أزمة غذاء في اليمن: استهداف إسرائيل لميناء الحديدة عطّل الواردات

أزمة غذاء في اليمن: استهداف إسرائيل لميناء الحديدة عطّل الواردات

يسود قلق بالغ في اليمن من اضطراب مضاعف قادم من البحر الأحمر وانعكاس ذلك على وضعية ميناء الحديدة المتردية، مع انخفاض واردات الغذاء عبر الميناء إلى مستوى متدن خطير. يتوقع برنامج الغذاء العالمي، أن تشهد اليمن أزمة غذائية حادة ابتداءً من شهر أيلول/ أيلول الحالي، مع استمرار انخفاض الواردات، الأمر الذي قد يجعل توافر الغذاء أقل من المعدل الطبيعي بحلول هذا الشهر.

وتزايد التصعيد خلال الأيام الماضية، مع بدء إسرائيل مرحلة جديدة من العمليات عنوانها الاغتيالات المباشرة، مع تنفيذ عملية كبيرة استهدفت خلالها اجتماعاً لحكومة الحوثيين غير المعترف بها، الخميس الماضي، فيما نعت رئاسة الجمهورية في صنعاء أحمد غالب الرهوي رئيس الوزراء في حكومة التغيير والبناء مع عدد من الوزراء.

وردت جماعة الحوثي التي تحكم صنعاء ومعظم محافظات شمال اليمن، الثلاثاء، تنفيذ 4 عمليات عسكرية بأربع طائرات مسيّرة ضد أهداف للاحتلال الإسرائيلي، واستهداف سفينة نفطية إسرائيلية شمالي البحر الأحمر، “وذلك انتصاراً لمظلومية الشعب الفلسطيني، ورداً على جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم التجويع التي يقترفها العدوان الإسرائيلي بحق سكان قطاع غزة” وفق تعبيرها.

هذا التصعيد حمل معه مخاوف شديدة من اتجاه اليمن نحو عتبة الجوع، مع تعطل ميناء الحديدة بسبب الاستهدافات الإسرائيلية المتكررة، والقلق من استهدافه مجدداً ما يقطع الإمدادات إلى مرفق أساسي في البلاد.

يؤكد ذلك برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة الذي أشار في أحدث تقاريره إلى أن واردات الغذاء والوقود إلى موانئ الحديدة الخاضعة لسيطرة الحوثيين سجلت انخفاضاً في الشهرين الماضيين هو الأكبر منذ بداية العام 2025. وهو الأمر الذي يؤشر إلى تضرر موانئ الحديدة بشكل كبير من الضربات الإسرائيلية التي طاولتها خلال الفترة الماضية وإعلانها فرض حصار مشدد عليها، حيث استقبلت نحو 3.7 ملايين طن متري من الوقود والمواد الغذائية خلال الفترة بين كانون الثاني/كانون الثاني وتموز/تموز 2025، بنسبة انخفاض تزيد على 22% مقارنة بالفترة نفسها من العام 2024 التي شهدت دخول حوالي 4.7 ملايين طن متري، وبنحو 7% عن الفترة المقابلة من العام 2023 التي دخل فيها ما يقرب من 4 ملايين طن متري.

تجويع اليمن بعد غزة

يشير مراقبون وخبراء اقتصاد إلى أن ما تنتهجه إسرائيل في غزة من سياسة حصار وتجويع خانقة تحاول تطبيقه في اليمن بالنظر إلى تخبطها في مواجهة الضربات التي تستهدفها من قبل الحوثيين، ولجوئها إلى سياسة تستهدف المنشآت المدنية الاقتصادية العامة لتجويع اليمنيين ومضاعفة معاناتهم.

كما يحذر البرنامج الأممي من أزمة غذائية أخرى نتيجة تزايد خطر نقص الواردات من الوقود وغيره، حيث سينعكس ذلك إضافة إلى تراجع واردات الدقيق؛ في انقطاع عمليات الطحن، وارتفاع أسعار دقيق القمح. خلال ذلك تعمل صنعاء منذ فترة على تنفيذ خطة تحول في النمط الاستهلاكي من الدقيق الأبيض إلى طحين الحبوب المحلية في إطار سياسة متبعة لتقنين استيراد الدقيق الأبيض من الخارج.

