لماذا تحصل الصين على الغاز الروسي بأسعار أرخص مقارنة بأوروبا؟

لماذا تحصل الصين على الغاز الروسي بأسعار أرخص مقارنة بأوروبا؟

أوضح رئيس شركة “غازبروم” الروسية أليكسي ميللر أن انخفاض سعر الغاز الذي تورده الشركة إلى الصين مقارنة به للسوق الأوروبية يعود للعوامل الجغرافية، وتباين تكاليف النقل.

وقال ميللر في تصريحات صحفية اليوم الثلاثاء إن قرب حقول إنتاج الغاز في شرق سيبيريا من الحدود الصينية، مقابل بعد حقول غرب سيبيريا عن الأسواق الأوروبية، يسهم بشكل مباشر في تخفيض التكاليف التشغيلية وبالتالي الأسعار بالنسبة للجانب الصيني.

وكشف أن عمليات سداد قيمة إمدادات الغاز الروسي إلى الصين تتم حاليا بالعملات الوطنية بنسبة متساوية، حيث يتم الدفع 50% بالروبل الروسي و50% باليوان الصيني.

وأعلنت شركة “غازبروم” الروسية اليوم توقيع اتفاقات استراتيجية مع شركة البترول الوطنية الصينية لزيادة إمدادات الغاز عبر أنابيب “قوة سيبيريا”، ورفد الشبكة بأنبوب جديد.

وسيتم زيادة الإمدادات عبر مسار “قوة سيبيريا” (أنبوب غاز من روسيا إلى الصين) من 38 مليار إلى 44 مليار متر مكعب من الغاز سنويا.

كما تم التوقيع على مذكرة تفاهم ملزمة قانونا لإنشاء مشروع خط أنابيب الغاز الجديد “قوة سيبيريا-2″، الذي سيمر عبر منغوليا تحت اسم “اتحاد الشرق”.

المصدر: RT

هل ينجح أسطول الصمود العالمي في كسر الحصار على غزة؟

هل ينجح أسطول الصمود العالمي في كسر الحصار على غزة؟

الحكومة الإيرلندية  تقدم خدمة لفظية لفلسطين، لكنها تظل متواطئة كغيرها من معظم الحكومات الأوروبية. ومعظم المواطنين الإيرلنديين يرفضون هذا التواطؤ. ناوزي دولان – The Guardian

يبحر مئات الأشخاص من 44 دولة إلى غزة هذا الأسبوع ضمن أسطول “الصمود العالمي”. وأنا من بينهم. ونهدف إلى كسر الحصار الإسرائيلي غير القانوني سلمياً من خلال إيصال الإمدادات الضرورية. وقد انضممتُ إلى البعثة لأنني، كمواطنة أيرلندية، شاهدتُ حكومتي تواجه ما يقرّ رئيس الوزراء بأنه إبادة جماعية، بضغط بسيط من حين لآخر.

إن هذا التأطير مفرط في السخاء. فالحكومة الإيرلندية ليست عديمة الفائدة في مواجهة الإبادة الجماعية فحسب، بل إنها تشجع مرتكبيها. وتمر الطائرات العسكرية الأمريكية التي يُحتمل أن تحمل أسلحة إلى إسرائيل بشكل روتيني عبر مطار شانون الأيرلندي دون تفتيش.

أما مشروع قانون الأراضي المحتلة لعام 2018، والذي كان يهدف في الأصل إلى حظر جميع أشكال التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، فقد دخل الآن عامه السابع من الفراغ التشريعي، مع تردد لا نهاية له حول ما إذا كان ينبغي أن يشمل الخدمات. وباختيار إسرائيل، فإن البنك المركزي الإيرلندي هو، منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، السلطة التنظيمية الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي تُوافق على تداول سندات الحرب الإسرائيلية المُسوّقة صراحةً للبيع في جميع أنحاء التكتل.

