“قانون العمل طلع بشكل متوازن عشان كانت نيتنا حقيقية وكنا صادقين”، هكذا أعلن وزير العمل المصري محمد جبران عن بدء سريان تنفيذه.
القانون الجديد يبدأ العمل به اعتباراً من الأول من أيلول/ أيلول، بعد أن صدَّق عليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أيار/ أيار الماضي.
رغم أن القانون مرَّ بمراحل عديدة من النقاش في مجلس النواب، فإنه قوبل بانتقادات لاذعة من عدد من منظمات حقوق الإنسان والنقابات العمالية، التي رأت أن القانون لا يحقق التوازن المنشود بين حقوق العمال وأصحاب العمل.
بينما ترى الحكومة المصرية أنه “سيحقق المصلحة للجميع”، كما سيساهم في جذب المزيد من الاستثمارات إلى البلاد.
وقد تقدمت الحكومة المصرية بمشروع قانون العمل الجديد للمرة الثانية في تشرين الثاني/ تشرين الثاني الماضي، بعدما سحبته منذ عامين من مجلس النواب، بعد مواجهة اعتراضات مجتمع الأعمال.
أبرز نقاط الخلاف: العلاوة السنوية
تنص المادة (12) من قانون العمل الجديد على استحقاق العاملين، بعد سنة من تعيينهم، علاوة سنوية دورية لا تقل عن 3% من الأجر التأميني، بدلًا من نسبة الـ7% من الأجر الأساسي في القانون الحالي، وذلك في ضوء القواعد التي يصدرها المجلس القومي للأجور.
وذكرت “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”، في ورقة بحثية بعنوان: “ما العمل في قانون العمل؟”، أن القانون الجديد يمثل امتدادًا لسياسات تميل إلى أصحاب الأعمال والمستثمرين على حساب العمال، في وقت تتراجع فيه مستويات المعيشة عند العاملين بأجر، وتزداد معدلات الفقر بينهم، ويتراجع نصيبهم من الناتج المحلي الإجمالي.
ويرى مدير وحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمبادرة، وائل جمال، أن إقرار العلاوة السنوية بنسبة 3% فقط من الأجر التأميني، وهو قليل مقارنة بالأجر الأساسي، في بلد مثل مصر تتزايد فيه معدلات التضخم، يعني استمرار تآكل قيمة الأجور الحقيقية، وهو ما يحدث منذ 25 عامًا، وأثَّر سلبًا على حياة المواطنين ومستواهم الاجتماعي والمعيشي.
ويتابع جمال أن مشروع القانون يتجاهل ربط الأجور بمعدل التضخم ومستوى الأسعار، بما يُخلّ بـ”تحقيق التوازن والعدالة بين طرفي علاقة العمل”، ويرى أنه كان من الأفضل ربط العلاوة السنوية بمعدل التضخم السنوي، لضمان الحفاظ على القوة الشرائية للعمال.
وشهد العام الماضي موجة من زيادات الأسعار، إذ رفعت الحكومة أسعار تذاكر المترو والقطارات في آب 2024 بنسبة تراوحت بين 12.5% و25%، ضمن خطة تقليص الدعم. كما رفعت سعر رغيف الخبز المدعم بنسبة 300% لأول مرة منذ أكثر من 30 عامًا، ثم تبع ذلك زيادات في أسعار الإنترنت والكهرباء والوقود ومواد البناء.
ويقول جمال: صحيح أن القانون يشير إلى ضرورة تطبيق الحد الأدنى للأجور، لكنه لا يملك أي آلية لتنفيذ ذلك.
من جهته، يدافع رئيس لجنة القوى العاملة بمجلس النواب المصري، عادل عبد الفضيل، عن تلك المادة ويقول إن العلاوة المنصوص عليها هي الحد الأدنى لحقوق العمال، مما يعني أنه من المتاح لأصحاب الأعمال زيادتها، كما أن المجلس الأعلى للأجور يقر الزيادات بشكل دوري بما يضمن تحقيق التوازن بين العامل وصاحب العمل، وربط الأجر بالإنتاج.
عامل بناء في قطاع المقاولات
عدد ساعات العمل: لصالح من؟
نص القانون على عدم جواز تشغيل العامل أكثر من ثماني ساعات يوميًا أو 48 ساعة أسبوعيًا، ولا يدخل في حسابها الفترات المخصصة لتناول الطعام والراحة. وهو لا يختلف كثيرًا عن القانون القديم، وهو ما يعتبره وائل جمال “رقمًا غير إنساني، كما أن الظروف الاستثنائية التي يقل أو يزيد عنها هذا الرقم وفقًا لهذا القانون غير واضحة”.
ويشرح جمال: في لحظات التضخم المرتفع يُعتبر تخفيض عدد ساعات العمل من أفضل وسائل زيادة الأجر الحقيقي للعاملين، لكن في المقابل نجد مصر تُقر قانون عمل جديدًا تحتفظ فيه بواحد من أطول ساعات العمل الرسمية، مقابل انخفاضها في العالم المتقدم عن أربعين ساعة أسبوعيًا.
في المقابل، يرى رئيس لجنة القوى العاملة بمجلس النواب المصري أن القانون يعطي مرونة في زيادة أو نقصان عدد الساعات حسب حاجة العمل. كما أن القانون أعطى للعامل حق التمتع بإجازة سنوية، وأعطى لصاحب العمل الحق في تحديد مواعيد هذه الإجازة.
