التجويع يتواصل في غزة: 361 شهيداً من بينهم 130 طفلاً

التجويع يتواصل في غزة: 361 شهيداً من بينهم 130 طفلاً

أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، اليوم الثلاثاء، تسجيل 13 وفاة نتيجة التجويع وسوء التغذية، بينهم ثلاثة أطفال، خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، ليرتفع إجمالي شهداء التجويع وسوء التغذية إلى 361 شهيداً، بينهم 130 طفلاً. وأشارت الوزارة إلى تسجيل وفاة 83 شخصاً، منهم 15 طفلاً، منذ إعلان التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي IPC أن قطاع غزة منطقة مجاعة

وخلال شهر آب/آب الماضي، سجلت الوزارة 185 حالة وفاة بسبب التجويع وسوء التغذية، وهو العدد الأكبر منذ أشهر. وأفادت، في بيانها اليوم، بـ”تسارع وتيرة التداعيات الكارثية للمجاعة في قطاع غزة”، موضحة أن 43 ألف طفل دون سن خمس سنوات يُعانون من سوء التغذية، وأن أكثر من 55 ألف امرأة حامل ومرضع يُعانين من سوء التغذية”، لافتة إلى أن 67% من الحوامل يُعانين من فقر الدم وهي النسبة الأخطر منذ سنوات، محذرة من خطورة المؤشرات الراهنة ومحدودية الاستجابة الطارئة مع نقص الإمدادات الغذائية والطبية.

من جانبه، قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إن المجاعة التي تشهدها غزة “من صنع الإنسان”، في إشارة إلى التجويع الممنهج الذي يفرضه الكيان الإسرائيلي على الفلسطينيين، معرباً عن غضبه الشديد من رفض الاحتلال الإسرائيلي السماح بدخول المساعدات، مشيراً في كلمة له خلال جلسة بالبرلمان البريطاني، الليلة الماضية، إلى الحاجة لاستجابة إنسانية شاملة لمنع مزيد من الموت في قطاع غزة المحاصر. وأضاف “هذه مجاعة من صنع الإنسان في القرن الحادي والعشرين، ورفض حكومة الاحتلال الإسرائيلي السماح بدخول المساعدات بالشكل الكافي أمر يثير الغضب، محذراً من تفاقم المجاعة في غزة إذا لم تتخذ التدابير اللازمة”، مشيراً إلى أن أكثر من 300 شخص، بينهم 119 طفلاً، لقوا حتفهم بسبب سوء التغذية منذ الأول من تموز/تموز الماضي، معلناً أن بلاده ستقدم 15 مليون جنيه إسترليني إضافية بصفة مساعدات ورعاية طبية إلى الفلسطينيين في قطاع غزة. ولفت لامي إلى أنه يعمل على جلب المزيد من الأطفال الجرحى والمصابين بأمراض خطيرة من غزة إلى بريطانيا لتلقي العلاج، وأكد أنه في حال عدم إحراز تقدم بشأن وقف إطلاق النار في غزة، فإن بريطانيا ستتخذ إجراءات للاعتراف بدولة فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول الجاري.

من جهة أخرى، حذّرت بلدية غزة، اليوم الثلاثاء، من خطورة تصعيد الاحتلال الإسرائيلي عدوانه في منطقة المنارة ومحيط بركة تجميع مياه الأمطار في حي الشيخ رضوان، شمال غربي المدينة. وأشارت البلدية، في بيان صحافي، إلى منع طواقم البلدية من الوصول إلى هذه المرافق وتشغيلها بسبب خطورة الأوضاع في المنطقة. وأكدت البلدية أن “عدم تمكّن طواقمها من الوصول إلى محطة الصرف الصحي رقم (5) المعروفة باسم “محطة البقارة” ومحطة 7B، شرق حي الزيتون، جنوب المدينة، وتشغيلهما قد يؤدي إلى طفحهما وغرق المنازل في المنطقة إذا استمر الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه وتصعيده هناك”.