ويسمح البنك المركزي الإيرلندي ببيع السندات لإسرائيل بجمع الأموال دولياً والتي تستخدمها علناً لتمويل حملتها في غزة. وفي حزيران، رفضت الحكومة الإيرلندية اقتراحاً لإنهاء تسهيل البنك المركزي لبيع هذه السندات. وهناك مفارقة بائسة في اختيار أن يكون البنك “موطناً” لإسرائيل فيما يتصل بموافقة إصدار السندات ــ في المصطلحات المالية ــ في حين يزعمون إدانة عمليات نزع الملكية القسرية.

يضفي الإيرلنديون لمسة رومانسية على تضامن إيرلندا مع فلسطين. ونشعر بفخر استثنائي غريب لاعترافنا بدولة فلسطين في أيار 2024، بعد ما يقرب من 4 عقود من اعتراف الموجة الأولى من 89 دولة في عامي 1988 و1989. وكنا الدولة رقم 142 التي فعلت ذلك.

لكن النشطاء الفلسطينيين الذين ندّعي دعمنا لهم يدركون نفاق حكومتنا. ففي أي احتجاج كبير في إيرلندا، ستسمع متحدثين فروا مؤخراً من غزة يدينون تواطؤ الحكومة الإيرلندية. كما أن الدعم الخطابي المحض الذي تقدمه الدولة لا يخدع سكان إيرلندا الشمالية؛ فالناشطون المؤيدون لفلسطين هناك ينتقدون دبلن بقدر انتقادهم لحكومة المملكة المتحدة. ومن وجهة نظر العديد من سكان بلفاست، من المنطقي تماماً أن تتعاون الجمهورية المكونة من 26 مقاطعة مع الاحتلال الاستعماري بينما تُقدم خدمة لفظية على أمل زواله.

داخل الاتحاد الأوروبي، لا تواجه إيرلندا سوى القليل من التدقيق لتورطها في جرائم الحرب الإسرائيلية مقارنةً بالقدر الموجه إلى ألمانيا، وهو أمر مفهوم. وكنت أعيش في برلين عندما بدأت إسرائيل قصفها لغزة رداً على جرائم حماس في 7 تشرين الأول، والتي حدثت بدورها بعد عقود من الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي وحصار غزة الذي يعود تاريخه إلى عام 2007.

لقد احتجزتني الشرطة الألمانية مرتين لمجرد مشاركتي في مظاهرات مؤيدة لفلسطين، لكنني شهدت قمعاً أشد بكثير ضد متظاهرين آخرين، حيث استُهدف المسلمون على وجه الخصوص بالعنف. وازدادت صرامة الشرطة الألمانية تجاه الاحتجاجات الفلسطينية منذ عودتي إلى إيرلندا في كانون الثاني. وفي الأسبوع الماضي، تعرضت كيتي أوبراين، وهي شابة من دبلن تبلغ من العمر 25 عاماً، لاعتداء عنيف مرتين على يد الشرطة في مظاهرة احتجاجية على غزة في برلين. وأدى هذا العنف إلى احتجاجات عفوية في إيرلندا، وتعبير رئيس الوزراء وسفير إيرلندا لدى ألمانيا عن قلقهما العميق.

لقد وجدتُ أن إيرلندا بيئة أقل عدائية للاحتجاج. ولكن ضرورة الاحتجاج تأتي من فشل حكومتي في الاستجابة على مستوى السياسة. وهناك وهم بوجود نقاش بين الدول الأوروبية: لدينا ألمانيا تدعم إسرائيل، ودول مثل إيرلندا وإسبانيا (إلى جانب النرويج) تدعم فلسطين، لذا دعونا نرى كيف سيحلون الأمر في سوق الأفكار القديم الكبير.