مجموعة من العمال داخل أحد المصانع المصرية
هل ينزع القانون سلاح الإضراب؟
نص قانون العمل المصري الجديد على ضرورة إعلان العمال عن مواعيد الإضراب، وإخطار كلٍّ من صاحب العمل والجهة الإدارية المختصة قبل التاريخ المحدد للإضراب بعشرة أيام على الأقل، على أن يتضمن الإخطار الأسباب الدافعة للإضراب ومواعيده. ويُعفى صاحب العمل من الالتزام بسداد أجور العمال خلال فترة إضرابهم.
ويرى جمال أن القانون الجديد ينزع السلاح الوحيد من يد العمال وهو الإضراب، “لأنه يضع شرط استنفاد طرق التسوية الودية للمنازعات أولًا، وهي شروط تجعل الإضراب تقريبًا مستحيلًا”.
وينص القانون الجديد على حظر الإضراب في المنشآت الحيوية التي تقدم خدمات أساسية أو في الظروف الاستثنائية، وهو ما يثير تساؤلات لدى كمال عباس، المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية، حول كيفية تحديد هذه المنشآت. ويقول: كان من الأفضل وضع إطار قانوني بدلاً من انتظار قرار من رئيس الوزراء لتحديد ماهية تلك المنشآت. مشيرًا إلى أن نهاية الإضراب يجب أن تحدد من خلال التفاوض وليس وفقًا لمواعيد مسبقة، وبهذا الشرط يفقد الإضراب شرعيته.
في المقابل، يرى عادل عبد الفضيل، رئيس لجنة القوى العاملة بمجلس النواب المصري، أن حق الإضراب منصوص عليه في الدستور المصري، كما أن مصر موقعة على اتفاقيات منظمة العمل الدولية التي تكفله، وأن القانون الجديد لم يحظره، ولكنه وضع قواعد تنظيمية لكل من الإضراب الجزئي والكلي ونظم مواعيده، حتى لا يُترك على إطلاقه ويعطل عملية الإنتاج.
هل من مزايا جديدة في القانون؟
يقول عادل عبد الفضيل، رئيس لجنة القوى العاملة بمجلس النواب المصري، إن القانون جاء بعد حوار مجتمعي راعى التطورات في سوق العمل في مصر من أجل معالجة الخلل في العلاقة بين العامل وصاحب العمل.
ويعدد عبد الفضيل مزايا القانون الجديد، مثل وضع مسؤولية رعاية الأطفال على الرجال والنساء حدًّا سواء باعتبارهم شركاء في المهام الأسرية، من خلال منح العاملة إجازة وضع 4 أشهر بدلًا من 3 أشهر في القانون القديم، كما استحدث إجازة 3 أيام للزوج في حالة وضع زوجته.
كما عالج القانون الجديد أنماطًا جديدة تشمل: العمل عن بعد، والعمل عبر المنصات الرقمية، والعمل لبعض الوقت، والعمل المرن في أوقات غير متصلة، وتقاسم العمل مع أشخاص آخرين مقابل أجر يتفق عليه.
ويتابع عبد الفضيل: كما استحدث نظامًا قضائيًا متخصصًا للفصل في الدعاوى العمالية، بالإضافة إلى إلزام أصحاب الأعمال بضرورة توفير بيئة عمل خالية من التحرش والتنمر.
ومع ذلك، أقر عباس ببعض الإضافات الإيجابية للقانون، مثل إنشاء المحاكم العمالية ووضع قيود على “استمارة ستة”. لكنه لم يوضح آلية التنفيذ وطريقة إلزام رجال الأعمال بالاتفاقات التي تُوقَّع مع العمال.
“ويشكك في جدية تنفيذ الاتفاقيات مع العمال، مستشهدًا باتفاق أُبرم مرتين بين إحدى شركات الأجهزة الكهربائية الكبرى والعمال المطالبين بتحسين الأجور وظروف العمل، وذلك في مقر وزارة العمل وبحضور الوزير الأسبق شخصيًا، ورغم ذلك لم تلتزم الشركة بأي من الاتفاقين”. لذلك يطالب مفتشي وزارة العمل بالقيام بدورهم في مراقبة تنفيذ القانون وتوقيع غرامات مالية على المخالفين، بحسبه.
عمال تصنيع السمك المدخن في القاهرة
ماذا ينتظر العمال بعد تطبيق هذا القانون؟
يضع كمال عباس، المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية، عدة توصيات يطالب بها الحكومة المصرية، وهي: الإسراع في إنشاء المحاكم العمالية وتفعيلها بشكل حقيقي، وعدم عرقلة إنشاء نقابات عمالية مستقلة، وتفعيل الحوار المجتمعي حول قضايا العمل، وتأسيس مجلس تشاوري يضم “ممثلين حقيقيين للعمال” من النقابات المستقلة وقطاع الخاص، ليكون معبرًا عن القوى العاملة الفعلية.
وطالب بسرعة إصدار مشروع قانون العمالة المنزلية، والنظر في المشروع المقدم من دار الخدمات النقابية العمالية منذ خمس سنوات ولا يزال حبيس الأدراج.
