ألمانيا: ميرز يستبعد زيادة الضرائب لسد العجز المتفاقم في الموازنة

ألمانيا: ميرز يستبعد زيادة الضرائب لسد العجز المتفاقم في الموازنة

استبعد المستشار الألماني فريدريش ميرز الأحد أي زيادة في الضرائب على الرغم من عجز الموازنة المتزايد، ودعوات شريكه في الائتلاف الحكومي، الحزب الاشتراكي الديمقراطي لزيادة الإيرادات الضريبية.

وقال الزعيم المحافظ في مقابلة مع قناة ZDF العامة “لدينا عقد ائتلافي واتفقنا على عدم زيادة الضرائب”، مشيرا إلى أن “هذا العقد الائتلافي ساري المفعول”.

ويأتي هذا الموقف بعد أن اقترح وزير المالية ونائب المستشار لارس كلينغبيل من الاشتراكي الديمقراطي، زيادة الضرائب على الدخول المرتفعة لسد فجوة الموازنة المقدرة بنحو 30 مليار يورو بحلول عام 2027.

ونفى ميرز أي “صدام” داخل الائتلاف،  مضيفا: “الحزب الاشتراكي الديمقراطي لديه آراء مختلفة” بشأن قضية الضرائب “وهي مشروعة تماما كما مواقفنا بشأن قضايا أخرى”.

ويسعى ميرز إلى إنعاش الاقتصاد الألماني الذي يشهد تراجعا منذ عام 2023، ولتحقيق ذلك  شدد على ضرورة  “العمل أكثر ولمدة أطول”. وأشار إلى الإجازات المرضية المفرطة وركود الإنتاجية وتكاليف العمالة التي تُعدّ من الأعلى في أوروبا، وتؤثر على القدرة التنافسية للبلاد.

وقال المستشار الألماني في نفس المقابلة التليفزيونية إنه يعوّل على تطبيق ما يُعرف بـ “التقاعد النشط” قريبًا كحافز للعمل لفترة أطول في سن متقدمة، مضيفا: “إذا سار كل شيء على ما يرام، فسوف ننجح في تطبيقه اعتبارًا من الأول من كانون الثاني/كانون الثاني”، مشيرا إلى أن هذه الخطوة تمثل عرضًا للموظفين والموظفات الأكبر سنًا في الشركات لمواصلة العمل لفترة أطول.

يُذْكَر أن نظام “التقاعد النشط” الذي تم الاتفاق عليه في عقد الائتلاف، سيتيح للمتقاعدين كسب دخل إضافي يصل إلى 2000 يورو شهريًا معفاة من الضرائب. 

إعانة المواطن

وفي السياق، قالت وزيرة العمل بيربل باس إنها لا تعتزم إدخال أي زيادة على إعانة المواطنين (بورجرجلد) خلال العام المقبل.

ورداً على استفسار، قال متحدث باسم الوزارة: ” لن تُحدث آلية التحديث القانونية أي تغيير في مبالغ الإعانات القياسية اعتبارًا من 1 كانون الثاني/كانون الثاني 2026″، وتأتي تصريحات المتحدث تأكيدا لصحة تقرير لصحيفة “بيلد”.

ولا تزال خطط الوزيرة المنتمية إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي في حاجة إلى موافقة مجلس الوزراء الألماني. وبذلك ستبقى المخصصات الأساسية لمتلقي دخل المواطن عند 563 يورو شهرياً للأفراد العازبين، بينما سيحصل الأطفال حسب أعمارهم على ما يتراوح بين 357 و471 يورو شهرياً.

يُذكر أن الحكومة الألمانية أدخلت زيادات ملحوظة على إعانة المواطنين في عامي 2023 و2024 لتعويض التضخم، فيما تم تجميد الزيادة هذا العام، ومن المتوقع أن يحدث الشيء نفسه في 2026.