إن هذا الخيال يغري جميع المعنيين. فالدول التي تنتقد إسرائيل نسبياً تتجنب التدقيق لعدم موافقتها عليها محلياً بعد؛ وهم يدفعون من أجل حدوث ذلك على مستوى الاتحاد الأوروبي. وتستفيد ألمانيا من محادثة تُجرى على فرضية أن جميع دول الاتحاد الأوروبي تحافظ على علاقات اقتصادية ودبلوماسية مع إسرائيل. كما أن سلطة منتقديها في إدانة الإبادة الجماعية تضعف بسبب فشلهم في التعامل معها عملياً على أنها كذلك.

على الصعيد المحلي، تركز الحملة الإيرلندية الداعمة لفلسطين الآن على الموعد النهائي المحدد في 2  أيلول لتجديد موافقة البنك المركزي على السندات الإسرائيلية. وكان البنك قد جدد موافقته في أيلول الماضي بعد مرور ما يقرب من عام على الإبادة الجماعية. وتنظم مجموعة حملة التضامن مع فلسطين في أيرلندا (IPSC) احتجاجات أسبوعية حول هذه القضية، عادة أمام البنك المركزي.

وقد التزم ائتلاف آخر من المتظاهرين بـ”العصيان المدني” أسبوعياً في المستقبل المنظور، حيث تمثلت أولى تحركاته في إيقاف حركة المرور في وسط دبلن. وقد ازدادت مشاركة النقابات العمالية في الاحتجاجات، بما في ذلك ممثل إيرلندي لعمال ميناء مرسيليا الذين كانوا يعرقلون وصول شحنات المساعدات العسكرية إلى إسرائيل.

وهناك شعور متزايد في الحركة بأن الضغط غير كاف وأن هناك حاجة إلى تحرك عمالي: ويُستشهد بعمال التجزئة الأحد عشر في متاجر دانس الذين رفضوا التعامل مع المنتجات الجنوب أفريقية عام 1984، وقد تحدثت إحداهم، ماري مانينغ، في تجمع وطني لحملة التضامن مع فلسطين الشهر الماضي. وإذا جدد البنك السندات في 2 أيلول، فقد يكون ذلك بمثابة المحفز.

لقد سحب صندوق الثروة السيادية النرويجي استثماراته من 5 بنوك إسرائيلية، ومن شركة كاتربيلر، وهي شركة أمريكية لتصنيع معدات البناء تُزوّد ​​إسرائيل بالجرافات لتدمير الممتلكات الفلسطينية في غزة والضفة الغربية. وحتى 14 آب، كان الصندوق يمتلك حصصاً في 38 شركة إسرائيلية، ولم يتعهد بسحب استثماراته في جميع الحالات، بل اكتفى بمراجعة انتهاكات حقوق الإنسان المحتملة. وتسعى الحكومة الإسبانية إلى فرض حظر شامل على توريد الأسلحة إلى إسرائيل، في ظل ضغوط على رئيس الوزراء بيدرو سانشيز لاستدعاء سفير بلاده في تل أبيب. وتُعدّ هذه الخطوات تقدمية مقارنة بحكومات الاتحاد الأوروبي الأخرى، لكنها متأخرة بسنوات عن الرأي العام.

في إيرلندا، نعلم جيداً أن حكوماتنا لا تتصرف إلا عندما يصبح الضغط الشعبي غير قابل للاستمرار، ثم تتباهى بسجلها التقدمي.

سيظل الجميع ضد ما كان يحدث في فلسطين بمجرد أن يصبح ماضياً آمناً. وبينما يحدث، تظل حكومات الاتحاد الأوروبي متواطئة. وبعض القادة يصفونه بالإبادة الجماعية، وبعضهم الآخر ليس لديهم الشجاعة الكافية، وجميعهم ما زالوا يتاجرون مع مرتكبيها.

إن حكومتي تستطيع أن تشاهد القتل الجماعي في غزة وتستمر في عملها كالمعتاد. أما أنا فلا أستطيع؛ ولهذا السبب أبحر مع أسطول الصمود العالمي. والحركة العالمية الأوسع إلى غزة، التي تقف وراء هذا الأسطول، هي حركة دولية ضخمة بقيادة مدنية من أجل القضية الفلسطينية، تنبع من الحاجة الإنسانية لمواصلة المحاولة.

