by | Sep 2, 2025 | اقتصاد
تتكشف صور مأساوية لمعاناة الغزيين الذين وجدوا أنفسهم بلا مصدر دخل وبلا عمل أو قدرة على تأمين الاحتياجات الأساسية لأسرهم، في ظل حرب ممتدة وحصار خانق يلتهم مقومات الحياة، تتزامن مع ارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة وغلاء الأسعار نتيجة شح البضائع.
ولجأ آلاف الغزيين إلى بيع جزء من المساعدات الإنسانية القليلة التي تصلهم أو مقايضتها بسلع أخرى أكثر إلحاحاً لحياة أطفالهم ضمن مظاهر “اقتصاد البقاء”، في وقت باتت فيه هذه الظاهرة تتسع لتشكل مشهداً اقتصادياً واجتماعياً يعكس عمق الأزمة الإنسانية التي يعيشها القطاع.
ويجسّد الفلسطيني رائد إسماعيل، وهو أب لستة أطفال من مخيم البريج وسط قطاع غزة، بواقعه أحد أبرز صور الأزمة، إذ يضطر بشكل شبه يومي إلى التوجه لمركز توزيع المساعدات في “منطقة نتساريم”، رغم المخاطر الأمنية الكبيرة المحيطة بها.
وقال إسماعيل لـ”العربي الجديد”: “أذهب في مخاطرة كبيرة كل يوم لمركز التوزيع الأميركي لجلب حاجيات لأسرتي، وما يزيد عن حاجتنا أبيعه للحصول على المال”، مشيراً إلى أن المساعدات التي يحصل عليها وإن كانت ضرورية، إلا أنها لا تغطي جميع احتياجات أسرته اليومية. وأضاف: “بيع جزء من المساعدات يتيح لي شراء مستلزمات أخرى مثل المياه وشحن الهاتف وثمن الخبز وشراء الحطب اللازم للطهو، فهذه النفقات الصغيرة في ظاهرها تصبح ثقيلة في واقع نعيشه بلا دخل”.
في حين، يعيش الفلسطيني منار دحلان، وهو نازح من مخيم جباليا إلى منطقة الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، معاناة مضاعفة بعد فقدان مصدر رزقه الأساسي في مهنة الحلاقة، قائلاً: “كنت أعمل في الحلاقة منذ أكثر من ثماني سنوات، ومع نزوحنا المتكرر فقدت زبائني وأصبحت بلا عمل ولا دخل”.
وأوضح دحلان في حديث لـ”العربي الجديد” أنه يعتمد على المساعدات التي يحصل عليها من منطقة زيكيم حيث تصطف الشاحنات هناك، إلا أن حاجات أسرته لا تقتصر على نوع واحد من السلع وهو ما يدفعه للجوء إلى نظام المقايضة مع آخرين. وأضاف: “آخذ ما تحتاجه أسرتي وإن حصلت على الأرز أستبدل جزءاً منه بالطحين أو العدس أو غيرهما، في جهد كبير أبذله يومياً لتأمين لقمة العيش لأطفالي”، مشيراً إلى أن الأزمة تتفاقم يوماً بعد يوم، خصوصاً أن الاعتماد الكامل على المساعدات الشحيحة وغير المنتظمة بات يشكل عبئاً نفسياً واقتصادياً على العائلات التي كانت قبل الحرب تعمل وتكسب رزقها.
تقطير المساعدات
بدوره، أكد المختص بالشأن الاقتصادي، نسيم أبو جامع، أن الوضع في غزة بلغ مستويات خطيرة على صعيد سوق العمل، إذ ارتفعت معدلات البطالة من 43% قبل الحرب إلى أكثر من 83% حالياً، ما يعني أن عدد العاطلين عن العمل تضاعف ووصل إلى أرقام غير مسبوقة.
وقال أبو جامع في حديث لـ”العربي الجديد” إن هذه النسبة المرتفعة تتزامن مع سياسة التقطير التي تعتمدها إسرائيل في إدخال البضائع إلى القطاع، ما أدى إلى بقاء الأسعار مرتفعة رغم محدودية الطلب، وهو ما يخلق حالة من التضخم المتواصل الذي ينهك جيوب المواطنين.