ويقول عباس إن دار الخدمات ستراقب جدية وزارة العمل في إلزام أصحاب الأعمال بتعليق اللوائح وتطبيق القانون، خاصة فيما يتعلق بالعقود المؤقتة وإنهاء عقود العمل التي تمنح صلاحيات واسعة لأصحاب العمل، وتطبيق الحد الأدنى للأجور البالغ سبعة آلاف جنيه (ما يقرب من 145 دولارًا)، ومدى التزام الشركات والحكومة به. بالإضافة إلى مراقبة تسجيل العمالة غير المنتظمة، حيث لم يتجاوز عدد المسجلين مليوني عامل من أصل 13 مليونًا يعملون في قطاع الصناعة.
وأكد أن الدار ستقدم الدعم القانوني والفني للعمال دون تحديد مدة زمنية للمراقبة، مشددًا على أن قانون العمل هو “شاغل العمال اليومي”.
من جانبه، قال محمد البهي، عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الصناعات، إن الاتحاد يحترم قرارات الجهات التشريعية، وأن تطبيق القانون قد يواجه بعض المشكلات الفردية، لكنه لا يتوقع اعتراضات واسعة من أصحاب الأعمال. وأضاف أن قطاع الصناعة يمنح أعلى الرواتب في الدولة، ملتزمًا بالقانون ومعايير التضخم، مؤكدًا أن العمال راضون عن أجورهم وعلاواتهم. وأشار البهي إلى أن اتحاد الصناعات شارك في صياغة القانون، وبالتالي لا مجال للاعتراض عليه بعد صدوره، معتبرًا أن العلاقة بين أصحاب الأعمال والعمال تقوم على “المكسب للطرفين”.
يشمل قانون العمل الجديد نحو 30 مليون عامل في مصر، معظمهم في القطاع الخاص الذي يمثل 82.3% من قوة العمل، بحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء. أما العاملون في قطاع الأعمال الحكومي فتسري عليهم بعض أحكام القانون فقط، بينما يُستثنى عمال الخدمة المنزلية الذين سيصدر لهم قانون خاص.
رغم غياب إحصاءات رسمية موحدة حول الإضرابات العمالية في مصر، تشير تقارير حقوقية إلى تراجعها بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، بسبب التشريعات المقيدة للإضراب وإلغاء النقابات المستقلة.
قضت محكمة الاستئناف الفيدرالية بأن معظم الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تشكل تجاوزاً لصلاحياته بصفته رئيساً.
وقالت محكمة الاستئناف الأمريكية، الجمعة، إن الرسوم الجمركية المتبادلة، المفروضة على كل دولة تتعامل معها الولايات المتحدة تقريباً، فرضت بشكل غير قانوني.
ويؤيد هذا القرار حكماً صدر في أيار/أيار من محكمة التجارة الدولية، التي رفضت حجة ترامب بأن الرسوم الجمركية العالمية التي فرضها، مسموحة بموجب قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة.
وتعود العديد من الرسوم الجمركية التي سيتأثر بها الحكم، إلى إعلان صدر في نيسان/نيسان، بفرض معدل ثابت قدره 10 بالمئة على الواردات من جميع الدول، وقال ترامب إن ذلك سيوازن العلاقات التجارية “غير العادلة” مع الولايات المتحدة.
لكن المحكمة لم توقف الرسوم الجمركية، بل قالت إنها ستظل سارية حتى منتصف تشرين الأول/تشرين الأول، ما يمهد لتحدٍ قانوني آخر أمام المحكمة العليا الأمريكية.
ولا يزال هناك الكثير من الأمور الغامضة حول مصير التعريفات الجمركية. لكن نستعرض في هذا المقال أهمّ ما فهمناه من الحكم حتى الآن – وما قد يعنيه بالنسبة لسياسة الرئيس الأمريكي.
ماذا قالت محكمة الاستئناف؟
في قرارها الذي صدر بأغلبية سبعة أصوات مقابل أربعة، أيّدت محكمة الاستئناف حكم محكمة قضى بأن ترامب لا يملك سلطة فرض رسوم جمركية عالمية.
وكان السبب الرئيسي وراء ذلك، القانون الذي استخدمه ترامب لتبرير سياساته، وهو قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية (IEEPA)، الذي قال القضاة إنه لا يمنح “سلطة فرض تعريفات جمركية أو رسوم أو ما شابه ذلك، أو سلطة فرض ضرائب”.
ورفضت محكمة الاستئناف الأمريكية، حجة ترامب، بأن الرسوم الجمركية مسموح بها بموجب سلطاته الاقتصادية الطارئة، ووصفت الرسوم بأنها “باطلة لأنها تتعارض مع القانون”.
وعلى الفور، انتقد ترامب الحكم، ووصف عبر منصته “تروث سوشال” بعد ساعات من صدوره، محكمة الاستئناف بأنها “منحازة جداً”، ووصف الحكم بأنه “كارثة” على البلاد.
وكتب ترامب: “إذا استمرّ هذا القرار، فإنه سيدمر الولايات المتحدة الأمريكية فعلياً”.
محكمة استئناف تحكم بعدم قانونية رسوم جمركية فرضها ترامب على دول العالم
الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب على عشرات الدول تدخل حيز التنفيذ، فماذا نعرف عنها؟
ما هو قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية؟
يمنح القانون الذي يعود إلى عقود – الذي استخدمه ترامب مراراً خلال ولايتيه في البيت الأبيض – رئيس الولايات المتحدة سلطة كبيرة للاستجابة لحالة طوارئ وطنية أو تهديد كبير من الخارج.
