بمواجهة هجمات دونالد ترامب، تطلق كندا سلسلة من مشاريع البنى التحتية الكبرى من مرافئ وطرقات عامة ومناجم وخطوط أنابيب، ساعية إلى تنويع اقتصادها للخروج من اعتمادها على السوق الأميركية وتفادي أزمة اقتصادية. وكشف رئيس الوزراء الكندي مارك كارني ليلة انتخابه في إبريل/نيسان الماضي، عن خطته لإعادة إطلاق اقتصاد بلاده معلناً أمام مناصري حزبه الليبرالي “لنبنَ ونبنِ”، في تحوير لشعار الرئيس الأميركي الشهير بشأن النفط “لنحفر ونحفر”، واعداً بإحداث أكبر تحول في الاقتصاد الكندي منذ الحرب العالمية الثانية.
وفي هذا السياق، أعلنت الحكومة في أواخر آب/آب الماضي، إنشاء مكتب خاص أطلقت عليه اسم “مكتب المشاريع الكبرى”، مكلف الإشراف على هذه الخطط، وذلك بعد إمرار قانون حظي بتأييد واسع، يخولها تسريع “مشاريع بناء الأمة”. وسيكشف المكتب خلال الأيام المقبلة قائمة المشاريع ذات الأولوية. وانطلقت هذه السياسة الجديدة من التدهور المفاجئ في العلاقة مع الولايات المتحدة عند عودة ترامب إلى البيت الأبيض مطلع العام.
وكان للرسوم الجمركية المشددة التي فرضها الرئيس على كندا وتهديداته بضمها، وقع الصدمة في بلد تشكل الدولة الوحيدة المجاورة له إلى الجنوب شريكه الاقتصادي الأول. ويعتزم كارني الذي انتخب بناء على وعد بالتصدي لترامب، تحريك المشاريع الكبرى، وفي الوقت نفسه تنويع شركاء بلاده الاقتصاديين ولا سيما بالتقرب من أوروبا.
اقتصاد في خطر
وصرح كارني أواخر آب خلال مؤتمر صحافي مشترك مع المستشار الألماني فريدريش ميرز، أن “حكومتنا بصدد تخصيص 500 مليار دولار للاستثمار في بنى تحتية، من بينها مشاريع طاقة ومرافئ”، خلال زيارة لألمانيا تم خلالها توقيع اتفاق لتعزيز التعاون في مجال المواد الخام الرئيسية بما في ذلك العناصر الأرضية النادرة. ورأى خبير الطاقة في “منتدى السياسة العامة” جاي كوسلا أن كندا حالياً في لحظة مفصلية، مضيفاً: “نعرف أن اقتصادنا في خطر”.
وأوضح الموظف الحكومي السابق لوكالة فرانس برس، أن خطة المشاريع هذه ما كانت ممكنة لولا سياسة ترامب، معتبراً أن الرئيس الأميركي منح كندا فرصة فريدة للقيام بـ”تفكير معمق”. وأشار إلى أن السنتين أو السنوات الثلاث المقبلة ستكون حاسمة للبلاد “الواقعة في مأزق” في ظل معدل بطالة وصل إلى 7.1% في آب، وهو أعلى مستوى يسجله منذ 2016 باستثناء في مرحلة تفشي جائحة كوفيد.
ويعتزم كارني الاعتماد بشكل خاص على الثروات الهائلة التي يحتوي عليها باطن الأرض ليجعل من كندا “قوة عظمى في مجال الطاقة”، من خلال تطوير مصادر الطاقة المتجددة إنما كذلك الأحفورية. وكندا رابع دولة مصدرة للنفط، وتملك ثالث أكبر احتياطي نفطي في العالم. وتتركز مواردها بصورة أساسية في مقاطعة ألبرتا (غرب) من حيث إنها تصدر المحروقات بشكل رئيسي إلى الولايات المتحدة، لعدم امتلاك بنى تحتية ضرورية للوصول إلى أسواق أخرى.