وأضاف: “القدرة الشرائية لدى الغزيين تكاد تكون معدومة، إذ استنزفت الحرب مدخراتهم وما تبقى من مواردهم المالية، فنحن أمام اقتصاد منزوع القوة، بلا دخل وبلا فرص عمل وأسعار مرتفعة تفوق قدرة المواطن على التحمل”. حذّر الاقتصادي أبو جامع من أن استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى تآكل الطبقة المتوسطة بالكامل، ودخول غالبية السكان في دائرة الفقر المدقع، مما يهدد البنية الاقتصادية والاجتماعية برمتها.
من جهته، ذكر المختص بالشأن الاقتصادي، محمد بربخ، أن نحو 95% من سكان غزة باتوا يعتمدون كلياً على المساعدات الإنسانية مصدراً وحيداً للعيش، “ومع ذلك فإن هذه المساعدات لا تدخل بالكميات الكافية بسبب القيود الإسرائيلية المشددة ما يجعلها شحيحة جداً مقارنة بحجم الاحتياجات”.
وقال بربخ في حديث لـ”العربي الجديد” إن هذا النقص يدفع المواطنين إلى البحث عن بدائل عبر بيع جزء من المساعدات أو استبدالها بالمقايضة، لافتاً إلى أن هذا السلوك لم يعد خياراً، بل تحول إلى آلية اقتصادية اضطرارية تعكس غياب الدخل وانعدام الفرص أمام المواطنين. وأوضح أن هذه الأزمة ليست إنسانية فقط، بل هي أيضاً أزمة اقتصادية عميقة تعطل دورة الإنتاج والاستهلاك داخل المجتمع الغزي، وتبقيه رهينة المساعدات المحدودة.
وختم بربخ حديثه بالتأكيد أن استمرار الوضع على ما هو عليه يعني أن المساعدات لن تكون حلاً كافياً، “بل يجب أن يصاحبها تدخل اقتصادي يفتح المجال أمام استعادة الإنتاج والعمل، وإلا فإن الاعتماد الكلي على المساعدات سيكرس حالة الفقر لعقود طويلة”.
وقال المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، في بيان أمس الاثنين، إن الاحتلال الإسرائيلي يواصل تشديد حصاره ومنع إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، في إطار سياسة “هندسة التجويع والفوضى”، إذ إن ما أُدخِل خلال الأيام الخمسة الماضية (من الثلاثاء حتى السبت) بلغ 534 شاحنة فقط من أصل ثلاثة آلاف شاحنة كان من المفترض دخولها، مشيراً إلى أن جزءاً كبيراً من هذه الشحنات تعرّض للنهب والسرقة في ظل فوضى أمنية متعمدة يرعاها الاحتلال.
وأشار البيان إلى أن إجمالي الشاحنات التي دخلت القطاع خلال 35 يوماً، منذ إعلان الاحتلال السماح بإدخال المساعدات في 27 تموز/تموز الماضي، لم يتجاوز 3,188 شاحنة من أصل 21 ألفاً متوقعة، أي ما نسبته 15% فقط من الاحتياجات الفعلية للسكان.
by | Aug 29, 2025 | اقتصاد
بدأ مشروب غازي فلسطيني اسمه غزة كولا، ابتكره ناشط ومخرج فلسطيني مهاجر إلى لندن، أسامة قشوع، في الانتشار في إيطاليا.
وذكر موقع “في دي نيوز” الإيطالي في تقرير حمل عنوان “من خلال عوائد غزة كولا، نوزع مياها ومساعدات على الفلسطينيين” بتاريخ 18 آب/آب الجاري، أن فكرة هذا المشروع وعملية تنفيذه جاءت من قبل الجالية الفلسطينية، التي تتولى إدارة التوزيع في إيطاليا في حين يُعهد بالإنتاج الفعلي للعلب إلى مورد خارجي في بولندا لتسهيل التوزيع داخل أوروبا، ما يوفر فرص عمل لأبناء الجالية المقيمين بالقرب من مواقع الإنتاج.
