عمّان – في وقت تتسع فيه المطالبات الشعبية بتوسيع شبكة الحماية الاجتماعية ورعاية كبار السن في الأردن، جاء قرار مؤسسة الضمان الاجتماعي بوقف الرواتب التقاعدية لمن تجاوزوا 80 عاما حتى تقديم شهادة “تفقد حياة”.
ليقلب القرار المعادلة ويثير تساؤلات عميقة في الشارع الأردني، باعتبار أن القرار تترتب عليه أضرار معيشية ومعنوية على هذه الفئة من كبار السن.
وتتمسك مؤسسة الضمان الاجتماعي بعدم منح أي سلف مالية للمتقاعدين فوق 70 عاما، وهو ما أثار اعتراضات إضافية، بدعوى أن دور الضمان الاجتماعي يقتضي رعاية جميع المشتركين والمتقاعدين من دون استثناء أو انتقاص من حقوقهم.
اعتراضات وانتقادات
الخبير في شؤون التأمينات والضمان الاجتماعي موسى الصبيحي وصف قرار وقف الرواتب عن كبار السن بأنه “إجراء غير لائق وغير قانوني”، مؤكدا في حديثه للجزيرة نت أنه يخالف الأهداف التي أُنشئت من أجلها مؤسسة الضمان الاجتماعي.
وأضاف أن المطلوب هو إيجاد حلول عملية تضمن استمرار الرواتب خصوصا لمن تجاوزوا 98 عاما، وإعادة النظر في تعليمات منح السلف المالية لتشمل من بلغوا 70 فأكثر.
وقال الصبيحي إن “واجب المؤسسة كلما تقدم المتقاعد بالسن هو تقديم التسهيلات وسبل الراحة، لا فرض العراقيل”، مبينا أن عشرات من الأردنيين المقيمين في الخارج -من متقاعدين أو ورثة- تواصلوا معه للاستفسار عن قرار وقف الرواتب.
ولفت إلى أن التحقق من حياتهم يمكن أن يتم عبر الربط الإلكتروني مع دائرة الأحوال المدنية للأردنيين الذين يعيشون داخل المملكة، في حين يمكن اتباع آليات رقابية مناسبة لغير الأردنيين، أو للأردنيين الذين يقيمون خارج حدود المملكة.
إعلان
وبيّن صبيحي أن من حق المؤمّن عليهم والمتقاعدين وسائر المواطنين الحصول على إجابات واضحة وشفافة عن كيفية إدارة أموال الضمان الاجتماعي، مشددا على أن استثمار أموال الضمان مسؤولية وطنية كبرى، يجب أن يقوم على أسس متينة ومردود مستدام يعزز الاستقرار المالي والاجتماعي للنظام التأميني.
الصبيحي أكد أن المطلوب إيجاد حلول عملية تضمن استمرار الرواتب خصوصا لمن تجاوزوا 80 وليس العكس (الجزيرة)
موقف المؤسسة
في المقابل، أوضح الناطق الإعلامي باسم مؤسسة الضمان الاجتماعي شامان المجالي أن وقف صرف بعض الرواتب وزيادات الإعالة والأنصبة جاء استنادا إلى بيانات الربط الإلكتروني مع إدارة الإقامة والحدود، بعد أن تبين وجود متقاعدين وورثة يقيمون خارج البلاد منذ أكثر من 12 شهرا.
وبيّن المجالي، في حديثه للجزيرة نت، أن المطلوب من هؤلاء تقديم وثيقة “تفقد حياة” مختومة من السفارة الأردنية في بلد الإقامة، أو إجراء مكالمة فيديو إن تعذر ذلك، مؤكدا أن الهدف من القرار هو “المحافظة على أموال المشتركين وحماية المستفيدين من تراكم المطالبات المالية أو غرامات عليهم”.
وردا على سؤال الجزيرة نت عن بدء تطبيق مؤسسة الضمان الاجتماعي لقرارها بوقف الرواتب عن عدد ممن تجاوزوا 80 عاما، أشار المجالي إلى أن المؤسسة بالفعل “أوقفت عددا من الرواتب داخل الأردن بعد أن تبين غياب أصحابها عن مراجعة الفروع لفترات طويلة، من أولئك الذين ربما وافتهم المنية من دون إبلاغنا من ورثتهم بذلك”.
وأوضح أن بعضهم تجاوز 90 عاما، وفي مثل هذه الحالات يمكن لأبناء المتقاعد أو ذويه مراجعة الفروع أو طلب زيارة منزلية من موظفي الضمان للتحقق من أوضاعهم، وذلك للتخفيف عليهم ومصلحة لهم.
المجالي أكد أن الهدف من القرار هو المحافظة على أموال المشتركين من تراكم المطالبات المالية أو غرامات عليهم (الجزيرة)
معاناة إنسانية
إلى جانب السجال القانوني والإداري، عبر متقاعد -فضل عدم الكشف عن اسمه- تجاوز 80 عاما عن معاناته بعد وقف راتبه، قائلا إنه فوجئ بقطع الدخل الوحيد الذي يعتمد عليه في شراء الدواء والغذاء.
وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن مراجعة فروع المؤسسة أو استخراج شهادة تفقد حياة تمثل مشقة كبيرة بسبب وضعه الصحي وكِبر سنه، مؤكدا أن “المتقاعدين في مثل عمري يحتاجون إلى رعاية وتسهيلات لا إلى إجراءات مرهقة تحرمهم من مصدر رزقهم الوحيد”.
