ترامب يستعد لمعركة قضائية تهدد استقلالية الفيدرالي

ترامب يستعد لمعركة قضائية تهدد استقلالية الفيدرالي

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب استعداده لخوض معركة قضائية مفتوحة مع عضو مجلس الاحتياطي الفيدرالي “البنك المركزي الأميركي” ليزا كوك، بعد أن أصدر قراراً بعزلها بدعوى ارتكابها مخالفات تتعلق بتزوير بيانات في طلبات رهن عقاري. وقال ترامب، خلال اجتماع لمجلس الوزراء، أول أمس الثلاثاء، إنه “غير قلق” من التحدي القانوني المتوقع، مضيفاً أن القضية تتعلق مباشرة بملف حساس هو الرهون العقارية، وأن أي خلل فيه لا يمكن التساهل معه، بحسب “بلومبيرغ”. ولم يسبق لرئيس أميركي أن أقال عضواً من مجلس محافظي الفيدرالي منذ تأسيسه عام 1913.

وفي أول تعليق رسمي على القرار، أكد مجلس الاحتياطي الفيدرالي أنه سيلتزم بأي حكم قضائي قد يصدر بشأن شرعية عزل كوك، وأنه أجل حسم وضعها الوظيفي إلى حين الفصل في الدعوى القضائية. من جانبها، أكدت كوك أنها لن تستقيل، وأنها ستلجأ إلى المحاكم لإبطال القرار، وقالت في بيان رسمي: “سأواصل أداء مهامي لخدمة الاقتصاد الأميركي كما كنت منذ 2022″، فيما أعلن محاميها آبي لويل أن الخطوة التي اتخذها ترامب تمثل “تجاوزاً صارخاً للقانون” بحسب “رويترز”. 

تهديد لاستقلالية الفيدرالي

واعتبر ديمقراطيون قرار ترامب بإقالة كوك “انقلاباً استبدادياً” إذ قالت إليزابيث وارن، كبيرة الديمقراطيين في لجنة البنوك بمجلس الشيوخ، إن إقالة كوك “انتهاك صارخ لقانون الاحتياطي الفيدرالي ومحاولة غير قانونية يجب إسقاطها في المحكمة”، وفق واشنطن بوست. يشار إلى أن استقلالية الفيدرالي تعد حجر الأساس لثقة المستثمرين العالمية بالاقتصاد الأميركي، وأي مساس بها قد ينعكس سلباً على تصنيفات الديون الأميركية ويزيد تكاليف الاقتراض.

وألمح ترامب إلى أنه يفكر في إعادة ترتيب مقاعد الفيدرالي لتعزيز نفوذه. فقد اقترح نقل ستيفن ميران، رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين، من المقعد قصير الأجل إلى المقعد الذي تشغله كوك، والذي يمتد حتى عام 2038، ما يمنحه فرصة لتشكيل أغلبية موالية له داخل المجلس (4 من أصل 7 أعضاء). وسيمنح ذلك ترامب نفوذاً مباشراً على السياسة النقدية، خصوصاً في ظل دعواته المتكررة إلى خفض أسعار الفائدة بشكل حاد لدعم النمو قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وقال مستثمرون ومحللون، إن استقلالية الفيدرالي كانت على الدوام خطاً أحمر في ما يخص أسواق وول ستريت ووكالات التصنيف الائتماني، وأي شعور بأن قرارات البنك المركزي باتت خاضعة لضغوط سياسية قد ينعكس على سعر الدولار، وعوائد السندات، وثقة المستثمرين الدوليين. ووفقاً لتقديرات “فاينانشال تايمز”، فإن هذه المواجهة بين ترامب والفيدرالي قد يضعف موقف الولايات المتحدة في إدارة الدين العام الذي تجاوز 34 تريليون دولار، كما قد يزيد من هشاشة الأسواق الناشئة المرتبطة بالدولار.