وإذا وصلنا إلى وجهتنا، فسنكسر حصاراً لم يجرؤ قادتنا المزعومون حتى على إقراره. وإذا فشلنا، فلن يكون ردنا على الإبادة الجماعية على الأقل هو الاستمرار في تنظيم سندات حرب الجاني.

المصدر: The Guardian

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

تحذير روسي: هل يعتزم الناتو تحويل الأسطول الياباني إلى أداة حرب عالمية؟

تحذير روسي: هل يعتزم الناتو تحويل الأسطول الياباني إلى أداة حرب عالمية؟

أشار مساعد الرئيس الروسي نيكولاي باتروشيف إلى نية “الناتو” استغلال الأسطول الياباني في عملياته عبر العالم مشددا على أولوية روسيا في تعزيز قدراتها الدفاعية بالشرق الأقصى.

وقال باتروشيف، رئيس الهيئة البحرية الروسية، في مقابلة مع صحيفة “aif.ru” بمناسبة ذكرى الانتصار على اليابان العسكرية ونهاية الحرب العالمية الثانية، التي يجري إحياؤها في روسيا في 3 أيلول، “إن اليابان تُعد اليوم واحدة من بين أقوى القوى البحرية في العالم”.

وأضاف: “الأسطول الياباني قادر عمليا على القيام بأي مهمة، حتى في المناطق البعيدة من محيطات العالم. كما أن البحرية اليابانية تتعاون بشكل وثيق مع أسطول حلف الناتو، ويمكن إدراجها في أي لحظة ضمن المكونات الغربية”.

وأردف مساعد الرئيس الروسي: “وفقا للمعلومات المتوفرة، ينوي حلف الناتو استخدام الأسطول الياباني لخوض عمليات قتالية في مختلف أرجاء العالم. ولهذا السبب يتم حاليا في طوكيو دراسة خيارات رفع الحظر التشريعي على استخدام القوات المسلحة خارج البلاد”.

وعلى صعيد متصل، أعلن باتروشيف أن تعزيز القدرات الدفاعية في الشرق الأقصى يندرج ضمن أولويات التطوير العسكري لروسيا.

وأكد باتروشيف في المقابلة مع الصحيفة أن “تعزيز القدرات الدفاعية في الشرق الأقصى، وتعزيز قوتنا البحرية في المحيط الهادئ، يعد من بين أولويات التطوير العسكري”.

المصدر: “نوفوستي”

الجزائر 2040… لماذا لا نعيد التّفكير؟

الجزائر 2040… لماذا لا نعيد التّفكير؟

كان هناك مشروع لاستشراف مستقبل الجزائر في 2030 على الأصعدة كافة، وجرى اتّخاذ إجراءات عمليّة لخطوات التّحرُّك في أفق بلوغ ذلك التّاريخ باستراتيجيّات وسياسات يرافقها تسخير إمكانات البلاد من مقوّمات وكفاءات في سبيل وضع الجزائر على خطى البلدان النّاشئة. وبما أنّ ذلك التّاريخ قريبٌ، وكانت هناك كبوات حالت دون بلوغ تلك الأهداف المسطّرة مع بقاء حيازة الجزائر على المقوّمات والكفاءات التي يمكنها تحقيق الهدف، فهل بالإمكان تحديد تاريخ آخر، مثلا 2040، ووضع خطط لبلوغ ما لا يمكن أن نبلغه في 2030؟

بداية، لا يمكن الحديث عن استشراف من دون إدراك خطوات شاقّة تُسخّر لها التّصوُّرات في رسم المتغيّرات ومنحنيات توجُّهها بخلفيّة مواجهة كلّ الخيارات والاحتمالات وبهدف واحد، إدراكاً وعمليّاتياً، يتضمّن بلوغ الهدف المسطّر أو على الأقل أن يبدو أنّ المسار صحيح وإن بتقويمات وتصحيحات لأخطاء قد تُعطّل المشروع وتحتاج، مرّة بعد مرّة، بعد التقييمات اللّازمة، إلى تصحيح وتقويم، وهي أساسيات السّياسات العامّة في خطواتها المعروفة، مضافا إليها عنصر حيوي، وهو التّعلُّم من الأخطاء لتجنُّب تكرارها.

