أخطر من فيضان

أخطر من فيضان

في مثل هذه الأيام من عام 2024، تسببت الأمطار الغزيرة التي هطلت على السودان في دمار شمل عدداً من المؤسسات الحيوية، بما في ذلك سد أربعات (40 كيلومتراً شمال بورتسودان)، وتعدّت حصيلة الوفيات المئات، فيما ارتفع عدد الأسر المتضررة خلال بضعة أيام إلى أكثر من 31 ألفاً، تضم نحو 130 ألف نسمة.

اجتاحت السيول عشر ولايات من بين 18 ولاية في السودان، وبعض المناطق لم يتم التعرف إليها نتيجة التدمير، كما دمرت السيول أنابيب المياه وأعمدة الكهرباء في مناطق عديدة، ليعيش المواطن في الظلام ويعاني العطش في آن، خاصة في مدينة بورتسودان، حيث السد المنهار هو المصدر الرئيسي للمياه، وهي تضم الميناء الرئيسي بالبلاد، والمطار الوحيد العامل، وعبرهما يتم استقبال معظم شحنات المساعدات التي تشتد الحاجة إليها في ظل تصاعد الحرب والنزوح.

وقتها، أعرب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) عن قلقه البالغ، مشيراً إلى أن الفيضانات قد تعرقل بشكل كبير الوصول إلى المناطق المتضررة، ما يزيد من صعوبة إيصال الإمدادات الضرورية للمحتاجين، بينما يشهد السودان نقصاً حاداً في التمويل الإنساني يحد من قدرة المنظمات على تخزين الإمدادات الحيوية مسبقاً، ما يزيد من تفاقم الأوضاع، خاصة أن ما يقرب من نصف مليون شخص تأثروا بالفيضانات في العام الماضي.

والمعروف أن موسم الأمطار والفيضانات يمتد في أنحاء البلاد حتى تشرين الأول/تشرين الأول من كل عام، وفي ظل عدم وجود خدمات الرصد والمتابعة، قد تطاول الخسائر في الأرواح هذا العام ما حدث في العام الماضي، بالتزامن مع انتشار الجوع والأمراض، في حين يُظهر السودان علامات واضحة على قابلية التأثّر بتغيّر المناخ.

وبحسب مبادرة التكيف العالمية لجامعة نوتردام الأميركية، يأتي السودان في المرتبة الثامنة من حيث قابلية التأثّر بتغيّر المناخ من أصل 185 دولة حول العالم، وفي المرتبة 175 من حيث الاستعداد لها، ما يشير إلى تحدّيات كبرى، وحاجة ملحّة لاتّخاذ إجراءات.

ويسجل السودان درجات عالية من حيث قابلية التأثّر، ومنخفضة من حيث الاستعداد، الأمر الذي يحول دون القدرة على تحقيق الأمن الغذائي، أو التنمية المستدامة، حتى في غياب الصراع الحالي، كما يعيق تدهور النظم البيئية في البلاد، ويستنزف مواردها الطبيعية، وكذا قدرة الدولة على معالجة الفقر وانعدام المساواة، وقبلها مواجهة الكوارث الطبيعية.

وإن كان الخوف من الفيضانات قائماً، إلا أنه لم يعد في السودان ما لم يغرق، سواء في الدماء أو المياه، ولا قدرة للناس على المواجهة في ظل انشغال المسؤولين بالحرب، والفوضى العارمة في كل شيء. ولك الله يا وطني.

السيول تكشف هشاشة الطرقات والبنية التحتية في اليمن

السيول تكشف هشاشة الطرقات والبنية التحتية في اليمن

يكشف موسم تساقط الأمطار في اليمن وتدفق السيول من الجبال إلى الأودية هشاشة وضعف شبكة الطرقات والبنى التحتية التي تضررت أيضاً بشكل كبير بسبب الحرب المستمرة منذ أكثر من عشر سنوات، وغياب الصيانة. وتشهد البلاد منذ منتصف آب/ آب الماضي أمطاراً غزيرة تسببت في سيول جارفة في عدد من المحافظات، وألحقت أضراراً بأكثر من 100 ألف شخص، بحسب ما أفادت لجنة الإنقاذ الدولية، كما أدت إلى وفاة العشرات.

وتتكرر هذه الظاهرة سنوياً من دون أن تتخذ الأجهزة الحكومية أي إجراءات لتقليصها. وبحسب تقديرات البنك الدولي تغطي شبكة الطرقات في اليمن نحو 71 ألف كيلومتر، نسبة كبيرة منها غير معبّدة، ما يزيد صعوبة التنقل.

يقول عبد الواحد الحداد، الذي نجا بأعجوبة من الغرق مع أفراد من أسرته، حين جرفت سيول سيارته خلال سفره من عدن إلى تعز لـ”العربي الجديد”: “عدت في نهاية آب مع أسرتي من عدن إلى تعز، وكنت أقود سيارتي الخاصة حين فوجئت بسيول جارفة في منتصف الطريق غمرت أجزاء كبيرة من سيارتي وجرفتها، لكن من حسن الحظ أن السيول سحبت السيارة إلى طرف الطريق، فاستطعنا الخروج بصعوبة بمساعدة أهالي المنطقة”.

