في عرض الصحف ليوم الجمعة الخامس من أيلول/أيلول، نتناول مقالاً في الإيكونومست يتحدث عن أسباب عدم القدرة على مواجهة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وفي وول ستريت جورنال يتحدث مقال عن قرارات الأخير فيما يتعلق بجامعة هارفارد. وفي نيويورك تايمز جورجيو أرماني، المصمم الذي أعاد صياغة قواعد الموضة مرتين في حياته وتوفي عن 91 عاماً.
ونبدأ من مقال الإيكونومست الذي يجادل بأن “ترامب غير محبوب، فلماذا إذاً تصعب مواجهته؟”
“حكم الفرد الواحد خطأ”
تنطلق صحيفة الإيكونومست من الفكرة السياسية التي تعتقد أنها ربطت الأمريكيين معاً خلال الربع الأول من ألفيتهم، وهي أن “حكم الفرد الواحد خطأ”. في ذات الوقت يتفق غالبية الأمريكيين أيضاً أن الحكومة الفيدرالية “بطيئة وغير كفؤة”.
وتقول الصحيفة إنه رغم اجتماع أمور تجعل من المستحيل على رجل واحد أن يحكم بإملاءات من البيت الأبيض، إلا أن الرئيس الأمريكي الحالي يقوم بذلك، ضاربة عدة أمثلة على أفعاله منها “إرسال القوات، وفرض الرسوم الجمركية، وفرض السيطرة على البنك المركزي، والاستحواذ على حصص في شركات، وتخويف المواطنين لإخضاعهم”.
يعيد المقال المعنون بـ “”دونالد ترامب غير محبوب. لماذا يصعب مواجهته؟”، الإشارة إلى ملاحظته مستدلاً بنسبة مئوية، لافتاً إلى أن نسبة تأييد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعادل (-14) نقطة مئوية، غير أن الحال لم يكن أفضل مع سلفه الديمقراطي جو بايدن.
ويتساءل المقال: “غالبية الأمريكيين لا يوافقون على ترامب، ومع ذلك يبدو أنه يحقق أهدافه في كل مكان. لماذا؟
إحدى الإجابات على هذا السؤال من وجهة نظر المقال، هي أن ترامب “يتحرك أسرع بكثير من القوى المثقلة التي تُقيده. إنه أشبه بخوارزمية تيك توك، يجذب الانتباه ثم ينتقل إلى الخطوة التالية قبل أن يكتشف خصومه ما حدث للتو”، مستغلاً الوقت الذي يأخذه القضاء لإصدار أحكامه.
أما الإجابة الثانية التي يفترضها المقال أن “الحزب الجمهوري يتركه دائماً يفعل ما يريد. وليس الأمر مجرد هيمنة وتأييد بنسبة تقارب 90 في المئة بين الجمهوريين، بل إن الفكرة الأساسية للحزب هي أن ترامب دائماً على حق، حتى عندما يُناقض نفسه”.
ورغم أن مؤسسات مستقلة، مثل بعض الشركات أو الجامعات أو المؤسسات إخبارية قد تعارض ترامب، لكنها تُعاني من مشكلة تنسيق. وما هو سيء لجامعة هارفارد على سبيل المثال، قد لا يكون سيئاً لمنافسيها، بحسب الصحيفة.
الحل يكمن لدى الديمقراطيين وفق المقال الذي يصفهم بـ “المرتبكين”.
ويشرح المقال “تضررت سمعة الديمقراطيين. يحظى الديمقراطيون بثقة أكبر من الناخبين في الرعاية الصحية والبيئة والديمقراطية. ولكن في العديد من القضايا التي تهم الناخبين، بما في ذلك الجريمة والهجرة، يفضلون الجمهوريين”. “لم تعد التركيبة السكانية حليفاً للديمقراطيين. وفي عهد ترامب، حقق الجمهوريون تقدماً مع الناخبين غير البيض والشباب. وخسر الديمقراطيون الطبقة العاملة البيضاء. وعلى الرغم من أن أكثر الناخبين تعليماً يُحبونهم، إلا أن 40 في المئة فقط من الأمريكيين الذين تبلغ أعمارهم 25 عاماً فأكثر يحملون شهادة جامعية”.