ويلاحظ انخفاض كميات الدقيق الأبيض المستوردة والمتداولة في الأسواق مدفوعة بالتبعات التي طاولت ميناء الحديدة جراء العدوان الإسرائيلي الذي استهدفه عديد المرات وسبَّب تدمير أرصفة الميناء وانخفاض القدرات التشغيلية لأهم موانئ اليمن، كما تعاني الموانئ الحكومية تردياً كبيراً في قدراتها وارتفاع تكاليف الشحن من خلالها.

مساع لضمان توافر الخبز

رئيس جمعية حماية المستهلك اليمنية فضل منصور، ينوه في حديث لـ”العربي الجديد”، بأهمية التوجه نحو استخدام الدقيق أو الطحين المركب في ظل ظروف استثنائية تعيشها البلاد حالياً، فالدقيق الأبيض المستخلص بنسبة 72% لا يحتوي على أي فوائد للمستهلك، لكن مثل هذا التحول وفق منصور يتطلب في المقابل توفير الحبوب على مدار العام للأفران والمخابز.

وكانت وزارة الصناعة والتجارة في صنعاء قد أعلنت منذ فترة توافقاً بين نقابة الأفران والمخابز على التنفيذ التدريجي لخطة عمل برنامج التحول في النمط الاستهلاكي للمواطنين في مناطق نفوذ سلطة صنعاء؛ من الدقيق الأبيض إلى استخدام منتجات المخبوزات لطحين القمح والحبوب المحلية المتنوعة.

يأتي ذلك، مع تزايد الطلب في مختلف مدن اليمن ومناطقه على الخبز الأسمر ومختلف الأصناف التي تحتوي على تشكيلة متنوعة من الحبوب، ومخبوزات حبوب أخرى مثل “الكدم” و”اللحوح” ومخبوزات الشعير في صنعاء، و”الكدر” نوع من المخبوزات المنتجة من الدخن والذرة الشامية في تعز ومحافظات أخرى، إذ بدأت أفران ومعامل ومشاريع غذائية تنتشر في مدن يمنية عديدة لصناعة مخبوزات ومعجنات من الحبوب المنتجة محلياً كما يلاحظ ذلك في عدن وتعز جنوب، وجنوب غربي اليمن.

في السياق، يؤكد محمد حمود الجملولي، من نقابة المخابز والأفران، في حديث لـ”العربي الجديد”، أهمية مثل هذا التوجه الذي ساهم به بوصفه نقابياً وخبيراً متخصصاً في التصنيع الغذائي ومستشاراً في وزارة الصناعة والتجارة، إذ قدم دراسة في الجدوى الاقتصادية والغذائية ضمن خطة التحول في النمط الاستهلاكي لإنتاج المخبوزات.

وجرى مؤخراً استعراض نتائج تجارب أجرتها نقابة الأفران والمخابز في استخدام طحين القمح الكامل في منتجات الخبز المتنوعة “الروتي والخبز والرشوش، وخبز “التميز” وغيرها من مخبوزات المائدة اليمنية”، وكذلك منتجات المخبوزات المتنوعة باستخدام الخلط لدقيق القمح مع الحبوب المحلية من الذرة والدخن.

ويكشف الجملولي عن تجارب ناجحة أخرى في تصنيع الحلويات بالحبوب واستغلال محاصيل المزارعين من السمسم والشوفان والشعير، وهي تجارب تشجع الأفران والمخابز على تنفيذ خطة التحول في إنتاج المخبوزات بشكل متدرج، على أن يتم توفير الإمكانيات المناسبة لتحويل المعامل إلى مصانع لدعم الاقتصاد، وتشجيع المزارعين وتحفيزهم ودعمهم.

بخصوص مشكلة شحة الإنتاج من الحبوب والتي جعلت اليمن يعتمد بشكل كلي على استيراد الدقيق، يتفق الجملولي على أن هناك تحديات وصعوبات تتعلق بالإنتاج المحلي من الحبوب الذي لا يشكل سوى 10% من الاحتياجات، لكن هناك منتج بلدي يُزرع ويُستخدم في تزايد كبير مقارنة بالدقيق الأبيض.