وجاءت ردات فعل الأسواق حذرة منذ تداولات الثلاثاء. فقد ارتفع العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات بنحو 7 نقاط أساس ليسجل 4.46%، مع تزايد المخاوف من أن يؤدي الصراع إلى تعطيل مسار السياسة النقدية. في المقابل، شهد مؤشر الدولار (DXY) تراجعاً طفيفاً إلى 101.9 نقطة بعد أن سجل مكاسب في بداية الجلسة، ما يعكس انقسام المستثمرين بين توقعات خفض الفائدة السريع إذا تمكن ترامب من السيطرة على الفيدرالي، وبين المخاوف من اهتزاز الثقة المؤسسية. أما أسواق الأسهم، فقد أنهى مؤشر S&P 500 الجلسة منخفضاً بنسبة 0.6%، فيما سجل مؤشر ناسداك تراجعاً أكبر بلغ 1.1%، مع هبوط أسهم البنوك الكبرى مثل جي بي مورغان وسيتي غروب نتيجة القلق من تقويض استقلالية المؤسسة النقدية.

منطقة مجهولة

وبحسب تقرير أكسيوس الأميركي، فإن قرار ترامب بعزل ليزا كوك يدفع الولايات المتحدة إلى ما وصف بأنه “منطقة مجهولة” في تاريخ العلاقة بين البيت الأبيض والبنك المركزي. فالإقالة لا تعد مجرد خطوة فردية ضد مسؤول بعينه، بل تحمل دلالات أوسع قد تغير القواعد المؤسسية المستقرة منذ أكثر من قرن. فإذا أقر القضاء بسلامة هذه الخطوة، فسيعني ذلك أن أي رئيس مستقبلي يمكنه استخدام الذريعة نفسها لفصل أعضاء الفيدرالي متى شاء، وهو ما يحول استقلالية البنك المركزي من قاعدة راسخة إلى خيار سياسي يخضع لتقديرات السلطة التنفيذية.

وأشار التقرير إلى أن هذه السابقة المحتملة قد تعرض أمام المحكمة العليا لتحديد المدى الدستوري لعبارة “لأسباب مبررة” التي ينص عليها قانون الاحتياطي الفيدرالي. وحتى الآن لم يسبق لأي محكمة أميركية أن تعاملت مع قضية تتعلق بإقالة عضو من مجلس محافظي الفيدرالي، مما يجعل أي حكم قضائي في هذا الملف سابقة ستستشهد بها في العقود المقبلة. وإذا قررت المحكمة العليا دعم سلطة الرئيس في التفسير الفضفاض لعبارة “لأسباب مبررة”، فسيعني ذلك توسيعاً جذرياً للسلطات الرئاسية على حساب استقلال المؤسسات التنظيمية.

يذكر أنّ العلاقة بين الرؤساء الأميركيين والبنك الفيدرالي شهدت توترات عديدة، لكن من دون أن تصل إلى مستوى العزل المباشر. فعلى سبيل المثال، كان الرئيس ريتشارد نيكسون في السبعينيات يآذار ضغوطاً كبيرة على رئيس الفيدرالي آنذاك آرثر بيرنز لخفض الفائدة قبل الانتخابات، وهو ما أثار لاحقاً انتقادات بأنه ساهم في انفجار التضخم. كذلك، اصطدم الرئيس دونالد ترامب نفسه خلال ولايته الأولى مع رئيس الفيدرالي جيروم باول، ووصل به الأمر إلى وصفه بـ “الغبي والعدو الأكبر”، لكنه لم يملك صلاحية عزله. وما يفعله ترامب اليوم يتجاوز كل هذه السوابق، إذ يحاول أن يؤسس لأول مرة لحق مباشر في إقالة عضو من المجلس، وهو ما قد يستخدم مستقبلاً لتغيير تشكيل الفيدرالي بما يتماشى مع أي أجندة سياسية آنية.

الاقتصاد الأميركي ينمو بوتيرة 3.3% مدفوعاً بالاستثمار وتجارة السلع

الاقتصاد الأميركي ينمو بوتيرة 3.3% مدفوعاً بالاستثمار وتجارة السلع

أظهرت بيانات رسمية حديثة أن الاقتصاد الأميركي واصل مساره التصاعدي في الربع الثاني من العام، بوتيرة أسرع قليلاً مما كان متوقعاً في التقديرات الأولية، مستفيداً من زيادة ملحوظة في الاستثمار التجاري وطفرة غير مسبوقة في الصادرات الصافية. وتعكس هذه البيانات قوة بعض قطاعات الاقتصاد، في حين تحذر من تباطؤ النمو الأساسي مع تزايد تأثير السياسات التجارية للرئيس دونالد ترامب على المستهلكين والشركات.