كما أعلنت الوزيرة تشديد العقوبات على متلقي الإعانات في حال التغيب عن المواعيد، وصرحت باس لصحيفة بيلد بقولها: “سأحرص على مزيد من الانضباط في المتابعة. من يتغيب عن موعد بدون سبب سيتم تقليص مخصصاته بشكل أكبر بكثير. الرسالة واضحة: نحن نساعد في طريق العودة إلى سوق العمل، لكن المشاركة مطلوبة. غير ذلك يُعد ظلماً بحق من يستيقظ كل صباح للعمل”.

وبحسب بيانات الحكومة، وصل عدد متلقي دخل المواطنين في عام 2024 إلى نحو 5.5 ملايين شخص، من بينهم قرابة 4 ملايين لديهم القدرة على العمل لمدة لا تقل عن ثلاث ساعات يومياً. ووصل إجمالي مدفوعات هذه الإعانة في العام الماضي إلى ما يقرب من 47 مليار يورو.

كم يجب عليك أن تدخر لتكون ضمن المتوسط العالمي عند التقاعد؟

كم يجب عليك أن تدخر لتكون ضمن المتوسط العالمي عند التقاعد؟

لم يعد الادخار للتقاعد رفاهية أو خياراً مؤجلاً، بل أصبح شرطاً أساسياً لحياة كريمة في الشيخوخة. فبينما كانت خطط المعاشات التقليدية توفر دخلاً مضموناً بعد التقاعد، انتقلت المسؤولية اليوم إلى الأفراد أنفسهم. ومع اتساع الفجوة بين ما يدخره الناس فعلاً وما يحتاجون إليه، يُطرَحُ سؤالٌ جوهري: كم يجب أن أدخر شهرياً أو سنوياً كي أكون على خط المتوسط العالمي؟

تشير بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) إلى أن معدل الإحلال الصافي – أي نسبة الدخل التقاعدي إلى الدخل قبل التقاعد – يبلغ في المتوسط حوالي 61% على مستوى الدول الأعضاء بالمنظمة (38 دولة عضواً، معظمها من الاقتصادات المتقدمة إضافة إلى بعض الاقتصادات الصاعدة). وهذا يعني أن من يحصل على راتب مقداره 1000 دولار قبل التقاعد، ينبغي أن يتوقع معاشاً لا يقل عن 600 دولار للحفاظ على مستوى معيشته. لكن هذه النسبة لا تأتي كلها من الدولة، إذ إن تغطية أنظمة المعاشات الرسمية تتراجع بسبب شيخوخة السكان وارتفاع كلفة الرعاية الصحية، وهو ما يفرض على الأفراد الادخار لتعويض الفجوة.

وفي الولايات المتحدة، أوصت شركة فيديليتي للاستثمارات بأن يمتلك الفرد عند سن 67 مدخرات تعادل 10 أضعاف راتبه السنوي، مع الالتزام بادخار 15% من دخله الإجمالي سنوياً منذ بداية الحياة العملية. أما شركة تي. رو برايس فحددت معايير عمرية، مثل أن يمتلك الفرد ما يعادل راتبه السنوي عند 35 عاماً، وثلاثة أضعافه عند 40 عاماً، لتصل النسبة إلى عشرة أضعاف عند التقاعد.

“مال مجاني” يجب عدم إضاعته

من أبرز الأدوات التي تساعد على بلوغ هذه الأهداف مفهوم مطابقة صاحب العمل (Employer Match). ومطابقة صاحب العمل – بعض الخطط التقاعدية مثل 401 (k) في الولايات المتحدة أو المعاشات المهنية في أوروبا- تعني أن الشركة أو المؤسسة التي تعمل لديها تلتزم بالمساهمة بجزء من راتبك لصالح حساب التقاعد، لكن بشرط أن تساهم أنت أيضاً. تشاركك في مدخراتك التقاعدية بنسبة معينة من راتبك، بشرط أن تقوم أنت أيضاً بالمساهمة. على سبيل المثال لو كان راتبك الشهري 1000 دولار، وقررت أن تودع 5% منه (50 دولاراً) في خطة التقاعد الخاصة بك، وكان صاحب العمل يقدم مطابقة بنسبة 5%، فإنه سيضيف أيضاً 50 دولاراً إضافياً شهرياً من ماله الخاص إلى حسابك. وهذا يعني أنك ضاعفت مدخراتك تلقائياً من دون أي تكلفة إضافية.