تغيير النمط الاستهلاكي

محمد عوفان، رئيس نقابة عمال المطاعم، رئيس مركز الشيف اليمني، يقول لـ”العربي الجديد”، إن تعرض الموانئ للعدوان الإسرائيلي، ونهج الاحتلال في استهداف هذه المرافق ضمن استراتيجية تجويع لليمنيين، وغيرها من العوامل تقتضي في الضرورة القصوى تنويع استخدامات الحبوب وتقليص الواردات، إذ إن سعر الكيلوغرام الواحد من طحين الدخن المنتج محلياً يصل إلى 300 ريال، و600 ريال سعر الكيلوغرام من الشعير.

ويشدد خبراء اقتصاد ومختصون في التصنيع الغذائي على أهمية التحول في النمط الاستهلاكي من الدقيق الأبيض إلى الحبوب المحلية من الناحية الاقتصادية، فالتحول في ثقافة الاستهلاك ونمطه في هذه الظروف الصعبة التي تتطلب تشجيع المزارعين المحليين على زراعة الحبوب وإنتاجها بمختلف أنواعها التي تشتهر بها المحافظات اليمنية، وكذلك الفائدة الاقتصادية في تخفيض فاتورة الاستيراد.

ويرى الجملولي أن نسبة كبيرة من القمح المستورد والدقيق المطحون إلى اليمن مهجنة، فيما تحمل الحبوب المنتجة محلياً قيمة غذائية عالية مقارنة بمثل هذه الأصناف المستوردة. علاوة على ذلك تبقى نسبة المخاطرة كبيرة لمحدودية توفير عوامل نجاح كافية حيث كانت هناك تجربة فاشلة في العام 2021، بعد توقف عمل اللجنة التي أُعيد تشكيلها حالياً لتنفيذ مشروع التحول الاستهلاكي بسبب عدم توفر الحبوب غير القمح لتوزيعها على الأفران والمخابز لإنتاج الخبز المركب طوال العام.

انتشار عسكري يدفع سكان طرابلس للتموين

انتشار عسكري يدفع سكان طرابلس للتموين

بين طوابير السيارات أمام محطات الوقود وازدحام المتسوقين في الشوارع، تعيش العاصمة الليبية طرابلس منذ مساء الاثنين الكثير من القلق، بعد انتشار آليات عسكرية ثقيلة في أطرافها الجنوبية. شوهدت دبابات وشاحنات محملة بالأسلحة في قصر بن غشير وطريق الشوك ببلدية عين زارة، إضافة إلى أصوات رصاص متقطع سُمعت في حي الإسلامي، غرب العاصمة.

على مواقع التواصل، تداول السكان مقاطع مصوّرة تُظهر تحركات مماثلة في جزيرة الغيران، ما ضاعف منسوب المخاوف لدى الأهالي، الذين اندفعوا نحو الأسواق لشراء المواد الغذائية وتخزين الوقود، فضلاً عن الإقبال الكبير على الدولار. وفي بيان عاجل، دعت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا جميع الأطراف إلى “وقف التصعيد فوراً” و”الامتناع عن أي أعمال قد تعرّض المدنيين للخطر”، معبرة عن “انزعاجها البالغ” إزاء التقارير التي تتحدث عن استمرار التعبئة العسكرية واحتمال اندلاع مواجهات مسلحة.

في سوق المشير، وسط العاصمة، قال صهيب بن مسعود (33 عاماً)، الموظف في شركة خاصة، لـ”العربي الجديد”: “اشتريت الدولار من السوق الموازي، فلا يوجد ملاذ آمن آخر للمدخرات. إذا تطورت الأحداث سأفكر في النزوح خارج البلاد، ولا شيء يحمي مدخراتي سوى العملة الصعبة”.

ورغم ارتفاع سعر الصرف في السوق الموازية إلى 7.8 دنانير للدولار مقابل السعر الرسمي البالغ 6.4 دنانير، تزايد الإقبال على العملة الصعبة، ما تسبب في ازدحام ملحوظ أمام محال الصرافة. في سوق المهاري، بدت الحركة صباح أمس الثلاثاء غير اعتيادية، إذ تنقلت العائلات بين المحال التجارية بسرعة بحثاً عن الطحين والزيت والمعلبات.

