قال مسؤولون إسرائيليون إنهم يدرسون تطبيق السيادة على أجزاء من الضفة الغربية، إما بشكل استباقي قبل اعتراف الأمم المتحدة المحتمل بدولة فلسطينية في أيلول/أيلول المقبل، أو ربما كرد فعل في حال حدوث هذا الاعتراف.
ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت، عن وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، يوم الخميس، قوله إن السيادة في “يهودا والسامرة (الضفة الغربية) أمرٌ لا مفر منه، والسؤال هو أي المناطق”.
وتشير تقارير أخرى إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حذر من “الضغوط الدولية”، ومن المرجح أنه ينتظر رؤية موقف فرنسا في الأمم المتحدة قبل اتخاذ أي خطوة.
من جانبها، حذرت وزارة الخارجية الفلسطينية من دعوات وزراء في الحكومة الإسرائيلية وحزب الليكود، لضم الضفة الغربية وتفكيك السلطة الفلسطينية.
واعتبرت أن هذه الدعوات تشكل “غطاء سياسياً لجرائم الاستيطان وتشجيعاً لمزيد من الاعتداءات”، كما دعت الخارجية الفلسطينية المجتمع الدولي إلى التعامل معها باعتبارها تصريحات “استعمارية توسعية عنصرية”، على حد وصفها.
لماذا يخفت صوت الشارع في الضفة رغم الحرب في غزة؟
ما خيارات الفلسطينيين لمواجهة “الدعوة غير الملزِمة” لفرض “السيادة الإسرائيلية” على الضفة الغربية؟
المستوطنون المتطرفون يستولون على أراضي الضفة الغربية بوتيرة متسارعة – تقرير لبي بي سي
وفي نيويورك، قال المندوب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة، رياض منصور، إن “إسرائيل تنتهج سياسة منهجية لتهجير الشعب الفلسطيني وتجريده من أرضه”.
مشيراً إلى أن الغارات الأخيرة على مستشفى ناصر في خان يونس مثال على “الاستهداف المتعمد للمدنيين والطواقم الطبية والصحفيين”.
وأضاف منصور أن “المجاعة المفروضة عمداً على غزة تتسع بسرعة”، متهماً إسرائيل بمنع دخول الصحفيين والبعثات الدولية لـ”إخفاء الحقائق”.
توسع استيطاني
جنود إسرائيليون يحملون أسلحة ويطلقون الرصاص والغاز المسيل للدموع على محتجين فلسطينيين في البلدة القديمة بالقدس الشرقية بعد مداهمة منازل واعتقال عشرات الشباب الفلسطينيين.
وتطرق رياض منصور إلى الوضع في الضفة الغربية، مؤكداً استمرار عمليات “القتل والتهجير القسري، وتصاعد عنف المستوطنين في مناطق عدة بينها المغير وسنجل ومسافر يطا”، إلى جانب تسريع المخططات الاستيطانية ولا سيما في منطقة E1، ووصف ما يجري بأنه محاولة “تقويض حل الدولتين”.
وفي سياق متصل، أفادت تقارير فلسطينية بوجود أعمال توسع استيطاني جديدة في البؤرة المقامة على قمة جبل الرأس بقرية أم صفا شمال رام الله.
وهاجمت مجموعة من المستوطنين، صباح الخميس، رعاة أغنام في منطقة عين سامية قرب بلدة كفر مالك شرق رام الله.
وأفادت مصادر محلية فلسطينية أن المستوطنين استولوا على أكثر من 300 رأس غنم، واعتدوا بالضرب على أحد الرعاة قبل أن يلقوه قرب مستوطنة “كوكب الصباح” المقامة على أراضي المنطقة.
يأتي هذا فيما أغلقت القوات الإسرائيلية، ليل الأربعاء، البوابات الحديدية في مداخل بلدة حزما شمال شرق القدس، وذلك رداً على هجوم بالحجارة استهدف حافلة مستوطنين مما أدى إلى تضررها قرب البلدة، ما تسبب بأزمة خانقة للمركبات، وفق مصادر محلية.
اعتقالات جديدة
اعتقلت القوات الإسرائيلية الصحفي أسيد عمارنة، من بيت لحم، إضافة إلى فلسطيني آخر يدعى شادي بداونة بعد مداهمة منزله في مخيم عايدة شمال المدينة. كما داهمت قوة عسكرية عدة منازل في مدينة البيرة، دون الإبلاغ عن اعتقالات.
وبحسب نادي الأسير الفلسطيني فإن 55 صحفياً فلسطينياً معتقلون في السجون الإسرائيلية، من بينهم 50 صحفياً اعتُقلوا بعد السابع من تشرين الأول/تشرين الأول 2023، حيث كان آخرهم الصحفي أسيد عمارنة والذي اعتقل صباح الخميس من منزله في مدينة بيت لحم.
كما أفادت مصادر عائلية بأن السلطات الإسرائيلية حكمت على الصحفي معاذ عمارنة البالغ 36 عاماً، بالسجن الإداري لمدة أربعة أشهر.
وهذه هي المرة الثانية التي يُعتقل فيها عمارنة منذ السابع من تشرين الأول/ تشرين الأول، حيث اعتُقل 9 أشهر إدارياً “دون تهمة”.
وكان عمارنة قد فقد عينه اليسرى عام 2019 بعد إصابته برصاص القوات الإسرائيلية أثناء تغطيته احتجاجاً في بلدة صوريف جنوب الضفة الغربية.
تلخص الطفلة شيرين أبو الكاس من مدينة غزة بهذه الكلمات جانباً بسيطاً من معاناتها.
انقلبت حياة شيرين التي تبلغ من العمر 17 عاماً رأساً على عقب بعد أن فقدت كلتا ساقيها في قصف إسرائيلي طال بيتها، وفقدت خلاله أيضاً كل عائلتها، ولم يتبقَّ لها إلا بيت عمها.
تقول شيرين: “أجلس طوال النهار على كرسي متحرك أو على فراشي، بعدما كنت أفعل كل شيء، وكنت نشيطة جداً أحب الحركة”.
وتضيف: “بعد أن أصبحت بلا ساقين، أحتاج لمن يأخذني إلى الحمام ومن يخرجني ويذهب ويأتي معي إلى أي مكان، وهذا صعب جداً لأنني فقدت كل أفراد عائلتي في قصف بيتنا”.
هل أوفى ستيف ويتكوف بوعده للسيدة التي قابلها في غزة؟
بين القصف والاحتجاج: الانقسام يتعمّق في إسرائيل حول حرب غزة
“أحدّق دوماً في صوري السابقة”
تقول شيرين في مقابلة مع بي بي سي إنها تحدّق دائماً بشكل عميق في صورة تُظهرها قبل أن تُبتر ساقاها، ولكن يبدو أن للحرب المستمرة في القطاع كلمتها القاسية.
تضيف وقد بدا على ملامحها الحزن الشديد: “الآن سأقضي حياتي كلها على الكرسي المتحرك، وأتمنى أن أذهب للعلاج في الخارج، على الأقل لكي تعود حياتي إلى ما كانت عليه في السابق، أعني أن تعود حياتي نوعاً ما لطبيعتها”.
شيرين، التي فقدت كل عائلتها كذلك قبل ساقيها، هي واحدة من آلاف الغزيين، الذين بُترت أطرافهم، بسبب عجز الأطباء في القطاع عن علاج جروحهم وإصاباتهم بطرق بديلة، جراء تهالك المنظومة الصحية، ونقص المستلزمات الطبية والدوائية، إلى جانب النقص الحاد في الأطراف الاصطناعية، فضلاً عن عدم وجود تأهيل نفسي لما يعانونه من ويلات معنوية إثر فقد أطرافهم.