ماذا سيحدث بعد الحكم بعدم قانونية رسوم ترامب الجمركية؟
أزمة طلاب هارفارد الأجانب: الخوف والقلق ومعركة من أجل حرية التعليم الأكاديمي
كلية هارفارد تي إتش تشان للصحة العامة في بوسطن، ماساتشوستس، الولايات المتحدة الأمريكية. الأحد 27 تموز/تموز 2025.
انتصار باهظ الثمن
وإلى وول ستريت جورنال، التي خصصت مقال هيئة التحرير للحديث عن “انتصار جامعة هارفارد قانونياً الأربعاء، عندما حكم قاضٍ فيدرالي بأن إدارة ترامب ألغت بشكل غير قانوني منحاً بقيمة 2.2 مليار دولار”.
وتصف الصحيفة الحكم القضائي لصالح هارفارد بـ “باهظ الثمن”، إذ يبدو أن “الرئيس ترامب مستعد لمواصلة استخدام السلطة الحكومية، بل وإساءة استخدامها أحياناً، لمعاقبة الجامعة إذا لم تستسلم دون قيد أو شرط”.
وتلفت الصحيفة إلى أن “البيت الأبيض يشن حرباً متعددة الجبهات ضد هارفارد، تشمل قطع التمويل الفيدرالي، وحظر تسجيل الطلبة الأجانب، وتهديد وضعها المعفي من الضرائب، بل وحتى براءات اختراعها”.
تشيد الصحيفة بأهداف ترامب من حربه المعلنة على هارفارد بما أسمته “تطهير الحرم الجامعي من الفساد المعادي للسامية”، على حد تعبير المقال.
لكن تعيد الصحيفة انتقاد ترامب لأن “أساليبه القاسية تُلحق الضرر بسيادة القانون والتعديل الأول [من الدستور الأمريكي ويشمل حماية الحريات]”.
في الثالث من نيسان/نيسان، أرسلت الحكومة إلى هارفارد قائمة “شروط مسبقة” لمواصلة تلقي الأموال الفيدرالية. كما سعت الحكومة إلى الحصول على حق امتياز أولي على جميع أصول هارفارد “كضمان” في حال عدم امتثال هارفارد لمطالبها. إلا أن القضاء قرر أن “قطع التمويل لم يتبع الإجراءات القانونية السليمة بموجب قانون الحقوق المدنية أو قانون الإجراءات الإدارية. والأهم من ذلك، أنه ينتهك التعديل الأول”.
تقول الصحيفة في نهاية مقالها “هددت الإدارة الأمريكية بأنها ستطلق كل ما في جعبتها من أسلحة ثقيلة ضد جامعة هارفارد، بغضّ النظر عن الأضرار الجانبية. في وقت كان فيه لترامب أن يتعامل مع خسارته القانونية كإشارة للتراجع، لكن بدلاً من ذلك قد يجعله الأمر يغضب بشدة ويمضي إلى ما هو أسوأ”.
لكن ما فعله ترامب قد يستخدمه الرئيس الديمقراطي القادم “لمهاجمة المحافظين في الجامعات أو من منكري التغير المناخي، وحينها سيجد اليمين نفسه يردد نفس الأغنية التي تدافع بها هارفارد الآن”، تختم الصحيفة.
مصمم الأزياء الإيطالي جورجيو أرماني على منصة عرض أزياء جورجيو أرماني “ليلة واحدة فقط في دبي” في فندق أرماني دبي. 26 تشرين الأول/تشرين الأول 2021.
لماذا تهيمن الأزياء الفاخرة رغم بساطة مظهرها على العروض وشاشات التلفزة هذه الأيام؟
ظل يعمل “حتى أيامه الأخيرة”
في نيويورك تايمز كتب غي تريباي، عن أيقونة الأزياء والموضة جورجيو أرماني الذي توفي الخميس عن عمر يناهز 91 عاماً في منزله في ميلانو أنه “المصمم الذي أعاد صياغة قواعد الموضة مرتين في حياته”.
ونقل إعلان شركته، مجموعة أرماني، عن وفاته، وقولها إنه “ظل يعمل حتى أيامه الأخيرة”.
يذكر المقال أبرز لمسات أرماني في عالم الموضة، البدلة الرجالية، حيث ذاع صوته بعد ابتكاره في أوائل الثمانينيات بجعل البدلة الرجالية أكثر مرونة وخفة مستلهماً ذلك من خياطي نابولي التقليديين، لتلقى رواجاً أيضاً بين النساء.