ووفقاً لبيانات فيديليتي، فإن الموظف الذي لا يستغل هذا الخيار يخسر سنوياً آلاف الدولارات من “المال المجاني” الذي كان يمكن أن يعزز مدخراته. لذلك، يعتبر الخبراء أن أول خطوة ذكية في الادخار هي المساهمة بنسبة تغطي كامل المطابقة، حتى لو كانت هذه المساهمة صغيرة مبدئياً. بعض الشركات تحدد سقفاً معيناً، مثل مطابقة حتى 3% أو 5% من راتبك. وإذا لم تساهم على الأقل بنسبة تغطي هذا السقف، فإنك تخسر فرصة الحصول على هذا الدعم المباشر. وفي الولايات المتحدة، يعتبر الحصول على المطابقة حتى الحد الأقصى (مثلاً 5%) من أهم خطوات الادخار الذكي للتقاعد. وفي أوروبا، توجد صيغ مشابهة ضمن خطط “المعاشات المهنية” حيث تساهم الشركة بجزء من راتب الموظف إلى جانب مساهمته.

نسب الادخار المطلوبة بحسب العمر

إذا كان هدفك هو بلوغ معدل الإحلال العالمي (60%)، فإن المطلوب هو تراكم مدخرات تعادل نحو 6.25 أضعاف دخلك السنوي عند التقاعد. وبحسب تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وفيديليتي، يتطلب ذلك النسب التالية:

عند سن 35: ادخار 12% من الدخل سنوياً.

عند سن 40: 15%.

عند سن 45: 20%.

عند سن 50: 25–30%.

أما إذا أردت اللحاق بالمعيار الأميركي الأكثر تحفظاً (10× الدخل عند سن 67)، فإن الأرقام تصبح أكثر تشددًا: 15% سنويًّا منذ العشرينيات، 20% إذا بدأت في منتصف الثلاثينيات، و24% عند الأربعينيات، وفق “تي. رو برايس”

اختلاف المطلوب بحسب المناطق

الولايات المتحدة وأوروبا الغربية: رغم وجود معاشات حكومية، يجعل ارتفاع كلفة المعيشة الادخار الشخصي ضرورة، وغالباً ما يوصي الخبراء بادخار لا يقل عن 15% من الدخل سنوياً.

اليابان والصين: بفضل ثقافة الادخار العائلية، يبلغ متوسط أصول الأسر فوق 60 عاماً ما بين 150 و250 ألف دولار، وهو ما يعادل 8–10 أضعاف الدخل السنوي، مما يجعل الادخار المبكر (10–15%) قاعدة ذهبية، وفق البنك المركزي الياباني.

الهند والشرق الأوسط (خارج الخليج): ضعف أنظمة المعاشات يجعل المطلوب أعلى بكثير، إذ ينصح الخبراء بادخار 20% من الدخل سنوياً ابتداء من منتصف الثلاثينيات لتأمين تقاعد مريح، بحسب البنك الدولي.

دول الخليج: يحصل المواطنون على معاشات حكومية تغطي بين 60 و80% من آخر راتب، وهو ما يقلل الحاجة إلى مدخرات ضخمة، لكن الوافدين مضطرون إلى ادخار مستقل لا يقل عن 15–20% سنوياً، وفقاً لصندوق النقد الدولي.

أمثلة تطبيقية واقعية

موظف يبلغ دخله 60 ألف دولار سنوياً ويبدأ الادخار عند 35 عاماً: إذا التزم بنسبة 12% (7200 دولار سنوياً، أي 600 دولار شهرياً)، فسيكون قادراً على بلوغ المتوسط العالمي عند سن التقاعد.

إذا بدأ الموظف نفسه عند سن 40، فيجب أن يرفع المبلغ إلى 9000 دولار سنوياً (750 دولاراً شهرياً).