وتحدث الرجل الثمانيني عن خيبة أمله بالقرار الذي أصدرته مؤسسة الضمان الاجتماعي، قائلا إنه لم يكن في مثل هذا السن يتوقع أن يأتي يوم يقطع فيه راتبه التقاعدي -مصدر رزقه الوحيد- بقرار إداري، مشيرا إلى عدم قدرته على مراجعة فروع مؤسسة الضمان الاجتماعي لمتابعة الإجراءات الإدارية المطلوبة، بالإضافة إلى افتقاره للخبرة الكافية للتعامل مع التطبيق الخاص بالمؤسسة عبر الهاتف المحمول.
وفي السياق ذاته، أكد صندوق النقد الدولي أن قانون الضمان الاجتماعي في الأردن بحاجة ماسة إلى إصلاح هيكلي لضمان استدامته المالية على المدى البعيد، وذلك في ظل تصاعد الضغوط الديمغرافية المتوقعة، وعلى رأسها ارتفاع نسبة الشيخوخة في العقود المقبلة.
إعلان
وأشار التقرير الصادر بشأن المراجعة الثالثة لبرنامج الأردن ضمن التسهيل الممدد إلى أن مؤسسة الضمان الاجتماعي تواصل تحقيق فوائض مالية صافية، باستثناء عوائد الفائدة من الحكومة.
وأوصى الصندوق بضرورة مواصلة إشراك المجتمع في حوار وطني شامل حول إصلاحات الضمان الاجتماعي، وضمان أن يتم تنفيذها بشكل تدريجي وعادل مراعاة للظروف الاقتصادية والاجتماعية الحساسة التي تمر بها المملكة.
أصدرت دائرة الإحصاءات العامة، اليوم الاثنين، تقريرها الربعي حول العمالة والبطالة في المملكة للربع الثاني من عام 2025، والذي أظهر أن معدل البطالة بين الذكور بلغ 18.1% بانخفاض مقداره 0.8% مقارنة مع الربع الثاني من عام 2024. وبلغ معدل البطالة في الأردن 21.3% خلال الربع الثاني من عام 2025، بانخفاض قدره 0.1% عن مستواه في الربع الثاني من عام 2024، حيث بلغ آنذاك 21.4%.
أما معدل البطالة بين الإناث فقد وصل إلى 32.8% بارتفاع قدره 1.8% عن الفترة نفسها من عام 2024. وعلى مستوى المقارنة الفصلية، انخفض معدل البطالة بين الذكور بمقدار 0.5%، بينما ارتفع بين الإناث بمقدار 1.6% مقارنة مع الربع الأول من عام 2025.
وعلى المدى البعيد، سجلت البطالة انخفاضًا مقداره 1.3% خلال ثلاثة أعوام (مقارنة مع الربع الثاني من عام 2022). وبيّن التقرير أن نحو 60.5% من إجمالي المتعطلين هم من حملة الشهادة الثانوية فأعلى، فيما بلغت نسبة المتعطلين من ذوي المؤهلات الأقل من الثانوية 39.4%. وعلى مستوى المحافظات، سُجّل أعلى معدل للبطالة في محافظة معان بنسبة 33.9%، في حين كان أدنى معدل في محافظة العقبة بنسبة 15.6%.
أما نسبة العاملين من مجموع السكان (23 سنة فأكثر) فقد بلغت 31.7%. وتركز 58.4% من المشتغلين الذكور في الفئة العمرية 20-39 سنة، مقابل 59.2 % للإناث. كما بلغت نسبة المشتغلين الحاصلين على مؤهلات أعلى من الثانوية 42.3%، في حين بلغت نسبة الحاصلين على مؤهل ثانوي 9.6%، أما المشتغلون من ذوي المؤهلات الأقل من الثانوية فبلغت نسبتهم 47.6%.
وأظهرت بيانات الربع الثاني من عام 2025 انخفاض نسبة العمالة الوافدة إلى 44.5% من إجمالي المشتغلين، مقارنة مع 45.2% خلال الفترة نفسها من عام 2024، مسجلة تراجعًا قدره 0.7 نقطة مئوية. وفيما يتعلق بقوة العمل (المشتغلون والمتعطلون)، بلغ معدل المشاركة الاقتصادية المنقّح (قوة العمل منسوبة إلى السكان 15 سنة فأكثر) 33.5% في الربع الثاني من عام 2025، مقابل 33.9% في الربع الثاني من عام 2024. وسجل معدل المشاركة الاقتصادية المنقح للذكور 52.3% مقابل 53.6% للفترة نفسها من عام 2024.
أما معدل المشاركة الاقتصادية المنقح للإناث، فقد بلغ 14.6% في الربع الثاني من عام 2025 مقارنة بـ 13.9% في الربع الثاني من عام 2024، أي بزيادة قدرها 0.7 نقطة مئوية. ويُلاحظ أن معدل المشاركة الاقتصادية للإناث في الأردن لا يزال أقل من المعدل في الدول العربية الذي يبلغ 18.1%. كما أشارت النتائج إلى أن 74.6% من مجموع قوة العمل من الإناث يحملن مؤهلات بكالوريوس فأعلى، مقارنة مع 27.3% بين الذكور. وبلغت نسبة العاملات في القطاع الحكومي 22.3% من إجمالي العاملين فيه.
يُشار إلى أن مسح قوة العمل يشتمل على عينة حجمها 16,560 أسرة موزعة على جميع محافظات المملكة، وممثلة للحضر والريف. وينفَّذ المسح في منتصف كل ربع من السنة، ويقدّم بيانات تعكس واقع الربع كاملًا (نيسان/إبريل، أيار/أيار، حزيران/حزيران). ويُسأل الفرد فيما إذا كان قد بحث عن عمل خلال الأسابيع الأربعة السابقة ليوم المقابلة، وذلك وفق التوصيات الدولية المعتمدة في الأردن.
منعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي نقابة الأطباء – مركز القدس من إجراء انتخاباتها اليوم الجمعة، وأغلقت مقرّ النقابة المركزي في بلدة بيت حنينا الواقعة إلى الشمال من المدينة المحتلة حتى إشعارٍ آخر. جاء ذلك عقب اقتحام شرطة الاحتلال الإسرائيلي واستخباراته مجمّع النقابات المهنية لتعطيل الانتخابات، ثمّ اعتقال كلّ من الطبيب سمير مطور المرشّح عن قائمة حركة فتح ورئيس فرع القدس في النقابة سفيان البسيط، قبل أن تفرج عنهما بعد إخضاعهما لتحقيق وفرض عقوبات عليهما.
يقول المتحدّث باسم نقابة الأطباء – مركز القدس رمزي أبو يمن لـ”العربي الجديد” إنّ “مقرّ النقابة في بلدة بيت حنينا يقع من ضمن المركز الرئيسي لمجمّع النقابات المهنية، وقد اقتحمته قوات الاحتلال وأغلقت أبوابه بحجّة عدم توفّر إذن لإجراء الانتخابات، في محاولة لمنع أيّ وجود فلسطيني فيها، على الرغم من أنّ المبنى مرخّص وفقاً للوائح القانونية ويتبع لنقابة الأطباء في الأردن منذ عام 1945، أي قبل قيام دولة الاحتلال، وتُجرى فيه الانتخابات بصورة دائمة”.
ويوضح أبو يمن أنّ قوات الاحتلال منعت الطبيبَين سفيان البسيط وسمير مطور من مغادرة القدس من ضمن العقوبات التي فرضتها عليهما، بعد اعتقالهما خلال الاقتحام واحتجازهما مدّة ساعتَين قبل الإفراج عنهما. ويرى أنّ ما نفّذه الاحتلال اليوم “يأتي في سياق فرض السيادة الإسرائيلية على المؤسسات الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس”. ويشير إلى أنّ “النقابة كانت تُجري، في الظروف الطبيعية، انتخاباتها السنوية في مقرّ بيت حنينا، لكنّ هذه هي المرّة الأولى التي تُمنَع فيها من ذلك”، مضيفاً أنّ “ذلك الأمر اضطرّها إلى نقل العملية الانتخابية مؤقتاً إلى بلدة العيزرية شرق القدس، إلى حين استكمال الانتخابات في مختلف المحافظات”.
ويبيّن المتحدّث باسم نقابة الأطباء – فرع القدس أنّ “الأطباء الذين يحقّ لهم الانتخاب هم مقدسيون فلسطينيون يحملون الهوية الإسرائيلية ويعملون في مستشفيات القدس والضفة الغربية وعياداتهما”. ويتابع أبو يمن أنّ النقابة “سوف تتّخذ إجراءات لمتابعة ما جرى من تعطيل للانتخابات وإغلاق لمقرّها بعد انتهاء العملية الانتخابية مساء اليوم”، مشيراً إلى أنّه “كان من المقرّر أن يتوجّه نحو مئة طبيب من القدس للإدلاء بأصواتهم في بيت حنينا، لكنّهم اضطروا إلى التوجه إلى العيزرية أو أريحا”.
بدوره، يوضح المستشار الإعلامي لمحافظ القدس معروف الرفاعي لـ”العربي الجديد” أنّهم في المحافظة تواصلوا منذ ساعات صباح اليوم الجمعة مع نقابة الأطباء في الأردن، وأبلغوهم بما جرى، مبيّناً أنّ “المبنى أردني والنقابة أردنية، وفرعها في القدس شأنه شأن فرعها في عمّان. كذلك يتبع المبنى الذي أُغلق لدائرة الأوقاف الإسلامية في الأردن”.
ويقول الرفاعي إنّ “الأولوية حالياً هي استكمال النصاب القانوني لإتمام العملية الانتخابية لمحافظة القدس”، مشيراً إلى أنّ “عدد الأطباء المسجّلين يبلغ 400 طبيب، فيما يتطلّب اكتمال النصاب 202 من الأطباء لإنجاح الانتخابات في مرحلتها الحالية على الأقلّ”. ويتابع أنّ “ما جرى يأتي في إطار سياسة الاحتلال الهادفة إلى منع أيّ شكل من أشكال السيادة الفلسطينية في القدس، من خلال محاربة كلّ ما هو فلسطيني، مثل ما حدث عند منع إجراء الانتخابات التشريعية في عام 2021، ولاحقاً عبر فرض العقوبات على شخصيات ورموز مقدسية مثل المحافظ عدنان غيث، وإغلاق مؤسسات وطنية، والآن عبر منع إجراء الانتخابات النقابية”.
ويؤكد الرفاعي أنّ “الاحتلال يعدّ أيّ عملية انتخابية في القدس تجسيداً لسيادة فلسطينية، الأمر الذي يسعى إلى تقويضه”، شارحاً أنّ “قرار المنع يستند إلى تعليمات مباشرة من قبل وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرّف إيتمار بن غفير، الذي أعلن صراحة عدم السماح بتنفيذ أيّ نشاط يتبع للسلطة الفلسطينية أو ترعاه في القدس”. ويكمل الرفاعي أنّ بن غفير زعم، في قراره اليوم، أنّ “أيّ طلبات رسمية لم تقدّم من أجل هذه الانتخابات، لكن من غير الممكن أنّ تتوجّه السلطة الفلسطينية أو نقابة الأطباء – فرع القدس بمثل هذا الطلب لإجراء انتخابات في مقرّ تابع للنقابة”.