ووفقاً لحساب للموزع الرسمي لغزة كولا على منصة إنستغرام، فإن “جزءاً من العائدات يُستخدم لتمويل مشاريع تهدف إلى إعادة إعمار غزة: ففي الأسبوع الأول من آب/آب وحده، ساهمنا بمبلغ 7500 يورو في إقامة مشاريع مجتمعية جديدة في قطاع غزة، ودعمنا بشكل مباشر العديد من الأسر”.
وعلى ذمة الحساب نفسه، موّلت مبيعات المشروب توزيع مياه الشرب المفلترة في مدينة غزة وجنوب وشمال القطاع خلال فترة الصيف.
وبعث مؤسس شركة غزة كولا ورئيسها، أسامة قشوع، بخطاب إلى الموزعين والمتعاونين مع الشركة في إيطاليا جاء فيه: نفتخر بأن غزة كولا مبادرة فلسطينية خالصة، نتاج تطوير وإنتاج وإدارة فريق كرس نفسه ملتزماً بالترويج للثقافة والقيم الفلسطينية والتجارة الأخلاقية على نطاق عالمي. غزة كولا ليست فقط مشروب غازي، بل علامة تجارية جريئة وحاسمة: وسيلة للتمكين الاقتصادي والفخر الثقافي والمقاومة الشعبية.
وتابع “نحن نبني مؤسسة مزدهرة ولديها مسؤولية اجتماعية وتعمل على رفع مستوى المجتمعات وتعزيز روابط ثقافية مهمة – مدفوعة بالإيمان بمستقبل أكثر عدلاً وشمولاً. ولكن هذا المستقبل معلق بخيط رفيع بالنسبة للفلسطينيين المحاصرين، الذين يواجهون بعضًا من أكثر الظروف قسوة في العالم. من دون النفاذ إلى المياه الصالحة للشرب والرعاية الطبية والكهرباء وحرية التنقل، أي أنهم محرومون من حقوقهم الإنسانية الأساسية”، متسائلاً “إذا لم ندافع نحن عن كرامتهم فمن سيفعل؟”.
وأوضح أن “غزة كولا هي رسالة مقاومة – تتحدى بشكل مباشر الشركات العالمية الكبرى المتواطئة في تمويل صراعات مسلحة والاستفادة من تدمير فلسطين. كل علبة منها هي بيان: لن نصمت في وجه الظلم”، مضيفا:ً “رؤيتنا تتركز في إنشاء علامة تجارية يحبها الناس ويثقون بها – متجذرة في الجودة، الاستدامة والاحتفاء بالهوية الفلسطينية. ونحن نركز على إنتاج سلع أخلاقية تُغذي كلاً من الجسد والضمير، والمساهمة بشكل فعال في التجارة العادلة وتنمية المجتمعات المحلية وعالمية”.
وشدد على أن “مهمتنا كانت وستظل دائمًا موجهة نحو المجتمع – وفي قلبها المنظومة الصحية في غزة، التي باتت على حافة الانهيار. وفي هذا السياق، خصصنا إحدى مبادراتنا الرئيسية لإعادة إعمار مستشفى الكرامة، التي كانت لفترة طويلة طوق نجاة للمرضى والكوادر الطبية الفلسطينية”. وأوضح قشوع أن أرباح غزة كولا موجهة إلى المبادرات التالية:
أولاً، مستشفى الكرامة إحدى ركائز الصمود الطبي في غزة، وثانياً، غزة ويب وهي مبادرة تكنولوجية مجتمعية تعمل على استعادة الاتصال بشبكة الإنترنت وصيانتها في غزة خلال فترات انقطاع الاتصالات وانهيارات البنى التحتية، وثالثاً، جمعية حياة للخدمات الإنسانية – مشروع مياه غزة كولا وهو مشروع بالغ الأهمية، تديره منظمة تطوعية مقرها المملكة المتحدة، لتوزيع المياه الصالحة للشرب في المجتمعات الأكثر تعرضاً للخطر في غزة.
by | Aug 28, 2025 | اقتصاد
لا تزال أسعار السلع في أسواق قطاع غزة عند مستويات مرتفعة جداً، رغم مرور أكثر من شهر على بدء إدخال بعض البضائع التجارية والمساعدات الإنسانية إلى القطاع، في ظل العجز الواضح في الكميات المسموح بدخولها والتي لا تتجاوز 15% من حاجة السكان اليومية.