يقول زاهر الوحيدي، مدير وحدة المعلومات في وزارة الصحة الفلسطينية، في مقابلة مع بي بي سي، إن نسبة 15 في المئة من الإصابات في حرب غزة هي إصابات خطيرة جداً، ونتج عن كثير منها عدد من حالات البتر، وبلغت نسبة الأطفال منهم 18 في المئة، كما أن نسبة البتر في الأطراف العلوية كانت 76 في المئة، ونسبة البتر في الأطراف السفلية كانت 24 في المئة، بينما سُجّلت أكثر من 160 حالة بتر مزدوجة، وكانت نسبة النساء من حالات البتر 8 في المئة.
مبتورو الأطراف ومحطمون
صورة أرشيفية لهبة مهنّا، وهي طفلة فلسطينية خسرت ساقها ووالدها في غارة إسرائيلية بمخيم النصيرات وسط القطاع (كانون الأول/كانون الأول 2024)
نزحت عائلة الطفل أحمد عدوان من بلدة بيت حانون في شمالي قطاع غزة إلى إحدى مدارس اللجوء التابعة لوكالة الأونروا في مدينة غزة.
وتعرضت تلك المدرسة لقصف عنيف أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، وكان الطفل أحمد عدوان ذو الأعوام الثلاثة ونصف العام من بين المصابين، لكنه فقد ذراعه الأيسر بكامله، وقد عثرت والدته عليه بين أشلاء الضحايا.
الطفل الصغير يعاني من التهابات شديدة ومن نقص الغذاء والدواء، وهو ما تسبب له بمضاعفات صحية، وقد أُصيب أيضاً بشظية في ظهره.
تقول أم الطفل: “أحمد يعاني من بتر ذراعه وإصابة في ظهره قريبة جداً من عموده الفقري، ومن نقص الطعام والشراب، ومن التهابات في جروحه في اليد والظهر، ولا يستطيع الحركة واللعب بسبب الأوجاع”.
وتناشد أم الطفل أن تُوفر له الألبان، أو البيض، أو اللحوم، أو أي أغذية صحية، حيث إن “الطعام شحيح بشكل كبير”.
ومن العائلة نفسها وفي المدرسة ذاتها، يقيم صهيب عدوان، ابن عم الطفل أحمد، الذي فقد أيضاً ساقه اليسرى جراء القصف ذاته، وهو يشعر الآن بأن ما حلَّ به أفقده مستقبله، فقد كان قبل بتر ساقه من أمهر لاعبي كرة القدم في نادي “بيت حانون الرياضي” شمالي غزة.
يقول صهيب: “كنت أحلم بدراسة التمريض، وأن أصبح ممرضاً لكي أداوي الناس، وأيضاً حلمت بأن أصبح لاعب كرة مشهوراً لأنني أعشق تلك اللعبة، وكنت أشارك في سباقات ماراثون الجري، وكنت أخرج مع أصحابي وأذهب حيث أشاء، أمّا الآن، وبعد أن فقدت ساقي لا أستطيع الحركة ولا مآذارة حياتي كما كنت في السابق، وكل أمنياتي الآن أن اسافر إلى الخارج وأقوم بتركيب طرف اصطناعي ليساعدني على استكمال ما تبقّى من حياتي”.
إطلاق النار على الرأس والصدر، تحقيق في وقائع قتل أطفال في غزة
هل تنقذ “الهدنة الإنسانية” الفلسطينيين في غزة من “المجاعة”؟
بلغت حصيلة قتلى الحرب الإسرائيلية، التي لا تزال مستمرة وتقترب من العامين، أكثر من ستين ألف قتيل ومئة وخمسين ألف جريح منذ السابع من تشرين الأول/تشرين الأول عام 2023. ويعاني غالبية الجرحى من إصابات خطيرة، ومن بينهم قرابة 7 آلافٍ فقدوا أطرافهم، بحسب ما يؤكد المدير العام في مستشفى حمد شمال غربي غزة، أحمد نعيم، الذي يضيف أن الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة ضاعفت عدد حالات بتر الأطراف بنسبة كبيرة.
ويوضح زاهر الوحيدي، بأن كثيراً من الحالات والإصابات الخطيرة، خاصة إصابات الأطراف، كان يمكن معالجتها، لكنهم يضطرون لبترها نتيجة نقص الإمكانيات والعلاجات والتجهيزات المناسبة واللازمة لمنع تدهور هذه الحالات.
وتعاني وزارة الصحة في غزة من نقص شديد في الأدوية والمستلزمات الطبية، وتعاني من نقص في الأجهزة والمعدات الطبية والبيئة الملائمة لإجراء العمليات الجراحية، لذا تقتصر العمليات الجراحية التي تُجريها الوزارة على تلك المنقذة للحياة فقط، على حدّ قول الوحيدي.
صناعة مهددة
صورة أرشيفية للطفلة رهف سعد التي فقدت أجزاءً من ساقيها في غارة إسرائيلية بالقطاع (أيلول/أيلول 2024)
توجد في مدينة غزة ورشة متواضعة لتصنيع الأطراف الاصطناعية وصيانتها، وهي مُقامة في المركز الوحيد المعنيّ بمتابعة حالات البتر في القطاع.
القائمون على الورشة يشتكون من أن عملهم مهدد بالتوقف، بفعل نقص المواد اللازمة لإعداد أطراف اصطناعية جديدة، بسبب القيود المفروضة على دخولها.
يقول حسني مهنّا، المتحدث باسم بلدية غزة ومسؤول الإعلام والعلاقات العامة في مركز الأطراف الاصطناعية والشلل، إنهم باتوا يشهدون ضغطاً غير مسبوق في أعداد المراجعين من مبتوري الأطراف بفعل القصف الإسرائيلي والتدمير منذ السابع من تشرين الأول/تشرين الأول، على حدّ قوله.
ويضيف: “يتوافدون إلى مركز الأطراف الاصطناعية المهدد بالتوقف جراء نقص الوقود ونقص المعدات والأدوات اللازمة لتصنيع الأطراف الاصطناعية اللازمة لهذه الشريحة المهمة، حيث يواجه اليوم مركز الأطراف الاصطناعية خطر الإغلاق بسبب النقص الشديد، في ظل حاجة آلاف المبتورين للخدمات التي يقدمها، وهي خدمات أساسية لهذه الشريحة”.
“كانوا مجرد أطفال”: أم تنعى أولادها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية أثناء انتظارهم المساعدات
لماذا لن يصمد أي وقف لإطلاق النار في غزة؟ – مقال رأي في الإندبندنت
يؤكد مهنّا أن إسرائيل، التي لا تزال تفرض حالة الحصار المطبق على قطاع غزة، “تتسبب في معاناة مركزهم” من نقص شديد في الإمكانيات والأدوات والمعدات اللازمة لتصنيع الأطراف الاصطناعية، لأنها تمنع دخولها للقطاع، بالإضافة إلى نقص شديد في الأدوات المساندة لذوي الإعاقة، سواء كانت عكازات أو مساند أوكراسي متحركة، إضافة إلى الأدوات الخاصة بعملية التصنيع المختلفة لكافة الأجهزة المساندة.
وتقول إسرائيل إنها تمنع دخول مواد تصنيع الأطراف الاصطناعية بحجة أنها قد تُستخدم لأغراض عسكرية.
يضيف مهنا: “هذا النقص الشديد يأتي في ظل أزمة انقطاع التيار الكهربائي ونقص الوقود، ما يؤثر بشكل كبير على عمل المركز، ويحد من قدرته على التعامل بشكل أكبر مع حالات البتر التي تزداد يوماً بعد يوم بفعل استمرار الحرب، وبالتالي لن يستطيع المركز خلال الأيام القليلة القادمة تقديم خدمات لمبتوري الأطراف إذا استمر الحصار، ومنعت إسرائيل إدخال المعدات والأدوات”، على حد قوله.