ينقل المقال عن ديبورا نادولمان لانديس، مصممة الأزياء والمؤرخة، قولها “كانت جميع نساء جيلي، بمن فيهن هيلاري كلينتون، يرتدين الجينز في الستينيات. ولكن إلى أين نتجه بعد مهرجان وودستوك؟ كيف نجعل هذه الإطلالة احترافية عندما تبدأ هؤلاء النساء بدخول سوق العمل؟ نجعلها احترافية بارتداء بدلة أنثوية من أرماني”.
وسائل الإعلام الإيطالية، أطلقت عليه لقب “الملك جورجيو”. تحالفه مع نجوم السينما جعل اسمه يكاد يكون مرادفاً لأزياء السجادة الحمراء، يشير المقال.
ويختم تريباي مقاله بالحديث عن أمنية أرماني في أن يكون مخرجاً. إذ صرّح في فيلم “صنع في ميلانو” (1990)، وهو فيلم وثائقي مدته 20 دقيقة عنه ومن إخراج مارتن سكورسيزي، “تمنيت لو كنت مخرجاً. شغفي لا يزال يسري في دمي”.
توفي مصمّم الأزياء الإيطالي الشهير جورجيو أرماني عن عمر ناهز 91 عاماً، بعدما أسّس منذ عام 1975 إمبراطورية غيّرت مفهوم الأناقة الحديثة، وامتدّت من الأزياء إلى العطور والفنادق والفخامة العصرية.
إلى جانب حضوره العالمي، كان لأرماني مكانة خاصة عربياً، انعكست في التعليقات التي تلت وفاته أمس، على مواقع التواصل.
وترسّخ حضور أرماني في قلب مشهد الأزياء الفخمة في المنطقة العربية، مع ارتداء أفراد من العائلات الملكيّة وفنانات معروفات لأزيائه التي تعدّ رمزاً للمكانة والأناقة.
إلى جانب ذلك، افتتحت علامته متاجراً في دبي وأبوظبي والدوحة وغيرها من المدن العربية.
إلغاء إعلان بيلا حديد لأديداس بعد انتقادات إسرائيلية
الحقيقة حول علاقة كوكو شانيل بالنازيين في مسلسل جديد
وكان جورجيو أرماني تجسيداً للأناقة الإيطالية الحديثة، إذ أعاد ابتكار البدلات الرجالية والنسائية بما يناسب جمهور العصر. ويعد أول مصمّم منذ كوكو شانيل يحدث تغييراً دائماً في طريقة ارتداء الناس للملابس. خفف من صرامة البدلات الرجالية، ومنح النساء بدلات أكثر قوة ورصانة تعكس حضوراً مهنياً.
وفي عام 2006، كان من أوائل المصممين الذين اتخذوا موقفاً ضد النحافة المفرطة على منصات العرض، بعد وفاة العارضة آنا كارولينا ريستون بمرض فقدان الشهية العصبي.
تحوّلت علامته إلى إمبراطورية متكاملة، امتدت من الأزياء إلى العطور والجمال والموسيقى والرياضة وحتى الفنادق الفاخرة، محققة إيرادات سنوية تجاوزت ملياري جنيه إسترليني.
عرف أرماني أيضاً كيف يوظّف سحر هوليوود في خدمة علامته، فارتدت تصاميمه نجمات بارزات على السجادة الحمراء في حفلات الأوسكار، بينهن زندايا وكيت بلانشيت وبينيلوبي كروز وجوليا روبرتس، كما صمّم أزياء مسرحية لليدي غاغا وأزياء لأفلام بارزة مثل “أمريكان جيغولو”، وشارك في تصميم أزياء “ذئب وول ستريت”.
طفل حرب وجوع
وُلِد جورجيو أرماني في بياتشينزا بشمال إيطاليا في 11 تموز/تموز 1934. قلبت الحرب العالمية الثانية حياة عائلته المريحة من الطبقة المتوسطة رأساً على عقب، وكانت أولى ذكرياته مرتبطة بالجوع وندرة الطعام.