(قنا، أسوشييتد برس، العربي الجديد)

مشاركون من 4 دول خليجية في سفينة الصمود

مشاركون من 4 دول خليجية في سفينة الصمود

مع انطلاق أسطول الصمود العالمي لكسر الحصار عن قطاع غزة، أمس الأحد، من مدينة برشلونة الإسبانية، والذي يحمل مساعدات إنسانية وناشطين، في مسعى لإنهاء الحصار الإسرائيلي غير الشرعي على غزة، تتجه الأنظار إلى رحلة “سفينة الصمود الخليجية” التي تشارك في الأسطول العالمي، وتنطلق من تونس يوم الخميس المقبل، وعلى متنها ناشطون وحقوقيون وشخصيات عامة من دول مجلس التعاون الخليجي، وفق ناشطة قطرية فضلت عدم الكشف عن هويتها تحدثت لـ”العربي الجديد”. وأكدت الناشطة القطرية اكتمال الاستعدادات والتحضيرات لانطلاق السفينة الخليجية، التي تعد جزءاً من أسطول الصمود العالمي، مضيفة أنه سيجري الإعلان عن عدد وهوية المشاركين في السفينة قبيل إبحارها من تونس الخميس، وأن عدم الإعلان عن ذلك يعود لأسباب أمنية تتعلق بحماية المشاركين وضمان وصولهم إلى تونس والتأكد من اكتمال الاستعدادات.

أكبر مهمة تضامنية

ويتكون أسطول الصمود العالمي من عشرات السفن المحمّلة بالإمدادات الطبية والمساعدات الغذائية ومشاركين من أكثر من 44 دولة، ستتجمع في البحر المتوسط قبل محاولة الوصول إلى غزة لكسر الحصار الإسرائيلي المتواصل عن القطاع منذ أكثر من 18 عاماً. وقال الناشط البرازيلي تياغو أفيلا لصحافيين في برشلونة قبل أيام: “ستكون هذه أكبر مهمة تضامنية في التاريخ”، إذ “سيشارك فيها عدد أكبر من الأشخاص والسفن يفوق كل محاولات الوصول إلى غزة”.

رحلة “سفينة الصمود الخليجية” تشارك في الأسطول العالمي، وتنطلق من تونس يوم الخميس المقبل

من جهتها، قالت الناشطة السويدية غريتا تونبرغ، وهي عضو اللجنة التوجيهية في أسطول الصمود العالمي، لوكالة فرانس برس، أول من أمس السبت، إن السفن في هذا الأسطول ستسعى “للوصول إلى غزة وتسليم المساعدات الإنسانية والإعلان عن فتح ممر إنساني ثم جلب مزيد من المساعدات، وبالتالي كسر الحصار الإسرائيلي غير القانوني وغير الإنساني على غزة بشكل نهائي”. وسيشارك في هذه المبادرة ناشطون من بلدان عدة، بالإضافة إلى نواب أوروبيين وشخصيات من بينها رئيسة بلدية برشلونة السابقة آدا كولاو. وأكد وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، السبت، أن الحكومة الإسبانية “ستستخدم كل إمكاناتها الدبلوماسية والقنصلية لحماية مواطنينا” على متن الأسطول.

سفينة الصمود… استجابة واسعة

وبالنسبة لـ”سفينة الصمود الخليجية”، فقد كان المكتب الإعلامي لها قد أصدر بياناً يوم الاثنين الماضي، أكد فيه استمرار التحضيرات لانطلاق رحلتها البحرية التي تهدف إلى تسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني المحاصر، وكسر حاجز الصمت الدولي عبر رسالة إنسانية سلمية. وأكدت السفينة الخليجية، أن الحملة شهدت استجابة واسعة من الجماهير في دول الخليج العربية، من خلال المساهمات الشعبية والتبرعات التي تم استيفاؤها خلال الفترة الماضية، وأنها ستستقبل التبرعات والمساهمات حتى موعد انطلاق السفينة.

وقال ناشط بحريني لم يرغب بالكشف عن هويته، لـ”العربي الجديد”، إن رحلة “سفينة الصمود الخليجية” ليست مجرد تحرك بحري، بل هي رسالة أخلاقية وإنسانية تعبّر عن التزام الشعوب في الخليج والعالم العربي برفض الظلم والوقوف مع المظلوم، لافتاً إلى تواصل التنسيق بين القائمين على سفينة الصمود الخليجية والحملة العالمية لأسطول الصمود لاستكمال الاستعدادات والتجهيزات، تمهيداً لانطلاق الرحلة ضمن الأسطول الذي انطلقت أول سفنه من الموانئ الإسبانية أمس الأحد، مؤكداً أنه لن يجري الإعلان عن هوية وعدد المشاركين في السفينة الخليجية قبل إبحارها.

