by | Aug 30, 2025 | أخبار العالم
“لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، ذلك هو الشعار الذي يبدو أنه سيتصدر مشهد حرب روسيا وأوكرانيا في الأشهر المقبلة، بعد تعثر مسار المفاوضات الروسية الأوكرانية وفشل الرهانات على تهدئة تعقب أول قمة بين الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين، والأميركي دونالد ترامب، في ولاية ألاسكا الأميركية في 15 آب/آب الحالي. وزاد فشل الأطراف المعنية بالأزمة الأوكرانية في التوصل إلى رؤية للتسوية، أو تجميد النزاع على الأقل، من تكهنات محللين سياسيين وعسكريين روس باستمرار أعمال القتال لعدة أشهر أخرى، إلى أن يتغير الوضع على الأرض، بما يملي على أحد طرفي الصراع تقديم تنازلات في مسار المفاوضات الروسية الأوكرانية مستقبلاً، وذلك في سبيل وقف المرحلة الساخنة من النزاع. وفي موازاة عجز الأطراف المعنية عن التوصل إلى صيغة ضمانات أمنية لأوكرانيا، ترضي موسكو وكييف على حد سواء، أفادت تسريبات إعلامية بقبول الكرملين تجميد أعمال القتال على خطوط التماس الحالية في مقاطعتي زابوريجيا وخيرسون الأوكرانيتين، في مقابل انسحاب القوات المسلحة الأوكرانية من مقاطعة دونيتسك في الشرق، وهو اقتراح لم يلقَ قبولاً لدى كييف وحلفائها الأوروبيين في المرحلة الراهنة على الأقل.
فشل قمة ألاسكا
في السياق، اعتبر المحلل السياسي المتخصص في الشأن الأوكراني المقيم في موسكو، ألكسندر تشالينكو، أن قمة ألاسكا كان محكوماً عليها بالفشل، في إحداث انفراجة في ملف المفاوضات الروسية الأوكرانية في ظل إصرار موسكو على قدرتها على النصر في حرب الاستنزاف طويلة الأجل، الذي يقابله الصمود الأوكراني في مناطق شمال مقاطعة دونيتسك منذ ثلاث سنوات. وأضاف تشالينكو، المتحدر من مدينة دونيتسك الأوكرانية وزار منطقة القتال منذ عام 2022 مرات عدة، في حديث لـ”العربي الجديد”: “كان محكوماً على قمة ألاسكا بالفشل سلفاً، والوضع الراهن لا يشكل مفاجأة كبيرة على من يتابع الأمر عن كثب. يتطلب التوصل إلى اتفاق سلام أن يكون أحد الطرفين يتكبد هزيمة يقابلها عجز الطرف الآخر عن تحقيق نصر كامل. هذا المطلب لا ينطبق حالياً على أوكرانيا، التي لا تزال قادرة على الحفاظ على مناطق شمال مقاطعة دونيتسك منذ ثلاث سنوات. إلا أنه لا ينطبق أيضاً على روسيا التي ترى نفسها قادرة على النصر في حرب استنزاف طويلة، ولو بلا نصر فوري”.
ألكسندر تشالينكو: تراهن روسيا على تكرار نموذج سقوط الأسد في أوكرانيا
وضرب تشالينكو مثلاً على ذلك، مستشهداً بسقوط النظام السوري في ظرف أيام معدودة، بعد سنوات من الانتصارات العسكرية بدعم من روسيا وإيران وحزب الله، مضيفاً: “في أحيان كثيرة، تتدهور أوضاع القوات والأنظمة السياسية تدريجياً، ثم تنهار بين ليلة وضحاها، وهذا ما تراهن عليه روسيا في أوكرانيا. ولذلك لا تهرع لعقد لقاء بين بوتين و(الرئيس الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي، علماً منها مسبقاً أنه لن يقبل بشروطها في مسألة الانسحاب من مقاطعة دونيتسك، مقابل تجميد النزاع على خطوط التماس في زابوريجيا وخيرسون”. وأبدى تشالينكو اعتقاده بأن زيلينسكي لن يقبل بالشروط الروسية للتسوية لاعتبارات السياسة الداخلية الأوكرانية، قائلاً: “باعتقادي، يتمنى أغلب سكان أوكرانيا إنهاء الحرب ومستعدون للقبول بتنازلات حدودية في سبيل ذلك، ولكن القوميين هم المتحكم الفعلي في السياسات الأوكرانية، وهم قادرون على استبدال زيلينسكي في حال قدم تنازلات كبيرة لروسيا، خصوصاً أنهم يحظون في المرحلة الراهنة بدعم الدول الأوروبية الرائدة مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا”.