ويجد الغزيون أنفسهم اليوم أمام معادلة قاسية، تتمثل في قلة العرض وانهيار شبه كامل في القدرة الشرائية بفعل البطالة والفقر، في وقت يواصل فيه الاحتلال الإسرائيلي فتحاً جزئياً للمعبر ومنع مئات الأصناف الغذائية والدوائية من الوصول، ما جعل الحياة في القطاع كارثة إنسانية.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن قطاع غزة يحتاج يومياً إلى أكثر من 600 شاحنة مساعدات وبضائع متنوعة لتلبية الحد الأدنى من احتياجات سكانه البالغ عددهم 2.4 مليون إنسان، لكن على مدار 30 يوماً لم يدخل سوى 2654 شاحنة فقط من أصل 18 ألف شاحنة مطلوبة، أي ما نسبته أقل من 15% من الاحتياجات الفعلية.
وهذه الكميات الضئيلة تعرّض أغلبها لعمليات نهب وسرقة في وقت يواصل الاحتلال الإسرائيلي فرض قيود مشددة على دخول الشاحنات ويمنع إدخال أكثر من 430 صنفاً من المواد الغذائية الأساسية إلى جانب مئات الأصناف الأخرى، ما عمّق انعدام الأمن الغذائي.
ويُجمع الاقتصاديون على أن بقاء الأسعار مرتفعة بعد مرور شهر كامل على دخول البضائع والمساعدات يُفسّر بوضوح من خلال ندرة الكميات المطروحة في السوق، إذ لا يمكن للعرض المحدود أن يغطي الطلب الهائل، خصوصاً في ظل تزايد حاجة السكان إلى السلع الأساسية بعد أكثر من 5 شهور من الحصار الكامل. ويرون أن الأسعار ستبقى مرتفعة لوقت طويل، حتى لو أعيد فتح المعابر لاحقاً، بسبب تدمير البنية الاقتصادية والتجارية وانهيار سلاسل التوريد واستمرار السيطرة الإسرائيلية على إدخال السلع الأساسية، ومع غياب أفق لإنهاء الحصار.
ارتفاع الأسعار في غزة
وذكر الأكاديمي والمختص في الشأن الاقتصادي، محمود صبرة، أن ارتفاع الأسعار مرتبط بشكل مباشر بالفجوة الواسعة بين العرض والطلب، موضحاً أن الاحتلال يستخدم سياسة إدخال الكميات المحدودة سلاحاً لإحكام الحصار.
وقال صبرة في حديث لـ”العربي الجديد”: “إسرائيل تعيد إنتاج الحصار عبر التحكم بالموارد الأساسية ومنع الغذاء واستخدامه كسلاح حرب، فالكميات المسموح بها محدودة جداً وهو أمر مقصود لإبقاء السوق في حالة عجز دائم”. وأوضح أن حالة عدم اليقين التي تعيشها الأسواق تزيد من الأزمة، إذ يخشى التجار والمستهلكون من الانقطاع المفاجئ للسلع ما يدفع إلى تخزين البضائع واحتكارها، ومن ثم رفع أسعارها أكثر.
وأضاف: “رغم مرور شهر على إدخال بعض البضائع إلى غزة، فإن الأسعار ما زالت بعيدة عن مستوياتها الطبيعية قبل الحرب، فالطحين الذي كان يباع بسعر شيكلين للكيلوغرام لا يزال عند حدود 10 شواكل، والسكر الذي كان سعره شيكلين للكيلوغرام يباع اليوم بحوالي 19 شيكلاً، فيما يستمر سعر كيلو الأرز عند 20 شيكلاً بعد أن كان لا يتجاوز 5 شواكل، وبذلك بقيت المواد الأساسية بعيدة عن متناول معظم السكان لتكرس أزمة الغلاء في ظل الفقر والبطالة المتفاقمين”.