ويمثل الطريق البديل الذي يربط محافظة تعز بعدن أحد الطرقات الأكثر تعرضاً لحوادث السيول، فمنذ اندلاع الحرب عام 2015 قطعت جماعة الحوثيين الطريق الرئيسي الذي يربط بين المدينتين، ما جعل السكان يستخدمون طريقاً بديلاً عبر مدينة التربة، وهو أطول مسافة، ويضم أجزاءً وعرة ومجرى سيول تأتي من الجبال وتصب في محافظة لحج، وصولاً إلى عدن، قبل أن تستقر في بحر العرب.

وباعتباره المنفذ الوحيد لمدينة تعز نحو عدن يعج هذا الطريق بسيارات المسافرين وشاحنات نقل البضائع والمواد الغذائية والتموينية على مدار الساعة. وفي حال تدفقت السيول تزداد المخاطر على المسافرين نتيجة وجود منافذ قليلة لتجنّب السيول. ويشهد هذا الطريق بالتالي حوادث غرق سيارات وشاحنات سنوياً، ما يتسبب في سقوط ضحايا. وفي آب 2017 تدفقت سيول جارفة أسفرت عن وفاة أكثر من 20 شخصاً، وجرفت أكثر من 15 سيارة وشاحنة. 

أيضاً تعد الحسوة في عدن من المناطق الأكثر تعرضاً لسيول جارفة تأتي من محافظة لحج، وتغمر أحياءً بكاملها، ما يدمّر مئات من المنازل ويلحق أضراراً كبيرة بشبكة الكهرباء، ويجرف سيارات، ويتسبب في سقوط عدد غير معروف من الضحايا. وفي محافظة شبوة (جنوب) توفي ستة أشخاص في مديريات بيحان والطلح وعسيلان، بعدما جرفت سيول تمر في أودية تستخدم طرقات عدداً من السيارات، ودمّرت أيضاً طرقات وأراضي زراعية وممتلكات وقطعت شبكات للتيار الكهربائي.

عبور صعب لشاحنة في صنعاء، 23 آب 2025 (محمد حمود/ Getty)

عبور صعب لشاحنة في صنعاء، 23 آب 2025 (محمد حمود/ Getty)

وفي مديرية جبل حبشي، غربي تعز، التي تعد طريقاً رئيسياً للسيارات، تسببت السيول في وفاة رجل وطفلة وجرح آخرين، ونفوق حيوانات، وجرفت عدداً كبيراً من السيارات، وألحقت أضراراً كبيرة بالممتلكات. وفي مدينة تريم بوادي حضرموت (شمال شرق)، كشف المنخفض الجوي الذي شمل محافظة حضرموت هشاشة البنى التحتية وشبكة الطرق، بعدما تدفقت السيول وقطعت الطرقات وجرفت مساحات زراعية، وعزلت منازل في وادي العين وحورة. وغرق شاب في منطقة السويري بتريم.

يقول سيف غالب، وهو سائق مركبة لنقل المسافرين بين عدن وتعز، لـ”العربي الجديد”: “تزداد خلال موسم الأمطار مخاطر السيول التي تتدفق في مجرى المقاطرة، خاصة أن هذا التدفق يحصل فجأة ويمثل خطراً على السيارات والشاحنات. وخلال موسم الأمطار نحرص على السفر صباحاً، لأنه أكثر أماناً من الساعات الأخيرة من النهار أو المساء التي تكون أكثر عرضة لتساقط الأمطار وتدفق السيول”.

وتضررت شبكة الطرقات في اليمن نتيجة العمليات العسكرية التي دمّرت أكثر من 100 جسر وثلث الطرقات المعبدة، كما أغلقت هذه العمليات طرقات رئيسية كثيرة تربط بين المحافظات، وظلت تلك المفتوحة من دون صيانة منذ بداية الحرب، ما حتم لجوء المواطنين إلى طرقات بديلة أكثر خطورة.

وعلى امتداد اليمن باتت شبكة الطرقات متهالكة ما يفاقم الحوادث، بسبب العجز عن صيانتها وتجديدها وتوسيعها بما يتناسب مع تزايد عدد مستخدميها والمركبات التي تعبرها. ومعظم الطرقات الرئيسية في اليمن شيّدت بدعم خارجي خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، ما يعني أن عمرها الافتراضي انتهى، وباتت تحتاج إلى صيانة توقفت بالكامل خلال سنوات الحرب. كما تعد التضاريس الوعرة من أبرز العوامل التي تؤثر سلباً بشبكات الطرق، خصوصاً تلك التي تمر في وديان وجبال وعرة، أو صحارى ترابية ما يعرضها للتهالك، ويزيد معدلات الخطورة خاصة على الشاحنات والمركبات الكبيرة.

يقول المهندس محمد القحطاني لـ”العربي الجديد”: “تقع معظم شبكة الطرقات في اليمن في مجاري سيول، بسبب التضاريس الجبلية الوعرة وغياب التخطيط السليم. وبالتالي تتدفق السيول من الجبال إلى الأودية ما يعرّض الطرقات للتدمير والانجراف، في ظل غياب التخطيط والمعايير الهندسية الخاصة بالمسارات، ومشاريع تصريف المياه، والصيانة الدورية”. يتابع: “يضاف إلى ذلك البناء العشوائي في مجاري السيول ما يتسبب في كوارث كبيرة، كما حصل أخيراً في منطقة الحسوة بعدن”.