وكشف مكتب التحليل الاقتصادي أن الناتج المحلي الإجمالي المعدل على أساس التضخم ارتفع بنسبة 3.3% سنوياً، مقارنة بتقدير أولي بنسبة 3%. وقد سجل الاستثمار التجاري نمواً قوياً بنسبة 5.7% بعد ارتفاعه الحاد في الربع الأول، مدعوماً بمراجعة صعودية في الاستثمار في معدات النقل وتسجيل أقوى نمو في المنتجات الفكرية منذ أربع سنوات. وتشير هذه الأرقام إلى تعافي نشاط الاقتصاد الأميركي بعد التراجع في الربع الأول، الذي كان نتيجة لاستباق الشركات لرفع الرسوم الجمركية على الواردات، وفقاً لما أوردت بلومبيرغ اليوم الخميس.

ومع ذلك، يشير خبراء الاقتصاد في سيتي غروب إلى أن “المراجعات لا تغير من حقيقة تباطؤ الطلب الأساسي في معظم أجزاء الاقتصاد الأميركي، باستثناء بعض القطاعات المحددة”. ويتوقعون أن يستمر النمو في التباطؤ مع ضعف سوق العمل وزيادة تأثير الرسوم الجمركية على النشاط الاقتصادي. وقد تباطأت قوة الدولار الأميركي بعد صدور البيانات، في حين بقيت عوائد سندات الخزانة لأجل عامين مرتفعة، مع توقع غالبية المتداولين أن يخفّض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة الشهر المقبل.

وتشير بيانات الدخل القومي الإجمالي، التي تقيس الدخل الناتج من إنتاج السلع والخدمات، إلى ارتفاع بنسبة 4.8% بعد تقدير أولي متواضع بلغ 0.2% في الربع الأول. وتضمنت البيانات ارتفاع أرباح الشركات غير المالية بنسبة 1.7%، بعد انخفاض كبير في الأشهر الثلاثة الأولى من العام. ويُعد هذا مؤشراً على أن الشركات الأميركية تتحكم جيداً في هوامش الربح رغم الضغوط المرتبطة بالرسوم الجمركية.

وسجلت الصادرات الصافية إضافة قياسية تقارب خمس نقاط مئوية للناتج المحلي الإجمالي، بعد أن كانت عاملاً مثبطاً في الربع الأول. أما المحرك الأساسي للنمو، وهو الإنفاق الاستهلاكي، فقد نما بنسبة 1.6% سنوياً، مقارنة بتقدير أولي بلغ 1.4%. وأعربت كبرى شركات التجزئة مثل “وولمارت” و”هوم ديبو” عن تفاؤلها بشأن قدرة المستهلكين الأميركيين على الصمود، رغم تأثير ارتفاع الأسعار الناجم عن الرسوم الجمركية. ولأن التذبذبات في التجارة والمخزونات قد شوهت أرقام الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، يولي الاقتصاديون اهتماماً أكبر لمبيعات المستهلكين والقطاع الخاص المحلي، وهو مقياس أضيق يعكس قوة الطلب الحقيقي. وقد سجل هذا المؤشر ارتفاعاً بنسبة 1.9% في الربع الثاني.

أما من ناحية التضخم، فقد أظهر التقرير أن مؤشر أسعار الإنفاق الاستهلاكي الشخصي، مستبعداً الغذاء والطاقة، ارتفع بنسبة 2.5%، في مستوى التقدير الأولي نفسه، وهو المؤشر المفضل لدى الاحتياطي الفيدرالي. ويترقب المستثمرون صدور بيانات تموز لتقدير نمو الاستهلاك الحقيقي والأجور، في مؤشر مهم لتحديد موقف البنك المركزي في السياسة النقدية خلال الربع الثالث. وفي أثناء مشاركته في مؤتمر جاكسون هول، أشار رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول إلى أن تأثير الرسوم الجمركية على الأسعار أصبح “واضحاً الآن”، لكنه لم يستبعد احتمال خفض الفائدة في أيلول في حال ضعف سوق العمل.

في سياق آخر، بدأ مكتب التجارة الأميركي بنشر بيانات الناتج المحلي الإجمالي عبر سلاسل الكتل العامة، بوصفه خطوة إضافية لنشر البيانات بشكل شفاف، بينما أظهرت تقارير منفصلة تراجع طلبات إعانات البطالة الأسبوعية، وهو مؤشر يسبق صدور تقرير التوظيف الشهري المقرر الأسبوع المقبل.