ويلفت الرفاعي إلى أنّ “سلطات الاحتلال كانت قد منعت كذلك، في الخامس من تموز/ تموز الماضي، انتخابات نقابة المحامين الفلسطينيين المقرّر إجراؤها في ذلك اليوم بالقدس. واقتحم عناصر الشرطة مقرّ مجمّع النقابات المهنية ومنعوا استكمال الانتخابات، واعتقلوا 15 محامياً مقدسياً قبل الإفراج عنهم”. ويتابع الرفاعي أنّ “الاحتلال استدعى بعدها، في نهاية الشهر نفسه، نقيب المحامين الفلسطينيين فادي عباس وأبلغه بحظر عمل النقابة في القدس، على الرغم من امتلاكها مقرّاً رسمياً في المدينة، وذلك في إطار الإجراءات المتصاعدة بحقّ المؤسسات الفلسطينية”.
نقابة الأطباء الأردنية تدين منع الاحتلال انتخابات “مركز القدس”
في سياق متصل، دانت نقابة الأطباء الأردنية منع سلطات الاحتلال الإسرائيلي إجراء انتخابات نقابة الأطباء الأردنية لمركز القدس، وإغلاق مجمّع النقابات المهنية واعتقال عدد من الأطباء والعاملين هناك. وأوضحت، في بيان أصدرته اليوم الجمعة، أنّ هذا السلوك يمثّل اعتداءً مباشراً على العمل النقابي والمهني، وانتهاكاً صارخاً لحرية التنظيم والعمل النقابي ويعكس سياسة ممنهجة لطمس الحريات النقابية والتضييق على الفلسطينيين في القدس.
وشدّدت نقابة الأطباء الأردنية على أنّ هذه المآذارات التعسفية لن تنجح في تغييب حضور القدس من وجدان الأطباء الأردنيين والعرب، وستظلّ النقابة متمسّكة بحقّها وواجبها في الدفاع عن المدينة وأهلها ومؤسساتها، وبما ينسجم مع قرارات الشرعية الدولية. وأشارت إلى أنّ مجلس النقابة سوف يتابع هذا الاعتداء الخطر بالتنسيق مع الجهات الحكومية الأردنية ذات العلاقة، لاتّخاذ ما يلزم من خطوات قانونية ودبلوماسية لحماية حقّ النقابة وأعضائها في مركز القدس، وضمان استمرار دورها المهني والنقابي في المدينة.
كذلك دعت نقابة الأطباء الأردنية الاتحادات والنقابات الطبية العربية والدولية إلى التضامن دفاعاً عن حرية العمل النقابي، وإبراز الانتهاكات المتكرّرة التي تستهدف المؤسسات المدنية والمهنية في القدس المحتلة. وجدّدت تمسكها بدورها الوطني والمهني، وحرصها على أن تبقى القدس حاضرة في وجدان الأطباء الأردنيين.
رؤية 2030 التي يقودها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ينطبق عليها ما كان علماء التنمية الاقتصادية يسمونه الدفعة الكبيرة أو “Big Push”. وقد تبنى هذه النظرية عدد من الاقتصاديين البارزين، والذين كان بعضهم يعمل في البنك الدولي من أجل إعادة بناء الدول التي تهدمت بفعل الحرب العالمية الثانية والدمار الذي ألحقته بالدول المتحاربة المهزوم منها (ألمانيا وإيطاليا واليابان) أو المنتصر (المملكة المتحدة وفرنسا على وجه الخصوص). ومن أبرز هؤلاء الاقتصاديين بول روزنشتاين – رودان وألبرت هيرشمان وجونار ميردال. قال هؤلاء إن هناك ثلاثة متطلبات للتنمية لا يمكن تجزئتها؛ وهي البنى التحتية والطلب والادخارات. ولذلك يجب أن نأخذ بعين الاعتبار تداخل الفضاءات وتأثير النمو في بعضها على النمو في البعض الآخر.
ولو تأملنا في النموذج السعودي فإنه يسعى إلى تقليل الاعتماد على النفط والذي وصل إلى أسعار عالية في عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي وصلت حصيلتها من 85% إلى 90% من الناتج المحلي الإجمالي. ولكن هذه النسبة هبطت في العقد الثاني من القرن العشرين من 45% إلى 50% من الناتج المحلي الإجمالي. أما في عام 2022 فإن النسبة ارتفعت إلى 46% في الربع الثاني من العام. ولكنها في الربع الرابع من عام 2024 وصلت إلى ما يقارب 20%. هذا التذبذب في النسبة يعود إلى مقدار النجاح المتحقق في رؤية 2030 وإلى أسعار النفط والغاز، وإلى حالة الأسواق العالمية واحترام اتفاقات (+OPEC) من قبل الموقعين على قراراتها من الدول المنتجة. ولكن هذا التقلب في سعر الطاقة الأحفورية أصبح مصدر قلق لمنتجي النفط وكبار المصدرين مثل السعودية، ولا يمكن الاعتماد عليه لتأمين حاجات الاقتصاد الكلي والمواطنين السعوديين.