لنأخذ الوقت الكافي
وفي قطيعة مع قرارات سلفه جاستن ترودو، يؤيد كارني تصدير الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا. وقال وزير الطاقة تيم هودجسون خلال مؤتمر صحافي في برلين الأسبوع الماضي، إن “مشتري الغاز الطبيعي المسال ومستخدميه الألمان” يبدون اهتماماً خاصاً بإنتاج كندا. ودشنت كندا هذا الصيف مشروعين كبيرين للطاقة كانا قيد الإنشاء منذ سنوات، هما منشأة “إل إن جي كندا”، أول منشأة لتصدير الغاز الطبيعي المسال على نطاق واسع، وتمديد خط أنابيب “ترانس ماونتن” الذي ينقل النفط من الرمال النفطية في ألبرتا إلى الساحل الغربي.
لكن هذا التحول يثير مخاوف المنظمات غير الحكومية ولا سيما غرينبيس التي تندد بتراجع المعايير البيئية وتطالب الحكومة بـ”إعطاء الأولوية للحلول المناخية وليس لخطوط أنابيب النفط والغاز”. كما تخشى مجموعات السكان الأصليين أن يطغى النمو الاقتصادي على حقوق “الشعوب الأولى”. وفي هذا السياق، انتقدت سيندي وودهاوس الرئيسة الوطنية لـ”جمعية الشعوب الأولى” سياسة كارني الداعمة لمنشآت الطاقة، وقالت “نعرف ما يعني أن يكون لدينا ترامب على حدودنا. دعونا لا نقوم بذلك ونعتمد سياسات مشابهة لسياسات ترامب”. وأضافت “دعونا نأخذ الوقت الكافي ونؤدي الأمور بالطريقة الصحيحة”.
يكشف موسم تساقط الأمطار في اليمن وتدفق السيول من الجبال إلى الأودية هشاشة وضعف شبكة الطرقات والبنى التحتية التي تضررت أيضاً بشكل كبير بسبب الحرب المستمرة منذ أكثر من عشر سنوات، وغياب الصيانة. وتشهد البلاد منذ منتصف آب/ آب الماضي أمطاراً غزيرة تسببت في سيول جارفة في عدد من المحافظات، وألحقت أضراراً بأكثر من 100 ألف شخص، بحسب ما أفادت لجنة الإنقاذ الدولية، كما أدت إلى وفاة العشرات.
وتتكرر هذه الظاهرة سنوياً من دون أن تتخذ الأجهزة الحكومية أي إجراءات لتقليصها. وبحسب تقديرات البنك الدولي تغطي شبكة الطرقات في اليمن نحو 71 ألف كيلومتر، نسبة كبيرة منها غير معبّدة، ما يزيد صعوبة التنقل.
يقول عبد الواحد الحداد، الذي نجا بأعجوبة من الغرق مع أفراد من أسرته، حين جرفت سيول سيارته خلال سفره من عدن إلى تعز لـ”العربي الجديد”: “عدت في نهاية آب مع أسرتي من عدن إلى تعز، وكنت أقود سيارتي الخاصة حين فوجئت بسيول جارفة في منتصف الطريق غمرت أجزاء كبيرة من سيارتي وجرفتها، لكن من حسن الحظ أن السيول سحبت السيارة إلى طرف الطريق، فاستطعنا الخروج بصعوبة بمساعدة أهالي المنطقة”.
ويمثل الطريق البديل الذي يربط محافظة تعز بعدن أحد الطرقات الأكثر تعرضاً لحوادث السيول، فمنذ اندلاع الحرب عام 2015 قطعت جماعة الحوثيين الطريق الرئيسي الذي يربط بين المدينتين، ما جعل السكان يستخدمون طريقاً بديلاً عبر مدينة التربة، وهو أطول مسافة، ويضم أجزاءً وعرة ومجرى سيول تأتي من الجبال وتصب في محافظة لحج، وصولاً إلى عدن، قبل أن تستقر في بحر العرب.
وباعتباره المنفذ الوحيد لمدينة تعز نحو عدن يعج هذا الطريق بسيارات المسافرين وشاحنات نقل البضائع والمواد الغذائية والتموينية على مدار الساعة. وفي حال تدفقت السيول تزداد المخاطر على المسافرين نتيجة وجود منافذ قليلة لتجنّب السيول. ويشهد هذا الطريق بالتالي حوادث غرق سيارات وشاحنات سنوياً، ما يتسبب في سقوط ضحايا. وفي آب 2017 تدفقت سيول جارفة أسفرت عن وفاة أكثر من 20 شخصاً، وجرفت أكثر من 15 سيارة وشاحنة.