ولفت صبرة إلى أن سلسلة التزويد التجارية في غزة تكاد تكون منهارة بالكامل، بعد تدمير البنية الاقتصادية وغياب المخازن وانعدام السيولة المالية وانحصار عمليات التوزيع في عدد محدود من التجار، موضحاً أن الأسعار مرشحة للبقاء عند مستويات مضاعفة (مرتين أو ثلاث مرات أعلى من سعرها الطبيعي) بسبب استمرار الهيمنة الإسرائيلية على إدخال السلع الاستراتيجية وفقدان القدرة على بناء معروض مستقر وثابت في الأسواق.
من جانبه، أكد المختص في الشأن الاقتصادي، عماد لبد، أن الأزمة ليست في ندرة البضائع فحسب، بل في فقدان الغالبية العظمى من الغزيين للقدرة الشرائية نتيجة استنزاف أموالهم خلال فترة الغلاء الفاحش في الأسابيع الأخيرة وارتفاع معدلات البطالة والفقر إلى مستويات غير مسبوقة.
وقال لبد في حديث لـ”العربي الجديد”: “إن انتشار الفقر والبطالة يجعل الحديث عن أي نشاط اقتصادي أمراً صعباً، حتى لو توفرت السلع بكميات معقولة فإن أغلب المواطنين عاجزون عن شرائها”. وأوضح أن قلة المساعدات الإنسانية تعمّق الأزمة، إذ يعتمد 95% من الغزيين بشكل شبه كامل على هذه المساعدات، “ومع دخول كميات محدودة جداً فإن الاحتياجات تبقى بعيدة عن التغطية، خصوصاً مع غياب أي آليات توزيع آمنة وعادلة”.
وأضاف: “القدرة الشرائية الضعيفة جعلت الأسواق شبه متوقفة، المواطن يبحث فقط عن الحد الأدنى للبقاء، بينما يضطر كثيرون للاعتماد على الجمعيات الخيرية وما يتسرب من تَكيّات خيرية لتوزيع الطعام ومساعدات إنسانية، في وقت لم يعد فيه الدخل أو العمل موجودين”.
وختم لبد حديثه: “الوضع الاقتصادي القائم يضع سكان القطاع في مواجهة انعدام أمن غذائي ممنهج، فإسرائيل تدير هذه الأزمة بشكل متعمد منذ سنوات والآن وصلنا إلى مرحلة يعيش فيها الناس على ما هو أقل من الحد الأدنى”.
by | Aug 28, 2025 | اقتصاد
لا تزال أسعار السلع في أسواق قطاع غزة عند مستويات مرتفعة جداً، رغم مرور أكثر من شهر على بدء إدخال بعض البضائع التجارية والمساعدات الإنسانية إلى القطاع، في ظل العجز الواضح في الكميات المسموح بدخولها والتي لا تتجاوز 15% من حاجة السكان اليومية.
ويجد الغزيون أنفسهم اليوم أمام معادلة قاسية، تتمثل في قلة العرض وانهيار شبه كامل في القدرة الشرائية بفعل البطالة والفقر، في وقت يواصل فيه الاحتلال الإسرائيلي فتحاً جزئياً للمعبر ومنع مئات الأصناف الغذائية والدوائية من الوصول، ما جعل الحياة في القطاع كارثة إنسانية.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن قطاع غزة يحتاج يومياً إلى أكثر من 600 شاحنة مساعدات وبضائع متنوعة لتلبية الحد الأدنى من احتياجات سكانه البالغ عددهم 2.4 مليون إنسان، لكن على مدار 30 يوماً لم يدخل سوى 2654 شاحنة فقط من أصل 18 ألف شاحنة مطلوبة، أي ما نسبته أقل من 15% من الاحتياجات الفعلية.