تموين استعداداً للأسوأ

يقول عبد المعين الجبالي (55 عاماً)، لـ”العربي الجديد”: “أتيت منذ ساعات الصباح الباكر، أشتري ما أستطيع لتخزينه في البيت. لا أحد يعرف ما سيحدث غداً، نخشى فقط أن تختفي السلع أو ترتفع أسعارها أكثر”. إلى جانبه، كانت أم نزار (42 عاماً)، تدفع عربة محملة بالسكر والحليب، قبل أن تهمس: “لقد عشنا أزمات كثيرة، لكن هذه المرة أشعر بالخوف أكثر. أصوات الرصاص قريبة من بيتنا، وأطفالي يسألونني لماذا نشتري كل هذا الطعام… بماذا أجيبهم؟”.

رأى المحلل الاقتصادي عبد الهادي الأسود أن المشهد يعكس هشاشة البنية الاقتصادية أمام أي اهتزاز أمني، موضحاً أن كل توتر عسكري يترجم مباشرة إلى ضغط على سوق العملات، وزيادة في الطلب على السلع الأساسية والوقود، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.

وأضاف في حديث لـ”العربي الجديد”، أن هذا النمط أصبح متكرراً في ليبيا، حيث تتداخل الحسابات الأمنية مع المخاوف المعيشية، في ظل اعتماد شبه كامل على الواردات وتقلب إيرادات النفط، وحذّر من أن استمرار الوضع قد يفتح الباب أمام “دوامة تضخمية قصيرة الأجل” تضعف القوة الشرائية للمواطنين أكثر فأكثر. أما الخبير المالي عبد الحكيم عامر غيث، فأكد لـ”العربي الجديد” أن الشارع الليبي يميل إلى لغة “الأرقام والرصاص”، قائلاً إن “الفارق بين السعر الرسمي والموازي للعملة يعكس عمق الأزمة النقدية، فيما تعكس طوابير الأسواق حجم القلق الشعبي”.

ورغم التوتر الأمني، حافظت المؤسسات الحكومية على وتيرة عملها الطبيعية. فقد أعلنت وزارة التربية والتعليم إجراء امتحانات الشهادة الثانوية (الدور الثاني) بشكل اعتيادي في جميع المناطق، وفق الجدول والمواعيد المحددة مسبقاً، “دون أي عراقيل تُذكر”.

كما تسير حركة السير في الشوارع بشكل اعتيادي، في مشهد يعكس التعايش مع الأزمات. لكن الأزمات المعيشية اليومية لا تزال تضغط على السكان، إذ يتواصل وجود طوابير طويلة أمام محطات الوقود بسبب نقص البنزين، إلى جانب انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي، فضلاً عن غياب السيولة النقدية في المصارف التجارية. في هذا السياق، أعلن مصرف ليبيا المركزي بالتعاون مع وزارة المالية عن صرف رواتب أكثر من 2.3 مليون موظف حكومي عبر منظومة “راتبك لحظي”، مؤكداً إنجاز معاملات نحو 950 ألف موظف حتى الآن.

ويستفيد الموظفون من المنظومة الجديدة، حيث سيجري تحويل رواتبهم عن طريقها، كما سيمكنهم التحري والتأكد من وصول الرواتب إلى حساباتهم المصرفية عن طريق تطبيق خاص عبر هواتفهم المحمولة، بحسب تصريحات ناجي عيسى، محافظ مصرف ليبيا المركزي. لكنّ المنظومة اصطدمت بالخلاف بين الحكومتين في شرق ليبيا وغربها، فيما قال المصرف المركزي إنّ النظام الجديد تمكن حتى الآن من مطابقة نحو مليوني حساب، على أن تُستكمل بقية الحسابات تدريجيًا، مؤكدًا أنه سيقضي على المرتبات الوهمية ويسرّع عمليات التحويل ويؤسس قاعدة بيانات دقيقة يمكن الاعتماد عليها.

لكن ديوان المحاسبة الموازي حذر في مذكرة رسمية موجهة إلى مجلس النواب من “المخاطر القانونية والإدارية والفنية” للمنظومة، معتبرًا أنها “تتجاوز اختصاصات السلطات المالية وتخالف قانون النظام المالي للدولة، وقد تؤدي إلى هدر المال العام وفقدان السيطرة على بند المرتبات الذي يمثل أكثر من 45% من الإنفاق العام”.