ويقول المكتب الأممي لتنسيق الشؤون الإنسانية، إن قطاع غزة يحوي أكبر مجموعة من الأطفال مبتوري الأطراف في التاريخ الحديث، حيث يضطر أطباء غزة إلى اللجوء لخيار البتر لكثير من المصابين.
آلاف من الغزيين المبتورة أطرافهم، يعيشون أوضاعاً كارثية، جراء عدم توفر الرعاية الصحية المناسبة لهم، ما يهددهم بمضاعفات صحية خطيرة، ويطالب هؤلاء إما بإدخال الأطراف الاصطناعية إلى القطاع دون قيود، أو السماح بالسفر للعلاج في الخارج.
لا تزال ظلال “وعد بلفور” تخيم على الفلسطينيين وكذلك الحكومة البريطانية، عند إطلاق رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر وعداً مشروطاً، لكنه هذه المرة للفلسطينيين، بعد 77 عاماً على رحيل الانتداب البريطاني عن فلسطين.
في 29 من تموز/تموز، أعلن ستارمر أن بلاده، التي انتدبت على المنطقة من بينها الأراضي الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط، ستعترف رسمياً بـ”دولة فلسطين” في أيلول/أيلول، إلا إذا اتّخذت إسرائيل “خطوات حيوية” في غزة، بينها الموافقة على وقف إطلاق النار.
وتالياً تسلسل تاريخي لأبرز محطات الانتداب البريطاني على فلسطين.
“ظلم تاريخي” ووعد لم يُحترم
أحد أفراد الجيش البريطاني ينزل علم بلاده للمرة الأخيرة في 30 حزيران/حزيران 1948 في ميناء حيفا
“تاريخنا يعني بأن بريطانيا يقع على عاتقها عبء خاص من المسؤولية لدعم حل الدولتين”، تصريح لوزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، وكأنه يلمح إلى فترة الانتداب.
وتحدّث لامي خلال مؤتمر الأمم المتحدة بشأن التسوية السلمية لمسألة الدولة الفلسطينية وتطبيق حل الدولتين، عن “ظلم تاريخي يتكشف أمامنا باستمرار لأن وعد بلفور جاء بوعد صريح (بأنه لن يؤتي بعمل من شأنه أن يضر بالحقوق المدنية والدينية) للشعب الفلسطيني كذلك لم يُحترم”.
ترى جولي نورمان، الأستاذة المساعدة في العلاقات الدولية في جامعة كولدج لندن، في حديث مع بي بي سي، أن قرار ستارمر بالاعتراف بدولة فلسطينية يستند بالأساس إلى الوضع الراهن، والدمار في قطاع غزة، وتصاعد العنف في الضفة الغربية، وخطط التهجير والضم في المنطقتين.
“لطالما التزمت المملكة المتحدة بحل الدولتين، وهي ترغب في إنقاذ هذا المسار قبل أن يصبح مستحيلاً”، تضيف نورمان المتخصصة في سياسات الشرق الأوسط، لكنها تحدثت عن تاريخ طويل من انخراط بريطانيا في فلسطين التاريخية، يعود إلى أكثر من 100 عام.
ماذا يعني الانتداب؟
قوات الانتداب البريطاني تغادر من ميناء حيفا
يعبّر الانتداب عن تفويض صادر عن عصبة الأمم، لإحدى دول العصبة لحكم دول كانت تحت الحكم الألماني أو العثماني، بشكل مؤقت، وفق الموسوعة البريطانية، وذلك بهدف تطويرها في مختلف الأوجه تمهيداً لحصولها على استقلالها الذاتي.
وبعد نهاية الحرب العالمية الأولى، قُسّمت الانتدابات إلى ثلاث مجموعات بناءً على موقعها ومستوى تطورها السياسي والاقتصادي، ثم خُصّصت لكل دولة من الدول المنتصرة (القوى المُنتَدِبة).
وتألفت الفئة (أ) من مناطق الانتداب من دول كانت تحت حكم الدولة العثمانية، وهي العراق وسوريا ولبنان وفلسطين، وفقاً للموسوعة البريطانية “بريتانيكا”.
واعتُبرت هذه الأراضي متقدمة بما يكفي للاعتراف باستقلالها المؤقت، وظلت خاضعة للسيطرة الإدارية للدول المنتدبة حتى أصبحت قادرة على الاستقلال التام، وفق الموسوعة.
وحصلت جميع مناطق الانتداب من الفئة (أ) على استقلالها بحلول عام 1949، عدا “الدولة الفلسطينية”.
ما موقع فلسطين من خريطة سايكس-بيكو؟
خريطة سايكس بيكو السرية الأصلية لعام 1916 وفيها المنطقة (A) مخصصة لفرنسا، والمنطقة (B) مخصصة لبريطانيا
في 1916، عُقدت اتفاقية سايكس-بيكو “السرية” أثناء الحرب العالمية الأولى بين بريطانيا وفرنسا، بهدف تقاسم أراضٍ كانت تحت حكم الدولة العثمانية. واتفق ممثلا الحكومة الفرنسية فرنسوا جورج-بيكو والبريطانية مارك سايكس على وضع فلسطين تحت إدارة دولية من عدة دول بينها بريطانيا وفرنسا، وفق الموسوعة البريطانية.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، اجتمع رئيسا الحكومتين الفرنسية جورج كليمنصو والبريطانية ديفيد لويد جورج لتعديل اتفاق سايكس بيكو، وتخلت فرنسا عندئذ عن “فلسطين” ومنطقة الموصل، وفق فرانس برس.
خريطة توضح مناطق الانتدابات الفرنسية والبريطانية لدول عربية، قبل منح بريطانيا الانتداب على فلسطين
67 كلمة
كانت فلسطين تحت الحكم العثماني حتى عام 1917، حينما دخلها الجيش البريطاني بقيادة الجنرال إدموند ألنبي.
وفي الثاني من تشرين الثاني/تشرين الثاني 1917، وجّه وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور إلى أحد زعماء اليهود في بريطانيا والتر روتشيلد رسالة مطبوعة صادقت عليها الحكومة البريطانية، وطلب منه فيها أن يبلغ مضمونها إلى الاتحاد الصهيوني.
ومما قالته الرسالة: “إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وستبذل قصارى جهدها لتحقيق هذه الغاية”.
وتعهّدت الرسالة بعدم “الانتقاص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر”.
لم تكن الكلمات الـ67 تعبر عن رسالة عابرة، بل كانت حدثاً غيّر مسار الفلسطينيين واليهود والشرق الأوسط.
ما هو وعد لفور؟
نسخة الرسالة المعروفة بـ”وعد بلفور”
شكّل هذا النص القصير “نصراً كبيراً” لزعيم الصهاينة في المملكة المتحدة حاييم وايزمان الذي أصبح في ما بعد أول رئيس لدولة إسرائيل، وبذل جهوداً كبيرة في اتجاه تحقيق هذا الوعد.
يختلف الفلسطينيون والإسرائيليون في نظرتهم للوعد. فإسرائيل تُشيد به كأحد العوامل التي ساعدت على قيامها عام 1948، وشجع اليهود على الهجرة إليها. لكن بالنسبة للفلسطينيين، ساهم هذا الوعد في مأساة سلب أرضهم، ما أدى إلى ما يُعرف بـ”النكبة الفلسطينية” عام 1948، وتهجير نحو 760 ألف فلسطيني من أرضهم.