وهذه الكميات الضئيلة تعرّض أغلبها لعمليات نهب وسرقة في وقت يواصل الاحتلال الإسرائيلي فرض قيود مشددة على دخول الشاحنات ويمنع إدخال أكثر من 430 صنفاً من المواد الغذائية الأساسية إلى جانب مئات الأصناف الأخرى، ما عمّق انعدام الأمن الغذائي.
ويُجمع الاقتصاديون على أن بقاء الأسعار مرتفعة بعد مرور شهر كامل على دخول البضائع والمساعدات يُفسّر بوضوح من خلال ندرة الكميات المطروحة في السوق، إذ لا يمكن للعرض المحدود أن يغطي الطلب الهائل، خصوصاً في ظل تزايد حاجة السكان إلى السلع الأساسية بعد أكثر من 5 شهور من الحصار الكامل. ويرون أن الأسعار ستبقى مرتفعة لوقت طويل، حتى لو أعيد فتح المعابر لاحقاً، بسبب تدمير البنية الاقتصادية والتجارية وانهيار سلاسل التوريد واستمرار السيطرة الإسرائيلية على إدخال السلع الأساسية، ومع غياب أفق لإنهاء الحصار.
ارتفاع الأسعار في غزة
وذكر الأكاديمي والمختص في الشأن الاقتصادي، محمود صبرة، أن ارتفاع الأسعار مرتبط بشكل مباشر بالفجوة الواسعة بين العرض والطلب، موضحاً أن الاحتلال يستخدم سياسة إدخال الكميات المحدودة سلاحاً لإحكام الحصار.
وقال صبرة في حديث لـ”العربي الجديد”: “إسرائيل تعيد إنتاج الحصار عبر التحكم بالموارد الأساسية ومنع الغذاء واستخدامه كسلاح حرب، فالكميات المسموح بها محدودة جداً وهو أمر مقصود لإبقاء السوق في حالة عجز دائم”. وأوضح أن حالة عدم اليقين التي تعيشها الأسواق تزيد من الأزمة، إذ يخشى التجار والمستهلكون من الانقطاع المفاجئ للسلع ما يدفع إلى تخزين البضائع واحتكارها، ومن ثم رفع أسعارها أكثر.
وأضاف: “رغم مرور شهر على إدخال بعض البضائع إلى غزة، فإن الأسعار ما زالت بعيدة عن مستوياتها الطبيعية قبل الحرب، فالطحين الذي كان يباع بسعر شيكلين للكيلوغرام لا يزال عند حدود 10 شواكل، والسكر الذي كان سعره شيكلين للكيلوغرام يباع اليوم بحوالي 19 شيكلاً، فيما يستمر سعر كيلو الأرز عند 20 شيكلاً بعد أن كان لا يتجاوز 5 شواكل، وبذلك بقيت المواد الأساسية بعيدة عن متناول معظم السكان لتكرس أزمة الغلاء في ظل الفقر والبطالة المتفاقمين”.
ولفت صبرة إلى أن سلسلة التزويد التجارية في غزة تكاد تكون منهارة بالكامل، بعد تدمير البنية الاقتصادية وغياب المخازن وانعدام السيولة المالية وانحصار عمليات التوزيع في عدد محدود من التجار، موضحاً أن الأسعار مرشحة للبقاء عند مستويات مضاعفة (مرتين أو ثلاث مرات أعلى من سعرها الطبيعي) بسبب استمرار الهيمنة الإسرائيلية على إدخال السلع الاستراتيجية وفقدان القدرة على بناء معروض مستقر وثابت في الأسواق.
من جانبه، أكد المختص في الشأن الاقتصادي، عماد لبد، أن الأزمة ليست في ندرة البضائع فحسب، بل في فقدان الغالبية العظمى من الغزيين للقدرة الشرائية نتيجة استنزاف أموالهم خلال فترة الغلاء الفاحش في الأسابيع الأخيرة وارتفاع معدلات البطالة والفقر إلى مستويات غير مسبوقة.