وينص القانون الصادر عام 1977، على أن الرئيس يستطيع استخدام أدوات اقتصادية “للتعامل مع أي تهديد غير عادي أو استثنائي، يكون مصدره كلياً أو جزئياً خارج الولايات المتحدة، أو يهدد الأمن القومي أو السياسة الخارجية أو الاقتصاد”.
واستخدم الرئيسان باراك أوباما وجو بايدن، هذا القانون، لفرض عقوبات على روسيا بعد الضم غير القانوني لشبه جزيرة القرم عام 2014، ثم بعد غزو أوكرانيا بعد ثماني سنوات.
لكن محكمة الاستئناف ذكرت في قرارها أن قانون الطوارئ “لم يمنح الرئيس سلطة واسعة النطاق لفرض الرسوم الجمركية”.
وقالت إن القانون “لا يذكر الرسوم الجمركية (أو أي من مرادفاتها) ولا يشمل ضمانات إجرائية تتضمن حدوداً واضحة لسلطة الرئيس في فرض الرسوم الجمركية”.
وقال ترامب، عندما كشف عن التعريفات الجمركية، إن اختلال التوازن التجاري يضر بالأمن القومي الأمريكي، وبالتالي فهو حالة طوارئ وطنية.
لكن المحكمة قضت بأن فرض الرسوم الجمركية لا يقع ضمن صلاحيات الرئيس، وأنها “من صلاحيات الكونغرس الأساسية”.
لماذا هذا مهم؟
وبعيداً عن كونها انتكاسة كبيرة لمحور أساسي ضمن أجندة ترامب، قد يكون لحكم محكمة الاستئناف تأثير فوري على الاقتصاد الأمريكي، مع تأثيرات غير مباشرة قد تشعر بها الأسواق العالمية.
والرسوم الجمركية هي ضرائب يتعين على الشركات دفعها لقاء استيراد سلع معينة من دول أجنبية – وبالتالي يمكن أن يكون لها تأثير على المبيعات وهامش الربح.
كما تسعى الرسوم الجمركية إلى منع الشركات المحلية عن شراء سلع أجنبية، مما يؤثر بدوره على التجارة الدولية.
وفيما تنتظر دول لمعرفة ما إذا كانت المحكمة العليا الأمريكية ستنظر في القضية – وهو ما يبدو مرجحاً – فقد تقرر وقف مآذارة الأعمال التجارية مع الولايات المتحدة مؤقتاً.
وإذا حدث ذلك، تقول المختصة الاقتصادية في جامعة أوكسفورد – كلية لندن للأعمال، ليندا يويه إن ذلك قد يؤدي إلى “إضعاف النشاط الاقتصادي”.
وهناك تداعيات كبيرة يمكن الشعور بها في المجال السياسي.
على سبيل المثال، إذا ألغت المحكمة العليا قرار محكمة الاستئناف وانحازت إلى إدارة ترامب، فقد يشكل ذلك سابقة تشجع الرئيس على استخدام قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية بشكل أكثر عدوانية من الآن.
ماذا سيحدث؟
من المرجح أن تنتقل القضية إلى أعلى محكمة أمريكية، وهو تحدٍ أشار إليه ترامب عبر منصته “تروث سوشال”.
وكتب ترامب: “لقد سُمح لسياسيينا غير المبالين وغير الحكماء باستخدام الرسوم الجمركية ضدنا. والآن، بمساعدة المحكمة العليا للولايات المتحدة، سنستخدمها لصالح أمتنا، وسنجعل أمريكا غنية وقوية ومقتدرة من جديد!”.
ومن الممكن أن تزيد الأغلبية المحافظة في المحكمة العليا من احتمالية انحيازها إلى وجهة نظر الرئيس.
كما عيّن الرؤساء الجمهوريون ستة من القضاة التسعة في المحكمة العليا، بينهم ثلاثة اختارهم ترامب خلال فترة ولايته الأولى.
لكن المحكمة أصبحت أكثر انتقاداً للرؤساء عند تجاوزهم حدود السياسات التي لم يقررها الكونغرس بشكل مباشر.
فخلال فترة رئاسة جو بايدن، على سبيل المثال، وسعت المحكمة ما أطلقت عليه “مبدأ الأسئلة الرئيسية” لإبطال محاولات الديمقراطيين استخدام القوانين القائمة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة من محطات الطاقة، وإعفاء ملايين الأمريكيين من ديون القروض الطلابية.
ماذا لو حُكم بأن الرسوم الجمركية غير قانونية؟
انقسمت محكمة الاستئناف بأغلبية 7 أصوات مقابل 4، في قرارها بأن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب غير قانونية.
ومنحت الإدارة الأمريكية مهلة حتى منتصف تشرين الأول/تشرين الأول للاستئناف أمام المحكمة العليا في قضية لها تداعيات على الاقتصاد الأمريكي وعلاقاته التجارية مع بقية العالم.
وإذا أيدت المحكمة العليا القرار، فقد يؤدي ذلك إلى حالة من عدم اليقين في الأسواق المالية.
وستطرح تساؤلات بشأن ما إذا كان سيتعين على الولايات المتحدة سداد مليارات الدولارات التي جمعتها من ضرائب الواردات على المنتجات.
وقد تُثار تساؤلات عما إذا كانت الاقتصادات الكبرى – بينها المملكة المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية – ستلتزم بالاتفاقيات التجارية الفردية التي أبرمتها مع الولايات المتحدة قبل الموعد النهائي في آب/آب. وقد تسيطر حالة من الفوضى على المفاوضات التي تجري حالياً للوصول إلى اتفاقيات تجارية أخرى.