صور من فلسطين تحكي ما حدث بين “وعد بلفور” و”إعلان بن غوريون”
وأعرب الفلسطينيون عن معارضتهم للوعد البريطاني في مؤتمر عقد في القدس عام 1919.
في 2021، قالت محكمة فلسطينية إن “وعد بلفور” أدى إلى “حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه القانونية والسياسية والإنسانية ومنعه من حقه في تقرير مصيره على أرضه”.
ترى جولي نورمان في حديث مع بي بي سي، أن وعد بلفور اتسم بالإشكالية في الاعتراف بالحقوق المدنية والدينية للشعب الفلسطيني، بدون حقوقه الوطنية أو السياسية (مع وعده بـ”وطن” للشعب اليهودي).
وترى نورمان أن لامي محق في أن بريطانيا أخفقت في الوفاء بوعدها، وفقاً لتصريح بلفور، في حماية حقوق الفلسطينيين.
صك الانتداب
أقر مؤتمر سان ريمو في إيطاليا في 1920، الانتداب الذي يفترض أن يعد للاستقلال وعهد به إلى بريطانيا (فلسطين التاريخية والضفة الشرقية لنهر الأردن والعراق) وفرنسا (سوريا ولبنان).
وفي 1922، وبعد سحق الثورات في فلسطين وسوريا والعراق، صادقت عصبة الأمم على وضع هذه المناطق تحت الانتدابين الفرنسي والبريطاني.
وشكّلت رسالة بلفور الأساس للانتداب البريطاني على فلسطين، الذي وافقت عليه عصبة الأمم في 1922.
وأقرت العصبة “صك الانتداب” الذي تسلمت بموجبه بريطانيا مهمتها في فلسطين لتتولى “مسؤولية أن ترسي في هذا البلد وضعاً سياسياً وإدارياً واقتصادياً من شأنه أن يضمن إقامة وطن قومي للشعب اليهودي”، وفق فرانس برس.
أحداث 1929
اجتاحت فلسطين سنة 1929 في عهد الانتداب البريطاني موجة من الاضطرابات الدامية، وتتضارب الروايات بشأن شرارة الأحداث التي تصاعدت إلى مظاهرات نحو الحائط الغربي ونزاع للوصول إليه.
امتدت الاضطرابات إلى مناطق عدة خارج القدس بينها الخليل، وانخرط فيها عرب ويهود وقوات بريطانية وأدت إلى مقتل 133 يهودياً و 116 عربياً.
سُميت تلك الأحداث بـ”ثورة البراق” أو “أحداث تارباط” نسبة إلى تاريخ اندلاع الاشتباكات حسب التقويم اليهودي.
ويعتبر الحائط الحائط الغربي مقدساً لدى اليهود والمسلمين، إذا يرتبط برواية الإسراء والمعراج في التاريخ الإسلامي، فيما يعده اليهود الأثر الأخير الباقي من هيكل سليمان.
يقع الحائط في الناحية الغربية للحرم الشريف المقدس لدى المسلمين، أو ما يعرف بجبل الهيكل المقدس لدى اليهود أيضاً.
الثورة الفلسطينية الكبرى
جنود بريطانيون مع فلسطينيين خلال الثورة الفلسطينية الكبرى ضد الانتداب البريطاني، في كانون الأول/كانون الأول 1938
في 1921، حدثت اضطرابات في مدينة يافا بين العرب واليهود، واصطدم العرب بالقوات البريطانية وانتقلت الأحداث إلى سائر المدن الفلسطينية، ودامت هذه الاضطرابات حوالي أسبوعين قُتل خلالها من العرب 48 شخصاً، وبلغ عدد قتلى اليهود 47، وفق وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا).
وبادرت الحكومة البريطانية إلى تأليف لجنة للتحقيق في أسباب الاضطرابات.
وفي 1925، زار بلفور القدس للمشاركة في افتتاح الجامعة العبرية، مما أدى لإضراب ومظاهرات فلسطينية.
وعُقد في القدس أول مؤتمر نسائي فلسطيني لرفض الانتداب في 1929.
وفي 1935، قُتل عز الدين القسام الذي كان يُقاتل بجماعته المسلحة ضد الانتداب البريطاني بالقرب من مدينة جنين، وفق وكالة (وفا).
واجه الانتداب البريطاني “الثورة الفلسطينية الكبرى” ما بين 1936 و1939، بعد عوامل عدة أثارت الفلسطينيين بينها تزايد الهجرة اليهودية ومقتل القسام، وتخلل الثورةَ إضرابٌ فلسطينيٌ استمر 183 يوماً، وفق وكالة (وفا).
يقول مؤرخون إن أكثر من 5 آلاف فلسطيني قُتلوا، بينما أصيب نحو 15 ألفاً خلال الثورة، أما القتلى من البريطانيين واليهود فكانوا بالمئات.
الكتاب الأبيض
اضطرت بريطانيا إثر الثورة إلى إعادة تقييم سياستها في فلسطين التاريخية، فنظمت مؤتمراً في لندن وأصدرت عام 1939 وثيقة “الكتاب الأبيض” الذي قيّد بيع الأراضي لليهود في فلسطين التاريخية، كما قيّد هجرتهم خلال خمس سنوات تبدأ من أول نيسان/نيسان 1939.
وتعهّدت بريطانيا بإقامة دولة فلسطينية مستقلة في غضون السنوات العشر التالية – إذا أمكن ذلك – على أنْ يتقاسم فيها الفلسطينيون واليهود مهام السلطات الحكومية.
رجل يهودي ينتظر القطار في 1 كانون الأول/كانون الأول 1933 في محطة قطار تل يوسف أثناء الانتداب البريطاني على فلسطين
وألمحت الوثيقة إلى خطط إنهاء الانتداب البريطاني.
في تموز/تموز 1946 شنت عناصر من حركة أرغون الصهيونية السرية سلسلة من الهجمات والتفجيرات التي استهدفت القوات البريطانية ومن بينها الهجوم على فندق الملك داوود في القدس الذي كانت تتواجد فيه قيادة سلطة الانتداب المدنية والعسكرية البريطانية فسقط عدد كبير من الجنود والموظفين البريطانيين.
قُتل 91 شخصاً من جنسيات مختلفة خلال تفجير نفذته منظمة الأرغون الصهيونية لفندق الملك داوود بالقدس في 22 تموز/تموز 1946
الهجرة اليهودية
شهدت فلسطين منذ القرن التاسع عشر عدداً من موجات الهجرة اليهودية المحدودة، لكنها تسارعت في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مع تأسيس الحركة الصهيونية التي كان محور نشاطها إقامة دولة لليهود في فلسطين التاريخية.
وسرّعت المشاعر المعادية لليهود في أوروبا والعمليات ضدهم في روسيا، هجرة العديد منهم إلى فلسطين التاريخية.
وبلغ عدد اليهود في فلسطين 47 ألفاً في 1895 مقابل 24 ألفاً في 1882، وفق فرانس برس.
أما الموجة الثانية من الهجرات فكانت بين عامي 1904 و1914، وتراوح مجموع الواصلين بين 35 ألفاً و40 ألف يهودي روسي.
يهود يغادرون بولندا إلى فلسطين في 1922
ومع صعود النازية في ألمانيا وبعد المذابح التي تعرّض لها اليهود فيها أثناء الحرب العالمية الثانية، اتخذت هجرة اليهود إلى فلسطين حجماً كبيراً.
وشجع وعد بلفور اليهود على الهجرة إلى فلسطين، وكان عدد قليل من اليهود يعيشون فيها قبل 1917 إلى جانب العرب.
وفي 1917، كانت نسبة اليهود لا تزيد عن 7 في المئة من المجتمع المحلي في فلسطين التاريخية.
