من صراع إلى شراكة اقتصادية: كيف دفع ترامب الصين والهند إلى التقارب؟

من صراع إلى شراكة اقتصادية: كيف دفع ترامب الصين والهند إلى التقارب؟

في تحول استراتيجي لافت، تقترب الصين والهند، غالباً بدافع الضرورة، من تعزيز شراكة اقتصادية تعكس تحولات في المشهد الجيوسياسي العالمي، مدفوعة بالسياسات الحمائية المتزايدة التي تنتهجها إدارة ترامب في ولايتها الثانية.

ويزور رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الصين، الأحد القادم، للمرة الأولى منذ عام 2018، في لقاء ثنائي مع الرئيس الصيني شي جين بينغ على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في تيانجين، والتي تجمع قادة من الصين والهند وروسيا وإيران ودول أخرى.

هذه الزيارة تكتسب أهمية استثنائية في ظل فرض واشنطن تعريفات جمركية مزدوجة بنسبة 50% على صادرات الهند، ما أدى إلى تدهور العلاقة التجارية بين نيودلهي وواشنطن، وفتح الباب أمام بكين لتعزيز مكانتها شريكا اقتصاديا بديلا. وشكّل رفع التعرفة الأميركية إلى 50% تحدياً كبيراً للشركات الهندية، التي تعتمد بشكل واسع على السوق الأميركية، أكبر وجهة لصادراتها العام الماضي. وتشير تقديرات بنك ستاندرد تشارترد، ونقلاً عن فاينانشال تايمز، إلى أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى تراجع نمو الاقتصاد الهندي بما يصل إلى نقطة مئوية واحدة.

تصالح بعد اشتباكات الهيمالايا

تأتي زيارة مودي عقب تحركات دبلوماسية صينية في آب شملت اقتراحات بإعادة فتح المعابر الحدودية، وتسهيل إصدار التأشيرات، فقد أُعلن في السياق عن استئناف الرحلات الجوية المباشرة التي توقفت منذ خمس سنوات.

وسبق للبلدان أن خاضا اشتباكات دموية في منطقة لاداخ عام 2020، ما أسفر عن مقتل عشرات الجنود. لكن مؤخراً، اتفق الطرفان على سحب بعض القوات وتفعيل آليات دبلوماسية للتخفيف من الضغوط المتبادلة ، يدفعهما إلى التعامل كشركاء وليس كخصوم دون الوصول إلى تسوية نهائية للنزاع الحدودي.

تسبب قرار إدارة ترامب بفرض رسوم جمركية مرتفعة على صادرات الهند – بما في ذلك المنسوجات والفحم وبعض المنتجات الزراعية – في ضغوط كبيرة على الاقتصاد الهندي، إذ كانت السوق الأميركية تشكّل واحدة من أكبر أسواق التصدير للسلع الهندية.

في المقابل، لم تُفرض الرسوم نفسها على الصين، التي سارعت إلى عرض توسيع التعاون الاقتصادي مع نيودلهي، متعهدة بإمدادات أساسية في مجالات التكنولوجيا، والأسمدة، والطاقة، والآلات الثقيلة. كما أبدت استعدادها للمشاركة في تطوير مشاريع البنية التحتية، بما في ذلك خطوط السكك الحديدية والمترو.

مراجعة هندية للأولويات

تشير تقارير إعلامية إلى أن تحول الموقف الهندي يعكس استراتيجية جديدة للانفتاح على بدائل متعددة بعيداً عن “الحصار الغربي”، مع الميل إلى سياسة توازن إقليمي تشمل التعاون مع الصين وروسيا، دون التخلي عن شراكاتها الغربية مثل مجموعة “الرباعي” (الولايات المتحدة، اليابان، أستراليا، الهند).

ويرى محللون أن نيودلهي تسعى لتعزيز مكانتها بصفتها محور توازن في عالم متعدد الأقطاب، خصوصاً مع تآكل الثقة في واشنطن بفعل قرارات تجارية تعتبرها الهند تعسفية.