وجاءت فكرة تسيير “سفينة الصمود الخليجية”، بعد محاولة السفينة “مادلين” كسر الحصار، لكن القوات الإسرائيلية اعترضت في 9 حزيران/حزيران الماضي، “مادلين” التي كانت تقل 12 ناشطاً من فرنسا وألمانيا والبرازيل وتركيا والسويد وإسبانيا وهولندا، على مسافة نحو 185 كيلومتراً غرب ساحل غزة. كما حاول مشاركون في قافلة الصمود الوصول إلى معبر رفح عبر البرّ لكسر الحصار، من دون أن ينجحوا، ليتم تشكيل ائتلاف دولي مستقل من أفراد وخلفيات مختلفة، يجمعهم الإيمان بالعدالة وحقوق الإنسان وقدسية الحياة واللاعنف، بهدف تسيير أسطول من السفن الصغيرة التي ستنطلق من موانئ البحر الأبيض المتوسط لكسر الحصار الإسرائيلي غير القانوني المفروض على غزة.

ويبدو أن التباين في المواقف الرسمية لحكومات دول خليجية، من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وحرب التجويع التي يشنها الاحتلال على المواطنين هناك، وطريقة التعامل مع العدوان الإسرائيلي، سيتسبب في غياب المشاركة في سفينة الصمود من الناشطين في دولتين خليجيتين على الأقل. ووفق معلومات حصلت عليها “العربي الجديد”، لم يجر حتى اللحظة تحديد العدد النهائي للمشاركين في رحلة السفينة الخليجية، لكن الاتفاق أن يشارك ناشطان على الأقل من كل دولة خليجية من بينهم إعلاميون وحقوقيون وشخصيات عامة بالإضافة إلى طبيب، وطاقم السفينة.

تأكدت مشاركة ناشطين من البحرين والكويت وعُمان وقطر، مع غياب المشاركين من الإمارات والسعودية

وتأكدت مشاركة ناشطين من البحرين والكويت وعُمان وقطر، مع غياب المشاركين من الإمارات والسعودية، فيما قد يكتفي بعض النشطاء في المشاركة بالإعلان رسمياً عن إبحار السفينة الخليجية من الموانئ التونسية لكسر الحصار عن غزة دون المشاركة في الرحلة نفسها.

ودانت جميع دول الخليج العربية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وأرسلت مساعدات غذائية وطبية إلى القطاع المحاصر، لكن السفارات الإسرائيلية في الإمارات والبحرين ظلت مفتوحة وواصلت أعمالها، ولم تقطع كلا الدولتين علاقاتها مع إسرائيل أسوة ببعض الدول الأخرى. وتسلم وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف الزياني الخميس الماضي، نسخة من أوراق اعتماد السفير الإسرائيلي الجديد لدى مملكة البحرين شموئيل ريفيل، وفق وكالة الأنباء البحرينية الرسمية “بنا”. وكانت البحرين قد أعلنت أن سفيرها لدى إسرائيل (خالد الجلاهمة) عاد إلى البلاد في تشرين الثاني/تشرين الثاني 2023 دعماً للقضية الفلسطينية، وأن السفير الإسرائيلي في المنامة (آيتان نائي) غادر المملكة. وطبّعت كل من الإمارات والبحرين العلاقات مع إسرائيل عام 2020 في إطار “اتفاقيات أبراهام” التي رعتها الولايات المتحدة خلال إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأولى.

تجويع غزة… موائد خالية من أساسيات الغذاء

تجويع غزة… موائد خالية من أساسيات الغذاء

لم تنجح شاحنات البضائع التي دخلت إلى قطاع غزة مؤخراً في كسر حدة التجويع، كونها محدودة للغاية مقارنة بحجم الحاجة، وأسعارها تفوق القدرة الشرائية لغالبية العائلات التي فقدت مصادر رزقها وسط الحرب الإسرائيلية المتواصلة منذ نحو 23 شهراً.

يخيم شبح التجويع على آلاف العائلات الفلسطينية في قطاع غزة، والتي لم تستفد كثيراً من دخول أعداد محدودة من شاحنات المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم في رفح (جنوب)، ومنطقة زيكيم في الشمال، ولا تزال موائدهم أسيرة أطعمة مكررة لا تكفي لمسك رمق الأطفال أو الكبار، ولا تحمي أجسادهم من الأمراض، تنحصر في العدس والأرز وبعض المعلبات. ويفيد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة بأن الاحتلال يواصل منع أكثر 430 صنفاً من المواد الغذائية الأساسية، والمواد المحظورة تشمل اللحوم الحمراء والبيضاء، والأسماك، والأجبان، ومشتقات الألبان، والفواكه والخضراوات، والمكملات الغذائية، إلى جانب أصناف ضرورية مثل المدعمات التي تحتاج إليها الحوامل وأصحاب الأمراض المزمنة.