بدوره، لفت مؤسس مشروع فافتفور للتحليل العسكري والسياسي، سيرغي بوليتايف، في مقال بعنوان “في الحرب والدبلوماسية” نُشر بموقع مجلة “روسيا في السياسة العالمية”، إلى أن تكتل مدينتي بوكروفسك وميرنوغراد، الذي بلغ عدد سكانه قبل بدء الحرب في 24 شباط/شباط 2022 أكثر من 200 ألف نسمة، هو ثاني أكبر تكتل في مقاطعة دونيتسك لا يزال يخضع لسيطرة القوات المسلحة الأوكرانية، بعد تكتل سلوفيانسك – كراماتورسك (450 ألف نسمة في المرحلة ما قبل الحرب).
وأضاف أن الجيش الروسي بدأ منذ العام الماضي، بفرض قوس كلاسيكي حول بوكروفسك من ثلاث نواح، عبر وضع خطوط الإمداد تحت السيطرة النارية لاستنزاف القوات الأوكرانية، على أن تجري في المرحلة الختامية عملية اقتحام لن تستغرق وقتاً طويلاً، ولن تتطلب قوة كبيرة بعد إبعاد مجموعة القوات الأوكرانية بشكل شبه كامل. وشدّد على أن هذا الأسلوب أتاح إحكام السيطرة على مدن أفدييفكا وكوراخوفو وأوغليدار، وسودجا في مقاطعة كورسك الروسية، التي توغلت القوات الأوكرانية فيها في السادس من آب 2024، قبل إعلان بوتين استردادها في 26 إبريل/نيسان الماضي.
وأشار بوليتايف إلى أن هذه الأحداث تتطور على خلفية استئناف اللعبة الدبلوماسية حول ترامب، معتبراً في الوقت نفسه أن موسكو حققت نتيجة مرحلية مهمة، في سياق المفاوضات الروسية الأوكرانية تمثلت بتخلي ترامب عن مطلب الوقف الفوري لإطلاق النار، متحولاً بذلك من وسيط إلى مشاهد ومراقب “محايد نسبياً”. ومع أن مسألة الضمانات الأمنية ووضع أوكرانيا في مرحلة ما بعد الحرب تشكل مسألة “الحياة والموت” بالنسبة إلى زيلينسكي، وفق اعتقاد بوليتايف، فإنه خلص إلى أن روسيا تراهن على اختياره مواصلة الحرب التي بات الجيش الروسي جاهزاً لها بصورة أفضل من أي وقت مضى.
من جهته، رسم رسلان ليفييف، المدون الحربي الروسي المعارض، مؤسس مجموعة Conflict Intelligence Team المعنية بالتحقيقات في النزاعات العسكرية المقيم في الولايات المتحدة، في نشرته الأسبوعية على منصة يوتيوب، الأربعاء الماضي، ثلاثة سيناريوهات لتطور الأحداث في أوكرانيا. وأوضح أن السيناريو الأول هو “أن يقر ترامب بأن بوتين شخص غير قابل للتوصل إلى اتفاق معه”، ويستجيب لضغوط السياسيين الأوروبيين في مسألة تخصيص دعم عسكري كبير لأوكرانيا. أما ثاني السيناريوهات، فيتمثل في أن يخرج ترامب بنتيجة مفادها بأن زيلينسكي هو الطرف الذي لا يمكن الاتفاق معه، ويبدأ بالضغط على أوكرانيا عبر وقف بيع الأسلحة وتسليم البيانات الاستخباراتية. أما السيناريو الثالث، وفق ليفييف، فهو أن يقول ترامب إن الطرفين لا يتجاوبان معه، فينأى بنفسه عن الأزمة الأوكرانية. وخلص ليفييف إلى أن المفاوضات الروسية الأوكرانية وجميع اللقاءات والتعليقات والمقترحات سواء أكانت روسية أم أوروبية، تهدف إلى تحقيق أحد السيناريوهين الأول أو الثاني، عبر إظهار أن الطرف الآخر هو الذي يعرقل التسوية.