وقد حللت السعودية أوضاعها فوصلت إلى مجموعة من القرارات المهمة. ولعل أهمها وأبرزها هو أن المملكة بحاجة إلى الاعتماد أساساً على قواها العاملة الوطنية لإنجاز المشروعات والتحولات المطلوبة. وحتى توسع دائرة الاعتماد على المواطنين فقد اقتضى الأمر أن تسمح للنساء بالعمل وبحرية الحركة وسواقة السيارات، واقتضى ذلك رفع بعض القيود المبالغة في التحفظ على الاختلاط، والانتقال والعمل. وكذلك تطلب الأمر ضبط التوظيف في القطاعين العام والخاص للاستفادة من الأيدي العاملة المتاحة والعازفة طوعاً أو كرهاً عن العمل. وأخيراً كان لا بد من فتح المجال للشباب المبدعين لكي يغامروا فيما هم قادرون عليه. علماً أن السعودية أرسلت الآلاف المؤلفة من الشباب في بعثات دراسية إلى الدول المتقدمة في أميركا وأوروبا، وكثير منهم صار يطمح للانفتاح والحرية والتعبير وآثر المكوث والعمل في بلد الدراسة. ولذلك رأت السعودية أن إطلاق طاقات الشباب لا تتناسب مع أخلاقيات ومُثل المجتمع المحافظ جداً فيه.
ولذلك منحت الشباب مزيداً من الحرية ضمن حدود، ورأت أن السياحة الخارجية التي يقوم بها السعوديون مكلفة، ولذلك قررت أن تشجع السياحة الداخلية وتوفر مغرياتها لكي يبقى السعوديون في السعودية ولكي تجذب سياحاً كثراً غير الحجاج والمعتمرين، وكذلك فتحت أبواب العمرة، وأرقام الحجاج القادمين من الخارج ضمن الأرقام القديمة رغم مشروعات التوسع التي أجرتها على الأماكن التي تؤدى فيها مناسك الحج الأساسية. وركزت بشكل واضح على السياحة الترفيهية والثقافية والغناء والموسيقى. وأقامت شركات إعلامية كبرى أدت إلى السيطرة على إنتاج الموسيقى والأفلام والمسلسلات داخل المملكة وخارجها. ورأينا دولاً مثل مصر تتراجع أمام التوسع الكبير في صناعة الترفيه في دول الخليج عموماً والسعودية خصوصاً. كذلك، روجت للفن الخليجي، وجذبت إليها نجوم الغناء ليقدموا أغاني خليجية. والترويج الثقافي من هذا النوع يكون عنصراً مساعداً في الترويج للبلد ومنتجاته السلعية والخدمية.
وكان تشجيع السياحة يتطلب تطوراً كبيراً في المرافق السياحية المحلية وخلق نقاط جذب جديدة، والتركيز على قطاعات ثلاثة لها أبعاد سياحية من حيث تشجيع السياحة من الخارج والسياحة الداخلية في آن واحد. وهذه القطاعات الثلاثة هي الرياضة والصحة والتعليم. وفي مجال الرياضة هناك تنافس بين دول الخليج في مباريات التنس الأرضي وسباق الهجن والفورمولا ون والراليات وكرة القدم. وكذلك رأينا التمدّد في الاستثمار الكروي في أوروبا، وكيف أن الأندية التي يملكها مواطنون من الخليج هي من أفضل الأندية نجاحاً وأكثرها حيازة للجوائز.
تستطيع أن تستمر في التحليل في هذه الأمور، لكن المهم هو أن دول الخليج تركز كلها الآن من دون استثناء على التكنولوجيا المتقدمة في عدد من المجالات مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتوكس والأمن السيبراني وأدوات المراقبة الأمنية على الحدود وفي المطارات والشوارع. وكذلك نراها تستثمر في الطاقة البديلة مثل الطاقة الشمسية والطاقة الخضراء. وكذلك، فإنها في المجالات الاستثمارية تقدمت في أسواق المال والمضاربات والاستثمار الإسلامي (كالصيرفة والصكوك)، وفي مجال العملات المشفرة والدفع الإلكتروني وتنظيم الطرق والسير.
كل هذه الأمثلة تدلل على أنه لم يكن أمام السعودية إلا أن تتبنى نظرية الدفعة الكبيرة في مقاربتها للنمو. وفي تقديري أنها اتخذت القرار الصحيح. لكن هناك جهات محافظة لا يسرّها ما تراه من تغيير في تقليل الأمر المعروف والنهي على المنكر، وفي إقامة المهرجانات في جدة بالقرب من مكة، ولا سرعة التغيير الذي يجعلها في حيرة من أمرها. وهذه القضية بحاجة إلى رعاية وانتباه. كذلك، فإن تطبيق أسلوب التركيز على كل القطاعات الاقتصادية دفعة واحدة يثير التساؤل عن الأسلوب الأنجع للإدارة المالية ومراقبة جداول المدفوعات المالية وضبط المديونية، ومراقبة الإدارة التي تبرمج للتنفيذ بشكل دقيق. ولا بد لبعض الأخطاء أن ترتكب وبعض الخسائر غير المبررة أن تحصل. لكن النجاح يجعل كل هذه التحديات كلفة متواضعة حيال الفوائد الكبرى للتنمية المدروسة.
أما الأردن من جهة أخرى، فوضعه مختلف تماماً عن السعودية، إذ يعاني، مقارنة بجارته الكبرى، من مشكلة السيولة عموماً. وتتمثل هذه المشكلة، كما قال خبير المياه الدكتور منذر حدادين، في نقص الماء والنفط والمال. وفوق ذلك جاءت أحداث الربيع العربي لترفع عدد سكان الأردن، عدا عن اللاجئين الفلسطينيين. وهكذا فإن متطلبات الدفعة الكبيرة غير متاحة في الأردن لأنها تتطلب توفير التمويل المطلوب والذي تقدره رقمياً رؤية 2033 بحوالي أربعة مليارات دولار سنوياً أو أربعين مليار دولار خلال سنوات الخطة العشر. وكذلك فإن الأردن لا تتوفر لديه المياه، فهو واحد من أفقر ثلاث دول في العالم في المياه. وأخيراً فإن الأردن لا يجد ما يكفي من مصادر الطاقة ذات الكلفة المعقولة، لأن ذلك يتطلب استثماراً في البنية الأساسية للكهرباء (شبكات الكهرباء وتوسيعها).