وعند صدور قرار خطة تقسيم فلسطين عام 1947، كان يعيش فيها 1.3 مليون فلسطيني و600 ألف يهودي، وبذلك حصل اليهود على 54 في المئة من الأراضي وفق القرار، في حين كانوا يمثلون 30 في المئة فقط من السكان، بحسب فرانس برس.
وتجاوز عدد اليهود في فلسطين عام 1948، حاجز 700 ألف، وفق وكالة وفا.
ويمنح “قانون العودة” الجنسية الإسرائيلية إلى اليهود الذين يأتون للإقامة في إسرائيل.
التقسيم ثم “النكبة”
اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1947 القرار 181 الذي أصبح يعرف بـ”قرار التقسيم” الذي نصّ على: “تُنشأ في فلسطين دولة يهودية ودولة عربية، مع اعتبار القدس كياناً متميزاً يخضع لنظام دولي خاص”.
أيّد القرار 33 دولة بينها الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وفرنسا، وعارضته 13 دولة بينها الدول العربية، وامتنعت 10 دول عن التصويت بينها بريطانيا.
قبل زعماء اليهود الخطة التي أعطتهم 56 في المئة من الأرض، ورفضتها جامعة الدول العربية، ورفضتها القيادة العربية المحلية في فلسطين التاريخية.
ثم أُعلن إنشاء دولة إسرائيل في 14 أيار/أيار 1948.
وبعد يوم واحد، بدأت حرب بين دول عربية وإسرائيل، وانتهت الحرب بسيطرة إسرائيل على 77 في المئة من الأراضي.
النكبة: ماذا حدث في 1948؟
الصراع الإسرائيلي الفلسطيني: شرح مبسط وموجز
خطوط الهدنة وحدود إسرائيل بعد انتهاء حرب 1948
قتل تعسفي وتعذيب ودروع بشرية
في 2022، طالبت عريضة، تضم ملف “أدلة” من 300 صفحة، بإقرار رسمي واعتذار عن “الانتهاكات” خلال فترة الحكم البريطاني لفلسطين التاريخية.
وكان المحامي البريطاني بن إيمرسون كاي سي، المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعنيّ بحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب قال لبي بي سي، إن الفريق القانوني اكتشف أدلة على “جرائم مروعة ارتكبتها عناصر من قوات الانتداب البريطاني بشكل منهجي ضد السكان الفلسطينيين”.
وأضاف المحامي لبي بي سي “إن بعض (الجرائم) على درجة كبيرة من الخطورة، حتى أنها كانت تعد في ذلك الحين انتهاكات للقانون الدولي العرفي”.
عريضة تطالب بريطانيا بالاعتذار عن “جرائم حرب” ارتكبتها في فلسطين
فلسطينيون مقيدون لنقلهم إلى سجن في القدس خلال فترة حظر التجول من قبل قوات الانتداب البريطانية، في 26 تشرين الأول/تشرين الأول 1938
وتتضمن مراجعة لبي بي سي لأدلة تاريخية “تفاصيل القتل التعسفي والتعذيب واستخدام الدروع البشرية واللجوء إلى هدم المنازل كعقاب جماعي. وأغلب هذه المآذارات جاءت في إطار مبادئ توجيهية للسياسة الرسمية للقوات البريطانية في ذلك الوقت أو بموافقة كبار الضباط”.
كان ما ارتكبته بريطانيا في فلسطين “عنيفاً” و”استثنائياً”، وفقاً للمؤرخ العسكري البروفيسور ماثيو هيوز، الذي قال إن تكتيكاتها لم تصل بشكل روتيني إلى مستويات الوحشية التي شهدتها بعض المستعمرات الأخرى.
يحتفظ أرشيف متحف الحروب الإمبراطورية في لندن بذكريات العديد من الجنود وضباط الشرطة البريطانيين في فلسطين التاريخية.
وتفصّل بعض سجلات التاريخ الشفوي روايات عن الغارات “العقابية” واستخدام الدروع البشرية والتعذيب.
وقالت وزارة الدفاع البريطانية في بيان إنها كانت على علم بادعاءات تاريخية ضد أفراد القوات المسلحة خلال تلك الفترة، وإن أي دليل يُقدم سيخضع لـ”مراجعة شاملة”.
“على بريطانيا مواجهة ماضيها الاستعماري بأمانة”
11 آب 2025: خضعت هذه المقالة لتعديل بعض الصياغات وتضمين معلومات أساسية لم تكن واردة فيها عندما نُشرت لأول مرة.
“ماما أين جوري؟ اذهبي يا ماما وأحضري جوري”، لا تفارق ذكرى الطفلة جوري التي رحلت متأثرة بمعاناتها من الجوع في قطاع غزة، ذهن شقيقتها التي تسأل والدتها بخوف: “أنا يا ماما سأموت مثل جوري؟”.
تقول والدة جنى عياد إن ابنتها: “بين الحياة والموت، ووضعها صعب للغاية. وأتمنى أن تخرج ابنتي للعلاج في الخارج لتصبح مثل أي طفلة”.
فقدت الأم ابنتها جوري ذات العام ونصف العام “بسبب الجوع”، والمضاعفات الصحية الخطيرة التي ترتبت عليه، مضيفة: “أنا لا أقوى على فقد ابنتي الثانية”.
ويعاني قطاع غزة من جوع جماعي في ظل الحرب المستمرة منذ 7 تشرين الأول/تشرين الأول 2023.
وتفرض إسرائيل حصاراً محكماً على القطاع شددته في الثاني من آذار/آذار الماضي بمنع دخول أي مساعدات أو سلع تجارية، ما تسبب بأزمة إنسانية.
وفي أواخر أيار/أيار بدأت بالسماح بدخول كميات محدودة من المواد الغذائية تولت توزيعها مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة من الولايات المتحدة، وترفض الأمم المتحدة والعديد من منظمات الإغاثة التعاون مع خطط المؤسسة، التي يرون أنها تتعارض مع المبادئ الإنسانية، و”تستخدم المساعدات كسلاح”.
“الجوع هو الشعور الأقذر في الكون”، فلسطينيون يقضون أياماً بلا طعام في قطاع غزة
التجويع كـ”سلاح حرب”: ماذا يعني ومتى استُخدم في التاريخ؟
مجاعة “حقيقية لدرجة الرعب”
تقول والدة جنى عياد لبي بي سي، إن المجاعة التي يمر بها قطاع غزة حقيقية لدرجة الرعب، وأنا لا أعمل ومسؤولة عن أبنائي مسئولية تامة لأن والدهم سافر إلى مصر قبل الحرب في رحلة علاجية مع والده، واندلعت الحرب ولم نره منذ ذلك الحين”.
تتساءل الأم: كيف لي أن أقدر على الأسعار المرتفعة جداً لأبسط السلع؟ كيف لي أن أوفر قوت أبنائي؟
وتعتمد والدة جنى بشكل أساسي على التكيات (المؤسسات الخيرية)، وتقول: “إذا لم تتوافر التكية لا نأكل، بالكاد أستطيع أن أوفر لأبنائي قطعة خبز مع دقة (أكلة شعبية في القطاع هي مزيج من البهارات والأعشاب والمكونات المجففة) أو صحن عدس على مدار اليوم”.
تعود الأم بالذاكرة لما قبل الحرب، وتصف كيف كانت جنى تتمتع بـ”حالة صحية جيدة للغاية”، لكن “بسبب سوء التغذية وضعها الصحي تدهور وفقدت الكثير من وزنها حتى صارت هيكلاً عظمياً”.