وقال لبد في حديث لـ”العربي الجديد”: “إن انتشار الفقر والبطالة يجعل الحديث عن أي نشاط اقتصادي أمراً صعباً، حتى لو توفرت السلع بكميات معقولة فإن أغلب المواطنين عاجزون عن شرائها”. وأوضح أن قلة المساعدات الإنسانية تعمّق الأزمة، إذ يعتمد 95% من الغزيين بشكل شبه كامل على هذه المساعدات، “ومع دخول كميات محدودة جداً فإن الاحتياجات تبقى بعيدة عن التغطية، خصوصاً مع غياب أي آليات توزيع آمنة وعادلة”.
وأضاف: “القدرة الشرائية الضعيفة جعلت الأسواق شبه متوقفة، المواطن يبحث فقط عن الحد الأدنى للبقاء، بينما يضطر كثيرون للاعتماد على الجمعيات الخيرية وما يتسرب من تَكيّات خيرية لتوزيع الطعام ومساعدات إنسانية، في وقت لم يعد فيه الدخل أو العمل موجودين”.
وختم لبد حديثه: “الوضع الاقتصادي القائم يضع سكان القطاع في مواجهة انعدام أمن غذائي ممنهج، فإسرائيل تدير هذه الأزمة بشكل متعمد منذ سنوات والآن وصلنا إلى مرحلة يعيش فيها الناس على ما هو أقل من الحد الأدنى”.
by | Aug 28, 2025 | اقتصاد
لا تزال أسعار السلع في أسواق قطاع غزة عند مستويات مرتفعة جداً، رغم مرور أكثر من شهر على بدء إدخال بعض البضائع التجارية والمساعدات الإنسانية إلى القطاع، في ظل العجز الواضح في الكميات المسموح بدخولها والتي لا تتجاوز 15% من حاجة السكان اليومية.
ويجد الغزيون أنفسهم اليوم أمام معادلة قاسية، تتمثل في قلة العرض وانهيار شبه كامل في القدرة الشرائية بفعل البطالة والفقر، في وقت يواصل فيه الاحتلال الإسرائيلي فتحاً جزئياً للمعبر ومنع مئات الأصناف الغذائية والدوائية من الوصول، ما جعل الحياة في القطاع كارثة إنسانية.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن قطاع غزة يحتاج يومياً إلى أكثر من 600 شاحنة مساعدات وبضائع متنوعة لتلبية الحد الأدنى من احتياجات سكانه البالغ عددهم 2.4 مليون إنسان، لكن على مدار 30 يوماً لم يدخل سوى 2654 شاحنة فقط من أصل 18 ألف شاحنة مطلوبة، أي ما نسبته أقل من 15% من الاحتياجات الفعلية.
وهذه الكميات الضئيلة تعرّض أغلبها لعمليات نهب وسرقة في وقت يواصل الاحتلال الإسرائيلي فرض قيود مشددة على دخول الشاحنات ويمنع إدخال أكثر من 430 صنفاً من المواد الغذائية الأساسية إلى جانب مئات الأصناف الأخرى، ما عمّق انعدام الأمن الغذائي.
ويُجمع الاقتصاديون على أن بقاء الأسعار مرتفعة بعد مرور شهر كامل على دخول البضائع والمساعدات يُفسّر بوضوح من خلال ندرة الكميات المطروحة في السوق، إذ لا يمكن للعرض المحدود أن يغطي الطلب الهائل، خصوصاً في ظل تزايد حاجة السكان إلى السلع الأساسية بعد أكثر من 5 شهور من الحصار الكامل. ويرون أن الأسعار ستبقى مرتفعة لوقت طويل، حتى لو أعيد فتح المعابر لاحقاً، بسبب تدمير البنية الاقتصادية والتجارية وانهيار سلاسل التوريد واستمرار السيطرة الإسرائيلية على إدخال السلع الأساسية، ومع غياب أفق لإنهاء الحصار.
