الجوع يطارد سكان الفاشر السودانية وسط أعنف هجمات منذ بدء الحرب

الجوع يطارد سكان الفاشر السودانية وسط أعنف هجمات منذ بدء الحرب

في مدينة الفاشر المحاصرة بإقليم دارفور غربي السودان، أخذت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع منحى عنيفاً في الأسابيع الأخيرة في حين لا يجد السكان مفراً من الجوع والموت. منذ أكثر من عام، تحاصر قوات الدعم السريع الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وهي العاصمة الوحيدة في الإقليم الشاسع التي ما زال تحت سيطرة الجيش السوداني، إلا أنّ شهودَ عيانٍ وطواقم إغاثة يشيرون في الأسابيع الأخيرة إلى هجمات للدعم السريع هي الأعنف منذ بدء الحرب.

ودخلت الحرب بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) عامها الثالث، وأودت بحياة عشرات الآلاف وأجبرت الملايين على النزوح واللجوء، منذ منتصف إبريل/ نيسان 2023، في حين ينتشر الجوع في معظم أنحاء البلاد. وقد أدّت الحرب إلى تقسيم السودان إلى مناطق نفوذ، إذ يسيطر الجيش على شمالي البلاد وشرقيها، في حين تسيطر قوات الدعم السريع على معظم إقليم دارفور في الغرب وأجزاء من الجنوب.

وعلى وقع القصف، يعيش عشرات الآلاف في الفاشر بلا مأوى أو طعام كافٍ، في حين ينتشر مرض الكوليرا في غياب المياه النظيفة والرعاية الصحية. وفي الأشهر الأخيرة، كثّفت قوات الدعم السريع هجماتها على إقليم دارفور وكذلك إقليم كردفان جنوبي البلاد، في محاولة لإيجاد توازن مع الجيش الذي أخرجها من العاصمة الخرطوم ومدن رئيسية أخرى في وسط البلاد. ومنذ ذلك الحين، تشهد الفاشر ومخيمات اللجوء المحيطة بها أعمال عنف متواصلة تستهدف أسواقاً وأحياء مدنية.

وسط ذلك، فقدت حليمة هاشم، أمّ لأربعة أطفال تبلغ من العمر 37 عاماً، زوجها في قصف مدفعي في العام الماضي، “حين كان يحاول شراء مستلزمات منزلية”، بحسب ما تخبر وكالة فرانس برس. تضيف: “بعد مقتل زوجي، انتقلنا إلى مخيّم زمزم (للنازحين في ضواحي الفاشر) لكنّ قوات الدعم السريع هاجمته فعدنا إلى الفاشر”، مشيرةً إلى أنّ “الوضع صعب، لكنّ الخروج (من الفاشر) خطر ومكلف ونحن لا نملك المال”.

في إبريل الماضي، أودى قصف مدفعي عنيف على مخيّم زمزم، أحد أكبر مخيمات النازحين في جوار الفاشر، بالمئات، فيما دفع نحو نصف مليون من سكانه إلى الفرار، فانتهى بهم المطاف في شوارع الفاشر ومدن ولاية شمال دارفور. وتحذّر منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) من أنّ الفاشر تحوّلت إلى “بؤرة لمعاناة الأطفال”.

ويقول محمد خميس دودة، عامل إغاثة نزح من مخيّم زمزم إلى الفاشر في إبريل الماضي، إنّ المدينة تعاني “الجوع… وكوارث أخرى”. ويوضح دودة لوكالة فرانس برس أنّ “الأمراض منتشرة في حين لا تتوفّر مياه نظيفة ولا أدوية، الأمر الذي يؤثّر خصوصاً على الجرحى المصابين بشظايا أو طلقات رصاص”. ويتابع: “نحن نرفع صوتنا ونتوجّه إلى كلّ الجهات… للتدخّل فوراً من أجل احتواء أزمة انتهاك حقوق الإنسان بطريقة صارخة وإجبار المقاتلين من الطرفَين” على وقف الحرب “وإنقاذ من تبقّى”.

بينما تحاصر الحرب مئات الآلاف في داخل الفاشر، يفيد الذين حاولوا الفرار إلى مدن مجاورة بأنّ الطريق تملؤها الجثث. وبفعل الحصار والهجمات العنيفة، لا تدخل المساعدات إلى المدينة التي لم تشهد حركة تجارية منذ أشهر، فيما انقطعت الاتصالات عنها، ما يجعل الحصول على صور عن الحياة اليومية تحدياً كبيراً. ولا يخفي السكان أنّ تصوير أماكن معيّنة قد يعرّضهم لهجمات.