بحسب بيانات السنة المالية 2023–2024، بلغ حجم التبادل التجاري بين الهند والصين حوالي 118.4 مليار دولار، متفوقاً على قيمة التجارة مع الولايات المتحدة التي بلغت 118.3 مليار دولار.118.4 مليار دولار، متجاوزاً بقليل نظيره مع الولايات المتحدة (118.3 مليار دولار).

وتشير وزارة التجارة الهندية إلى أنه في 2023–24 استوردت نيودلهي منتجات صينية بقيمة 101.74 مليار دولار، مقابل صادرات إلى الصين بقيمة 16.65 مليار دولار، ما يؤكد التفاوت الكبير في التوازن التجاري. وتسعى نيودلهي إلى إنشاء نظام مراقبة الواردات، بهدف الحد من تدفق السلع الصينية الرخيصة، التي زادت من شدة العجز التجاري معها، وهو ما يتوقع أن يبحثه الطرفان.

وما بين عامي 2015 و2025، ارتفع إجمالي التجارة بين البلدين بنسبة 81%، من 71 مليار دولار إلى نحو 128 مليار دولار. إلا أن التوازن في هذا التبادل يميل بشدة لصالح الصين:

واردات الهند من الصين: 113.5 مليار دولار

صادرات الهند إلى الصين: 14.3 مليار دولار فقط

العجز التجاري: 99.2 مليار دولار (رقم قياسي)

هذا التفاوت الكبير دفع نيودلهي لإطلاق نظام مراقبة واردات جديد يهدف إلى كبح تدفق السلع الصينية الرخيصة، وهو موضوع مرشح للبحث خلال لقاء مودي وشي.

كما تتوقع تقارير اقتصادية، أبرزها تقرير DHL Trade Atlas 2025، أن تسهم الهند بنسبة 6% من نمو التجارة العالمية خلال السنوات الخمس المقبلة، مقارنة بـ12% للصين و10% للولايات المتحدة، ما يعزز أهمية دورها المستقبلي محورا تجاريا عالميا.

موازنة بين التحالفات

رغم الخلافات التاريخية، تتجه بكين ونيودلهي نحو شراكة انتقائية قائمة على الضرورة الاقتصادية، وليس على توافق سياسي شامل. ويبدو أن الضغط الأميركي، وخاصة السياسات الحمائية التي تبناها ترامب، أدى بشكل غير مباشر إلى تسريع هذا التقارب.

في المحصلة، تسعى الهند إلى تحويل خلافاتها مع الصين إلى شراكة محدودة تعزز موقعها في الساحة الدولية، وتخفف اعتمادها على طرف واحد. لكن يظل أمامها تحدٍ رئيسي: جسر فجوة العجز التجاري الضخم مع الصين، وتعزيز قدرتها التصديرية، بما يحقق نوعاً من التوازن في هذه العلاقة المتنامية.

وبالطبع قد تؤدي سياسات ترامب التجارية إلى تقارب الهند مع الصين، مما يضعف مساعي واشنطن والغرب عموما لتعزيز الشراكة مع نيودلهي. وعلى الرغم من جهود إدارات أمريكية متعاقبة، بما فيها إدارة ترامب الأولى، لبناء تعاون استراتيجي مع الهند، إلا أن هذا المسار يبدو مهدداً بعد أكثر من نصف عام من بداية الولاية الثانية للرئيس الأميركي.

شركات هندية تبحث عن مراكز إنتاج في أفريقيا لتجنب رسوم ترامب

شركات هندية تبحث عن مراكز إنتاج في أفريقيا لتجنب رسوم ترامب

تفيد تقارير اقتصادية بأنّ عدة شركات هندية تعتزم نقل مراكز إنتاج لها إلى دول أفريقية لتجاوز الرسوم الجمركية الباهظة التي تفرضها الإدارة الأميركية على واردات المنتجات الهندية بسبب شراء نيودلهي النفط الروسي. وأفادت وكالة بلومبيرغ الأميركية، اليوم الجمعة، بأنّ شركات مثل غولاداس إكسبورتس، وهي من موردي مجموعة “غاب”، وشركة ريموند لايفستايل لصناعة الملابس الفاخرة، من بين الشركات الهندية التي تخطط للانتقال بمراكز إنتاجها إلى دول أفريقية للاستفادة من الرسوم المنخفضة التي تصل إلى 10% في بعض دول القارة، مقارنةً بـ50% على الصادرات الهندية. كما يبحث مصدّرو الألماس والمجوهرات توسيع أنشطتهم في القارة.