في طفولته، اعتاد اللعب بقذائف غير منفجرة في الشوارع، إلى أن انفجرت إحداها، فأُصيب بحروق بالغة وقتل صديقه المقرّب. وقال لاحقاً: “لقد علّمتني الحرب أن ليس كل شيء براقاً”.
بدأ أرماني دراسة الطب عام 1956 لكنه تركها بعد ثلاث سنوات والتحق بالخدمة العسكرية، قبل أن يتخلى سريعاً عن الحياة العسكرية ليعمل مصمماً لواجهات العرض في متجر “لا ريناسينتي” بميلانو، حيث صعد بسرعة في الرتب.
وخلافاً لكثير من المصممين الذين يتعلمون مهنتهم في مدارس الأزياء، تعلّم أرماني أسرار المهنة عملياً في صالات العرض، متقناً معرفة الأقمشة التي يفضلها الزبائن وكيفية صناعتها وخياطتها.
لاحقاً، عمل لدى نينو شيروتي، أحد أبرز مصممي الأزياء الراقية في تلك الحقبة، وسرعان ما كلّفه بإعادة هيكلة نهج الشركة.
بعيداً عن الأزياء، كان أرماني شغوفاً بالرياضة، مشجعاً لنادي إنتر ميلان ومالكاً لفريق أوليمبيا ميلانو لكرة السلة. وعلى صعيد التكريم الرسمي، نال وسام جوقة الشرف الفرنسي ووسام الاستحقاق الإيطالي للعمل تقديراً لإسهاماته في عالم الموضة.
كيف تنشب حرب الموضة بين الأجيال؟
نجاحات ومآسٍ
في ستينيات القرن الماضي، لعب سيرجيو غاليوتي، شريك أرماني، دوراً أساسياً في انطلاقته، إذ تولى الإدارة وباع سيارته لتمويل المشروع الأول، قبل أن يؤسسا معاً العلامة التجارية عام 1975.
وسرعان ما أحدث أرماني تحولاً لافتاً في الموضة، ممهداً الطريق لميلانو كي تنافس باريس كعاصمة للأزياء. فقد وقّع اتفاقاً مع شركة “GFT” لإنتاج الملابس الجاهزة الفاخرة، وأحدث ضجة عالمية حين صمّم أزياء ريتشارد غير في فيلم “أمريكان جيغولو” عام 1980، ما فتح له أبواب هوليوود، حيث بات يصمم لنجوم السجادة الحمراء، كما شارك في تصميم أزياء مسلسلات وأفلام بارزة.
لماذا تهيمن الأزياء الفاخرة رغم بساطة مظهرها على العروض وشاشات التلفزة هذه الأيام؟
هدى بيوتي: المليونيرة التي تقف وراء امبراطورية التجميل
لكن عام 1985 حمل له صدمة قاسية بوفاة شريكه غاليوتي بمرض مرتبط بفيروس الإيدز، ما دفعه إلى التفكير بالاعتزال قبل أن يقرر الاستمرار وفاءً لذكراه.
ومع مطلع الألفية، عرضت أعماله في متحف غوغنهايم بنيويورك اعترافاً بتأثيره على الثقافة الحديثة، ودخل مجال الضيافة بتصميم فندق “أرماني” في برج خليفة بدبي عام 2010.
كما صمّم بدلات لفريق تشيلسي والمنتخب الإنجليزي لكرة القدم، وأزياء الفريق الأولمبي الإيطالي عام 2012. وبرغم تقدمه في السن، واصل عروضه في باريس وميلانو حتى عام 2025، محافظاً على مكانته كأحد أكثر المصممين تأثيراً في القرن العشرين والحادي والعشرين، مع ثروة قدّرتها مجلة “فوربس” بنحو 13 مليار دولار.
كيف تلقى العالم خبر وفاته؟
مصمم الأزياء الإيطالي جورجيو أرماني يتفحص رسومات تصاميم جديدة، أواخر سبعينيات القرن الماضي
منذ الإعلان عن وفاته الخميس، انهالت عشرات رسائل النعي من عالم الموضة ومن نجوم ارتدوا تصاميمه في أبرز المناسبات.