أدوية المصريين في خطر: أزمة ديون تعطل المصانع

أدوية المصريين في خطر: أزمة ديون تعطل المصانع

وسط أجواء اقتصادية ضاغطة في مصر تعكس صعوبة خروج قطاع الأدوية من كبوته التي يعاني منها على مدار أربع سنوات، استضافت القاهرة مؤتمر فارما كونكس 2025 على مدار ثلاثة أيام، لمناقشة مستقبل صناعة الدواء في البلاد.

عكست الحوارات صعوبة المشهد الذي تمر به صناعة الأدوية، في ظل تذبذب العملة وتراكم الديون الحكومية لصالح شركات الأدوية، الأمر الذي أدى إلى تعطل خطوط إنتاج حيوية، نتج عنها نقص في 800 صنف دواء أساسي في الصيدليات والمستشفيات العامة، منها أدوية تعالج الأورام والضغط والسكري والقلب والهرمونات والجلطات وبخاخات الربو والمستحضرات الطبية وحقن الإخصاب ومراهم جلدية أساسية.

يثير النقص الحاد في الأدوية مع الزيادة الكبيرة في الأسعار أزمة لدى المنتجين وغضب المواطنين، خاصة لدى ذوي الدخل المحدود، الذين وجدوا أنفسهم عاجزين عن الحصول على علاجهم اليومي.

جاءت الاجتماعات الفنية خلال اليومين الماضيين بين ممثلي الجهات الرسمية بالدولة ونحو 40 مؤسسة أممية وعربية وقيادات محلية وخبراء دوليين بهدف جعل مصر مركزًا إقليميًا لصناعة الأدوية والمكملات، بينما يلجأ ملايين المرضى إلى السوق السوداء لشراء أدويتهم بأسعار مضاعفة، بعدما عجزوا عن تأمين الدواء من الصيدليات والمستشفيات.

قالت مصادر رفيعة شاركت في المؤتمر الدولي، الذي غابت عنه أغلب الشركات المحلية المنتجة للأدوية وقيادات وزارة الصحة المصرية، إن المديونيات الحكومية تدفع صناعة الأدوية إلى الشلل بسبب المديونيات الخانقة التي تتراكم لصالح المصنعين والموردين على المستشفيات الحكومية وهيئة الشراء الموحد المكلفة بقرارات رئاسية بأن تكون الوسيط الوحيد لشراء مستلزمات إنتاج المصانع من المواد الخام وجلب الأدوية من الموردين الأجانب لصالح الموزعين والمصانع، والتي أصبحت البوابة الوحيدة القادرة على تدبير العملة الصعبة من البنوك والمهيمنة على تجارة الأدوية المستوردة في البلاد.

أدوية مفقودة وغالية

يؤكد رئيس المعهد القومي للأورام الأسبق الدكتور مدحت خفاجي أن المبالغ المستحقة لصالح شركات الأدوية وموردي الأدوية لدى هيئة الشراء الموحد تقدر بنحو 30 مليار جنيه، مفندًا في حديث لـ”العربي الجديد” المبالغ بأنها قيمة ما دفعته الشركات للهيئة لحساب شراء مواد خام ومستلزمات إنتاج، وتم سحب قيمتها من البنوك بالدولار، وأخرى قيمة صفقات سبق الاتفاق عليها مع موردين أجانب لصالح الوكلاء المحليين، ودخلت الأدوية البلاد دون أن تلتزم هيئة الشراء الموحد بسداد فواتيرها على مدار السنوات الثلاث الماضية.

تقدّر شركات أدوية كبرى متأخراتها لدى الحكومة وهيئة الدواء الموحد بنحو 32 مليار جنيه، منها خمسة مليارات لصالح شركة ابن سينا فارما للأدوية، وسبعة مليارات لفارما أوفرسيز، و11 مليارًا لمصر فارما، وتسعة مليارات للمصرية لتجارة الأدوية التابعة لقطاع الأعمال، والتي توقفت عن شراء أدوية مهمة من الخارج، من أشهرها المضادات الحيوية ولبن الأطفال، الذي ظل يوفر بأسعار رخيصة للمواطنين، قبل أن يشهد حالة من الغلاء الفاحش مع شحه في الأسواق. (الدولار = 48.52 جنيهاً).