سيرغي بوليتايف: موسكو حققت نتيجة مرحلية مهمة تمثلت بتخلي ترامب عن مطلب الوقف الفوري لإطلاق النار
المرحلة التالية من المفاوضات الروسية الأوكرانية
في مقال بعنوان “ماذا يعرقل عقد لقاء بوتين وزيلينسكي؟” نُشر في صحيفة فزغلياد الإلكترونية الموالية للكرملين، الثلاثاء الماضي، لفت الأستاذ المساعد بقسم العلوم السياسية بالجامعة المالية التابعة للحكومة الروسية، غيفورغ ميرزايان، إلى أن ترامب وقادة الدول الأوروبية وزيلينسكي يرون أن انعقاد قمة روسية أوكرانية يجب أن يكون المرحلة التالية في المفاوضات الروسية الأوكرانية وعلى طريق عملية التسوية السلمية في أوكرانيا. واعتبر ميرزايان أن زيلينسكي يحاول ألا يسمح لترامب بمناقشة شروط صفقة السلام مع بوتين من دون أوكرانيا وعلى حساب أوكرانيا وهو بشخصه، لإثبات صلاحيته لمسار السلام، ووضع حد للأحاديث حول ضرورة استبداله باعتباره “رئيس الحرب”، وأخيراً “تحويل اللقاء مع بوتين إلى عرض من شأنه رفع معنويات السكان الأوكرانيين”.
وأشار ميرزايان إلى ما اعتبره “انعدام شخصية شرعية” في أوكرانيا يمكنها التوقيع على اتفاق سلام، إذ لا يمكن إجراء الانتخابات في أوكرانيا إلا بعد إلغاء حالة الحرب وانتهاء المرحلة الساخنة من القتال. وخلص كاتب المقال إلى أن تنظيم القمة يتطلب تعاوناً بين الهيئة الفيدرالية الروسية للحراسة وهيئة الحراسة الأوكرانية، وهذا غير وارد في ظروف انعدام الثقة، بينما لن تقبل موسكو وكييف تفويض مهمة تأمين رئيسيهما لدولة ثالثة. وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد نفى في نهاية الأسبوع الماضي، أن تكون قمة ألاسكا قد تناولت إمكانية عقد لقاء بين بوتين وزيلينسكي، رابطاً في حديث لشبكة “إن بي سي” الأميركية عقد مثل هذا اللقاء بتوفر “الأجندة الرئاسية”، محمّلاً أوكرانيا المسؤولية عن عرقلة العملية السياسية.
by | Aug 29, 2025 | أخبار العالم
دان وزراء الاتحاد الأوروبي، اليوم الجمعة، بشدة، موجة القصف الجوي الكثيف على كييف الذي نفذته روسيا أمس الخميس، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 23 شخصاً، بينهم أطفال، فيما عبرت الإدارة الأميركية عن انزعاجها من الطرفين الروسي والأوكراني واتهمتهما بعدم الرغبة في السلام. وفي الأثناء، حذرت موسكو من أن الضمانات الأمنية لأوكرانيا ترفع من احتمالات وقوع مواجهات بين روسيا وأوروبا.
كالاس: بوتين يسخر من جهود السلام
وقالت الممثلة العليا للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس
عن هجمات الخميس إنها “تُظهر أن (فلاديمير) بوتين يسخر فقط من أي نوع من الجهود التي تُبذل من أجل السلام”. وجاء كلام كالاس عند وصولها إلى كوبنهاغن، عاصمة الدنمارك، للمشاركة في اجتماع يستمر يومين لوزراء دفاع وخارجية دول الاتحاد الأوروبي (27 دولة).
وأضافت كالاس: “ما يجب أن نفعله هو تعزيز الضغط على روسيا”، مشيرة إلى أن العقوبات الجديدة على صادرات الطاقة والخدمات المالية الروسية “سوف تكون أكثر ما يؤلمهم”، ودعت كالاس دول الاتحاد إلى مواصلة تزويد كييف بالأسلحة، وقالت: “تحتاج أوكرانيا كل دعم عسكري الآن”.