ويوضح المكتب الإعلامي الحكومي في بيان، أن الاحتلال لم يسمح خلال الثلاثين يوماً الماضية إلا بدخول 14% فقط من الاحتياجات، ما سبَّب العجز القائم، وأن أكثر من 95% من سكان القطاع بلا مصادر دخل، في حين يمنع الاحتلال تنظيم عمليات توزيع المساعدات أو تأمينها، ويواصل سياسة (هندسة التجويع) ضد نحو 2.4 مليون فلسطيني في قطاع غزة، ما أدى إلى ارتفاع عدد ضحايا الجوع وسوء التغذية، وسط مخاوف من تفاقم الأعداد خلال الفترة المقبلة، خاصة بين الأطفال وكبار السن والمرضى.

وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، السبت، تسجيل 10 وفيات جديدة، من بينهم 3 أطفال بسبب التجويع وسوء التغذية في القطاع خلال 24 ساعة، ليرتفع عدد ضحايا التجويع إلى 332 شهيداً، من بينهم 124 طفلاً. وأعلنت الأمم المتحدة في 22 آب/آب، المجاعة في مدينة غزة، اعتماداً على تقييم للمبادرة العالمية للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي.

تجلس الفلسطينية أم نزار ريان (35 سنة) على باب خيمتها في وسط مدرسة لإيواء النازحين غربي مدينة غزة، وقد بدا على ملامحها الإعياء، توزع نظراتها صوب أطفالها السبعة، وتقول لـ “العربي الجديد”: “اليوم كان طعامنا أرزّاً من التكيّة الخيرية. إذا كان هناك أرز نتناول وجبة، وإذا لم يصل الأرز إليهم فلا نأكل. نعيش طوال الأسبوع على وجبة الأرز اليومية، وأحياناً معلبات إن توفرت. الأولاد يطلبون اللحوم أو البطاطا أو الخضراوات، لكنّ الأسعار باهظة، ولا نملك ثمنها. حتى الملابس والأدوية لم نعد قادرين على توفيرها”. ويزيد مصاب ريان وضع زوجها الذي فقد بصره على إثر تعرضه للضرب المبرح خلال اقتحام قوات الاحتلال للمدرسة التي نزحوا إليها سابقاً في مخيم جباليا شمالي القطاع، قبل توجههم إلى حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، فالزوج لا يستطيع إعالة أسرته، وأصبح أسير الفراش، لذا أصبحت العائلة أسيرة المساعدات المحدودة التي تقدّمها التكيات الخيرية.

نزح الفلسطيني بدري معروف (44 سنة) مع أفراد أسرته الستة من بيت لاهيا إلى مدرسة إيواء في حي الشيخ رضوان المهدد بالإخلاء، ويختصر حال أسرته قائلاً: “أكلنا طوال الأسبوع الأرز والعدس فقط. دخلت بعض البضائع، لكن لا يتوفر لدي أموال لشراء أي منها كوني مُعطلاً عن العمل منذ بداية الحرب، ولا أستطيع توفير قوت يومي”. ويضيف معروف لـ “العربي الجديد”: “أولادي يطلبون بندورة أو بطاطا أو حلاوة، لكني لا أقدر على تلبية مطالبهم، وزوجتي مريضة قلب، وتزداد حالتها سوءاً من قلة الطعام، ولا أملك حتى ثمن دوائها. دخول بعض الأصناف لم يغيّر شيئاً في واقع التجويع، فالبضائع غالية، ونحن بلا مصدر دخل”.

مأساة أخرى يعيش تفاصيلها الفلسطيني سامي غبن (44 سنة)، والذي يعيل أسرة مكونة من 10 أفراد، وبات عاجزاً عن توفير أدنى مقومات الحياة لأطفاله، ما يدفعه إلى الذهاب لمناطق دخول المساعدات الإنسانية في أقصى شمالي القطاع، رغم أن الرحلة “مقامرة بالحياة”. ويقول غبن لـ “العربي الجديد”: “نضطر إلى الذهاب قرب حاجز زيكيم كي نحصل على كرتونة غذائية، لكن المكان هناك عبارة عن مصيدة موت. اليوم أكلنا جميعاً علبة حمص واحدة، وطعامنا المعتاد هو أرز أو عدس من التكيات. كيلو الحطب بـ7 شواكل، ولا نستطيع شراءه، وبالتالي نأكل من دون تسخين. حياتنا بائسة. نفس الأكل كل يوم، والنتيجة أمراض جلدية والتهابات وضعف مناعة عند الأطفال. ابني يسألني عن ملوخية أو جبن أو طماطم. لكن إذا أردت أن تطعم أولادك فعليك أن تخاطر بحياتك”.

