
الصين تنظم عرضاً عسكرياً ضخماً… رسائل إلى الخارج ومرآة لمستقبل القيادات
تنطلق اليوم الأربعاء في بكين فعاليات إحياء للذكرى الـ80 لما يسمى “يوم النصر” على اليابان خلال الحرب العالمية الثانية، وذلك بتنظيم عرض عسكري ضخم، بحضور 26 من القادة والزعماء والرؤساء، يتقدمهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، الذين وصلوا إلى بكين أمس الثلاثاء بعد مشاركتهم في فعاليات قمة منظمة شنغهاي التي عقدت في مدينة تيانجين الصينية، الأحد والاثنين الماضيين.
ويتوقع مراقبون أن العرض العسكري الذي ينظمه الجيش الصيني في هذه المناسبة، بميدان تيانانمين وسط بكين، سيكون الأكبر خلال العقد الأخير، إذ يمثل منصة لاستعراض الصين قوتها العسكرية في ظل الأشواط الكبيرة التي قطعتها في مجال التحديث العسكري، في إطار الخطة التي أطلقها الرئيس شي جين بينغ، منذ توليه مقاليد الحكم في عام 2013. ويكرر الرئيس الصيني، منذ ذلك الحين، أن بلاده ستواصل إصلاح الجيش وتطويره لتحقيق هدفها المتمثل في بناء جيش على مستوى عالمي عال بحلول الذكرى المئوية للجيش الصيني في عام 2027.
عرض عسكري صيني بحضور كيم وبوتين
وسينضم هؤلاء القادة إلى الرئيس الصيني شي جين بينغ لمشاهدة العرض العسكري الضخم في بكين اليوم، فيما سيعد الحدث أول حضور لكيم في مناسبة كبرى متعددة الأطراف خلال فترة حكمه الممتدة منذ 14 عاماً، كما ستكون للمرة الأولى التي يجتمع فيها كيم وشي وبوتين، في مكان واحد. علماً أن أيا من الزعماء لم يؤكد عقد اجتماع ثلاثي خاص، فيما ذكرت وكالة تاس الروسية، أمس، أن محادثات بين بوتين وكيم قد تجري بعد العرض العسكري. ويأتي اختيار تنظيم عرض عسكري من هذا النوع، في ظل تحديات كبيرة تواجهها الصين، خصوصاً ما يرتبط بنزاعاتها الحدودية مع جيرانها مثل الهند والفيليبين وفيتنام، والصراع في مضيق تايوان الذي يشهد توترات كبيرة على مدى السنوات الأخيرة. ووفق وسائل إعلام صينية، هناك رغبة ملحة في إظهار القوة، إذ ذكرت أنه في الثالث من أيلول/ أيلول الحالي، أي اليوم، ستصبح خطوات الصين نحو بناء جيش من الطراز العالمي بحلول منتصف القرن أكثر وضوحاً، وذلك عندما تعرض بكين أحدث أسلحتها خلال الاستعراض العسكري.
وكانت هيئة الإذاعة والتلفزيون الصينية قد أشارت أخيراً، إلى تنظيم عرض عسكري في “يوم النصر”، والذي يتضمن نسخاً محسنة من اثنين من صواريخها الأسرع من الصوت، “واي جي-21” و”دي أف-21″، وكلاهما يتمتع بقدرات اختراق محسنة. ومن أبرز ما يميز هذه الصواريخ أنه يمكن إطلاقها من قاذفات خارج مناطق الدفاع الجوي للعدو، واختراق الصواريخ الاعتراضية وتدمير الأهداف قبل العودة بسرعة إلى القاعدة. ويُعرف الصاروخ، الذي يُطلق جواً من طراز “واي جي-21″، لدى المراقبين العسكريين باسم “كاي دي-21″، وقد شوهد لأول مرة عام 2018. وتشير صور أقمار اصطناعية إلى استمرار تطويره، فيما لم تؤكد الصين وجود أي صاروخ من هذا النوع في الخدمة.