لكنّ الأردن، كما يؤكد الأمير الحسن بن طلال، يجب أن يأخذ المياه والطاقة والبيئة كرزمة واحدة متكاملة ويعمل على أن تكون الاستثمارات في هذه القطاعات الثلاثة متممة لبعضها البعض. وكذلك فإن صاحب الرؤية ورائدها في الأردن الملك عبد الله الثاني بمشاركة ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني يرى أن هناك قطاعات تكنولوجية متقدمة لا بد من التركيز عليها خصوصاً في مجالات الذكاء الاصطناعي وتنويع وإضافة المحتوى العربي والبرمجيات وغيرها. والأردن يتمتع في هذه القطاعات بالخبرات المطلوبة وأثبت شبابه الذين أنشأوا شركات ساهمت فيها واشترتها شركات تكنولوجيا معلومات عالمية أنهم قادرون على الإبداع. وتقدم جامعة الأميرة سمية بنت الحسن والجامعة الأردنية والجامعة الألمانية وجامعة الأمير الحسين للتكنولوجيا برامج متطورة في عدد من القطاعات. ولذلك فإن الأردن الذي يقدم لنفسه وللدول العربية والدول الكبرى عشرات الآلاف من المختصين في تكنولوجيا المعلومات قادر على أن يساهم في هذا المجال بشكل قوي. ولعلّ واحدة من أهم الفعاليات هو جعل الأردن حلقة مهمة في سلسلة التزويد الإقليمية والعالمية والتي قد تخلق ما يقارب خمسين ألف فرصة عمل في الأردن.
ولا بد للأردن من أن يعيد إحياء قطاعات موجودة عن طريق إعادة هيكلة المؤسسات في هذه القطاعات وأهمها السياحة التي يتباهى الأردن بتنوعها وغناها والبنى التحتية والفوقية المطلوبة لتنشيط هذا القطاع محدودة وكلفتها محتملة. وكذلك قطاع الصحة وإعادة تأهيل المستشفيات وتنظيم عملها ومواردها المالية. والطب في الأردن متقدم ولكنه بحاجة إلى استكمال نظمه. وكذلك قطاع التعليم للأردنيين وللطلاب الأجانب سواء في المدارس أو المعاهد العليا أو الجامعات. والصناعة في الأردن بحاجة إلى إعادة دراسة. أما الزراعة الأردنية فقد قطعت أشواطاً في استخدام الوسائل الحديثة، وإذا تقدمت وتطورت وسائل توفير المياه واستخداماتها الرشيدة فإن هذا القطاع قادر على التنوع واختراق الأسواق. ويبقى أمام الأردن التحدي الأكبر وهو قطاع النقل.
والأردن يجب أن يعيد النظر بشكل شمولي في هذا القطاع ويستثمر فيه لأنه صار يشكل ضغوطاً نفسية كبيرة على المواطنين في جيوبهم (شراء السيارات والوقود) وعلى معنوياتهم (الازدحام الكبير) وعلى انتاجيتهم وهدر الوقت. وما لم يُفعَّل هذا القطاع فإن إنتاجية الاقتصاد الأردني سوف تبقى دون الحد الأمثل لها. ولكي يتوفر التمويل اللازم، فلا بد من إنشاء بنك إنمائي برأسمال قدره مليار دولار لتمويل مشروعات التنمية والعمل كرافعة لرؤوس الأموال. وكوسيلة تفاوض مع الدائنين أو الشركاء المحتملين لمشروعات التنمية. وهذا البنك مطلوب بشدة ليكون المدير المالي لخطة التنمية، لأن لا أحد الآن يدير هذا الملف في الأردن. مع الفارق في الظروف بين البلدين الأردن والسعودية إلا أن كليهما قادر على تنفيذ رؤيته وتحسين صورة المستقبل أمام مواطنيه.
رؤية 2030 التي يقودها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ينطبق عليها ما كان علماء التنمية الاقتصادية يسمونه الدفعة الكبيرة أو “Big Push”. وقد تبنى هذه النظرية عدد من الاقتصاديين البارزين، والذين كان بعضهم يعمل في البنك الدولي من أجل إعادة بناء الدول التي تهدمت بفعل الحرب العالمية الثانية والدمار الذي ألحقته بالدول المتحاربة المهزوم منها (ألمانيا وإيطاليا واليابان) أو المنتصر (المملكة المتحدة وفرنسا على وجه الخصوص). ومن أبرز هؤلاء الاقتصاديين بول روزنشتاين – رودان وألبرت هيرشمان وجونار ميردال. قال هؤلاء إن هناك ثلاثة متطلبات للتنمية لا يمكن تجزئتها؛ وهي البنى التحتية والطلب والادخارات. ولذلك يجب أن نأخذ بعين الاعتبار تداخل الفضاءات وتأثير النمو في بعضها على النمو في البعض الآخر.