تعكس الأرقام نزيفًا متواصلًا للسيولة النقدية لدى الشركات، كما يذكر خفاجي، ما جعلها عاجزة عن استيراد المواد الخام أو الوفاء بالتزاماتها البنكية، بما أدى إلى تعطل الإنتاج ونقص الأدوية وارتفاع أسعارها، مشيرًا إلى أن الدولة بدلًا من أن تساعد الشركات على إزالة السبب الأساسي لأزمة الأدوية، فإن هيئة الدواء الحكومية سمحت للشركات بزيادة 1600 صنف دوائي على مدار الأشهر الماضية.

في المقابل، ترى شعبة الأدوية بالغرفة التجارية أن زيادة أسعار الأدوية التي أقرتها الحكومة على دفعتين، إحداهما بنسبة 24% وأخرى 30%، غير كافية لمعادلة القفزات في كلفة الإنتاج، خاصة مع تراجع الجنيه أمام العملات الرئيسية وارتفاع أسعار المواد الخام المستوردة. تطالب الشعبة بزيادة دورية تشمل نحو 100 صنف شهريًا، محذرة من أن توقف خطوط إنتاج الشركات يفاقم أزمة النقص المتكرر للأدوية.

رغم تنوع محاور المؤتمر وحضور أسماء دولية وإقليمية، غابت شركات الأدوية المصرية الحكومية والخاصة العريقة. وقال مدير إحدى الشركات الدوائية المالكة لعدة مصانع بمدن 6 تشرين الأول الصناعية، غرب العاصمة، والمنطقة الصناعية الحرة بقويسنا، وسط الدلتا، لـ”العربي الجديد”، إن الشركات تركز على إدارة مديونياتها المتراكمة وضمان استمرار إنتاجها بدلًا من المشاركة في فعاليات ذات طابع تسويقي يتطلع للمستقبل البعيد دون القدرة على حل الأزمات المستعصية حاليًا.

وبيّن المصدر أن تطلع شركات الأدوية المحلية للعمل في الخارج هو محاولة للخروج من السوق المحلي الضيق وصعوبات التسعير الجبري على الأدوية، جعل البعض ينظر إلى السوق الأفريقي والعربي باعتباره طوق نجاة لما له من فرص كبيرة للبيع بأسعار مقبولة لدى عدد كبير من السكان وأنظمة تسعير مرنة غير متوافرة بالسوق المحلية. ويقدّر منتجو الصناعات الدوائية استثمارات المصانع المحلية بما بين 85 مليارًا و100 مليار جنيه سنويًا، مع زيادة في الطلب تراوح ما بين 8% و10%.

صعوبات في تصحيح أسعار الغذاء في اليمن

صعوبات في تصحيح أسعار الغذاء في اليمن

كثفت الجهات الحكومية المختصة في عدن وتعز ومأرب وحضرموت ومدن ومحافظات يمنية أخرى، من حملات الضبط الميدانية للأسواق لضبط أسعار الغذاء، حيث تركزت منذ أيام على المطاعم والكافيهات، والأفران والمخابز التي تمتنع عن البيع بالوزن والأسعار المحددة من قبل الجهات الحكومية، ووصل الأمر إلى إغلاق أبوابها كما حصل في تعز وقبلها في عدن.

وقالت مصادر مسؤولة في وزارة الصناعة والتجارة لـ”العربي الجديد”، إن فرقها نفذت نزولاً ميدانياً إلى عدد من المطاعم والكافيهات الواقعة داخل المولات التجارية في مدينة عدن، استجابة إلى بلاغات غرفة العمليات وشكاوى المواطنين بشأن ارتفاع الأسعار، إلى جانب تنفيذ حملة ميدانية على السوق المركزي للخضار في عدن لفحص أوزان سلال الخضار والتأكد من أوزانها وقيمتها بحسب الأسعار المحددة، حيث تم إغلاق السوق المركزي حتى يلتزم بالقوانين والأوزان والأسعار المحددة.