وفي بيان نشر على صفحة علامته التجارية على إنستغرام، قالت شركة “جورجيو أرماني” إن المصمم الراحل “عمل حتى أيامه الأخيرة، وكرّس نفسه للشركة والمجموعات والمشاريع المستقبلية الجارية”، مضيفةً أنه “لم يعرف الكلل حتى النهاية” وظل “مدفوعاً بالفضول المستمر والاهتمام العميق بالحاضر والناس”.
المصممة دوناتيلا فيرساتشي نشرت صورة له على صفحتها وكتبت: “خسر العالم عملاقاً اليوم، لقد صنع التاريخ وسيبقى في الذاكرة إلى الأبد”.
قال الممثل راسل كرو إن جورجيو أرماني “ترك بصمة يعترف بها العالم أجمع”، مضيفاً أنه كان “يحبّه كثيراً” وكان من المفترض أن يلتقيه هذا الشهر، مشيراً إلى أنّ المصمم كان حاضراً في “محطات كثيرة ومهمة من حياتي”.
أما الممثلة جوليا روبرتس، فنشرت عبر حسابها على إنستغرام صورة تجمعها بأرماني وهي ترتدي أحد تصاميمه، وعلّقت: “صديق حقيقي. أسطورة”، مرفقة كلماتها برمز قلب مكسور.
ومن جانبه، كتب المصمم البريطاني بول سميث عن “صديقه العزيز وزميله في المهنة”: “استمراريته، وتواضعه، وقدرته على الحفاظ على شركته مستقلة وخارج البورصة، كانت دائماً مصدر إلهام كبير لي شخصياً”.
أما رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، فأشادت به قائلة: “بأناقته ورصانته وإبداعه، استطاع أن يضفي بريقاً على الموضة الإيطالية وأن يُلهم العالم أجمع. إنه رمز، وعامل دؤوب، ورمزٌ لأفضل ما في إيطاليا. شكراً لك على كل شيء”.
عرب بثياب “أرماني”
الملكة رانيا العبدالله ملكة الأردن في فستان من تصميم جورجيو أرماني خلال حفل زفاف جيف بيزوس ولورين سانشيز في 27 حزيران/حزيران 2025 في البندقية، إيطاليا
لم يقتصر تأثير جورجيو أرماني على منصات العرض الأوروبية والعالمية، بل وصل حضوره إلى المنطقة العربية أيضاً، حيث ارتدت شخصيات بارزة من العالم العربي تصاميمه في مناسبات كبرى.
فقد اختارت الملكة رانيا العبدالله، ملكة الأردن، فستاناً من مجموعة “أرماني بريفيه” لربيع وصيف 2025، خلال حفل زفاف الملياردير الأميركي جيف بيزوس في مدينة البندقية بإيطاليا في حزيران/حزيران الماضي. كما ظهرت الإعلامية اللبنانية ريا أبي راشد بتصميم من أرماني على السجادة الحمراء في مهرجان البندقية السينمائي في آب/آب 2025. وكانت قد اختارت فستاناً آخر للمصمم على السجادة الحمراء في مهرجانات كان السينمائية في فرنسا في أيار/أيار الماضي.
ريا أبي راشد بفستان من جورجيو أرماني على السجادة الحمراء في مهرجان كان السينمائي السنوي الثامن والسبعين يوم 14 أيار/أيار 2025، في كان، فرنسا.
وارتدت الممثلة نادين نسيب نجيم العام الماضي، فستاناً من “أرماني بريفيه” في حفل افتتاح مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في كانون الأول/كانون الأول من عام 2024.
نادين نسيب نجيم في فستان من جورجيو أرماني في حفل افتتاح مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي 2024 في جدة، المملكة العربية السعودية.
وفي وداعه صفت لورا إنغهام، محررة مجلة “فوغ”، جورجيو أرماني بأنه “جنتلمان حقيقي” و”عملاق في عالم صناعة الأزياء”، في إشادة بالراحل.
وأضافت: “حتى لو لم تكن تعرف شيئاً عن الموضة، فأنت بالتأكيد تعرف جورجيو أرماني. لقد بنى داراً أصبحت مرادفاً للأناقة الإيطالية الخالدة والأسلوب الراسخ”.
وعن أسلوبه الكلاسيكي، الذي تميز بـ”قصّات راقية” و”خياطة متقنة”، خلصت إنغهام إلى أنّ “إرثه منسوج ليس فقط في أزياء الماضي والحاضر، بل سيواصل تشكيل مستقبل الموضة لأجيال مقبلة”.