ارتفاع الأسعار في غزة
وذكر الأكاديمي والمختص في الشأن الاقتصادي، محمود صبرة، أن ارتفاع الأسعار مرتبط بشكل مباشر بالفجوة الواسعة بين العرض والطلب، موضحاً أن الاحتلال يستخدم سياسة إدخال الكميات المحدودة سلاحاً لإحكام الحصار.
وقال صبرة في حديث لـ”العربي الجديد”: “إسرائيل تعيد إنتاج الحصار عبر التحكم بالموارد الأساسية ومنع الغذاء واستخدامه كسلاح حرب، فالكميات المسموح بها محدودة جداً وهو أمر مقصود لإبقاء السوق في حالة عجز دائم”. وأوضح أن حالة عدم اليقين التي تعيشها الأسواق تزيد من الأزمة، إذ يخشى التجار والمستهلكون من الانقطاع المفاجئ للسلع ما يدفع إلى تخزين البضائع واحتكارها، ومن ثم رفع أسعارها أكثر.
وأضاف: “رغم مرور شهر على إدخال بعض البضائع إلى غزة، فإن الأسعار ما زالت بعيدة عن مستوياتها الطبيعية قبل الحرب، فالطحين الذي كان يباع بسعر شيكلين للكيلوغرام لا يزال عند حدود 10 شواكل، والسكر الذي كان سعره شيكلين للكيلوغرام يباع اليوم بحوالي 19 شيكلاً، فيما يستمر سعر كيلو الأرز عند 20 شيكلاً بعد أن كان لا يتجاوز 5 شواكل، وبذلك بقيت المواد الأساسية بعيدة عن متناول معظم السكان لتكرس أزمة الغلاء في ظل الفقر والبطالة المتفاقمين”.
ولفت صبرة إلى أن سلسلة التزويد التجارية في غزة تكاد تكون منهارة بالكامل، بعد تدمير البنية الاقتصادية وغياب المخازن وانعدام السيولة المالية وانحصار عمليات التوزيع في عدد محدود من التجار، موضحاً أن الأسعار مرشحة للبقاء عند مستويات مضاعفة (مرتين أو ثلاث مرات أعلى من سعرها الطبيعي) بسبب استمرار الهيمنة الإسرائيلية على إدخال السلع الاستراتيجية وفقدان القدرة على بناء معروض مستقر وثابت في الأسواق.
من جانبه، أكد المختص في الشأن الاقتصادي، عماد لبد، أن الأزمة ليست في ندرة البضائع فحسب، بل في فقدان الغالبية العظمى من الغزيين للقدرة الشرائية نتيجة استنزاف أموالهم خلال فترة الغلاء الفاحش في الأسابيع الأخيرة وارتفاع معدلات البطالة والفقر إلى مستويات غير مسبوقة.
وقال لبد في حديث لـ”العربي الجديد”: “إن انتشار الفقر والبطالة يجعل الحديث عن أي نشاط اقتصادي أمراً صعباً، حتى لو توفرت السلع بكميات معقولة فإن أغلب المواطنين عاجزون عن شرائها”. وأوضح أن قلة المساعدات الإنسانية تعمّق الأزمة، إذ يعتمد 95% من الغزيين بشكل شبه كامل على هذه المساعدات، “ومع دخول كميات محدودة جداً فإن الاحتياجات تبقى بعيدة عن التغطية، خصوصاً مع غياب أي آليات توزيع آمنة وعادلة”.
وأضاف: “القدرة الشرائية الضعيفة جعلت الأسواق شبه متوقفة، المواطن يبحث فقط عن الحد الأدنى للبقاء، بينما يضطر كثيرون للاعتماد على الجمعيات الخيرية وما يتسرب من تَكيّات خيرية لتوزيع الطعام ومساعدات إنسانية، في وقت لم يعد فيه الدخل أو العمل موجودين”.
وختم لبد حديثه: “الوضع الاقتصادي القائم يضع سكان القطاع في مواجهة انعدام أمن غذائي ممنهج، فإسرائيل تدير هذه الأزمة بشكل متعمد منذ سنوات والآن وصلنا إلى مرحلة يعيش فيها الناس على ما هو أقل من الحد الأدنى”.