وضربت وزيرة الدفاع الليتوانية دوفيل شاكالين وتراً مماثلاً من جهتها بقولها، الجمعة، إن بوتين “يشتري الوقت بثمن زهيد لقتل المزيد من الناس ولإبداء الاستعداد أنه قد يوقف تصرفاته القاتلة”، وأضافت: “بوتين لا يوثق به”. كما شدد وزير الدفاع الأيرلندي سيمون هاريس على أن بحث فرض المزيد من العقوبات هو أمر “إلزامي” للضغط على روسيا لإنهاء الحرب. وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين قد أعلنت، أمس الخميس، أنه سوف تُطرح الحزمة الـ19 من عقوبات التكتل على روسيا قريباً.
ومن المقرر أن يناقش وزراء دفاع التكتل الأوروبي الضمانات الأمنية لأوكرانيا حال انتهاء القتال، وقالت كالاس إنّ الاتحاد الأوروبي يمكن أن يدعم كييف بمواصلة تدريب الجيش الأوكراني وتعزيز صناعة الدفاع في البلاد، بالإضافة إلى الالتزامات من جانب الدول الأعضاء الأفراد. غير أنها أقرت بأن انتهاء الحرب “ليس قريباً إذا ما نظرنا إلى ما يفعله بوتين”. وتلي محادثات وزراء الدفاع في اجتماع كوبنهاغن، الجمعة، مناقشات لوزراء خارجية التكتل غداً السبت.
السويد تستدعي السفير الروسي على خلفية هجوم كييف
وعلى صعيد ردود الفعل على هجمات موسطو الدموية، استدعت السويد، الجمعة، السفير الروسي احتجاجاً على الضربات الروسية على كييف، وقالت وزارة خارجية السويد إن استدعاء السفير جاء “احتجاجاً على الهجمات الروسية المتواصلة على المدن الأوكرانية والمدنيين”. وكتبت وزيرة الخارجية السويدية ماريا مالمر ستينرغارد على منصة إكس: “من الواضح أن روسيا لا ترغب في السلام في ظل استمرار هجماتها في أنحاء أوكرانيا. حان الوقت الآن لزيادة الضغط على روسيا، بما في ذلك من خلال فرض المزيد من العقوبات”. وأضافت أن الحكومة السويدية “تريد أن ترى سلاماً عادلاً ودائماً في أوكرانيا”.
وشنت روسيا، الخميس، ضربات بصواريخ ومسيرات على مبان تضم شققاً سكنية في العاصمة الأوكرانية، ما أسفر عن مقتل 23 شخصاً على الأقل، بينهم أربعة أطفال، وإصابة حوالي 50 آخرين. كما تضررت بعثة الاتحاد الأوروبي ومبنى المركز الثقافي البريطاني ومكاتب مؤسستين إعلاميتين. واستدعى الاتحاد الأوروبي وبريطانيا السفيرين الروسيين في بروكسل ولندن بعد الهجوم. وأكد سلاح الجو الأوكراني، الخميس، أن روسيا أطلقت 598 مسيّرة و31 صاروخاً، في ثاني أكبر هجوم من حيث العدد الإجمالي منذ اندلاع الحرب. وأفادت عن اعتراض 563 طائرة و26 صاروخاً.
واشنطن: زيلينسكي وبوتين مسؤولان
وفي واشنطن، انتقدت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي عقب موجة القصف الجوي التي شنتها روسيا على كييف الخميس. وقالت ليفيت إن ترامب “ليس سعيداً بهذه الأنباء، ولكنه ليس مُفاجَأً”، مشيرة إلى أن أوكرانيا شنت هجمات فعالة على صناعة النفط الروسي في الأسابيع الأخيرة. وأضافت: “من المحتمل أن طرفي هذه الحرب ليسا مستعدين لإنهائها بنفسيهما.. ويريد الرئيس أن تنتهي ولكن قادة هذين البلدين يجب أن يريدا ذلك أيضاً”.