وإذا أيّدت المحكمة العليا قرار محكمة الاستئناف، فسيكون بمثابة ضربة قاسية لسلطة ترامب السياسية وسمعته كصانع صفقات، أما إذا ألغته فسيكون له أثر معاكس.
هل لا تزال التعريفات الجمركية سارية؟
يؤثر هذا الحكم على “الرسوم الجمركية المتبادلة” التي فرضها ترامب، والتي تشمل خليطاً من المعدّلات المختلفة على معظم البلدان في العالم، بينها ضرائب مفروضة على المنتجات من الصين والمكسيك وكندا.
وستبقى الرسوم مفروضة على كل السلع تقريباً من كل دولة تتعامل معها الولايات المتحدة تجارياً سارية حتى منتصف تشرين الأول/تشرين الأول.
وقالت محكمة الاستئناف إنه، بعد 14 تشرين الأول/تشرين الأول، لن تكون هذه الرسوم قابلة للتنفيذ.
من ناحية أخرى، ستظل الرسوم المفروضة على الصلب والألمنيوم والنحاس – التي فُرضت بموجب سلطة رئاسية مختلفة – قائمة وغير متأثرة بحكم المحكمة.
قضت محكمة الاستئناف الأمريكية بعدم قانونية معظم الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ما قد يمهد الطريق لمواجهة قانونية يمكن أن تغيّر السياسة الخارجية التي يتّبعها ترامب.
ويؤثر الحكم على الرسوم الجمركية “المتبادلة” التي فرضها ترامب على معظم دول العالم، بما في ذلك الرسوم المفروضة على الصين والمكسيك وكندا.
وفي قرار صدر بأغلبية سبعة أصوات مقابل أربعة، رفضت محكمة الاستئناف الأمريكية للدائرة الفيدرالية، حُجة ترامب بإمكانية فرض رسوم جمركية بموجب قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة، ووصفت الرسوم بأنها “باطلة لأنها تتعارض مع القانون”.
ولن يدخل حكم المحكمة حيز التنفيذ قبل 14 تشرين الأول/تشرين الأول، للسماح بتقديم طلب للمحكمة العليا للنظر في القضية.
وانتقد ترامب حكم المحكمة على منصة “تروث سوشيال”، وكتب منشوراً قال فيه: “إذا استمرّ هذا القرار، فإنه سيدمر الولايات المتحدة الأمريكية فعلياً”.
وأضاف: “اليوم، قالت محكمة الاستئناف المنحازة أنه يجب وقف التعريفات الجمركية لدينا، لكنهم يعرفون أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تفوز في النهاية”.
و”إذا أُلغيت التعريفات، فسيكون ذلك كارثةً شاملةً على البلاد. سيجعلنا ذلك ضعفاء مالياً، وعلينا أن نكون أقوياء”.
وبرر ترامب الرسوم الجمركية بموجب قانون الصلاحيات الاقتصادية الدولية الطارئة (IEEPA)، الذي يمنح الرئيس سلطة التصرف ضد التهديدات “غير العادية والاستثنائية”.
وأعلن ترامب حالة طوارئ وطنية في ما يتعلّق بالتجارة، باعتبار أن اختلال التوازن التجاري يضر بالأمن القومي الأمريكي كما يقول.
لكن المحكمة قضت بأن فرض الرسوم الجمركية لا يقع ضمن صلاحيات الرئيس، وأنها “من صلاحيات الكونغرس الأساسية”.
ما هي الرسوم الجمركية وكيف تعمل ولماذا يستخدمها ترامب؟
ما تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على عشرات الدول؟
ويقول الحكم المكون من 127 صفحة إن قانون الصلاحيات الاقتصادية الدولية الطارئة “لا يذكر التعريفات الجمركية (أو أي من مرادفاتها) ولا يتضمن ضمانات إجرائية واضحة لسلطة الرئيس، تخوله فرض تعريفات جمركية”.
وبناء على ذلك، قضت المحكمة بأن سلطة فرض الضرائب والتعريفات الجمركية تظل من اختصاص الكونغرس، ولا يبطل قانون الصلاحيات الاقتصادية الدولية الطارئة ذلك.
وأوضحت المحكمة أنه من غير المرجح أن يكون القصد من إقرار الكونغرس لهذا القانون في عام 1977، هو “تغيير مآذاراته السابقة، ومنح الرئيس سلطة غير محدودة لفرض التعريفات الجمركية”.
وبحسب القرار: “إذا كان الكونغرس يريد تفويض الرئيس بسلطة فرض الرسوم الجمركية، لأعلن عن ذلك صراحة، إما باستخدام مصطلحات لا لبس فيها مثل التعريفة الجمركية والرسوم، أو من خلال هيكل عام يوضح أن الكونغرس يشير إلى الرسوم الجمركية”.
ويأتي هذا الحكم رداً على دعاوى قضائية رفعتها شركات صغيرة وائتلاف من الولايات الأمريكية، بعد أوامر ترامب التنفيذية في نيسان/ نيسان، التي فرضت تعريفات جمركية أساسية بنسب لا تقل عن 10 في المئة على معظم دول العالم، بالإضافة إلى تعريفات جمركية متبادلة على عشرات الدول.