الصورة

أطفال وحصص طعام في مدينة غزة - 30 آب 2025 (عبد الحكيم أبو رياش/ الأناضول)

ظفر بحصص طعام من مطابخ خيرية في مدينة غزة، 30 آب 2025 (عبد الحكيم أبو رياش/ الأناضول)

من جانبها، تقول الفلسطينية هناء أبو العيش، وهي أم لأسرة مكونة من 6 أفراد: “نعاني عدم القدرة على شراء الأطعمة، رغم دخول بعض البضائع في الفترة الأخيرة، ونعتمد على الأطعمة المعلبة مثل الحمص والفول، وطوال أيام الأسبوع لا أطبخ، وأعتمد على الأرز الذي توزعه التكيّات الخيرية في مدرسة النزوح”. وتحكي لـ “العربي الجديد”: “في كل أيام الأسبوع طعامنا مكرر، ولا يتغير عن العدس والأرز والمعكرونة وبعض المُعلبات. لا أذهب إلى السوق لأنني لا أملك مالاً لشراء أي شيء. سعر كيلو البندورة 120 شيكلاً، فكيف أشتريها؟ أنا مريضة قلب، وطعام المعلبات مضر لحالتي، لكننا لا نملك غيره. المجاعة مستمرة في قطاع غزة رغم دخول أصناف من البضائع، والغالبية يواجهون صعوبات في توفير الطعام بسبب عدم وجود مُعيل”.

ولا يختلف حال الفلسطيني موسى عطية كثيراً، فهو أب لثمانية أطفال، وبات عاجزاً عن تلبية أدنى مقومات الحياة، خصوصاً المأكل والمشرب. ويقول لـ “العربي الجديد”: “دخول بعض البضائع لا يغير الواقع الصعب الذي نعيشه، خاصة أنني عاطل، ولا أملك أموالاً لشراء مستلزمات العائلة. أولادي أنفسهم في المربى أو العسل، أو حتى البسكويت. بعد دخول البضائع لم أقدر على شراء الخضراوات أو الفواكه. زهقنا من العدس والفاصوليا والأرز، والمجاعة لا تزال موجودة”.

تعيش الفلسطينية سامية طشطاش مع أشقائها الثلاثة من ذوي الإعاقة داخل خيمة في مدرسة إيواء بمدينة غزة، وهم بلا مُعيل، وتقول لـ “العربي الجديد”: “إذا جاءنا أرز من تكية المدرسة نأكل، وإذا لم يأتنا فلا نأكل، وطوال الأسبوع نعيش على العدس والمعكرونة والأرز. نفسي أذوق الدجاج أو البطاطا أو الباذنجان. البضائع وصلت إلى السوق، لكننا لا نستطيع الشراء لأنه ليس لدينا أموال”. وتضيف طشطاش: “البضائع التي دخلت قطاع غزة أسعارها مرتفعة، وتفوق مقدرة الجميع، وحتى الآن لم أستطع شراء أي شيء منها. نحلم بتغيير روتين الطعام اليومي، ونعود إلى تناول الدجاج والخضراوات، لكن حتى اللحظة تظل هذه مجرد أمنية لا نملك تحقيقها”.

من جهتها، تؤكد اختصاصية التغذية، سماهر أبو عجوة لـ “العربي الجديد”، أن “غياب التنوع الغذائي الذي يشمل البروتينات والخضراوات والفواكه، يؤدي إلى ضعف المناعة، والإصابة بالأمراض المزمنة، وتأخر نمو الأطفال، وانتشار أمراض مثل فقر الدم والهزال، وما يتوفر حالياً في قطاع غزة لا يلبي أدنى مقومات الصحة السليمة”. وتضيف أبو عجوة : “الغذاء الصحي يعتمد على التنوع الذي يشمل الكربوهيدرات، والبروتينات، والدهون الصحية، وفي غزة حالياً، ما يتناوله الناس يومياً يقتصر على العدس والأرز والمعكرونة وبعض المعلبات، بينما الخضراوات والفواكه معدومة تقريباً، واللحوم غائبة تماماً، وهذا يعني نقصاً خطيراً في الفيتامينات والمعادن الأساسية، ما يؤدي إلى ضعف المناعة وانتشار الأمراض”.

