
كلفة احتلال غزة وأزمة الاقتصاد الإسرائيلي
قد يغامر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وحكومته المتطرفة ويحاول احتلال قطاع غزة عسكرياً، وقد يأخذه الغرور ويحاول ارتكاب تلك الحماقة، خاصة أنه حصل على موافقة المجلس الوزاري المصغر على مقترح السيطرة على مدينة غزة ضمن خطة أوسع لاحتلال القطاع بالكامل. وفي 8 آب/آب الماضي، أقرت حكومته خطة طرحها نتنياهو، لإعادة احتلال القطاع بالكامل تدريجياً، بدءاً بمدينة غزة. بل إن وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس ورئيس الأركان إيال زامير صدَّقا على خطط احتلال المدينة وبدء استدعاء 60 ألف جندي احتياط.
لكن مغامرة إعادة احتلال قطاع غزة عسكرياً ليست بالسهولة التي قد يتخيلها نتنياهو وحكومته المتطرفة في إسرائيل. لا أتحدث هنا من وجهة نظر عسكرية بحتة، فاحتلال غزة يحتاج إلى خطوات منها تعبئة ربع مليون جندي احتياط في غضون أشهر قليلة، قبل نهاية السنة المالية الحالية، واستيراد مزيد من الأسلحة والمعدات، وتغطية الكلف المالية الضخمة، بما فيها المتعلقة بتمويل علاج أزمة النازحين من مدينة غزة، والتي تُقدر بنحو أربعة مليارات شيكل.
علماً أن تكلفة تجنيد قوات الاحتياط، واستخدام الذخيرة والعتاد لاحتلال غزة تُقدر بنحو 350 مليون شيكل يومياً، وبما يعادل نحو 50 مليار شيكل بحلول نهاية عام 2025، وهو مبلغ يضاف للخسائر الاقتصادية التي تكبدتها دولة الاحتلال جراء الحرب على القطاع، والتي تفوق المائة مليار دولار، وهي تكلفة سيضطر الإسرائيلي لدفعها في صورة ضرائب وتضخم في أقرب فرصة أو بعد نهاية الحرب.
أتحدث من وجهة نظرة اقتصادية ومالية شاملة، وارتدادات تلك العملية العسكرية الواسعة والخطيرة على الاقتصاد الإسرائيلي، والتي قد تعيده إلى المربع الأول. وفق التقديرات فإن التكلفة الإجمالية لتمويل الحملة العسكرية لاحتلال غزة قد تصل إلى 180 مليار شيكل، أي ما يعادل 52.6 مليار دولار، وإن تلك النفقات الضخمة لم تجرِ مناقشتها بعد، سواء داخل الحكومة أو الكنيست، على مستوى كيفية تدبيرها، أو تأثيراتها الخطيرة على الموازنة والنفقات العامة ودافعي الضرائب والخدمات المقدمة للإسرائيلي من تعليم وصحة ورعاية اجتماعية وبنية تحتية وغيرها.
بل إن تقديرات مسؤولين في وزارة المالية الإسرائيلية ترى أن التكلفة المتوقعة لتغطية تكاليف احتلال غزة وتوسيع الحرب القائمة، والتي تتراوح بين 120 و180 مليار شيكل وفق أرقامها، قد ترفع العجز المالي لموازنة إسرائيل إلى نحو 7% هذا العام بزيادة 2%، وتعقد مهمة الحكومة في إدارة الاقتصاد والتعاطي مع أسوأ أزمة أمنية تشهدها دولة الاحتلال منذ نشأتها.
وقبل أن يفكر نتنياهو في ارتكاب حماقة احتلال غزة، فإنه يجب أن يدرك أن الاقتصاد الإسرائيلي قد يشهد انهياراً أو على الأقل تراجعاً حاداً على مستوى معدل النمو والمؤشرات الأخرى وتفاقم الدين العام والتضخم، ودعم هشاشة الاقتصاد وزيادة منسوب التعثر المالي لأنشطته، وأن الكلفة المتوقعة ستزيد الفجوة بين الحكومة والإسرائيلي، الذي سيكون عليه دفع مزيد من الضرائب والرسوم وزيادات في التضخم وأسعار السلع مقابل تمويل الحملة العسكرية، وأن يتوقع تراجعاً كبيراً في مستوى الخدمات المقدمة له مقابل تدبير الحكومة السيولة المطلوبة لاحتلال غزة.
كما أن تبعات احتلال غزة ستؤدي إلى حدوث تأثيرات اقتصادية خطيرة أخرى، منها تنامي سلاح المقاطعة ضد كل ما هو إسرائيلي والدول الشركات الداعمة لحرب الغبادة الجماعية في غزة، وهروب ما تبقى من استثمارات أجنبية، وتخفيضات متتالية في التصنيف الائتماني لإسرائيل إلى مستويات دول عربية وأفريقية تعاني من أزمات مالية طاحنة، وحدوث شلل في الأنشطة الاقتصادية، مع زيادة المخاطر الجيوسياسية، وسحب 250 ألفاً من سوق العمل لإلحاقهم بالجيش كجنود احتياط.
كما أن احتلال غزة سيزيد وتيرة مقاطعة دول العالم لإسرائيل اقتصادياً واستثمارياً، وزيادة التعامل مع إسرائيل على أنها دولة منبوذة وعنصرية، وانسحاب مزيد من الشركات والصناديق الاستثمارية العالمية الكبرى، وهو ما يؤثر على مركزها الاستثماري والمالي والتكنولوجي الذي سعت لتأسيسه طوال سنوات، وكذا على الصورة الذهنية التي حاولت رسمها في السنوات الأخيرة وهي أنها واحة الأمن والاستقرار في منطقة تموج بالاضطرابات والحروب والمخاطر الجيوسياسية والأمنية.