منذ غيابه عن عرضه Armani Privé في تموز/تموز الماضي في باريس، بسبب إصابته بنزلة صدرية، منعته من السفر، كان واضحاً أن رحلة جورجيو أرماني قد شارفت على نهايتها، ليغادر عالمنا في الرابع من أيلول/أيلول 2025، عن 91 عاماً.
لم يكن أرماني مجرد مصمّم أزياء، بل مؤلف أسلوب كاملاً، أعاد تعريف العلاقة بين القماش والهوية، وحرّر البذلة من صرامتها التاريخية ليحوّلها إلى بيان عن الحرية والخيارات الشخصية.
على امتداد أكثر من أربعة عقود، كان أرماني شاهداً على تحولات الموضة فحسب، وطبعاً من صانعيها الكبار. بنى إمبراطورية بدأت من واجهات عرض متواضعة في ميلانو، لتمسي اليوم لغة جمالية عالمية تعكس فكرة الأناقة المتخفّفة من التعقيدات. أسلوبه الذي اتّسم برقي مدهش ببساطته تسلّل إلى كل مكان: شوارع ميلانو، وشاشات هوليوود، والسجادات الحمراء، وحتى خزائن الناس بمعزل عن وضعهم المادي. لم يكن يرسم خطوطاً للموضة الموسمية بقدر ما كان يعيد تعريف البساطة بكل جمالياتها.
وُلد جورجيو أرماني في 11 تموز 1934 في مدينة بياتشنزا شمالي إيطاليا، لأسرة متواضعة من ثلاثة أطفال. كان الأصغر بينهم والأكثر دلالاً لدى والدته ماريا، التي أورثته حسّها الرفيع في الذوق والأناقة. بعد الحرب العالمية الثانية، انتقلت العائلة إلى ميلانو في ظروف صعبة، لكنها كانت النقطة الفاصلة التي صاغت وعيه الجمالي المبكر. بدأ أرماني دراسة الطب في شبابه، مدفوعاً برغبة في “الاعتناء بالأجساد”، كما قال لاحقاً. لكن معرفته الدقيقة بعلم التشريح كان لها أثر غير مباشر في مسيرته؛ فقد ساعدته على تصميم أزياء تُخاطب الجسد البشري، بعيداً عن القوالب الجامدة للموضة التقليدية.
ترك دراسة الطب بعد ثلاث سنوات، والتحق بالخدمة العسكرية عام 1953، ليعود بعدها إلى ميلانو، ويبدأ أولى خطواته في عالم الأزياء بالعمل في متجر لا ريناتشينته عام 1957. بدأ بتصميم واجهات العرض، إذ لفتت موهبته انتباه المارة، وأثارت اهتمام مصممين كبار، كان أبرزهم نينو شيرّوتي، الذي استدعاه عام 1964 ليعمل على خط إنتاج الأزياء الرجالية في دار شيرّوتي. منذ تلك اللحظة، بدأ أرماني في اكتشاف لغته الخاصة.
بدأ أولى خطواته في عالم الأزياء بالعمل في متجر لا ريناتشينته عام 1957 (Getty)
في عام 1975، أسس أرماني شركته الخاصة، معلناً ميلاد علامة تجارية ستغيّر وجه الموضة العالمية. كان يرى نفسه “ستِليستا”، أي مبتكراً لأسلوب، وليس مجرد خياط أو مصمم فساتين. وأول ما أقدم عليه كان ثورة ضد صرامة البذلة التقليدية: فكّك بنيتها الصلبة، وأزال البطانة الثقيلة من السترات، وقدّم سراويل أكثر خفة وانسيابية. أطلق بذلك مفهوم الملابس المريحة التي لا تقيّد الجسد ولا تخفيه، بل تعكس طبيعته وتحرّره.
لم تقف ثورته عند الأزياء الرجالية؛ فقد أعاد صياغة صورة المرأة في مكان العمل، مقدّماً بذلات فضفاضة وانسيابية تناسب نساء يدخلن سوق العمل ويجلسن خلف المكاتب أو يركضن في شوارع المدن. كان يرى في الجسد المتحرّك مركز رؤيته الجمالية، وجعل من الأناقة أداة تمكين للمرأة بدلاً من أن تكون قيداً. في عام 1976، أطلق أول خط نسائي ضمن رؤيته، لتبدأ ميلانو في منافسة باريس.