وتم ضبط منتجات فاسدة بسبب سوء التخزين ومنتجات غير صالحة للاستخدام بسبب انتفاخها، وكذا ضبط سلع غذائية مخالفة للتسعيرة، وتم تحرير محاضر للمخالفين وإحالتهم إلى نيابة الصناعة والتجارة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة. وفيما صدر تعميم عن وزارة الصناعة والتجارة بتحديد تسعيرة الوجبات الأساسية للمطاعم السياحية، يؤكد مواطنون أن جميع هذه القطاعات العاملة في تقديم الوجبات لا تزال تعتمد التسعيرة السابقة في بيع الوجبات بمختلف أنواعها، حيث تمتنع عن تطبيق التسعيرة الحكومية التي تأتي وفق الجهات المختصة، بالتزامن مع تحسن سعر صرف العملة المحلية، حيث وصل سعر الصرف إلى أقل من 1500 ريال يمني للدولار، وإلى أقل من 300 مقابل الريال السعودي.

ويؤكد المحلل الاقتصادي في عدن رضوان فارع، لـ”العربي الجديد”، أن هناك تحسناً في أسعار الوجبات في المطاعم الشعبية، في حين ترفض المطاعم الكبيرة والسياحية والكافيهات تصحيح الأسعار وإعادة ضبطها وفق تحسن قيمة العملة، أما السلع الغذائية فهناك تحسن كبير في أسعارها، وكذلك الخضروات والفواكه.

يضيف: “كان التجاوب بطيئاً في الأسواق في بداية فترة تحسن قيمة الريال اليمني، إذ كان مفاجئاً للجميع دون أي مقدمات، باستثناء إصلاحات من البنك المركزي، والحكومة اليمنية بقيادة رئيس الوزراء سالم بن بريك”. وكان مكتب وزارة الصناعة والتجارة في عدن قد حذر من أي تلاعب أو تجاوز في أسعار البيض بالأسواق المحلية، مؤكداً أن المخالفين سيُحالون إلى النيابة لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم.

من جانبه، يتحدث الناشط الاجتماعي وضاح الأحمدي، لـ”العربي الجديد”، عن وجود تحسن ملموس في كافة المواد الغذائية والاستهلاكية الأساسية والثانوية، بعد الإجراءات الحكومية الأخيرة الداعمة للعملة الوطنية، مشيراً إلى أن المطاعم والكافيهات تفاعلت مع حملة التخفيض وعلقت على أبوابها ملصقات بأسعار كافة أنواع الأطعمة والمشروبات بسعرها الجديد.

ويتابع أنه تبقى بعض المواد الاستهلاكية التي لم تشهد انخفاضاً يلبي الطموح الشعبي، مثل الغاز المنزلي والأدوية والمستلزمات الطبية، لذا على الجهات الرسمية القيام بدورها المأمول إزاء هذه الجهات وإجبارها على التخفيض وفقاً لما هو سائد في السوق المحلية.

في تعز، لوح مكتب الصناعة والتجارة والسلطة المحلية بإجراءات حازمة ورادعة لأي مخالف للتسعيرة المخفضة والحقيقية الموازية لسعر الصرف، وإحالة أي موظف مقصر في أداء واجبه للتحقيق والرفع بتقارير يومية لتقييم الأداء ومعالجة الصعوبات.

كما نفذت الجهات المعنية في تعز حملات ميدانية استهدفت عدداً من المخابز والمطاعم، حيث أكدت قيامها بضبط نحو ثماني مخالفات متنوعة بين نقص في أوزان أقراص الروتي والرغيف وعدم إشهار الأسعار. 

ارتفاع العجز المالي للأسر الأردنية

ارتفاع العجز المالي للأسر الأردنية

تعاني الأسر الأردنية من ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي، وسط زيادة الأسعار وتآكل الدخول، ما أدى إلى تراجع قدراتها الشرائية عموماً، وزيادة الأعباء المالية والديون المترتبة على الأفراد والعائلات.

ويتضح من خلال المؤشرات المالية ارتفاع الإنفاق على متطلبات التغذية والصحة والتعليم والمساكن والنقل والإنارة، ولجوء كثير من الأسر إلى الاقتراض من مصادر مختلفة لغايات تغطية العجز المالي المترتب عليها شهرياً.