وأعلن ترامب أن هذا التاريخ هو “يوم تحرير” أمريكا من سياسات التجارة غير العادلة.
وفي أيار/أيار، قضت محكمة التجارة الدولية، ومقرها نيويورك، بعدم قانونية الرسوم الجمركية، وتم تعليق هذا القرار خلال إجراءات الاستئناف.
كما يشمل حكم محكمة الاستئناف أيضاً التعريفات الجمركية على كندا والمكسيك والصين، التي يزعم ترامب أنها ضرورية لوقف تجارة المخدرات.
ومع ذلك، فإن هذا القرار لا ينطبق على جميع التعريفات الجمركية، بما في ذلك تلك المفروضة على الصلب والألومنيوم، التي تم فرضها بموجب سلطة رئاسية مختلفة.
وقبل صدور الحكم، زعم محامو البيت الأبيض أن إبطال التعريفات الجمركية من شأنه أن يؤدي إلى انهيار مالي على غرار انهيار سوق الأوراق المالية عام 1929، وهو ما أدى إلى الكساد العظيم.
وكتبوا في رسالة، أن “إلغاء سلطة الرئيس في فرض التعريفات الجمركية بموجب قانون الصلاحيات الاقتصادية الدولية الطارئة فجأة، من شأنه أن يؤدي إلى عواقب كارثية على أمننا القومي وسياساتنا الخارجية واقتصادنا”.
وأضاف المحامون: “يعتقد الرئيس أن بلادنا لن تكون قادرة على سداد تريليونات الدولارات التي تعهدت دول أخرى بسدادها بالفعل، وهو ما قد يؤدي إلى دمار مالي”.
كما يثير قرار المحكمة تساؤلات حول الصفقات التي اتفقت عليها بعض الدول مع الولايات المتحدة لخفض معدلات الرسوم الجمركية.
ويعني التطور الأخير أن القضية ستتجه الآن إلى المحكمة العليا الأميركية دون شك، وهي محكمة عرفت بمواقفها الصارمة في السنوات الأخيرة تجاه الرؤساء الذين يحاولون تنفيذ سياسات جديدة شاملة، ولا يتم تمريرها مباشرة من قبل الكونغرس.
فخلال رئاسة جو بايدن، توسعت المحكمة فيما أسمته “مبدأ الأسئلة الرئيسية” لإبطال جهود الديمقراطيين لاستخدام القوانين القائمة للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري من محطات الطاقة، وإسقاط ديون قروض الطلاب لملايين الأمريكيين.
وإذا وافق قضاة المحكمة العليا التسعة على النظر في القضية، فسيقررون ما إذا كان برنامج التعريفات الجمركية الموسع لترامب، هو مثال آخر على تجاوزات الرئيس، أم أنه يمتثل إلى القوانين والسلطة الرئاسية الممنوحة له.
وتضم المحكمة العليا ستة قضاة معينين من قبل الجمهوريين، بما في ذلك ثلاثة اختارهم ترامب بنفسه.
خلال الجولة المعتادة في الأسواق لشراء الحاجيات، يحمل سوريون أموالهم في أكياس بلاستيكية، لكن ليس بسبب فرط الثروة وإنما لتفاقم التضخم، ما دعا الإدارة السورية الجديدة للإقدام على خطوة مألوفة في هذه الحالات.
حاكم المصرف المركزي في سوريا عبد القادر الحصرية أعلن عزم دمشق استبدال العملة النقدية المتداولة بأخرى جديدة مع حذف صفرين منها.
وقال الحصرية إن إصدار العملة الجديدة يأتي في سياق “تعزيز الاستقلال المالي بعد التحرر السياسي وسقوط النظام البائد”، وتسهيل العمليات المحاسبية اليومية والتجارية.
وفي ظل معاناة سوريا من أزمة اقتصادية مزمنة، يُعد تحسين سعر صرف الليرة من أبرز التحديات المالية في البلاد بعد الإطاحة بحكم الرئيس بشار الأسد في الثامن من كانون الأول/كانون الأول الماضي.
لماذا تتجه سوريا لحذف صفرين من عملتها؟
“حذف الأصفار لا يغيّر القيمة الحقيقية للعملة”
رجل يحمل كيساً من الليرات السورية بعد استبدال الدولار الأمريكي في مصرف سوريا المركزي في 24 كانون الأول/كانون الأول 2024
يؤكد الخبير الاقتصادي والمصرفي السوري إبراهيم قوشجي لبي بي سي، أن حذف الأصفار لا يغيّر القيمة الحقيقية للعملة، لكنه يوفر مزايا مثل تبسيط العمليات الحسابية في المعاملات اليومية والمحاسبة الحكومية والخاصة، وتسهيل التسعير والفوترة وتقليل الأخطاء في الأنظمة المالية والمصرفية.
ماذا يعني ارتفاع قيمة اللّيرة السورية؟
الباحث والمحلل الأول في شركة كرم شعار للاستشارات بنجامين فيف يرى في حديث مع بي بي سي، أن “إزالة الأصفار من العملة بحد ذاتها لا تُحقق الكثير. وينبغي أن يحدث ذلك في نهاية حزمة إصلاح اقتصادي أوسع نطاقاً تشمل السياسة النقدية والمالية”.
أما أستاذ دراسات الشرق الأوسط في كلية سميث بولاية ماساتشوستس ستيفن هايدمان يرى في حديث مع بي بي سي، أن “إزالة صفرين سيزيد من فعالية العملة السورية بشكل كبير”.