أما إذا انتظر حتى سن 50، فإن المطلوب يرتفع إلى 15 ألف دولار سنوياً (1250 دولاراً شهرياً)، ما يجعل المهمة أصعب بكثير.

هذه الأمثلة توضح بجلاء أن البدء المبكر هو العامل الحاسم، لأن نسبة الادخار المطلوبة تتضاعف كلما تأخرت.

السر في الاستمرارية والبدء المبكر

التحاقك بالمتوسط العالمي للادخار التقاعدي لا يتطلب راتباً ضخماً أو ظروفاً استثنائية بقدر ما يتطلب عقلية انضباط مالي واستمرارية في الادخار منذ سنوات العمر الأولى. فبحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن العامل الأهم في بناء رصيد تقاعدي كاف هو طول فترة الادخار لا حجمه في البداية. كل عام تؤجله يزيد العبء لاحقاً بشكل مضاعف، إذ إن من يبدأ الادخار عند سن 25 بنسبة 10% من دخله قد يصل في سن 65 إلى رصيد يعادل 8 – 10 أضعاف دخله السنوي، بينما يحتاج من يبدأ عند سن 40 إلى مضاعفة النسبة إلى 20 – 25% فقط للوصول إلى المستوى نفسه.

وتشير تقديرات فيديليتي للاستثمارات إلى أن النسبة السحرية التي تكفي معظم الناس حول العالم هي 15% من الدخل الإجمالي سنوياً بدءاً من العشرينيات، شاملة مساهمة صاحب العمل إن وجدت. وهذه النسبة ليست عشوائية، بل مبنية على احتسابات تتعلق بالعوائد المركبة التي تنمو مع الزمن. فاستثمار مبلغ صغير باستمرار منذ سن مبكرة يتيح للأموال أن تتضاعف مرات عدة بفعل الفائدة المركبة، بينما لا يستطيع أي ادخار متأخر أن يعوض الخسارة الزمنية بسهولة، حتى لو كانت المبالغ أكبر.

ويؤكد خبراء تي. رو برايس أن الأرقام المطلقة ليست هي المعيار الأهم، إذ قد يمتلك شخص 150 ألف دولار في دولة ذات تكاليف معيشية منخفضة ما يضمن له تقاعداً مريحاً، بينما قد يحتاج آخر إلى نصف مليون دولار في بيئة أكثر كلفة ليحصل على مستوى المعيشة نفسه. لذلك، المعيار الحقيقي هو قدرة المدخرات على تغطية 60 – 70% من متوسط دخلك الحالي، بما يكفل حياة كريمة في الشيخوخة بعيداً عن الفقر أو الاعتماد على الأسرة والدولة.

ويذهب بعض الاقتصاديين إلى أن السر ليس فقط في البدء المبكر، بل أيضاً في الاستمرارية وعدم الانقطاع. فكثيرون يبدؤون الادخار بحماسة في سنوات عملهم الأولى ثم يتوقفون عند مواجهة ضغوط مالية مثل شراء منزل أو تعليم الأبناء. غير أن الانقطاع ولو لبضع سنوات يكلف كثيراً على المدى الطويل. على سبيل المثال، من يدخر 500 دولار شهرياً لمدة 40 عاماً مع عائد سنوي 5% قد يجمع أكثر من 600 ألف دولار، بينما من يتوقف 10 سنوات في منتصف الطريق قد يخسر ما يقرب من ثلث هذا المبلغ بسبب ضياع أثر الفائدة المركبة. ويمكن القول إن الادخار للتقاعد يشبه سباق الماراثون لا العدو السريع. الفوز فيه لا يعتمد على الانطلاق بقوة مفاجئة، بل على الجهد المتواصل بوتيرة ثابتة. والالتزام بنسبة معقولة (حتى لو 10- 12% في البداية) ثم زيادتها تدريجياً مع نمو الدخل، هو ما يضمن تراكماً مستقراً ومتوازناً يجعل المستقبل أكثر أماناً وأقل قلقاً.