by | Aug 30, 2025 | أخبار العالم
يُحيي العالم في 30 آب/ آب اليومَ العالمي للاختفاء القسري، وهو يومٌ يبدو لصيقاً بالمنطقة العربية أكثر من كونه وافداً إليها، نظراً لكثرة حوادث الاختفاء القسري من جهة، ولضعف أو غياب الإمكانيات التي تعنى بمصير المختفين في سجون الأنظمة، سواء في حالات المعارضة السياسية أو في سياق الحروب الأهلية.
يمكن ليوم مثل الاختفاء القسري أن يظهر يوماً يعقبُ انتهاء الحروب، لأنّ الاختطاف والقتل يكون محموماً أثناء الحرب، وهو المآذارة الأكثر انتشاراً في الحروب الأهلية، إلى درجة قد لا يتاح للناس أن يتساءلوا عن مصير ذويهم إلا بعد أن ينتهي الظرف الذي اختفوا فيه، كما في حالة الحرب الأهلية اللبنانية التي خلّفت 17 ألف مفقود، وفي الحالة السورية أيضاً بعد سقوط نظام الأسد، التي ما زالت الأرقام فيها غير محسومة.
الاختفاء القسري، سواء كان بسبب الاعتقال أو الاختطاف أو القتل، هو أسلوب المليشيا، كما هو أسلوب الأنظمة حين تتحوّل إلى سلوك مليشيوي، وهو أيضاً أسلوب المليشيا التي تطمح لأن تصبح دولة. وفي كل الحالات، يبقى مصير المخطوفين في هذه البيئات السياسية معلقاً وغير معروف النهاية.
هذا الغياب يتيح للأدب أن يتدخل ليمنح صوتاً للمفقودين. وقد نجحت الرواية اللبنانية في تناول القضية عبر أدب الحرب الأهلية، فيما عالج الأدب السوري المسألة في إطار أدب السجون.
تختلف معالجة قضية الاختفاء القسري في الأدب بين بلد عربي وآخر
في الرواية اللبنانية الحرب هي البطل: حرب المليشيات، والخطف على الهوية، والقنّاص العشوائي. ومن بين النماذج اللافتة رواية ربيع جابر “طيور الهوليدي إن”، التي تفتتح بإعلانات المفقودين، مع تفاصيل أعمارهم وألوان ثيابهم وأرقام الاتصال بذويهم. الرواية، التي تتناول عامي 1975 و1976، تجعل مسألة المفقودين جزءاً عضوياً من يوميات الحرب وحكايات عائلاتهم.
يأتي اختلاف شكل الاختفاء في الرواية السورية بسبب اختلاف سببه، إذ صاغت عقود الاستبداد شكل المصير حتى في الأعمال الأدبية، وهو شكلٌ نراه بصورة اختفاء قسري في أدب السجون بصورة خاصة.
ربما تكون رواية مصطفى خليفة “القوقعة” أكثر الروايات السورية شيوعاً في هذا الموضوع، ونعرف فيها عن شخصية اعتقلت عند عودتها من فرنسا، في مطار دمشق، مِن غير أن تعرف لماذا. ثم نعرف في مراحل من الرواية أن السبب هو انتقاد حافظ الأسد في حفل في فرنسا. الرواية وراء تفاصيل التعذيب فيها، ليست إلا حكاية اختفاء قسري، عملية انتزاع للشخصية من عالمها، ورميها إلى ما يشبه انقطاعاً في الزمن.
تختلف معالجة قضية الاختفاء القسري في الأدب بين بلد عربي وآخر. وربما وضوح الحالتين اللبنانية والسورية، مع طول زمنهما ووقوعهما على فعل جماعي، أتاح الوقوف على الاختفاء القسري كموضوع يلتقي فيه أدب الحرب وأدب السجون. لكن ما زالت حكاية الاختفاء القسري، الفردي، في الأنظمة البوليسيّة، غير مصدّرة روائياً بالصورة التي قد يستطيع الأدب فيها أن يقول كلمته، بأن يعطي صوته لإنسان مُختطف، لإنسان غائب، من غير أن يعرف أحدٌ مصيره.
by | Aug 28, 2025 | أخبار العالم
في مناسبة اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري الذي يصادف بعد غد السبت، شاركت منظمات مدنية وعائلات مفقودين ومغيّبين قسرياً وصحافيون، اليوم الخميس، في وقفة تضامنية بعنوان “أبوابنا ما زالت مفتوحة بانتظار عودتهم”، أمام مبنى الأمم المتحدة في الحي السياحي بمدينة القامشلي، وذلك لتأكيد حق الضحايا وذويهم في الحقيقة والعدالة.