ولو تأملنا في النموذج السعودي فإنه يسعى إلى تقليل الاعتماد على النفط والذي وصل إلى أسعار عالية في عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي وصلت حصيلتها من 85% إلى 90% من الناتج المحلي الإجمالي. ولكن هذه النسبة هبطت في العقد الثاني من القرن العشرين من 45% إلى 50% من الناتج المحلي الإجمالي. أما في عام 2022 فإن النسبة ارتفعت إلى 46% في الربع الثاني من العام. ولكنها في الربع الرابع من عام 2024 وصلت إلى ما يقارب 20%. هذا التذبذب في النسبة يعود إلى مقدار النجاح المتحقق في رؤية 2030 وإلى أسعار النفط والغاز، وإلى حالة الأسواق العالمية واحترام اتفاقات (+OPEC) من قبل الموقعين على قراراتها من الدول المنتجة. ولكن هذا التقلب في سعر الطاقة الأحفورية أصبح مصدر قلق لمنتجي النفط وكبار المصدرين مثل السعودية، ولا يمكن الاعتماد عليه لتأمين حاجات الاقتصاد الكلي والمواطنين السعوديين.
وقد حللت السعودية أوضاعها فوصلت إلى مجموعة من القرارات المهمة. ولعل أهمها وأبرزها هو أن المملكة بحاجة إلى الاعتماد أساساً على قواها العاملة الوطنية لإنجاز المشروعات والتحولات المطلوبة. وحتى توسع دائرة الاعتماد على المواطنين فقد اقتضى الأمر أن تسمح للنساء بالعمل وبحرية الحركة وسواقة السيارات، واقتضى ذلك رفع بعض القيود المبالغة في التحفظ على الاختلاط، والانتقال والعمل. وكذلك تطلب الأمر ضبط التوظيف في القطاعين العام والخاص للاستفادة من الأيدي العاملة المتاحة والعازفة طوعاً أو كرهاً عن العمل. وأخيراً كان لا بد من فتح المجال للشباب المبدعين لكي يغامروا فيما هم قادرون عليه. علماً أن السعودية أرسلت الآلاف المؤلفة من الشباب في بعثات دراسية إلى الدول المتقدمة في أميركا وأوروبا، وكثير منهم صار يطمح للانفتاح والحرية والتعبير وآثر المكوث والعمل في بلد الدراسة. ولذلك رأت السعودية أن إطلاق طاقات الشباب لا تتناسب مع أخلاقيات ومُثل المجتمع المحافظ جداً فيه.
ولذلك منحت الشباب مزيداً من الحرية ضمن حدود، ورأت أن السياحة الخارجية التي يقوم بها السعوديون مكلفة، ولذلك قررت أن تشجع السياحة الداخلية وتوفر مغرياتها لكي يبقى السعوديون في السعودية ولكي تجذب سياحاً كثراً غير الحجاج والمعتمرين، وكذلك فتحت أبواب العمرة، وأرقام الحجاج القادمين من الخارج ضمن الأرقام القديمة رغم مشروعات التوسع التي أجرتها على الأماكن التي تؤدى فيها مناسك الحج الأساسية. وركزت بشكل واضح على السياحة الترفيهية والثقافية والغناء والموسيقى. وأقامت شركات إعلامية كبرى أدت إلى السيطرة على إنتاج الموسيقى والأفلام والمسلسلات داخل المملكة وخارجها. ورأينا دولاً مثل مصر تتراجع أمام التوسع الكبير في صناعة الترفيه في دول الخليج عموماً والسعودية خصوصاً. كذلك، روجت للفن الخليجي، وجذبت إليها نجوم الغناء ليقدموا أغاني خليجية. والترويج الثقافي من هذا النوع يكون عنصراً مساعداً في الترويج للبلد ومنتجاته السلعية والخدمية.
وكان تشجيع السياحة يتطلب تطوراً كبيراً في المرافق السياحية المحلية وخلق نقاط جذب جديدة، والتركيز على قطاعات ثلاثة لها أبعاد سياحية من حيث تشجيع السياحة من الخارج والسياحة الداخلية في آن واحد. وهذه القطاعات الثلاثة هي الرياضة والصحة والتعليم. وفي مجال الرياضة هناك تنافس بين دول الخليج في مباريات التنس الأرضي وسباق الهجن والفورمولا ون والراليات وكرة القدم. وكذلك رأينا التمدّد في الاستثمار الكروي في أوروبا، وكيف أن الأندية التي يملكها مواطنون من الخليج هي من أفضل الأندية نجاحاً وأكثرها حيازة للجوائز.
تستطيع أن تستمر في التحليل في هذه الأمور، لكن المهم هو أن دول الخليج تركز كلها الآن من دون استثناء على التكنولوجيا المتقدمة في عدد من المجالات مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتوكس والأمن السيبراني وأدوات المراقبة الأمنية على الحدود وفي المطارات والشوارع. وكذلك نراها تستثمر في الطاقة البديلة مثل الطاقة الشمسية والطاقة الخضراء. وكذلك، فإنها في المجالات الاستثمارية تقدمت في أسواق المال والمضاربات والاستثمار الإسلامي (كالصيرفة والصكوك)، وفي مجال العملات المشفرة والدفع الإلكتروني وتنظيم الطرق والسير.