وأعلن زيلينسكي، اليوم الجمعة، أن ثمانية أشخاص ما زالوا في عداد المفقودين غداة الهجوم على كييف، وقال على مواقع التواصل الاجتماعي بعد أكثر من 24 ساعة من الهجوم: “لا يزال مصير ثمانية أشخاص مجهولاً”. وأعلنت كييف الجمعة يوم حداد تكريماً للضحايا. وكان زيلينسكي حثّ حلفائه الغربيين، أمس الخميس، على توجيه “رسالة مشتركة قوية” إلى بوتين بعد هجوم الأمس.
روسيا تحذر من ارتفاع خطر الصراع مع الغرب
إلى ذلك، قالت روسيا، الجمعة، إنّ المقترحات الغربية بشأن الضمانات الأمنية لأوكرانيا من شأنها أن تزيد من خطر الصراع بين موسكو والغرب، من خلال تحويل كييف إلى “مصدر استفزازات استراتيجي” على حدود روسيا. ويعمل حلفاء أوروبيون لأوكرانيا على إعداد مجموعة من الضمانات الأمنية التي قد تدرج ضمن تسوية سلام محتملة، تهدف إلى حماية كييف من أي هجوم روسي محتمل في المستقبل.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا اليوم الجمعة: “الضمانات الأمنية يجب أن تقوم على تفاهم مشترك يراعي المصالح الأمنية لروسيا”، وذكرت خلال مؤتمر صحافي في موسكو أن المقترحات الحالية “أحادية الجانب ومصممة بوضوح لتحجيم روسيا”.
وأضافات زاخاروفا: “هذا المسار (من المقترحات) ينتهك مبدأ الأمن غير القابل للتجزئة ويضع كييف في موقع مصدر للاستفزازات الاستراتيجية على حدود روسيا، ما يزيد من خطر انزلاق (حلف شمال الأطلسي) إلى صراع مسلح مع بلادنا”. وقالت موسكو من قبل إنها لا تحبذ المقترحات الأوروبية ولن تقبل بأي وجود لقوات حلف شمال الأطلسي على الأراضي الأوكرانية.
وفي اجتماع افتراضي عُقد الخميس بعد الضربات، حثّ زيلينسكي الحلفاء الأوروبيين على “مواصلة الضغط” على الرئيس الروسي لإجباره على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وفقاً لبيان صادر عن مكتبه. وقال زيلينسكي: “لم ينفذ بوتين ما قاله. حان وقت التحرك. نحتاج إلى إشارة مشتركة قوية”، مضيفاً: “لا يمكن إنهاء الحرب فعلاً إلا على مستوى القادة”.
وحثّ المشاركين في الاجتماع، بمن فيهم قادة بولندا وليتوانيا ولاتفيا وإستونيا والدنمارك، على تفصيل الضمانات التي سيقدمونها للحفاظ على السلام في أوكرانيا بعد الحرب، وفقاً للبيان. وقال زيلينسكي: “على أوروبا ألا تفوّت هذه الفرصة. بل يجب أن تحدّد أسساً حقيقية للعمل المشترك”، مضيفاً: “سيتوقع ترامب منكم أيضاً أن تحدّد كل دولة في أوروبا مساهمتها بوضوح”.
100 ألف جندي روسي قرب بوكروفسك الأوكرانية
وميدانياً، أعلنت أوكرانيا مقتل شخصين، ليل الخميس الجمعة، في ضربات روسية على دنيبروبيتروفسك، وذلك بعد أيام من اعتراف كييف لأول مرة بتقدم جيش موسكو في هذه المنطقة. وكتب رئيس الإدارة العسكرية الإقليمية سيرغي ليساك على منصة تليغرام: “للأسف، لقي شخصان حتفهما – رجل وامرأة”. وأضاف ليساك أن ضربة بطائرة مسيرة على منطقة سينيلنيكي أسفرت عن إصابة امرأة تبلغ 50 عاماً، كما أدى هجوم منفصل على مدينة دنيبرو إلى إصابة شخصين، أحدهما “حالته خطيرة”.