شهدت الجزائر، في العشريّة الأخيرة، أحداثاً كثيرةً، لعلّ أهمّها الحراك الشّعبي الذي حال دون ارتكاب خطأ جسيم، التّجديد لرئيس مقعد، رحمه الله، ولعصابة كانت قد استولت على مقدرات البلاد وعاثت فيها فساداً، ما أحال مشروع الجزائر 2030 إلى الفشل. وطبعا، في مثل هذه الحالات، المسمّاة في السّياسات العامّة التّعافي بعد الأزمات، ينصبّ العمل على مراجعة المسار، تصحيح الأخطاء، التّعافي من الكبوات، حساب حجم الخسائر، إضافة إلى عامل آخر، حيوي جدّاً، حساب حجم الأضرار التي طاولت المشروع ونسبة تعطُّل تجسيده، بل نسبة العطب التي يمكن أن ترجع بها البلاد إلى الوراء بسبب حجم الأعطال التي كان الفساد، أساسا، قد نخر به في جسم المشروع وألغاه، تماما، بكلّ ما تحمله العبارة من معنى.

لا يمكن الحديث عن استشراف من دون إدراك خطوات شاقّة تُسخّر لها التّصوُّرات في رسم المتغيّرات

احتاجت الجزائر، للتّعافي، إلى إجراءاتٍ عمليّة تكون في حجم تحدّي تعطُّل المشروع مع رسم مشروع آخر، متخيّل، الآن، في ذهن كاتب المقالة، مع وجود علامات على رسم له في إدراك صانع القرار من خلال بعض الإجراءات وخصوصاً في المجال الاقتصادي بإقرار مضاعفة حجم النّاتج المحلّي ليكون في مصاف ناتج الدُّول النّاشئة، وهو ما سنتّخذه مقياساً لكلّ ما سنتحدّث عنه من مشاريع، خطوات عمليّة وتقييمات/ تقويمات للسّياسات العامّة في سبيل تصوُّر مشروع الجزائر 2040.

انطلق ذلك التّعافي من جرد مناحي القصور التي جرت ملاحظتها من فساد مالي، تعطُّل آلة الإنتاج، انهيار الاستثمارات المنتجة إضافة إلى غياب كلّي لعوامل جاذبية الاقتصاد الجزائري بشأن الاستثمارات الخارجيّة، ما أبرز جزائر معطّلة زادها انحدارا عاملان تظافرا، هما بروز سلبيات اتّفاقية الشّراكة مع الاتّحاد الأوروبي وضررها على الاقتصاد الجزائري، من ناحية، وتوجُّه النّفط إلى انهيار الأسعار، من ناحية أخرى، بداية من 2014، كما لا يمكن التّغاضي عن دور مشبوه لطبقة رجال أعمال فاسدين استولوا، بدون وجه حقّ وبدون أيّ قيمة إضافية للاقتصاد، على قروضٍ كثيرة (بمليارات الدُّولارات) وحصلوا على مشاريع وهميّة أو أنجزوا أخرى من دون إكمالها بحجم مالي فاق كلّ التّوقُّعات وأفرغ الخزينة العمومية، وأدخل البلاد على شفا افلاسٍ، كان الوزير الأوّل الأسبق أحمد أويحيى أوّل من تحدّث عنه قبل انطلاق الحراك، في شباط/ شباط 2019، ما وضع الجزائر، لاستعادة أنفاسها، في وضع حرج وفي حاجةٍ إلى سياسات مستعجلة لجرد أوجه القصور، وقف الانهيار، إيقاف الفاسدين، ثمّ رسم خطط للتّعافي على كل الأصعدة من مفاتيحها العودة إلى الاستقرار السّياسي، ثم الانطلاق في برنامج عمل مستعجل.