وترتب على ذلك “مضاعفات صحية خطيرة”، لتنقل الأم جنى لمستشفى أصدقاء المريض ليُبلغ الأطباء أن جنى في “حالة حرجة للغاية وتتطلب إمكانيات علاجية ليست متوفرة في القطاع”.
الدجاج والسمك.. أمنية جنى
تتمالك والدة جنى أعصابها مجدداً لتكمل الحديث وتسترجع ذكرياتها مع ابنتها الراحلة: “جوري كان عمرها سنة ونصف عندما رحلت عن عالمنا، وكانت شديدة التعلق بجنى، دائماً كانتا تلعبان معاً، وفجأة غابت عنها”.
ترى الأم أن رحيل جوري “أثر كثيراً على على حالة جنى النفسية فأصبحت تُكثر من تصفح صورهما المشتركة ثم تتساءل بخوف، إن كانت ستلقى مصير شقيقتها.
“لم تعد قادرة على المشي، طوال الوقت نائمة على ظهرها، لا تقوى على أداء أبسط حركة، وبطنها منتفخ للغاية، ومضاعفات الجوع أثرت على قدرتها على الرؤية والحركة، والأطباء يقولون إن حالتها خطيرة للغاية”.
تتمنى جنى أن تعيش حتى ترى أباها وتعانقه مرة أخرى، أن تأكل الدجاج والسمك، وتطلب أشياء لا تقوى الأم على تحقيقها رغم بساطتها، بحسب الأم التي تسأل، هل تطيق أي أم أن تتحمل لساعة ما احتمله أنا كل يوم؟
ووفقاً للسلطات الصحية الفلسطينية، توفي 266 من سكان غزة نتيجة “المجاعة وسوء التغذية” في الحرب.
الجسم يأكل نفسه
وللوقوف على تفاصيل الساعات الأخيرة في حياة الأطفال الذين يموتون جوعاً يقول الطبيب أحمد الفرا رئيس قسم الأطفال في مجمع ناصر الطبي في قطاع غزة إن الجسم “يبدأ بأكل نفسه ويتغذى على النسيج الشحمي تحت الجلد”.
وبعد استهلاك النسيج الشحمي تحت الجلد، يلجأ الجسم للعضلات، فلا يتبقى من جسد الطفل المريض سوى العظام التي تكسو الجلد، وهنا يحصل مشهد الأطفال كهياكل عظمية، ويصل الجسم إلى مرحلة من الجفاف الشديد، وفق الفرا.
وكذلك يحدث تراجع العينين إلى الداخل، وتتحول نظراتها إلى ما يُطلق عليه بلغة الطب “miserable” أو “misery look” أي نظرة مأساوية.
ويضيف: “يميل الطفل إلى الاكتئاب، ويحدث لديه إسهالات بسبب قلة الإنزيمات التي يفرزها البنكرياس للهضم، وتنخفض درجة حرارة الجسم، وينخفض الضغط، وينخفض عدد ضربات القلب، ويدخل الجسم في مرحلة من الكمون أو السكون”.
وفي هذه المرحلة يصل جهاز المناعة إلى أدنى مستوياته، ويحدث انتفاخ شديد في البطن، واختلال في أملاح الدم، وبطء شديد في ضربات القلب، وقد يحدث التهاب بكتيري في الدم نظراً لضعف المناعة لدى الطفل.
وبعد مرور الجسم بكل هذه المراحل يدخل في غيبوبة لمحاولة الحفاظ على ما تيسر من تغذية إلى الدماغ، وما لم يحدث تدخل في هذه اللحظة تتوقف عضلة القلب إلى الأبد، بحسب الطبيب.
مسؤول أممي لبي بي سي: “المجاعة في غزة قد ترقى إلى جريمة حرب”
واتّهمت منظمة العفو الدولية، إسرائيل باتّباع سياسة تجويع “متعمّدة” في غزة.
وكانت منظمة العفو اتهمت إسرائيل في نيسان/نيسان بارتكاب “إبادة جماعية على الهواء مباشرة” في غزة، واعتبرت وزارة الخارجية الإسرائيلية هذه الاتهامات “كاذبة وعارية عن الأساس”.
وفي 12 آب/آب نفت هيئة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية (كوغات) التابعة لوزارة الدفاع والمشرفة على الشؤون المدنية، وجود مؤشرات إلى سوء تغذية واسع النطاق في قطاع غزة.
الطفلة الفلسطينية زينب أبو حليب، التي توفيت بسبب سوء التغذية في مستشفى ناصر في خان يونس، جنوب قطاع غزة
ولا ينسى الطبيب الفرا حالة طفلة اسمها زينب أبو حليب، التي يقول عنها إنها وُلدت جميلة لم تكن تشكو من شيء، لكن والدتها كانت تعاني من سوء تغذية حاد فلم تستطع إرضاعها، وبالتالي لجأت إلى الحليب الاصطناعي، لكن أمعاء زينب تعرضت للتحسس من ذلك الحليب، وهو ما يُطلق عليه “حساسية الحليب البقري”.
وأصبحت الطفلة تعاني من القيء والإسهال حتى دخلت في حالة شديدة من سوء التغذية، وانتهى بها الأمر إلى أن أصيبت بجلطة في الدم شفيت منها بالمضادات الحيوية، لكن بعد ذلك باتت ضعيفة، غير قادرة على الحركة، وأصبح لديها انتفاخ شديد في البطن، وبدأت في فقدان العضلات والنسيج الشحمي، ما أدى إلى وفاتها.
واختتم الفرا حديثه لبي بي سي عن هذه الطفلة قائلا: “حتى الوفود الدولية عندما دخلت وشاهدت الحالة، صُعقت من هول ما رأت”.
يستكمل الجيش اللبناني تسلّم السلاح من المخيمات الفلسطينية في لبنان اليوم الخميس، وتحديداً من مخيمات الرشيدية والبرج الشمالي والبص في منطقة صور جنوبي لبنان.
قالت الرئاسة الفلسطينية إن الجهات الفلسطينية المختصة في لبنان سلمت الدفعة الثانية من سلاح منظمة التحرير الفلسطينية الموجود في المخيمات الفلسطينية في لبنان، وهي مخيمات الرشيدية والبص والبرج الشمالي للجيش اللبناني كعهدة (وديعة)، اليوم الخميس، على أن تستكمل عمليات التسليم لباقي المخيمات تباعاً.
وأضاف الناطق الرسمي باسم الرئاسة، نبيل أبو ردينة، في بيان اليوم الخميس، أن ذلك جاء بناء على البيان الرئاسي الصادر عن الرئيس محمود عباس، والرئيس اللبناني العماد جوزاف عون، في 21 أيار/ أيار الماضي.
وأوضح أن الجانبين اتفقا على تشكيل لجنة مشتركة لبنانية فلسطينية لمتابعة أوضاع المخيمات الفلسطينية في لبنان، والعمل على تحسين الظروف المعيشية والإنسانية للاجئين، مع احترام السيادة اللبنانية والالتزام بالقوانين اللبنانية.
وأشار أبو ردينة إلى أن الجانبين أكدا التزامهما بتوفير الحقوق الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، بما يضمن لهم حياة كريمة دون المساس بحقهم في العودة، أو التأثير في هويتهم الوطنية.
وتشمل الأسلحة التي تُسلم اليوم أسلحة متوسطة وثقيلة وتحتوي على صواريخ وقاذفات متنوعة.
يذكر أن حركة فتح هي الجهة الوحيدة التي تقوم بتسليم السلاح إلى الجيش اللبناني، تنفيذاً لمقررات القمة اللبنانية-الفلسطينية التي عقدت في أيار/أيار الماضي بين الرئيسين اللبناني جوزاف عون والفلسطيني محمود عباس.