أيضاً تعد الحسوة في عدن من المناطق الأكثر تعرضاً لسيول جارفة تأتي من محافظة لحج، وتغمر أحياءً بكاملها، ما يدمّر مئات من المنازل ويلحق أضراراً كبيرة بشبكة الكهرباء، ويجرف سيارات، ويتسبب في سقوط عدد غير معروف من الضحايا. وفي محافظة شبوة (جنوب) توفي ستة أشخاص في مديريات بيحان والطلح وعسيلان، بعدما جرفت سيول تمر في أودية تستخدم طرقات عدداً من السيارات، ودمّرت أيضاً طرقات وأراضي زراعية وممتلكات وقطعت شبكات للتيار الكهربائي.
عبور صعب لشاحنة في صنعاء، 23 آب 2025 (محمد حمود/ Getty)
وفي مديرية جبل حبشي، غربي تعز، التي تعد طريقاً رئيسياً للسيارات، تسببت السيول في وفاة رجل وطفلة وجرح آخرين، ونفوق حيوانات، وجرفت عدداً كبيراً من السيارات، وألحقت أضراراً كبيرة بالممتلكات. وفي مدينة تريم بوادي حضرموت (شمال شرق)، كشف المنخفض الجوي الذي شمل محافظة حضرموت هشاشة البنى التحتية وشبكة الطرق، بعدما تدفقت السيول وقطعت الطرقات وجرفت مساحات زراعية، وعزلت منازل في وادي العين وحورة. وغرق شاب في منطقة السويري بتريم.
يقول سيف غالب، وهو سائق مركبة لنقل المسافرين بين عدن وتعز، لـ”العربي الجديد”: “تزداد خلال موسم الأمطار مخاطر السيول التي تتدفق في مجرى المقاطرة، خاصة أن هذا التدفق يحصل فجأة ويمثل خطراً على السيارات والشاحنات. وخلال موسم الأمطار نحرص على السفر صباحاً، لأنه أكثر أماناً من الساعات الأخيرة من النهار أو المساء التي تكون أكثر عرضة لتساقط الأمطار وتدفق السيول”.
وتضررت شبكة الطرقات في اليمن نتيجة العمليات العسكرية التي دمّرت أكثر من 100 جسر وثلث الطرقات المعبدة، كما أغلقت هذه العمليات طرقات رئيسية كثيرة تربط بين المحافظات، وظلت تلك المفتوحة من دون صيانة منذ بداية الحرب، ما حتم لجوء المواطنين إلى طرقات بديلة أكثر خطورة.
وعلى امتداد اليمن باتت شبكة الطرقات متهالكة ما يفاقم الحوادث، بسبب العجز عن صيانتها وتجديدها وتوسيعها بما يتناسب مع تزايد عدد مستخدميها والمركبات التي تعبرها. ومعظم الطرقات الرئيسية في اليمن شيّدت بدعم خارجي خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، ما يعني أن عمرها الافتراضي انتهى، وباتت تحتاج إلى صيانة توقفت بالكامل خلال سنوات الحرب. كما تعد التضاريس الوعرة من أبرز العوامل التي تؤثر سلباً بشبكات الطرق، خصوصاً تلك التي تمر في وديان وجبال وعرة، أو صحارى ترابية ما يعرضها للتهالك، ويزيد معدلات الخطورة خاصة على الشاحنات والمركبات الكبيرة.
يقول المهندس محمد القحطاني لـ”العربي الجديد”: “تقع معظم شبكة الطرقات في اليمن في مجاري سيول، بسبب التضاريس الجبلية الوعرة وغياب التخطيط السليم. وبالتالي تتدفق السيول من الجبال إلى الأودية ما يعرّض الطرقات للتدمير والانجراف، في ظل غياب التخطيط والمعايير الهندسية الخاصة بالمسارات، ومشاريع تصريف المياه، والصيانة الدورية”. يتابع: “يضاف إلى ذلك البناء العشوائي في مجاري السيول ما يتسبب في كوارث كبيرة، كما حصل أخيراً في منطقة الحسوة بعدن”.