يستدعي نجاح التّخطيط الاستشرافي، بكلّ أهدافه، رسم خطوات جديدة

من خلال تشخيص وضع الجزائر في ولايات الرّئيس الرّاحل عبد العزيز بوتفليقة الأربع (1999-2019)، وما جرى فيها، ومن خلال الاعتراف بأنّ ما جرى تسطيره من أهداف استشرافية كان مرسوماً للجزائر أن تصل إليها، فإنّ التّالي، من خطوات/ سياسات/ توجُّهات أمران حيويّان، بدأ العمل بالأول من خلال سياق التّعافي، بسلبيّاته وإيجابياته، منذ سقوط خيار الولاية الخامسة للرّئيس بوتفليقة وانطلاق الجزائر في تبنّي سياسات مغايرة.

الأمر الثّاني تسطير أهداف للجزائر، منها ما هو على المستوى القصير (في غضون 2030)، ومنها ما هو على المدى المتوسّط (في غضون ما نقترحه 2040)، ذلك أنّ التّعافي من الأخطاء بعد تبنّي التّقويمات الصّائبة يحتاج وقتاً يتمُّ فيه امتصاص صدمات الانحدار مع إيقاف مساره، ثمّ اتّباع سياسات تعيد قطار التّنمية إلى مساره الصّحيح، مع العلم بإجراءاتٍ صارمةٍ لتفادي تكرار الأخطاء وقياس حجم التّعافي بأقلّ الخسائر واعتماد سياسات عامّة كفيلة بالوصول، هذه المرّة، إلى ما جرى التّخطيط له مع تحديد جملة الأهداف في تغيير وضع الاقتصاد الجزائري، مكانة الجزائر، حجم النّاتج المحلّي وغيره من الأهداف الاستراتيجية ذات القيمة المضافة لمستقبل الجزائر.

في النّتيجة، يستدعي نجاح التّخطيط الاستشرافي، بكلّ أهدافه، رسم خطوات جديدة، لأنّ ما لم يتمّ تحقيقه يكون قد تجاوزه الزّمن وما تمّ إنجازه، في ظلّ منظومة الفساد، لا يمكن اعتباره إلّا منتجاً يحتاج مراجعة دقيقة وإلّا جرى لفظه، وبخاصّة أنّ المخطّط الجديد، الجزائر 2040، يأتي في ظلّ متغيّرات تشهدها البلاد على كل الأصعدة، سواء بشأن الخروج من الرّيع وتحويل الاقتصاد الجزائري إلى اقتصاد يعمل لتحقيق الأمن الغذائي ويؤمّن إمكانات كبيرة للتّصدير أو بتحويل المجتمع، برمّته، إلى مجتمع للكفاءات التي ستضطلع، بمؤهّلاتها، بمهمّة إنجاز القفزة الاقتصادية وتحقيق المكانة التي تستحقُّها الجزائر، أي التّحوُّل إلى دولة ناشئة بحجم ناتج قومي يراوح بين 400 و500 مليار دولار. وبنسب نمو سنويّة، على شاكلة المقاربة الصّينية أو الفيتنامية، تراوح، في الاثنتي عشرة سنة المقبلة (2028-2040)، بين 8% و10%، لأنّها النّسبة الكفيلة، إذا تحقّقت، وفق الاقتصاديين، بإنجاز النّقلة النّوعية وبلوغ الأهداف المسطّرة لجزائر تمتلك كل مقوّمات البلد الكبير، على الأصعدة كافة.