وتأتي العملية في إطار تنفيذ المرحلة الأولى من خطة أقرها الجانبان قبل نحو ثلاثة أشهر، وسعي بيروت لحصر السلاح بيد الدولة.
وناقش الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع الرئيس اللبناني جوزاف عون، ملف السلاح الفلسطيني في لبنان، خلال زيارة رسمية في أيار/أيار.
وقال مصدر أمني في مخيم فلسطيني في بيروت إن حركة فتح ستبادر إلى تسليم السلاح، معتبراً أن الخطوة “شكلية” لتشجيع الفصائل الأخرى على الإقدام.
وقال بيان صادر عن فصائل فلسطينية في لبنان إن “ما يجري داخل مخيم برج البراجنة هو شأن تنظيمي داخلي يخصّ حركة فتح، ولا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بمسألة السلاح الفلسطيني في المخيمات”.
ياسر عرفات: بوش أمر المخابرات الأمريكية بالبحث عن بديل للزعيم الفلسطيني
وأوضح مصدر حكومي لبناني لوكالة فرانس برس أن زيارة عبّاس كانت “تهدف إلى وضع آلية تنفيذية لتجميع وسحب السلاح من المخيمات”.
وقال رئيس دائرة العلاقات الوطنية في حركة حماس في لبنان علي بركة لفرانس برس قبيل وصول عباس “نطالب الحكومة اللبنانية والرئيس محمود عباس أن تكون المقاربة شاملة ولا تقتصر على ملف السلاح أو الجانب الأمني”.
وتعتبر تلك الزيارة الأولى لعبّاس إلى لبنان منذ العام 2017. وجاء في بيان مشترك عقب اللقاء بين الرئيسين في قصر بعبدا، أن الجانبين شدّدا على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، ورفض أي مظاهر خارجة عن منطق الدولة، مؤكدَين انتهاء زمن السلاح غير الشرعي، بعد ما تحمّله الشعبان اللبناني والفلسطيني من “أثمان باهظة وخسائر فادحة وتضحيات كبيرة” على مدى عقود، بحسب الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام.
“موت في بيروت”، مقتل نصر الله نقطة تحول جيوسياسية مدمرة
الفصائل الفلسطينية في المخيمات
الحادثتان تأتيان ضمن سلسلة طويلة من العمليات الإسرائيلية العسكرية ضد الفصائل المسلحّة في المخيمات الفلسطينية في لبنان
يُقدَّر عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين الذين يعيشون في لبنان بنحو 490 ألفاً، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا).
وتنشط في بعض المخيمات على الأراضي اللبنانية فصائل فلسطينية مسلّحة، هذه الفصائل هي:
حركة فتح:
تأسست حركة فتح في عام 1959 وهي أقدم مجموعة فلسطينية مسلحة في لبنان. تشكّلت تحت قيادة ياسر عرفات الذي استمر بقيادتها حتى وفاته في عام 2004. وهي منظمة علمانية واشتراكية. وتأسست كتائب شهداء الأقصى التابعة للحركة عام 2000، وتنشط في المخيمات الفلسطينية في لبنان بقيادة منير المقدح.
وتُعدّ فتح عنصراً أساسياً في منظمة التحرير الفلسطينية وجزءًا من السلطة الفلسطينية. ومنظمة التحرير الفلسطينية هي الكيان المعترف به دولياً كممثل شرعي للفلسطينيين. تأسست المنظمة في عام 1964 وتضم عدة فصائل فلسطينية أبرزها حركة فتح، والجبهتان الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين، إضافة إلى مؤسسات أخرى تشمل المجلس الوطني الفلسطيني واللجنة التنفيذية.
حركة حماس:
تأسست حركة حماس في عام 1987، وهي مقربة من جماعة الإخوان المسلمين وتعد الفصيل الإسلامي الفلسطيني الأبرز. لطالما عارضت حركة فتح، وتتأرجح العلاقات بينهما بين التوتر والمصالحة. كما تُعتبر حماس حليفاً قريباً لحزب الله وإيران.
وأعلنت حماس قبل أيام عن مقتل قائدها في لبنان وعضو قيادتها في الخارج فتح شريف أبو الأمين مع زوجته وابنه وابنته في غارة إسرائيلية استهدفت منزلهم في مخيم البص للاجئين الفلسطينيين في مدينة صور جنوبي لبنان.
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين:
هي منظمة ثورية ماركسية لينينية تأسست على يد جورج حبش عام 1967. كانت تاريخياً ثاني أكبر عضو ضمن منظمة التحرير الفلسطينية، وتأرجحت علاقتها مع حركة فتح عبر التاريخ. أحمد سعدات المعتقل في السجون الإسرائيلية هو الأمين العام الحالي لها.
لطالما كان مخيم عين الحلوة مسرحاً للاشتباكات بين الفصائل الفلسطينية المتناحرة
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة:
هي فصيل فلسطيني مسلح تأسس في عام 1968 كمنظمة منشقة عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. أمينها العام الحالي هو طلال ناجي، بعد أحمد جبريل الذي كان أحد القادة العسكريين في الجبهة الشعبية وقد توفي عام 2021.
الجبهة الديمقراطية الشعبية لتحرير فلسطين:
هي منظمة ثورية علمانية ماوية تأسست في عام 1968 على يد نايف حواتمة، وهي أيضاً عضو في منظمة التحرير الفلسطينية.
عصبة الأنصار:
تأسست في التسعينيات، وهي جماعة جهادية سلفية كانت نشطة جداً حتى عام 2010، ولها وجود قوي في مخيم عين الحلوة.
جند الشام:
جماعة إسلامية سلفية مرتبطة بتنظيم القاعدة، تأسست في عام 1991 وتعارض حركة فتح، حيث خاضت معها معركة في عام 2006.
عصبة النور:
جماعة سلفية إسلامية مرتبطة أيضاً بتنظيم القاعدة. اندلعت اشتباكات بينها وبين فتح للسيطرة على مخيم عين الحلوة. أدت المفاوضات إلى وقف إطلاق النار بين المجموعتين.
ولطالما كان مخيم عين الحلوة مسرحاً للاشتباكات بين الفصائل الفلسطينية المتناحرة. وفي حين أن بعض المخيمات الفلسطينية غير مسلحة، فإن عين الحلوة يعتبر ملاذاً للعديد من الفصائل الفلسطينية المسلحة التي تتغير تحالفاتها أحياناً وتتنافس مصالحها.
لماذا هناك وجود فلسطيني مسلّح في لبنان؟
عام 1969، وبعد انطلاق بعض العمليات العسكرية من جنوب لبنان ضد إسرائيل، أبرم الأفرقاء في لبنان اتفاقية القاهرة في ما بينهم برعاية الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر
بين أواخر عام 1947 حتى أوائل عام 1949 نزح نحو 750 ألف فلسطيني خارج الأراضي التي أصبحت فيما بعد إسرائيل، بعد طرد معظمهم أو فرارهم خوفاً على سلامتهم، ولم يُسمح لهم بالعودة.
واستقبل لبنان نحو 100 ألف منهم، استقروا في 12 مخيماً للاجئين في جميع أنحاء البلاد.
عام 1969، وبعد انطلاق بعض العمليات العسكرية من جنوب لبنان ضد إسرائيل، أبرم الأفرقاء في لبنان اتفاقية القاهرة في ما بينهم برعاية الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر.
نصّت الاتفاقية على أنه لا يمكن نشر الجيش اللبناني داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان، وأن الفصائل الفلسطينية الموجودة في المخيمات هي المسؤولة عن أمنها.