وتحذر الطبيبة الفلسطينية من خطورة الاعتماد على تناول الأطعمة المُعلبة لفترات طويلة، مؤكدة أن “المعلبات مليئة بالأملاح والمواد الحافظة، وهي تسبب مشكلات في القلب والكلى والجهاز الهضمي، كما تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع مستوى سكر الدم، وصولاً إلى الأورام السرطانية. الأطفال الذين يتغذون على هذه الأطعمة سيعانون الهزال وضعف النمو، وربما التأخر العقلي”. وتشدد أبو عجوة على أن “غياب البروتين الحيواني والخضراوات والفواكه سيترك آثاراً طويلة المدى على الصحة العامة لأهالي غزة، خاصة الأطفال والمرضى وكبار السن، ونتحدث عن جيل كامل مهدد بالإصابة بسوء التغذية الحاد”.

المؤتمر الوطني الفلسطيني: “إضراب الشعلة” يتواصل رفضاً للإبادة في غزة

المؤتمر الوطني الفلسطيني: “إضراب الشعلة” يتواصل رفضاً للإبادة في غزة

أكد المؤتمر الوطني الفلسطيني، اليوم الجمعة، أن “إضراب الشعلة” يواصل رحلته التضامنية مع غزة، متنقلاً بين المدن والدول، حاملاً رسالة رفض للإبادة والحصار والتجويع، وداعياً إلى كسر الصمت وتحريك الشارع. وقال المؤتمر، في بيان، عقب لقاء عبر منصة “زوم” مساء الخميس، إن “هيفاء دياب بدأت اليوم إضرابها عن الطعام ليومين في الأردن، لتكون المضربة الثالثة عشرة ضمن هذه السلسلة، بعد أن تسلّمت الشعلة من مصطفى السفير الذي أنهى إضرابه في الأردن”. وأوضح أن “دياب ستسلّم الشعلة الأحد المقبل إلى حسين حجاوي في بريطانيا، لتستمر المسيرة التي تجمع النشطاء من مدينة إلى أخرى ومن قارة إلى قارة في فعل تضامني متجدد”.

وجدد المؤتمر رفضه “محاولات عزل المقاومة الفلسطينية وشيطنتها والتآمر عليها، وإلقاء مسؤولية الإبادة الجماعية على عاتقها”، مؤكداً أن “حكومة الاحتلال الإسرائيلي والجيش، ومعهما الولايات المتحدة والمتقاعسون عربياً ودولياً، يتحملون كامل المسؤولية”. وشدد على أن “تمسك الشعب الفلسطيني بخيار المقاومة هو امتداد لتجارب الشعوب التي واجهت الاستعمار عبر التاريخ”، مؤكداً أن “الفلسطينيين يلتفون حول مقاومتهم الباسلة، ويرفضون أي محاولات لعزلها أو تشويهها”.

وأشار البيان إلى أن “الشعب الفلسطيني يواجه كارثة وطنية ومؤامرة وجودية غير مسبوقة في تاريخه، تتجسد في جريمة الإبادة الجماعية، والحصار والتجويع والتطهير العرقي ومحاولات الترحيل، بدءاً من قطاع غزة وامتداداً إلى الضفة الغربية والقدس”. ودعا المؤتمر الوطني إلى “وحدة الجهود الفلسطينية لمواجهة الاعتداءات المستمرة على الأراضي والممتلكات والبيوت”، مؤكداً أن “غياب الرادع الدولي وضعف القيادة الرسمية الفلسطينية فاقما المعاناة”. وطالب باستعادة “القرار الفلسطيني عبر إعادة بناء منظمة التحرير على أسس وطنية وديمقراطية، وتشكيل قيادة موحدة تستجيب لتضحيات الشعب الفلسطيني”.

وأضاف المؤتمر أن “اللحظة التاريخية الراهنة لا تحتمل أنصاف المواقف أو التهرب من المسؤولية”، مشيراً إلى أن “القيادة الرسمية الحالية عزلت نفسها عن الشعب، وعطلت مؤسساته الوطنية، وجعلت النظام الفلسطيني عرضة للابتزاز”. وشدد على أن “الشرعية الفلسطينية تُكتسب عبر النضال والانتخابات الحرة، وليس عبر ترتيبات خارجية أو مراسيم فردية”، مؤكداً أن “الإصلاح الحقيقي هو إصلاح ديمقراطي يضمن سيادة القانون، والفصل بين السلطات، والمشاركة الوطنية الواسعة”.