ومنذ أن شنت روسيا غزوها الشامل لأوكرانيا في شباط/شباط 2022، نجت دنيبروبيتروفسك، المنطقة الإدارية المركزية، إلى حد كبير من المعارك العنيفة. لكن كييف أقرت، يوم الثلاثاء االماضي، بدخول القوات الروسية إلى المنطقة عقب تصريحات مماثلة من موسكو الشهر الماضي. ودنيبروبيتروفسك ليست واحدة من المناطق الأوكرانية الخمس – دونيتسك وخيرسون ولوغانسك وزابوريجيا والقرم – التي قالت روسيا إنها أراض روسية.
كما أعلن زيلينسكي، الجمعة، أنّ موسكو حشدت حوالى 100 ألف جندي قرب بوكروفسك، المدينة الرئيسية في شرق أوكرانيا، والتي تقول روسيا إنّها جزء من أراضيها. وقال زيلينسكي لصحافيين: “هناك حشد وتمركز للعدو. ما يصل إلى 100 ألف جندي، هذا ما لدينا حتى صباح اليوم. إنّهم يستعدون لعمليات هجومية على أي حال”، مضيفاً أن القوات الأوكرانية تعمل على التصدي لقوات روسية في منطقة سومي على الحدود الشمالية الشرقية.
(فرانس برس، أسوشييتد برس، رويترز، العربي الجديد)
by | Aug 29, 2025 | أخبار العالم
تشهد أوكرانيا تحولاً جذرياً في طبيعة قتالها ضد الغزو الروسي لها، متصلاً خصوصاً بالأخلاقيات العسكرية، المغلّفة بالاعتماد المتزايد على التكنولوجيا. ومن شأن هذا التطور أن يطرح إشكاليات في مستقبل الحروب، ومدى استسهال استهداف الناس، عسكريين ومدنيين، في سياق الدفاع عن قضية ما، فضلاً عن القدرة على حصر الأخطاء. في مقابلة مع وكالة رويترز، نُشرت أول من أمس الأربعاء، أوضح وزير الرقمنة ونائب رئيس الوزراء الأوكراني، ميخايلو فيدوروف، أن وزارته تُشغّل نظام نقاط على غرار ألعاب الفيديو لعمليات القتل المؤكدة أو تدمير المركبات والمعدات الروسية. ويمكن بعد ذلك استبدال هذه النقاط بطائرات مسيرة وأجهزة تشويش إلكترونية للإشارات وأنظمة أسلحة أخرى على سوق مثل موقع أمازون، بينما تُصنف الوحدات على قوائم المتصدرين الشهرية. وقال فيدوروف إنه منذ إطلاق هذا النظام قبل عام، تم توزيع نحو 500 ألف طائرة مسيّرة على الوحدات مقابل النقاط، معتبراً أن هذا الأمر يُحفز الوحدات على قتل المزيد، وتبادل البيانات التي تُتخذ بناءً عليها قرارات لاحقة بشأن ما هو فعّال وما هو غير فعّال. ومع إعلان القوات الأوكرانية عن “منطقة قتل” (كل من يتحرك فيها يواجه الموت) على جانبي الجبهة مع القوات الروسية، حيث يُصبح التنقل في العراء شبه مستحيل بسبب التهديد المستمر للطائرات المسيرة، قدّر فيدوروف أن هذه المنطقة تمتد الآن على مساحة بين عشرة و15 كيلومتراً على خط المواجهة، متوقعاً وصولها إلى 20 كيلومتراً في العام المقبل.
ميخايلو فيدوروف: العمل جارٍ على أنظمة تجعل الطائرات من دون طيار ذاتية التحكم تماماً
التطور التقني في أوكرانيا
ووصف فيدوروف العمل في مثل هذه البيئة بأنه “عمل شاق”، ونتيجةً لذلك تستخدم أوكرانيا الآن آلافاً من المركبات البرية غير المأهولة في ساحة المعركة، لجلب الذخيرة والإمدادات للجنود المتمركزين في مخابئهم على خط المواجهة. وأضاف فيدوروف أن ما بين 80% و90% من الأهداف الروسية التي تُضرب في ساحة المعركة تُدمر الآن بطائرات من دون طيار، بينما كان المعدل في عام 2024 70% من القوات المستهدفة و75% من المركبات. ويشغل فيدوروف (34 عاماً) منصب الوزير المسؤول عن جهود التحول الرقمي في أوكرانيا منذ خمس سنوات، ما دفعه إلى الانخراط على نحو كبير في بحث أوكرانيا عن تقنيات دفاعية مبتكرة للتغلب على عدوها الأكثر ثراءً والأفضل تسليحاً.