منذ أواخر السبعينيات، قدّم أرماني أسلوباً جمع بين البساطة المينيمالية والفخامة المعاصرة. لم يكن يسعى إلى إثارة الدهشة أو الصدمة البصرية؛ بل كان هدفه خلق جماليات أبدية تتجاوز الموضة الموسمية. اعتمد ألواناً محايدة من البيج والرمادي والأسود، واستخدم أقمشة خفيفة تتنفس على الجسد، وأخرى فاخرة في الشتاء تمنح الدفء من دون تعقيد. وفي مؤتمره الصحافي عام 2019 في ميلانو، خلال عرض مجموعة Transformisme، لخّص فلسفته قائلاً: “أريد أن أمنح النساء حرية أكبر وإمكانيات ليصبحن مختلفات. مقترحي موجه إلى امرأة تتحول وفق مزاجها وأحاسيسها، حيثما تشاء، وقتما تشاء”.
هذه القدرة على المزج بين الحرية والبساطة منحت أرماني مكانة استثنائية، ليس فقط في عالم الأزياء، بل في الثقافة الشعبية أيضاً. دخل أرماني عالم هوليوود من أوسع أبوابه، مساهماً في صياغة صورة الأناقة على الشاشة الكبيرة. في عام 1978، ارتدت الممثلة دَيان كيتون فستاناً من تصميمه خلال حفل أوسكار عندما فازت عن فيلم Annie Hall، لحظة ستفتح أمامه أبواب السينما الأميركية.
لكن التحوّل الأكبر جاء عام 1980 مع فيلم American Gigolo لبول شريدر، إذ ارتدى الممثل ريتشارد غير بذلات أرماني الانسيابية في دور البطل الساحر. فجأة، أصبحت البذلة علامة للحرية، والرجولة غير التقليدية، والجاذبية بلا تكلف. بعد الفيلم، تضاعفت مبيعات أرماني، وصار اسمه على كل لسان. وتوالى تعاونه مع السينما في أفلام مثل Les Incorruptibles مع شون كونري وروبرت دي نيرو عام 1987، وOcean’s Thirteen لستيفن سودربرغ، وThe Dark Knight Rises لكريستوفر نولان، وThe Wolf of Wall Street لمارتن سكورسيزي.
أرماني عام 1970 (Getty)
كان أرماني يشارك في بناء شخصيات سينمائية تعكس رؤيته للجمال والقوة، ليمسي علامة ثقافية أكثر منه مصمماً. وفي الموسيقى أيضاً، صمّم عام 2010 فستاناً لليدي غاغا مزوّداً بأنابيب مضيئة، ثم أعدّ أربع إطلالات استثنائية لجولتها العالمية عام 2012، مؤكداً مرونة إبداعه وقدرته على التجدّد حتى مع أكثر الأصوات تمرداً في الثقافة الشعبية.
لم يكتف أرماني بعالم الأزياء، بل صنع إمبراطورية متكاملة تشمل Emporio Armani للأزياء الرياضية عام 1981، وArmani Privé للأزياء الراقية، وAX Armani Exchange للشباب، إضافة إلى خطوط للأطفال والملابس الداخلية والعطور. دخل مجال العطور عام 1982 ليصبح أحد أقوى المنافسين في هذا القطاع، ثم توسّع نحو الفنادق والديكور والمطاعم، حتى باتت مجموعته تضم 500 متجر في 46 دولة.
ورغم العروض المغرية لبيع شركته، تمسّك أرماني باستقلاليته، مؤكداً أن “الاستقلال المالي هو القيمة الأساسية التي تسمح بالعمل بحرية كاملة”.
لكن مسيرته لم تخلُ من الخسارات؛ فشكّل رحيل شريكه سيرجيو غاليّوتي عام 1985 نقطة تحوّل حاسمة في حياته. بعد رحيله، تحوّل أرماني من “المصمم المبدع” إلى “المصمم ــ رجل الأعمال”، متحمّلاً مسؤولية بناء الشركة والحفاظ على رؤيتها. قال في مقابلة لاحقة: “حاولت أن أملأ الفراغ الكبير الذي تركه سيرجيو بالاندفاع الطفولي. تجاوزت العقبات، واجهت التعقيدات، واكتشفت نقاط ضعفي”.
