغبة الصادقة في التعاون بين البلدين. كما جرى التطرّق إلى مسائل المعتقلين والمفقودين السوريين في لبنان والمفقودين اللبنانيين في سورية، والتعاون في ضبط الحدود ومنع التهريب، وذلك بحسب بيان موزّع عن اللقاء.

كما بحث اللقاء “قضية النازحين السوريين وعودتهم إلى بلادهم وأهمية تسهيلها، وتم الاتفاق على مراجعة الاتفاقات اللبنانية السورية وتحسينها والنظر في الاتفاقات والاجراءات التي تحفز التعاون الاقتصادي بين البلدين”. أيضاً، تقرّر تأليف لجنتين مختصّتين لإعداد النصوص التحضيرية لاتفاق قضائي وآخر يتعلق بالحدود تمهيداً لزيارة وزارية سورية إلى بيروت في فترة قريبة.

وكانت معلومات تحدثت عن اجتماع لبناني سوري كان سيعقد الأسبوع الماضي وقد أُرجئ من قبل الطرف السوري، بيد أن متري أكد حينها أنّه لم يُحدَّد بعد موعد رسمي للاجتماع، وبالتالي لا يمكن الحديث عن إلغائه أو إرجائه.

ويأتي الحراك اليوم على وقع الاتصالات الرسمية القائمة بين البلدين لحلّ المشاكل العالقة والقضايا المشتركة، وخصوصاً تلك التي ترتبط بضبط الحدود والمعابر ومنع التهريب بعد الأحداث الدامية التي حصلت في آذار/آذار الماضي، وصولاً إلى ترسيم الحدود براً وبحراً، وتعزيز التنسيق الأمني بما يحفظ استقرار كلّ من لبنان وسورية.

والملفان الأكثر تداولاً في هذه المرحلة هما ملف اللاجئين السوريين، وقد بدأت الحكومة اللبنانية تطبق خطة العودة الطوعية بالتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلى جانب ملف الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية، خصوصاً بعدما زادت وتيرة مطالبات الموقوفين وتحركاتهم واحتجاجاتهم لحلّ ملفاتهم، بعد سنين قضوها في ظروف سيئة جداً، وبتوقيفات عشوائية، لمعارضتهم نظام الأسد، ولبقاء غالبيتهم من دون محاكمة.

وهذه الملفات كانت في صلب المباحثات التي جرت في إبريل/نيسان الماضي بين الرئيس السوري أحمد الشرع ورئيس الوزراء اللبناني نواف سلام في دمشق، إلى جانب التداول في تسهيل العودة الآمنة والكريمة للاجئين السوريين إلى أراضيهم ومنازلهم بمساعدة الأمم المتحدة والدول الشقيقة والصديقة، وبحث مصير المفقودين والمعتقلين اللبنانيين في سورية، بالإضافة إلى مطالبة السلطات السورية بالمساعدة في ملفات قضائية عدة، وتسليم المطلوبين للعدالة في لبنان، أبرزها تفجير مسجدي التقوى والسلام، وبعض الجرائم التي يُتهم بها نظام الأسد. كما جرى البحث في ملف الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية.

وشملت المباحثات أيضاً بحث التعاون في المجالات المختلفة، وفتح خطوط التجارة والترانزيت، وفي استجرار النفط والغاز، والنظر في خطوط الطيران المدني. كما جرى التطرق إلى البحث في الاتفاقيات بين البلدين والتي ينبغي إعادة النظر فيها، ومن ضمنها المجلس الأعلى اللبناني السوري.