وتسابق شركات هندية الزمن لتخفيف آثار الرسوم الأميركية والبحث عن بدائل تتيح لها الاستمرار في خدمة عملائها في الولايات المتحدة. وتُعتبر القطاعات كثيفة العمالة مثل صناعة المجوهرات والملابس الأكثر تضرراً، إذ قد تخفض الرسوم الأميركية صادرات بعض السلع بنسبة تصل إلى 90% بحسب تقديرات “بلومبيرغ”.

وتخشى الهند من تراجع صادراتها إلى الولايات المتحدة التي تعتبر أكبر أسواقها إلى أقل من النصف بسبب الرسوم المرتفعة التي دخلت حيز التطبيق يوم الأربعاء الماضي. وقد صدّرت الهند ما تزيد قيمته عن 20 مليار دولار إلى السوق الأميركية من منتجات النسيج والألماس والمجوهرات في عام 2023.

وقد برزت أفريقيا خياراً بديلاً بعدما بدأت الشركات الهندية البحث عن مناطق تتمتع برسوم جمركية تفضيلية في الخارج لخدمة السوق الأميركية. وتوفر بعض دول القارة، مثل إثيوبيا ونيجيريا وبوتسوانا والمغرب، حوافز تشمل إعفاءات ضريبية، إلى جانب إعفاءات من الرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة. كما أنّ بعض هذه الدول تقدم مبادرات موجهة لقطاعات معينة وتبني مناطق اقتصادية خاصة لجذب الاستثمارات.

ومع ذلك، فإنّ أي انتقال لعمليات التصنيع إلى القارة سيكون بطيئاً، إذ يتعين على الشركات الهندية إعادة التفاوض مع المشترين الأميركيين، في وقت تتأخر فيه الطلبيات أو تُلغى. وبحسب أميت أغاروال، المدير المالي لشركة رايموند لايفستايل، فإنّ بعض العملاء الأميركيين ليسوا مرتاحين تماماً لتلقي الشحنات من إثيوبيا خوفاً من اضطرابات محتملة ناجمة عن النزاعات، على الرغم من أن تكاليف العمالة هناك تبلغ نحو ثلث نظيرتها في الهند. وأضاف أغاروال أنّ هذا الوضع قد يتغير مع فقدان الهند ميزتها التنافسية نتيجة هذه الرسوم الجمركية.

في غضون ذلك، نقلت وكالة رويترز عن متعاملين في سوق النفط أنه من المتوقع أن ترتفع صادرات النفط الروسية إلى الهند في أيلول/ أيلول، في تحد من نيودلهي للرسوم الجمركية العقابية الأميركية الرامية إلى إجبار البلاد على وقف التجارة مع موسكو ودفعها لإبرام اتفاق سلام مع أوكرانيا. وأصبحت الهند أكبر مشتر للخام الروسي، الذي تقلص الإقبال عليه بعد غزو موسكو لأوكرانيا عام 2022. وقد أتاح ذلك للمصافي الهندية الاستفادة من انخفاض أسعار النفط الخام.

وتقول نيودلهي إنها تعتمد على المحادثات في مسعاها لحل مسألة الرسوم الإضافية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لكن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بدأ جولة لتطوير العلاقات الدبلوماسية في أماكن أخرى، بما في ذلك مقابلة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. واتهم مسؤولون أميركيون الهند بالتربح من النفط الروسي منخفض السعر، في حين وجه مسؤولون هنود اتهامات إلى الغرب بازدواجية المعايير، مشيرين إلى أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لا يزالان يشتريان سلعاً روسية بمليارات الدولارات.

(العربي الجديد، رويترز)