منظومة فساد استفادت من غياب الرّقابة، واستبعدت، لتحقيق مآربها، الكفاءات والتّخطيط الاستشرافي عن بلد ضيّع كثيراً من فرص التّنمية والتّطوُّر

لا يخفى على أحد أن إنجاز ذلك الهدف المحوري يستدعي مقاربة في السّياسات العامّة، تعتمد على ثلاثيّة الكفاءة، الرّشادة والنّجاعة، مضافاً إليها ركيزتا تحمُّل المسؤولية والمساءلة، وهي متوفرة إذا أردنا استخدامها، سواء في داخل الوطن أو من كفاءات الجزائر المغتربين، كلّ في مجال اختصاصه، مع إعمال ذلك، كلّه، في إطار الجمع بين مقوّمات الجزائر الحقيقية من أراضٍ زراعية بملايين من الهكتارات وصناعية غذائية يمكن أن تمتصّ الإنتاج وتؤمّن له أسواقاً للتّصدير في بيئة عملٍ يمكن للتّكنولوجيا الحديثة من طاقة شمسية ودرونات (طائرات بدون طيّار) تأمينها في الصّحراء مترامية الأطراف، قد تنتج ما لا يمكن حصره من منتجات استراتيجية (قمح وذرة وشعير) وخضروات متنوّعة، يعيد الجزائر إلى ما كانت عليه، منذ فجر التّاريخ، سلة غذاء المتوسّط، برمّته، يحقّق مداخيل مستقرّة وينجز عملية التّحوُّل إلى اقتصاد منتج بعيد عن دائرة الرّيع التي طبعت الجزائر منذ الاستقلال، وأوردتنا مهالك المديونية، التّخلُّف، وبرامج إعادة الهيكلة، فضلا عن منظومة فساد استفادت من غياب الرّقابة، واستبعدت، لتحقيق مآربها، الكفاءات والتّخطيط الاستشرافي عن بلد ضيّع كثيراً من فرص التّنمية والتّطوُّر.

تجب الإشارة، هنا، إلى أنّنا لم نتحدّث عن تنظيم المجتمع، إعادة تشكيل الوعي، بعث روح المواطنة والتّوافق السّياسي، لأنّها عوامل دفع نحو تحقيق القفزة الاقتصادية وإنجاز عملية التّحوُّل من بلد ريعي إلى بلد ناشئ باقتصاد كبير يحقّق للبلاد عضوية مجموعة العشرين، يعيد البريق للعملة الوطنية وينخرط في نظام عالمي يمتلك إرادة إعادة تشكيل منظومة المبادلات باعتماد سلّة من العملات للمبادلات، بعيداً عن سيطرة الدولار واليورو وهيمنتهما، وبالارتكاز على أنظمة دفع غير التي تهيمن بها المؤسّسات الغربية على الاقتصاد العالمي، على غرار النّظام البديل لـ”سويفت”، كما يجب، لزاماً، لتحقيق أهداف مخطّط الجزائر 2040، إمّا مراجعة اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي أو الخروج منها بأقلّ الخسائر مع إرفاق ذلك بربط الجزائر، حتما، بعمقها الجواري (منطقة شمال أفريقيا)، والسّاحلي (الساحل وغرب افريقيا)، ما يوجد للجزائر ذلك الزّخم الذي تحتاجه القوة المتوسّطة في انطلاقها في إنجاز مشروع تبوُّء مكانة القوّة الإقليميّة، بكلّ ما تستدعيه تلك المكانة من وضع جديد ومبتكر، إمكانات وعقيدة استراتيجية تعزّز الوضع الجديد وتكرُّسه.

هذا هو المخطط البديل عن الذي لم يتحقّق منه شيء، وليس عيباً أن تراجع نفسك وتسعى إلى اعتماد مسار بديل، بل العيب، كلّ العيب، الاستمرار في اجترار الخطأ، وهو ما لا نراه، الآن، ماثلاً، بل نستبشر خيراً بما تمتلكه الجزائر من مقوّمات، ومن إرادة لتحقيق مكانة تليق ببلد له امتداد في التّاريخ، حقّق ذاته عبر تضحيات جسام، ويتوق إلى مستقبل بين الكبار.

… إنّها الجزائر في 2040، بكلّ بساطة… فهل من مُصغ.