وبموازاة خوض الحرب، سعت أوكرانيا إلى ترسيخ مكانتها ساحةَ اختبار لشركات الدفاع الدولية، داعيةً إياها لتجربة أسلحة جديدة في مواقع القتال، وقال فيدوروف إنه تم تلقي ما يقرب من ألف طلب حتى الآن، وأن 50 منتجاً مختلفاً “في طريقها إلى أوكرانيا”. وأضاف أن أوكرانيا تستخدم الآن الذكاء الاصطناعي لمساعدة طائراتها المسيّرة، بما في ذلك العديد من أنظمتها المستخدمة في هجمات بعيدة المدى في عمق روسيا، وأكد أن أجهزة الكمبيوتر قادرة على مسح صور استطلاع جوية وفضائية مفصلة لأهداف قد يستغرق العثور عليها من قِبل الإنسان “عشرات الساعات”. وأضاف فيدوروف أن العمل جارٍ على أنظمة تجعل الطائرات من دون طيار ذاتية التحكم تماماً، ما يسمح لها بالتحليق من دون تدخل بشري، والعمل في أسراب. وأوضح أن أوكرانيا تستخدم تقنية الذكاء الاصطناعي من شركة تحليل البيانات الأميركية بالانتير لأغراض متنوعة، مثل تحليل أنماط الضربات الروسية على أوكرانيا أو تتبع حملات التشويه الإعلامي التي تشنها موسكو. وتأسست شركة بالانتير على يد الملياردير الأميركي بيتر ثيل، وهو شخصية مؤثرة في إدارة ترامب. وليست جميع استخدامات أوكرانيا لـ”بالانتير” عسكرية، فقد قال الوزير الأوكراني إنها ساعدت أيضاً في اقتراح أماكن بناء مدارس تحت الأرض مقاومة للقنابل، أو تحديد المناطق التي يجب إعطاؤها الأولوية في جهود إزالة الألغام.
وأوضح فيدوروف في سياق آخر، أن أوكرانيا جمعت ما وصفه بـ”الكم الهائل من المعلومات”، وأنها “تبحث مشاركة بيانات ساحة المعركة مع حلفائها”، لتعزيز مكانتها في مفاوضاتها للحصول على دعم الدول الصديقة. وتُعد مجموعات البيانات الضخمة أمراً بالغ الأهمية لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على التعرف إلى الأنماط والتنبؤ. تزداد هذه الحاجة إلحاحاً في قطاع الدفاع العالمي المزدهر، في حين أن مجموعات البيانات الخاصة بمعظم الأنشطة المدنية متوفرة تجارياً، إلا أن أكبر حرب في القرن الـ21 بين الجيوش المتقدمة قد منحت أوكرانيا مجموعة لا مثيل لها من بيانات عمليات القتال، ما قد يساعد كييف على إثبات قيمتها حليفاً لواشنطن. ومنذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في عام 2022 جمعت أوكرانيا كميات هائلة من إحصاءات ساحة المعركة المسجلة بدقة، ومع تزايد استخدام الطائرات المسيرة في الحرب، أصبحت أوكرانيا تمتلك ملايين الساعات من لقطات القتال المصورة جواً. وقال فيدوروف: “أعتقد أن هذه إحدى الأوراق المتاحة، كما يقول زملاؤنا وشركاؤنا، لبناء علاقات مربحة للطرفين”، في إشارة واضحة إلى تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في اجتماع كارثي في المكتب البيضاوي في 28 شباط/ شباط الماضي، بأنه “ليس لديكم أوراق”.