ويوضح هايدمان وهو مختص في الاقتصاد السياسي في الشرق الأوسط، أن اقتصاد سوريا يعتمد كلياً على النقد نتيجة سنوات من العزلة عن الأنظمة المصرفية الدولية، فأصبحت جميع المعاملات نقدية، والمشتريات الصغيرة تتطلب كميات هائلة من أوراق 5 آلاف ليرة (الورقة النقدية الأكبر)، أما المعاملات الكبيرة، فتكاد تكون مستحيلة، بما في ذلك إصدار قروض قد تدعم إعادة الإعمار الاقتصادي.
وفقدت الليرة السورية أكثر من 99 في المئة من قيمتها منذ اندلاع الحرب في 2011.
ووصل سعر الصرف الآن إلى قرابة 10 آلاف ليرة مقابل الدولار الواحد مقارنة مع 50 ليرة قبل الحرب. وكان سعر الصرف يراوح عند مستوى 15 ألفاً في الأشهر التي سبقت إسقاط حكم الأسد.
التضخم واستبدال العملة
موظف يحمل صندوقاً مليئاً بالأوراق النقدية من فئة 5000 ليرة سوريا في المصرف المركزي السوري في 17 حزيران/حزيران 2025
يقول الحصرية إن استبدال العملة لن يؤدي إلى تضخم إضافي في البلاد، التي تشهد معدلات تضخم مرتفعة بعد سنوات النزاع الطويلة.
ويرى الباحث في شركة كرم شعار للاستشارات وهي شركة استشارية متخصصة في الاقتصاد والسياسة السورية، أن حذف الصفرين يحد ذاته لن يُخفّض التضخم، مضيفاً: “ليس لأن لديك صفرين أقل، فإن أموالك أقوى”.
ويعتقد فيف أن الحذف قد يُسبب بعض التضخم، في حالة عدم قبول باعة وتجار للعملة القديمة للعملة، أو قبولها بسعر مختلف عن سعر البنك المركزي.
ولم يستبعد فيف استغلال بعض التجار للظرف ورفع الأسعار، وعبر قوشجي عن مخاوفه من ذلك أيضاً.
التضخم: ما هو؟ ولماذا ترتفع أسعار السلع والخدمات؟
أما قوشجي، فيعتقد أن الحذف يعد أداة مساندة قد تقلل التضخم، إذا جاءت ضمن حزمة إصلاحات أوسع، مشيراً إلى أن أسباب التضخم في سوريا مرتبطة بأسباب منها ضعف الإنتاج، واختلال الميزان التجاري، وعجز الموازنة.
ولأن الإجراء السوري متعارف عليه في دول عدة، أعطى قوشجي مثالاً بنجاح التجربة التركية بحذف الأصفار عام 2005 لأنه جاء مترافقاً مع إصلاحات اقتصادية شاملة وضبط مالي صارم، وفي المقابل، فشلت تجارب مثل زيمبابوي وفنزويلا لأن الإجراء لم يُعالج جذور الأزمة أو ضبط الكتلة النقدية.
يقول هايدمان إن تجربتي زيمبابوي وفنزويلا تأثرتا بالعقوبات الدولية التي رُفعت في الحالة السورية.
ترامب يوقع أمراً تنفيذياً لإنهاء العقوبات على سوريا
أموال خارج النظام المالي الرسمي
صراف ليرة سورية في دمشق في 9 شباط/شباط 2025
نقلت رويترز عن ثلاثة من المصرفيين السوريين قولهم إن أحد العوامل وراء خطة إصلاح العملة هو القلق بشأن تداول ما يُقدر بـ40 تريليون ليرة سورية خارج النظام المالي الرسمي، ومن شأن إصدار أوراق نقدية جديدة تحسين رقابة الحكومة على النقد المتداول”.
ووفق تحليل قوشجي لبي بي سي، فإن “عملية الاستبدال قد تدفع الأموال المهرّبة أو المدخرة في الخارج (خصوصاً في لبنان ودبي والعراق) إلى العودة للاستبدال، ما قد يزيد السيولة في السوق وكذلك في الجهاز المصرفي وهذا يؤدي لرفع معدل التضخم والمضاربة على الدولار الأمريكي، ما يسبب تدهوراً جديداً لليرة السورية”.
لكن “الخطر الأكبر يكمن في إعادة تهريب هذه الأموال الجديدة أو المستبدلة إذا لم تُحكم الرقابة المصرفية على الحوالات والحدود”، وفق قوشجي الذي يرى أن المصرف المركزي عليه استغلال الفرصة لإعادة ضبط السيولة.
ويعمل في القطاع العام السوري قرابة 1.25 مليون شخص، ويُضطر الموظفون للوقوف ساعات في طوابير أمام فروع المصارف الحكومية أو أجهزة الصراف الآلي بسبب نقص السيولة.
ويأخذ بعضهم إجازة من عملهم لقضاء يوم كامل في محاولة لسحب جزء بسيط من رواتبهم. وتمتد الصعوبة إلى المودعين الراغبين في سحب بعض مدخراتهم بالليرة السورية.
أما فيف يعتقد أيضاً أن العملة الجديدة تُمكّن المصرف المركزي السوري من استعادة السيطرة على المعروض النقدي، لأنه “لا أحد يعرف اليوم المعروض النقدي الفعلي في سوريا، والكثير من الناس أخرجوا أموالهم إلى الخارج”.