وأكد المؤتمر أن “الصمت لم يعد مقبولاً من القوى الوطنية”، معتبراً أن “التهاون مشاركة في العدوان، وأن التحرك المطلوب اليوم يتجاوز البيانات إلى تأسيس مسار موحد لقوى التغيير الفلسطينية، يرتكز على مواجهة الحرب على غزة والإبادة الجماعية وعمليات التهجير، وتعزيز صمود الفلسطينيين في وجه الاستيطان والمستوطنين”. وأشار إلى أن “منظمة التحرير الفلسطينية هي الإطار الوطني الجامع والمعترف به دولياً”، داعياً إلى “إعادة بنائها على أسس ديمقراطية ووطنية عبر انتخابات المجلس الوطني، بما يعيد لها دورها التمثيلي والقيادي في مشروع التحرر”.

كما دعا البيان إلى “تنفيذ اتفاق بكين بين الفصائل الفلسطينية الأربع عشرة، وتشكيل إطار قيادي موحد وحكومة وفاق وطني، بما يضمن وحدة الصف الفلسطيني سياسياً ووطنياً في مواجهة مؤامرات الاحتلال الرامية لفصل غزة عن الضفة والقدس”. وشدد على “ضرورة حماية حقوق الأسرى وعائلات الشهداء، ومواجهة الضغوط الخارجية الرامية إلى تشويه المناهج الوطنية”، مؤكداً أن “مواجهة مشروع الاستيطان والتهجير تتطلب حراكاً وطنياً شاملاً يضم مختلف القوى الفلسطينية، على قاعدة برنامج وطني موحّد يصون الكرامة الوطنية ويرفض الإقصاء والتهميش”.

إسرائيل تدخل 15% من مساعدات غزة والأسعار لا تنخفض

إسرائيل تدخل 15% من مساعدات غزة والأسعار لا تنخفض

لا تزال أسعار السلع في أسواق قطاع غزة عند مستويات مرتفعة جداً، رغم مرور أكثر من شهر على بدء إدخال بعض البضائع التجارية والمساعدات الإنسانية إلى القطاع، في ظل العجز الواضح في الكميات المسموح بدخولها والتي لا تتجاوز 15% من حاجة السكان اليومية.

ويجد الغزيون أنفسهم اليوم أمام معادلة قاسية، تتمثل في قلة العرض وانهيار شبه كامل في القدرة الشرائية بفعل البطالة والفقر، في وقت يواصل فيه الاحتلال الإسرائيلي فتحاً جزئياً للمعبر ومنع مئات الأصناف الغذائية والدوائية من الوصول، ما جعل الحياة في القطاع كارثة إنسانية.

وتشير البيانات الرسمية إلى أن قطاع غزة يحتاج يومياً إلى أكثر من 600 شاحنة مساعدات وبضائع متنوعة لتلبية الحد الأدنى من احتياجات سكانه البالغ عددهم 2.4 مليون إنسان، لكن على مدار 30 يوماً لم يدخل سوى 2654 شاحنة فقط من أصل 18 ألف شاحنة مطلوبة، أي ما نسبته أقل من 15% من الاحتياجات الفعلية.

وهذه الكميات الضئيلة تعرّض أغلبها لعمليات نهب وسرقة في وقت يواصل الاحتلال الإسرائيلي فرض قيود مشددة على دخول الشاحنات ويمنع إدخال أكثر من 430 صنفاً من المواد الغذائية الأساسية إلى جانب مئات الأصناف الأخرى، ما عمّق انعدام الأمن الغذائي.

ويُجمع الاقتصاديون على أن بقاء الأسعار مرتفعة بعد مرور شهر كامل على دخول البضائع والمساعدات يُفسّر بوضوح من خلال ندرة الكميات المطروحة في السوق، إذ لا يمكن للعرض المحدود أن يغطي الطلب الهائل، خصوصاً في ظل تزايد حاجة السكان إلى السلع الأساسية بعد أكثر من 5 شهور من الحصار الكامل. ويرون أن الأسعار ستبقى مرتفعة لوقت طويل، حتى لو أعيد فتح المعابر لاحقاً، بسبب تدمير البنية الاقتصادية والتجارية وانهيار سلاسل التوريد واستمرار السيطرة الإسرائيلية على إدخال السلع الأساسية، ومع غياب أفق لإنهاء الحصار.