أما في ما يتعلق برسائل الداخل، فمن المنتظر أن يوفر العرض العسكري فرصة نادرة لمراقبة الجنرالات الذين سيحظون بثقة وتقدير رئيس البلاد. وفي المقابل سيقدم العرض إجابات وافية عن مصير آخرين ممن أثيرت تساؤلات حول مستقبلهم السياسي بعد تكهنات بعزلهم في إطار حملة ملاحقة “النمور”، خصوصاً أن الجيش الصيني لا ينشر تحديثات منتظمة بشأن التغييرات في أفراده. وبالتالي فإن هوية الأشخاص الذين مُنحوا أدواراً بارزة ستوفر أدلة حول من قد يكون في قائمة المرشحين لمناصب أعلى. ولكن غياب شخصيات معينة قد يقدم أيضاً أدلة حول من كان ضمن حملة مكافحة الفساد الجارية داخل الجيش، والتي شهدت إقالة ما لا يقل عن 16 نائباً عسكرياً من المؤتمر الشعبي الوطني للحزب الشيوعي الحاكم، منذ انعقاده لأول مرة في آذار/آذار 2023. وتعهد شي، منذ توليه السلطة عام 2013، بملاحقة “النمور”، وهو لقب يطلق على القادة الأقوياء في الحزب الشيوعي الحاكم والسلطة الذين يستغلون مناصبهم، آخرهم وزير دائرة الاتصال الدولي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ليو جيان تشاو، الذي أثيرت، الشهر الماضي، تساؤلات حول مصيره بعد تقارير عن اعتقاله.
قوة الردع
يؤكد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنوب الصين، ياو بين، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “العرض العسكري “سيكون الأكبر من نوعه مقارنة بالعروض العسكرية الأخيرة، مثل الاستعراض الذي تم بمناسبة إحياء الذكرى الـ70 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 2019، وإحياء الذكرى المئوية الأولى لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني في عام 2021”. ويلفت إلى أنه “خلال العقد الأخير شهد الجيش الصيني عمليات تحديث مكثفة”، مضيفاً أن “ترسانة الصين اليوم تختلف عما كانت عليه قبل خمس سنوات، وبالتالي من الطبيعي أن ينعكس ذلك على المشهد العام خلال إحياء مناسبات وطنية بهذا الحجم”.
ياو بين: بكين لن تبادر بإثارة الصراعات وإشعال فتيل الحروب كما تفعل قوى غربية
عرض عسكري صيني من هذا النوع، فعالية متكررة في بكين. وفي رأي ياو بين، فإنه “بالرغم ما يرافق مثل هذه المناسبات من تأويلات مغرضة، فإن بكين ملتزمة بالسلام ولن تبادر بإثارة الصراعات وإشعال فتيل الحروب كما تفعل قوى غربية، لكنها في الوقت نفسه عازمة على إظهار قوتها، باعتبار أن قوة الردع هي حجر الزاوية في عملية صنع السلام وإرساء الأمن والاستقرار الدوليين”. ويقول إن “الصين لديها تصميم راسخ على اتباع مسار التنمية السلمية في ظل عالم مضطرب تتلاطم أمواجه، وتريد تعزيز إرادتها القوية لحماية السيادة الوطنية والسلامة الإقليمية وقدرتها على الدفاع عن السلام الدولي دون الصدام مع قوى أخرى”.
تحريف الحقائق
في المقابل، فإن تنظيم عرض عسكري في الصين لا ينفصل عما دأبت عليه بكين خلا لالسنوات الماضية. يرى الخبير في العلاقات الدولية المقيم في هونغ كونغ، جو يانغ، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الصين دأبت على مدار السنوات الماضية على استغلال القضايا التاريخية للضغط على خصومها في المنطقة”. ويوضح أن “قيادة الحزب الشيوعي تعطي زخماً كبيراً لما تسميه حرب المقاومة الشعبية ضد العدوان الياباني، من أجل استعراض القوة العسكرية وتوجيه رسائل ردع للخصوم ومن يقف خلفهم من الحلفاء”.
جو يانغ: الجميع يعلم أن الجيش الشعبي الصيني لم يُسهم في حرب المقاومة ضد اليابان
وفي السياق، يلفت جو يانغ إلى وجود “تحريف من قبل الصين للحقائق التاريخية”، موضحاً أن “تسويق الرواية التي تقول إن الحزب الشيوعي قاد حرب المقاومة ضد العدوان الياباني، وما تلا ذلك من تنظيم احتفالات بهذه المناسبة، أمور تفتقر للشرعية والسياق التاريخي”. وفي رأيه فإن “الجميع يعلم أن الجيش الشعبي الصيني لم يُسهم في حرب المقاومة ضد اليابان، بل استغل الحرب فقط لتعزيز ترسانته العسكرية”. وتأسست جمهورية الصين الشعبية عام 1949 تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني. وقُتل ملايين الصينيين خلال حرب طويلة مع اليابان الإمبراطورية في ثلاثينيات القرن الماضي وأربعينياته. وبعد الهجوم الياباني على بيرل هاربر في 1941 أصبح النزاع الصيني-الياباني جزءاً من الحرب العالمية الثانية وانتهى بانتهائها.