وشهدت مناطق شمال وشرق سورية منذ انطلاق الثورة عام 2011، سيطرة متعاقبة لقوى عسكرية متعددة، بدءاً من المليشيات التابعة للنظام السوري السابق، مروراً بجبهة النصرة وتنظيم “داعش”، وفصائل “الجيش الوطني” المدعومة من تركيا، وصولاً إلى “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) الجناح العسكري للإدارة الذاتية. وآذارت كل هذه القوى، وفق ناشطين ومنظمات حقوقية، انتهاكات واسعة شملت الاعتقال والاختفاء القسري.
قالت شيرين إبراهيم، من رابطة “دار” لضحايا التهجير القسري، لـ”العربي الجديد”، “يمثل اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري في 30 آب فرصة للوقوف إلى جانب عائلات الضحايا وتأكيد أنهم ليسوا وحدهم وأن جميع السوريين يتشاركون معهم الآلام. وجودنا اليوم هو ثمرة تضحيات عظيمة قدّمها المفقودون قسرياً، فجريمة الاعتقال والاختفاء القسري هي الأوسع نطاقاً بين الجرائم التي ارتكبت في سورية وتشكل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية”. واعتبرت أنّ “مشاركة كل شرائح المجتمع السوري ورفع الصوت أمر ضروري، لأن كشف مصير المختفين هو الخطوة الأولى على طريق المحاسبة وبعدها تحقيق العدالة لكل السوريين”.
وقال عباس علي موسى، منسّق منصة أسر المفقودين في شمال وشرقي سورية، لـ”العربي الجديد” إنّ “نتبع آلية وحيدة في توثيق المفقودين، أكانوا صحافيين أو ناشطين أو مدنيين، ونسعى إلى لمّ شمل عائلاتهم، فالقضية واحدة”. أضاف: “يتركز عمل المنصة على توفير مساحة آمنة لعائلات الضحايا من أجل طرح مطالبهم الخاصة بكشف مصير أحبائهم وتحقيق العدالة لهم، إلى جانب تمكين الأسر من المطالبة بحقوقها ومناصرة القضية لدى الأطراف الدولية والمحلية”.
وأشار موسى إلى أنّ “عدد المفقودين بالآلاف من أفراد أكثر من 600 عائلة تطالب بكشف مصيرهم وتحقيق العدالة. وتتواصل المنصة مع مختلف الجهات، سواء المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين أو الهيئة الوطنية المعلنة من قبل الحكومة الانتقالية، وتسعى إلى الضغط على جميع الأطراف للانخراط في العمل المشترك”. وأوضح أنّ “المفقودين لدى أطراف مختلفة مثل تنظيم داعش والنظام والإدارة الذاتية والجيش الوطني السوري وفصائل أخرى، وتستمر المعاناة في ظل عدم توافر معلومات عن مصيرهم، فيما تحتاج عائلاتهم إلى دعم نفسي واجتماعي دائم”.
بدورها، قالت والدة الصحافي فرهاد حمو الذي فقِد قبل11 عاماً بعد أن اختطفه تنظيم “داعش”، لـ”العربي الجديد”: “لم أترك باباً إلا وطرقته، من محامين ووسطاء ومنظمات حقوقية، من دون جدوى. نطالب أي جهة قادرة بالتدخل وكشف مصير المفقودين. نريد أن نعرف فقط إذا كانوا أحياء أم لا، وأماكن وجودهم، فهذا يمنحنا بعض الراحة. من يسقط شهيداً نعرف مكانه ونرثيه، لكننا لا نعلم مصير أبنائنا، وهذا يسبب ألماً وضغطاً نفسياً كأنك تموت كل يوم”. وختمت: “لا يغيب فرهاد عن ذاكرتي لحظة، كأنه يعيش معي يومياً منذ 11 عاماً. كان إعلامياً لا ذنب له. اختطف وأصبح مصيره مجهولاً، وأتخيّله بجانبي في كل يوم من حياتي”.