“إذا لم يعرف المصرف مقدار النقود المتداولة، فلن يعرف مقدار ما يجب طباعته”، وفق فيف.
ووفق تحليل فيف، فإن المصرف المركزي أمام فرصة لاكتشاف الأموال المحصلة بشكل غير قانوني، وذلك عند محاولة استبدالها.
ومع ذلك، فإن بعض الأشخاص ادخروا أموالاً بطريقة قانونية لكنهم لا يملكون الوثائق التي تثبت مصدر أموالهم، لأن العمل غير الرسمي شائع جداً في سوريا، بحسب فيف.
ويرجح هايدمان إعادة أموال عبر قنوات غير رسمية، ما يُصعّب تتبع التدفقات النقدية.
ويتعهد حاكم المصرف بأن عملية استبدال العملة لا تعني إصدار أموال إضافية، بل تندرج ضمن إطار ضبط الكتلة النقدية والحفاظ على استقرار السوق، وتقتصر على استبدال الأوراق المتداولة بأخرى حديثة.
وستكون الكميات المطبوعة من العملة الجديدة مدروسة بدقة، وفق الحصرية.
وستطرح العملة عبر مراحل، ففي المرحلة الأولى سيكون التداول تدريجياً إلى جانب الفئات الحالية، بدون أن يؤدي ذلك إلى سحب أو إلغاء أي فئات متداولة حالياً.
وفي المرحلة الثانية يبدأ التبديل، وفي الثالثة يصبح التبديل حصراً عن طريق مصرف سورية المركزي.
ماذا تحتاج العملة الجديدة؟
أكوام من الليرات السورية داخل متجر لصرف العملات في أعزاز في سوريا في 3 شباط/شباط 2020
يتوقع هايدمان أن تكون عملية استبدال الأوراق النقدية القديمة صعبة على البنوك، لكن المطلوب هو ضمان أن تكون فترة الاستبدال طويلة بما يكفي لإتاحة الفرصة لجميع حاملي الأوراق النقدية القديمة للحصول على الجديدة.
لكن قوشجي لا يتفق مع هايدمان، ويقول: “يجب أن تكون فترة استبدال العملة وآليتها محدودة زمنياً، وأن تحدث حصراً عبر الحسابات المصرفية مع إخضاع العملية لرقابة صارمة من هيئة مكافحة غسل الأموال”.
ويتحدث هايدمان عن ضرورة عدم فرض رسوم على الاستبدال.
وبحسب تحليل فيف، فإن الحكومة السورية بحاجة للتعامل مع إمكانية عدم قبول العملة الجديدة في مناطق لا تخضع لسيطرتها، وتساءل: ماذا لو لم تتمكن البنوك من الوصول إلى الشمال أو الشرق أو السويداء؟
ويؤكد فيف على ضرورة توقف المصرف المركزي عن طباعة النقود بعد إصدار العملة الجديدة لتجنب ارتفاع التضخم.
يؤكد قوشجي على ضرورة أن تكون الخطوة جزءاً من برنامج إصلاح نقدي واقتصادي متكامل يشمل ضبط الكتلة النقدية، وتحفيز الإنتاج المحلي الصناعي والزراعي لتقليل الاعتماد على الاستيراد، والإسراع في إصلاح النظام المصرفي وتوسيع خدمات الدفع الإلكتروني.
تاريخ من حذف الأصفار
لا تعد الخطوة السورية سابقة في تاريخ العملات في العالم، فدول عدة أقدمت على إصدار عملات جديدة بعد حذف صفر أو أكثر لمجابهة التضخم المفرط والمشكلات الاقتصادية.
في 1960، أنشأت فرنسا وحدة نقدية جديدة أسمتها “الفرنك الجديد” قيمتها تساوي 100 فرنك، أي أنه حُذف صفران من العملة.
وفي 1994، أطلقت جمهورية يوغسلافيا السابقة عملة جديدة أسمتها الدينار الجديد أو السوبر دينار بعدما وصل التضخم إلى مليون بالمئة.
وفي 2005، حذفت تركيا 6 أصفار من العملة بعد تضخم مفرط أصاب البلاد، ليبدأ عهد “الليرة الجديدة”.
الشهر الحالي، وافقت اللجنة الاقتصادية في مجلس الشورى الإيراني على مشروع قانون لإزالة أربعة أصفار من العملة الوطنية التي شهدت انخفاضاً كبيراً في السنوات الأخيرة، متأثرة بالعقوبات الدولية.
ولتبسيط المعاملات، أطلق الإيرانيون منذ سنوات على عملتهم اسم التومان، وذلك بطرح صفر من قيمة الريال، وهو ما يتسبب بارتباك للزوار الأجانب
أما في فنزويلا طرأت تغييرات عدة على عملتهم في سبيل مكافحة التضخم المفرط، ففي 2008 حُذفت ثلاثة أصفار، وفي 2018 حُذفت خمسة أخرى، وفي 2021 شُطبت ستة أصفار من عملتها.
أعلن حاكم مصرف سوريا المركزي أن المصرف في مراحل متقدمة لوضع خطة من أجل طرح عملة نقدية جديدة لسوريا،
وذكرت وكالة سانا أن الخطة تشمل حذف صفرين من العملة، فيما قالت رويترز أن حذف الصفرين يأتي إلى جانب إزالة صورة بشار الأسد ووالده حافظ الأسد من الأوراق المالية.