ارتفاع الأسعار في غزة

وذكر الأكاديمي والمختص في الشأن الاقتصادي، محمود صبرة، أن ارتفاع الأسعار مرتبط بشكل مباشر بالفجوة الواسعة بين العرض والطلب، موضحاً أن الاحتلال يستخدم سياسة إدخال الكميات المحدودة سلاحاً لإحكام الحصار.

وقال صبرة في حديث لـ”العربي الجديد”: “إسرائيل تعيد إنتاج الحصار عبر التحكم بالموارد الأساسية ومنع الغذاء واستخدامه كسلاح حرب، فالكميات المسموح بها محدودة جداً وهو أمر مقصود لإبقاء السوق في حالة عجز دائم”. وأوضح أن حالة عدم اليقين التي تعيشها الأسواق تزيد من الأزمة، إذ يخشى التجار والمستهلكون من الانقطاع المفاجئ للسلع ما يدفع إلى تخزين البضائع واحتكارها، ومن ثم رفع أسعارها أكثر.

وأضاف: “رغم مرور شهر على إدخال بعض البضائع إلى غزة، فإن الأسعار ما زالت بعيدة عن مستوياتها الطبيعية قبل الحرب، فالطحين الذي كان يباع بسعر شيكلين للكيلوغرام لا يزال عند حدود 10 شواكل، والسكر الذي كان سعره شيكلين للكيلوغرام يباع اليوم بحوالي 19 شيكلاً، فيما يستمر سعر كيلو الأرز عند 20 شيكلاً بعد أن كان لا يتجاوز 5 شواكل، وبذلك بقيت المواد الأساسية بعيدة عن متناول معظم السكان لتكرس أزمة الغلاء في ظل الفقر والبطالة المتفاقمين”.

ولفت صبرة إلى أن سلسلة التزويد التجارية في غزة تكاد تكون منهارة بالكامل، بعد تدمير البنية الاقتصادية وغياب المخازن وانعدام السيولة المالية وانحصار عمليات التوزيع في عدد محدود من التجار، موضحاً أن الأسعار مرشحة للبقاء عند مستويات مضاعفة (مرتين أو ثلاث مرات أعلى من سعرها الطبيعي) بسبب استمرار الهيمنة الإسرائيلية على إدخال السلع الاستراتيجية وفقدان القدرة على بناء معروض مستقر وثابت في الأسواق.

من جانبه، أكد المختص في الشأن الاقتصادي، عماد لبد، أن الأزمة ليست في ندرة البضائع فحسب، بل في فقدان الغالبية العظمى من الغزيين للقدرة الشرائية نتيجة استنزاف أموالهم خلال فترة الغلاء الفاحش في الأسابيع الأخيرة وارتفاع معدلات البطالة والفقر إلى مستويات غير مسبوقة.

وقال لبد في حديث لـ”العربي الجديد”: “إن انتشار الفقر والبطالة يجعل الحديث عن أي نشاط اقتصادي أمراً صعباً، حتى لو توفرت السلع بكميات معقولة فإن أغلب المواطنين عاجزون عن شرائها”. وأوضح أن قلة المساعدات الإنسانية تعمّق الأزمة، إذ يعتمد 95% من الغزيين بشكل شبه كامل على هذه المساعدات، “ومع دخول كميات محدودة جداً فإن الاحتياجات تبقى بعيدة عن التغطية، خصوصاً مع غياب أي آليات توزيع آمنة وعادلة”.

وأضاف: “القدرة الشرائية الضعيفة جعلت الأسواق شبه متوقفة، المواطن يبحث فقط عن الحد الأدنى للبقاء، بينما يضطر كثيرون للاعتماد على الجمعيات الخيرية وما يتسرب من تَكيّات خيرية لتوزيع الطعام ومساعدات إنسانية، في وقت لم يعد فيه الدخل أو العمل موجودين”.

وختم لبد حديثه: “الوضع الاقتصادي القائم يضع سكان القطاع في مواجهة انعدام أمن غذائي ممنهج، فإسرائيل تدير هذه الأزمة بشكل متعمد منذ سنوات والآن وصلنا إلى مرحلة يعيش فيها الناس على ما هو أقل من الحد الأدنى”.