كل هذه الأمثلة تدلل على أنه لم يكن أمام السعودية إلا أن تتبنى نظرية الدفعة الكبيرة في مقاربتها للنمو. وفي تقديري أنها اتخذت القرار الصحيح. لكن هناك جهات محافظة لا يسرّها ما تراه من تغيير في تقليل الأمر المعروف والنهي على المنكر، وفي إقامة المهرجانات في جدة بالقرب من مكة، ولا سرعة التغيير الذي يجعلها في حيرة من أمرها. وهذه القضية بحاجة إلى رعاية وانتباه. كذلك، فإن تطبيق أسلوب التركيز على كل القطاعات الاقتصادية دفعة واحدة يثير التساؤل عن الأسلوب الأنجع للإدارة المالية ومراقبة جداول المدفوعات المالية وضبط المديونية، ومراقبة الإدارة التي تبرمج للتنفيذ بشكل دقيق. ولا بد لبعض الأخطاء أن ترتكب وبعض الخسائر غير المبررة أن تحصل. لكن النجاح يجعل كل هذه التحديات كلفة متواضعة حيال الفوائد الكبرى للتنمية المدروسة.
أما الأردن من جهة أخرى، فوضعه مختلف تماماً عن السعودية، إذ يعاني، مقارنة بجارته الكبرى، من مشكلة السيولة عموماً. وتتمثل هذه المشكلة، كما قال خبير المياه الدكتور منذر حدادين، في نقص الماء والنفط والمال. وفوق ذلك جاءت أحداث الربيع العربي لترفع عدد سكان الأردن، عدا عن اللاجئين الفلسطينيين. وهكذا فإن متطلبات الدفعة الكبيرة غير متاحة في الأردن لأنها تتطلب توفير التمويل المطلوب والذي تقدره رقمياً رؤية 2033 بحوالي أربعة مليارات دولار سنوياً أو أربعين مليار دولار خلال سنوات الخطة العشر. وكذلك فإن الأردن لا تتوفر لديه المياه، فهو واحد من أفقر ثلاث دول في العالم في المياه. وأخيراً فإن الأردن لا يجد ما يكفي من مصادر الطاقة ذات الكلفة المعقولة، لأن ذلك يتطلب استثماراً في البنية الأساسية للكهرباء (شبكات الكهرباء وتوسيعها).
لكنّ الأردن، كما يؤكد الأمير الحسن بن طلال، يجب أن يأخذ المياه والطاقة والبيئة كرزمة واحدة متكاملة ويعمل على أن تكون الاستثمارات في هذه القطاعات الثلاثة متممة لبعضها البعض. وكذلك فإن صاحب الرؤية ورائدها في الأردن الملك عبد الله الثاني بمشاركة ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني يرى أن هناك قطاعات تكنولوجية متقدمة لا بد من التركيز عليها خصوصاً في مجالات الذكاء الاصطناعي وتنويع وإضافة المحتوى العربي والبرمجيات وغيرها. والأردن يتمتع في هذه القطاعات بالخبرات المطلوبة وأثبت شبابه الذين أنشأوا شركات ساهمت فيها واشترتها شركات تكنولوجيا معلومات عالمية أنهم قادرون على الإبداع. وتقدم جامعة الأميرة سمية بنت الحسن والجامعة الأردنية والجامعة الألمانية وجامعة الأمير الحسين للتكنولوجيا برامج متطورة في عدد من القطاعات. ولذلك فإن الأردن الذي يقدم لنفسه وللدول العربية والدول الكبرى عشرات الآلاف من المختصين في تكنولوجيا المعلومات قادر على أن يساهم في هذا المجال بشكل قوي. ولعلّ واحدة من أهم الفعاليات هو جعل الأردن حلقة مهمة في سلسلة التزويد الإقليمية والعالمية والتي قد تخلق ما يقارب خمسين ألف فرصة عمل في الأردن.
ولا بد للأردن من أن يعيد إحياء قطاعات موجودة عن طريق إعادة هيكلة المؤسسات في هذه القطاعات وأهمها السياحة التي يتباهى الأردن بتنوعها وغناها والبنى التحتية والفوقية المطلوبة لتنشيط هذا القطاع محدودة وكلفتها محتملة. وكذلك قطاع الصحة وإعادة تأهيل المستشفيات وتنظيم عملها ومواردها المالية. والطب في الأردن متقدم ولكنه بحاجة إلى استكمال نظمه. وكذلك قطاع التعليم للأردنيين وللطلاب الأجانب سواء في المدارس أو المعاهد العليا أو الجامعات. والصناعة في الأردن بحاجة إلى إعادة دراسة. أما الزراعة الأردنية فقد قطعت أشواطاً في استخدام الوسائل الحديثة، وإذا تقدمت وتطورت وسائل توفير المياه واستخداماتها الرشيدة فإن هذا القطاع قادر على التنوع واختراق الأسواق. ويبقى أمام الأردن التحدي الأكبر وهو قطاع النقل.
والأردن يجب أن يعيد النظر بشكل شمولي في هذا القطاع ويستثمر فيه لأنه صار يشكل ضغوطاً نفسية كبيرة على المواطنين في جيوبهم (شراء السيارات والوقود) وعلى معنوياتهم (الازدحام الكبير) وعلى انتاجيتهم وهدر الوقت. وما لم يُفعَّل هذا القطاع فإن إنتاجية الاقتصاد الأردني سوف تبقى دون الحد الأمثل لها. ولكي يتوفر التمويل اللازم، فلا بد من إنشاء بنك إنمائي برأسمال قدره مليار دولار لتمويل مشروعات التنمية والعمل كرافعة لرؤوس الأموال. وكوسيلة تفاوض مع الدائنين أو الشركاء المحتملين لمشروعات التنمية. وهذا البنك مطلوب بشدة ليكون المدير المالي لخطة التنمية، لأن لا أحد الآن يدير هذا الملف في الأردن. مع الفارق في الظروف بين البلدين الأردن والسعودية إلا أن كليهما قادر على تنفيذ رؤيته وتحسين صورة المستقبل أمام مواطنيه.