وارتفعت نسبة الفقر في الأردن في السنوات الأخيرة، ويُقدَّر أنها تزيد على 20%، مع انتظار صدور البيانات المحدثة حول المعدلات الجديدة من قبل دائرة الإحصاءات العامة، التي أجرت دراسات بشأنها في السنوات الأخيرة، لكنها تحفظت على النتائج ولم تعلنها رسمياً حتى الآن، فيما البطالة لا تزال على ارتفاع وتتجاوز 21% رغم الجهود الحكومية المبذولة لاحتوائها.

الخبير الاقتصادي حسام عايش، قال لـ”العربي الجديد” إن الإنفاق الاستهلاكي زاد من حيث الكم، ولكنه تراجع من حيث الكيف والمضمون، والأسرة الأردنية تعاني من عجز بين دخلها وإنفاقها. ومصادر الدخل أصبحت أكثر ضيقاً، والنتيجة المترتبة عن ذلك تكاليف إضافية وديون إضافية وإنفاق قد يذهب إلى مجالات أخرى، بعضها أساسي، والآخر في إطار التفاخر الاجتماعي.

وشرح أنّ القيمة الاستهلاكية ارتفعت، لكن كميات الاستهلاك إما بقيت على حالها وإما تراجعت، بدليل شكوى الفعاليات الاقتصادية والتجارية من تراجع إنفاق المستهلكين، وهنالك قطاعات تعاني من ركود أو تباطؤ في الحركة لديها. ولفت إلى أنّ الوضع الاستهلاكي يمكن التعبير عنه بأكثر من صورة، وهنالك تحول في النمط الاستهلاكي والتوجه للمنتج المحلي نتيجة لمقاطعة السلع الأجنبية والمستوردة الداعمة بلدانها للاحتلال الإسرائيلي، ما قلل من الاستهلاك كمياً، وبالتالي توجد منتجات مستوردة مماثلة قلّ الطلب عليها، والنتيجة كانت انخفاض الطلب بشكل أو بآخر.

وقال الخبير عايش إن قيمة الواردات للأردن من حيث الحجم زادت، وذلك مرده إلى ارتفاع الأسعار من المصدر. والاستيراد يعبّر عن حالة استهلاكية، ويشير إلى أنه كلما زادت المستوردات، ارتفع الطلب الاستهلاكي، وقد يكون أحياناً خارج إطار الاحتياجات الاستهلاكية للأسر.

وأضاف أن الادخارات تتراجع بشكل واضح، لأن تمويل الاستهلاك يستنزف معظم إن لم يكن كل المداخيل، وترتّب مديونية على الأفراد من مصادر رسمية كالبنوك والمؤسسات المالية، وغير رسمية مثل الاقتراض من آخرين.

منتدى الاستراتيجيات الأردني بيّن في ورقة تحليلية أصدرها، الثلاثاء، بعنوان: “أثر الاستهلاك الأسري وإجمالي الاستثمار على الناتج المحلي الإجمالي: حالة الأردن”، أن المجتمع الأردني يميل نحو الاستهلاك أكثر من الادخار، إذ بلغت نسبة الاستهلاك الأسري من الناتج المحلي الإجمالي 77.5%، ما يدل على أن جزءاً كبيراً من الدخل المحلي يُنفق على السلع والخدمات الاستهلاكية بدلًا من ادخاره أو استثماره.

كذلك بيّنت الورقة أن نسبة إجمالي تكوين رأس المال الثابت إلى الناتج المحلي الإجمالي (الاستثمار) بلغت 20.5%، مشيرة إلى وجود ضعف واضح في مستويات الاستثمار في الأنشطة الاقتصادية (البنية التحتية، التكنولوجيا والآلات، القدرات الإنتاجية). وأظهرت نتائج تحليلات المنتدى أن الاقتصاد الأردني يتمتع بمستوى جيد من المرونة والقدرة على العودة إلى مساره الطبيعي، نتيجة اعتماده الكبير على الاستهلاك الأسري عاملاً رئيساً في تحقيق النمو.

وأكد المنتدى أن زيادة مستوى دخل الأسر سيسهم في دعم مستوى الاستهلاك ورفع النمو الاقتصادي على المدى القصير، بينما تستدعي الحاجة ضرورة العمل على زيادة مستويات الاستثمار والإنتاج (تحديداً الصادرات الوطنية)، لرفع معدلات النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية على المدى البعيد.