ولم تكن تلك الخطوة الأوكرانية جديدة، فقد استفاضت الصحف الغربية بنشر تحقيقات عن لاعبي الفيديو الأوكرانيين، الذين انتقلوا من خلف الشاشات إلى ساحات الحرب لمحاربة الروس بعد غزو موسكو لبلادهم. وبات أبرز مشغلي المسيرات شباناً اعتادوا قضاء ساعات طويلة خلف شاشات الكمبيوتر، لكنهم الآن تحولوا إلى عناصر في الحرب، لصدّ الزحف الروسي. ومع أن الاختلاف أخلاقي بين القتل في لعبة وبين الواقع، غير أن الاعتياد على الفكرة لن يفضي سوى إلى تدهور الرادع الأخلاقي، وبالتالي تطوير أدوات القتل، سواء بالمسيرات أو بالمركبات الآلية. في السياق، تجدر الإشارة إلى المجزرة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي بهجومه المزدوج على مستشفى ناصر في غزة، الاثنين الماضي الذي سقط فيه أكثر من 20 شهيداً على الأقل. وقال مسؤول أمني إسرائيلي لشبكة سي أن أن، إن القوات المشاركة في الهجوم كان مُصرّحاً لها باستهداف كاميرا بطائرة مُسيّرة، لكنها أطلقت قذيفتي دبابة: الأولى على الكاميرا والثانية على قوات الإنقاذ. وادّعى الجيش الإسرائيلي أن “ستة من القتلى كانوا إرهابيين، وأحدهم شارك في التسلل إلى الأراضي الإسرائيلية خلال هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/تشرين الأول 2023”.
البحرية الأميركية: ألعاب الفيديو تعزز المرونة العصبية
الاستثمار العسكري الأميركي
في العام الماضي، نشرت الكاتبة الليتوانية ماريام ديد، كتاباً بعنوان “كل شيء في ساحة اللعب: كيف تغير ألعاب الفيديو العالم؟”، تطرقت في أحد فصوله إلى القطاع العسكري في هذه الألعاب، حسبما ذكر موقع “كومونز” الأوكراني، مشيرة إلى أن “الجيش الأميركي استثمر بكثافة في الألعاب، من خلال ألعاب مثل America’s Army الصادرة عام 2002، وهي لعبة إطلاق نار تكتيكية تعرض سيناريوهات قتالية واقعية، كانت بمثابة دعاية للحروب الأميركية وأداة تجنيد فيها. وقد كتب القائمون على اللعبة في صفحة الأسئلة الشائعة الرسمية، أن أحد الأسباب التي تجعل الأشخاص خارج الولايات المتحدة قادرين على لعبها هو أنهم يريدون أن يعرف العالم أجمع مدى عظمة الجيش الأميركي. وكان ذلك في سياق ما بعد هجمات 11 أيلول/أيلول 2001 والحرب على الإرهاب”. ووفق الكاتبة “كان إجمالي عدد إصدارات اللعبة التي صدرت في الفترة من عام 2002 إلى عام 2014 قد بلغ 41 إصداراً”، مشيرة إلى أنه “من المتوقع أن يستثمر الجيش الأميركي أكثر من 26 مليار دولار سنوياً في التدريب على الألعاب والمحاكاة بحلول عام 2028، كما أن واشنطن استحوذت على 92% من الإنفاق العالمي في سوق الألعاب والمحاكاة في مجال الدفاع في عام 2022، أي نحو 25 مليار دولار”.
وفي 17 شباط 2022، نشرت البحرية الأميركية على موقعها مقالاً جاء فيه أن ألعاب الفيديو تساعد البحارة ومشاة البحرية على معالجة المعلومات بشكل أسرع وتعزز المرونة العصبية. والأهم وفقاً للكاتبة الليتوانية، أن هذه الألعاب ومؤثراتها “تجعل اللاعبين غير حساسين للعنف ضد أعداء الدولة المفترضين، في حين تقدم وجهات نظر عسكرية على أنها مبررة أخلاقياً”. أما نظام النقاط، فبحسب ديد، تبنت الشركات والمؤسسات التعليمية ووكالات التسويق في العقد الأخير، ميزات شبيهة بالألعاب، مثل النقاط والشارات ولوحات المتصدرين، لإشراك المستخدمين وتحفيز السلوكيات. وسارت منصات التواصل الاجتماعي على نفس النهج، فدمجت عناصر تشبه الألعاب لزيادة تفاعل المستخدمين. وبناء على ذلك، يُمكن فهم مآلات ما يجري في الحرب الروسية على أوكرانيا، وفي تصريحات فيدوروف الأخيرة.(العربي الجديد، رويترز)