بحلول عام 1971، أصبح لبنان القاعدة الوحيدة لمقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية، بعد اشتباكات مسلحة بين مقاتلي المنظمة والجيش الأردني، عُرفت بأحداث “أيلول الأسود” عام 1970 والتي قضت على وجودهم في المملكة.
في بداية السبعينيات، امتد نفوذ منظمة التحرير الفلسطينية إلى مناطق خارج المخيمات في بيروت وجنوب لبنان، وأصبحت بعض المناطق في الجنوب تُعرف باسم “فتح لاند” (أرض فتح)، بينما ظهرت “جمهورية الفاكهاني” في غرب بيروت، في إشارة إلى الحي الذي كان يضم المقر الرئيسي لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وإلى جانب استخدامها لبنان كقاعدة عمليات للغارات على إسرائيل ومصالحها في جميع أنحاء العالم، بدأت منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها سلسلة من عمليات اختطاف الطائرات التي استهدفت الرحلات الجوية الإسرائيلية والدولية التي تقل الإسرائيليين.
وكان لهذه العمليات تأثير كبير على الاستقرار الداخلي في لبنان وزيادة الصراع الطائفي، لا سيما بين أحزاب اليمين المسيحي وأحزاب اليسار المتحالف مع منظمة التحرير الفلسطينية، في أزمةٍ تحولت في نهاية المطاف إلى حرب أهلية شاملة بدءاً من 13 إبريل/ نيسان 1975.
مغادرة منظمة التحرير الفلسطينية لبنان
مع انتقال حوالي 12 ألف مقاتل إلى العديد من الدول العربية، شكل اجتياح 1982 نهاية وجود منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان
لعبت الفصائل الفلسطينية المسلحة دوراً كبيراً في الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، ويرى بعض اللبنانيين أن الوجود الفلسطيني المسلّح في لبنان هو السبب الرئيسي لاندلاع الصراع الأهلي.
في البداية، تحالف العديد من الفصائل الفلسطينية، وبخاصة حركة فتح، مع الجماعات اللبنانية اليسارية مثل الحركة الوطنية اللبنانية ولعبت دوراً رئيسياً في الجولة الأولى من الحرب الأهلية والتي تُعرف باسم “حرب السنتين” (من نيسان/ نيسان 1975 حتى تشرين الأول/ تشرين الأول 1976).
وفي حزيران/ حزيران 1982، بدأت إسرائيل اجتياحاً واسع النطاق للبنان تحت عنوان الرد على محاولة اغتيال فاشلة لسفيرها في لندن، شلومو أرغوف. وقد أُعلن عن هذا الهجوم من قِبَل مجموعة منشقّة عن منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة صبري البنا، المعروف أيضاً باسم أبو نضال.
مجزرة صبرا وشاتيلا: الصدمة الجماعية المحفورة في ذاكرة الفلسطينيين واللبنانيين
القوات اللبنانية: قصة الحزب من بشير الجميل وحتى سمير جعجع
قُدِّرت الخسائر المدنية اللبنانية والفلسطينية بين 17 ألف و20 ألف وفق تقارير منظمات إنسانية كالصليب الأحمر الدولي ومنظمة العفو الدولية،. بينما قُدِّرت خسائر الجيش الإسرائيلي بحوالي 650 جندياً وفقاً لمصادر حكومية إسرائيلية ومنشورات الجيش الإسرائيلي.
أجبر الاجتياح منظمة التحرير الفلسطينية على مغادرة مقرها في بيروت بموجب اتفاق جديد توسط فيه مبعوث الأمم المتحدة آنذاك فيليب حبيب. ومع انتقال حوالي 12 ألف مقاتل إلى العديد من الدول العربية، شكل اجتياح 1982 نهاية وجود منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان.
عودة مقاتلين فلسطينيين إلى لبنان
العائدون اصطدموا بحركة أمل التي كانت تمثل المجتمع الشيعي اللبناني وكانت شعبيتها كبيرة في جنوب لبنان
بعد أقل من أسبوعين على مغادرة منظمة التحرير الفلسطينية، شهد مخيما صبر وشاتيلا للاجئين مجرزة راح ضحيتها الآف الفلسطينيين من القتلى والجرحى والمفقودين.
وُجّهت الاتهامات إلى ميليشيات لبنانية بعد يومين على اغتيال قائد “القوات اللبنانية” المُنتخب رئيساً للجمهورية بشير الجميّل.
مع انتهاء إسرائيل من انسحاب جزئي من جنوب لبنان بحلول ربيع 1985 في أعقاب تصاعد الهجمات المسلحة ضدها من قبل فصائل لبنانية مختلفة، عاد مقاتلو منظمة التحرير الفلسطينية إلى المخيمات في المنطقة. وأعادوا تنظيم صفوفهم وبدأوا الاستعداد لاستئناف أنشطتهم المسلحة ضد القوات الإسرائيلية المتبقية في جنوب لبنان.
لكن العائدين اصطدموا بحركة أمل التي كانت تمثل المجتمع الشيعي اللبناني وكانت شعبيتها كبيرة في جنوب لبنان. وعلى الرغم من أنها نفذت عمليات عسكرية ضد الجيش الإسرائيلي في الجنوب، كانت حركة أمل مصممة على عدم السماح باستئناف منظمة التحرير الفلسطينية هجماتها على إسرائيل من الأراضي اللبنانية.
حركة أمل اللبنانية منذ موسى الصدر وحركة المحرومين حتى نبيه بري
في السنوات التالية تراجع النشاط المسلّح الفلسطيني في لبنان. وتم إلغاء اتفاقية القاهرة من قبل البرلمان اللبناني في أيار/ أيار 1987. وفي تشرين الأول/ تشرين الأول 1989، وقع النواب اللبنانيون اتفاقاً بوساطة سعودية-سورية لإنهاء الحرب الأهلية في البلاد، عُرف باسم “اتفاق الطائف”.
وفي محاولة لاستعادة سلطته في جميع أنحاء البلاد، نشر الجيش اللبناني قواته في مناطق واسعة من جنوب لبنان في تموز/ تموز 1991، مما أجبر مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية على العودة إلى المخيمات.
ما بعد الحرب الأهلية
على الرغم من جهود نزع السلاح، استمرت الفصائل الفلسطينية المسلحة في الوجود في لبنان
بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية شهدت العديد من الفصائل الفلسطينية المسلحة انخفاضاً في عملياتها العسكرية وتحولاً نحو الأنشطة السياسية. وكان اتفاق الطائف، الذي أنهى الحرب الأهلية، يهدف إلى نزع سلاح الميليشيات واستعادة سلطة الدولة، مما أدى إلى توترات بين الدولة اللبنانية والفصائل الفلسطينية.
ووضعت الحكومة اللبنانية ترتيبات أمنية مع الفصائل الفلسطينية في مخيمات اللاجئين، مما سمح لها بالحفاظ على درجة من الحكم الذاتي مع الحد من قدراتها العسكرية.
وعلى الرغم من جهود نزع السلاح، استمرت وجود الفصائل الفلسطينية المسلحة في لبنان.
وتحافظ جماعات مثل فتح وحماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وغيرها على وجودها في مخيمات اللاجئين، وغالبا ما تنخرط في القضايا الأمنية والسياسية المحلية.
ووقعت اشتباكات دورية بين مختلف الفصائل الفلسطينية، وكذلك بين الجماعات الفلسطينية والجيش اللبناني.
وتشمل الحوادث البارزة النزاعات في مخيم نهر البارد شمال لبنان عام 2007 وفي مخيم عين الحلوة، خصوصاً النزاع الذي شهده في تموز/ تموز عام 2023، حيث اندلعت التوترات بين حركة فتح وجماعات أخرى مثل عصبة الأنصار وجند الشام.