وتوضح لقطات نادرة حصلت عليها وكالة فرانس برس مجموعات من خمسة أشخاص أو ستة يتشاركون طبقاً واحداً في تكية (مطبخ جماعي) يملؤها الدخان، فيما يبدو على هؤلاء الهزال. بالقرب منهم، تستخدم نساء عصياً خشبية لتقليب معجون بني ثقيل يغلي في قدور وُضعت على مواقد من جذوع الشجر، فيما ينخل الرجال مسحوقاً من دقيق الدخن والذرة في حال توفّره، علماً أنّهم يستبدلونه بعلف حيوانات في أيام كثيرة. ويخيّم على المشهد صمت ثقيل، لا تقطعه إلا طلقات الرصاص.

وفي الآونة الأخيرة، صارت التكايا تقدّم وجبة مجانية واحدة في اليوم بدلاً من اثنتَين في ظلّ نقص المواد الغذائية. وفي خلال الأسبوع الجاري، توفيت امرأة وأطفالها الثلاثة وجدّتاهم بعدما تغذّوا لأسابيع على علف حيواني، بحسب ما نقل متطوّعون إغاثيون. ويؤكد آدم عيسى، أحد المتطوّعين المحليين، لوكالة فرانس برس، أنّ معدّل وفيات الأطفال في مخيّم أبو شوك للنازحين، في خلال الشهر الجاري، بلغ وحده خمسة أطفال يومياً. يُذكر أنّ الأمم المتحدة كانت قد أعلنت المجاعة في مخيّمَي زمزم وأبو شوك القريبَين من الفاشر، محذّرةً من أنّ 40% من الأطفال يعانون سوء التغذية الحاد أو سوء التغذية الحاد الوخيم.

في سياق متصل، يخبر إبراهيم عيسى، البالغ من العمر 47 عاماً، أنّه يصطحب مع زوجته أطفالهما الستّة إلى إحدى التكايا “حينما تكون الأوضاع هادئة، لنتناول وجبة، ثمّ تعود زوجتي إلى المنزل مع الأطفال وأذهب أنا لإحضار المياه”. يضيف لوكالة فرانس برس: “أمّا في حالة القصف، فنلازم المنزل وندخل إلى الخندق الذي حفرناه قبل تسعة أشهر”. وكان عيسى قد حاول بالفعل الفرار من الفاشر مع عائلته، في أيار/ أيار الماضي، لكنّ الاشتباكات العنيفة منعته من ذلك.

وفي محاولة للنجاة، يتّجه كثيرون غرباً إلى مدينة طويلة، على بعد نحو 70 كيلومتراً من الفاشر، إلا أنّ ثمّة أشخاصاً من بينهم يلاقون حتفهم نتيجة الجوع والعطش على الطريق، وفقاً لمتطوّعين محليّين. ويفيد مراسل وكالة فرانس برس في طويلة بأنّ النازحين إليها بمعظمهم يعانون الصدمة والإرهاق، بالإضافة إلى إصابة كثيرين منهم بطلقات رصاص.

من جهته، يروي صالح عيسى، البالغ من العمر 42 عاماً، لوكالة فرانس برس كيف مشى مع عائلته على مدى ثلاثة أيام قبل الوصول إلى مدينة طويلة. يضيف: “كنّا نسير في الليل لتفادي نقاط التفتيش، ونقضي النهار في ظلّ الأشجار، وبعد ثلاثة أيام بلغنا طويلة”. ويصف الوضع في مدينة طويلة بأنّه “أمان. لا يوجد قصف”، لكنّ “الحصول على الطعام والمياه صعب”.

وخلال عشرة أيام فقط في خلال شهر آب/ آب الجاري، قتلت الهجمات العنيفة 89 شخصاً على الأقلّ في الفاشر وفي مخيّم أبو شوك، بحسب بيانات الأمم المتحدة. واستهدفت هجمات قوات الدعم السريع كذلك مطار الفاشر وأحياء سكنية ومقرّاً للشرطة المحلية.

(فرانس برس، العربي الجديد)