حتى آخر أيامه، ظلّ أرماني منخرطاً في أدق تفاصيل عروضه وأزيائه، مصمماً على أن يحمل كل عمل توقيعه ورؤيته. قبل رحيله بأسابيع، كان يشرف على مراجعة كل إطلالات مجموعة الخمسين عاماً التي ستُعرض في ميلانو هذا الخريف، وكأنه يودّع عالمه الذي صنعه بيديه.
توفي مصمم الأزياء الإيطالي جورجيو أرماني عن 91 عاماً “محاطاً بأحبائه”، بحسب ما أعلنت مجموعة أرماني في بيان الخميس. وجاء في البيان: “ببالغ الحزن والأسى، تعلن مجموعة أرماني وفاة مؤسسها وقوتها الدافعة التي لا تعرف الكلل جورجيو أرماني”.
افتتح أرماني أشهر مُصمم أزياء مُعاصر دار أزيائه في ميلانو عام 1975، وسرعان ما ارتقى إلى قمة هذه الصناعة، مُصمماً أزياءً لأهم النجوم، بحسب وكالة فرانس برس. وأكدت المجموعة أن جنازته ستكون خاصة، ولكن يُمكن للمُعزين تقديم واجب العزاء مُسبقاً في قاعة الجنازة المُفتوحة يومي السبت والأحد في ميلانو.
أضافت الشركة: “توفي السيد أرماني، كما كان يُناديه الموظفون والمُعاونون دائماً باحترام وإعجاب، بسلام، مُحاطاً بأحبائه”. وتابعت: “عمل بلا كلل حتى النهاية، حتى أيامه الأخيرة، مُكرّساً نفسه للشركة والمجموعات والمشاريع العديدة الجارية والمستقبلية”.
ألغى أرماني عرض أزياء الرجال في ميلانو هذا العام لأسباب صحية. وغاب عن عرض أرماني بريفيه في باريس بناءً على أوامر الأطباء. وقال في بيان أرسله إلى وكالة فرانس برس في تموز الماضي: “خلال 20 عاماً من أرماني بريفيه، هذه هي المرة الأولى التي لا أكون فيها في باريس”. أضاف: “نصحني أطبائي بمزيد من الراحة، على الرغم من أنني شعرتُ أنني مستعد”، وأكّد أنه تابع وأشرف على جميع جوانب العرض عن بُعد، “ووافقتُ ووقّعتُ على كل ما سترونه”.
ويُعزى إلى الأيقونة الإيطالية ابتكار موضة السجادة الحمراء، كذلك فإنه أطلق خطاً للفئات الأصغر سناً وأقل تكلفة، هو “إمبوريو أرماني”، وافتتح فنادق فاخرة. وجاءت وفاته قبل أسابيع فقط من الاحتفالات بالذكرى الـ50 لتأسيس علامته التجارية التي تحمل اسمه.
وكان وزير الثقافة الإيطالي، أليساندرو جولي، على رأس المعزّين، مُشيدًا بـ”شخصية رائدة في الثقافة الإيطالية، استطاعت أن تُحوّل الأناقة إلى لغة عالمية”. وقال: “أسلوبه البسيط والمبتكر أعاد تعريف العلاقة بين الموضة والسينما والمجتمع، تاركاً بصمةً لا تُمحى على الثقافة المعاصرة”، مضيفاً: “لم يكن أستاذاً في الموضة فحسب، بل كان أيضاً سفيراً مُعترفاً به للهوية الإيطالية حول العالم”. بدورها، قالت مصممة الأزياء دوناتيلا فيرزاتشي: “لقد خسر العالم عملاقاً اليوم. لقد صنع التاريخ وسنتذكره للأبد”.
وفي وقت لاحق نعته رئيسة الحكومة جورجيا ميلوني
التي قالت: “جورجيو أرماني يرحل عنا عن عمر يناهز 91 عاماً. بفضل أناقته ورصانته وإبداعه، تمكن من إضفاء البريق على الموضة الإيطالية وإلهام العالم بأسره. أيقونة، وعامل لا يعرف الكلل، ورمز لأفضل ما في إيطاليا. شكراً لك على كل شيء”.