ليبيا… فراغ دستوري أم سياسي؟

ليبيا… فراغ دستوري أم سياسي؟

منذ أن دشن المجتمع الدولي تدخله في ليبيا عبر بعثة الأمم المتحدة للدعم السياسي، ظل السؤال مطروحاً حول مدى جدية هذا التدخل في الدفع فعلاً نحو إنهاء المراحل الانتقالية، أم إنه مجرد غطاء لتمرير أجندات أخرى تسعى القوى الكبرى إلى فرضها بوساطة البعثة تحت عباءة الشرعية الدولية.

في 2015 دخلت البعثة مباشرة على خط الأزمة عبر رعاية أول الحوارات السياسية في الصخيرات، واستدعت لعضويته ممثلين عن مختلف الكيانات السياسية والقانونية والاجتماعية، بينما كانت الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور تعكف على إعداد مشروع دستور دائم يُعرض للاستفتاء لإنهاء المراحل الانتقالية، كما ينص الإعلان الدستوري المؤقت على ذلك، إلا أن البعثة تجاهلت هذه الهيئة تماماً، فلم تجعل لها أي تمثيل في الحوار. الأمر ذاته تكرر في حوارات الملتقى السياسي في جنيف عام 2020، بل لم يتضمن اتفاق جنيف أي إشارة لمسودة الدستور التي كانت وقتها قد أُنجزت منذ 2017، بل دعا الاتفاق إلى الذهاب في مسار دستوري لإعداد قوانين انتخابية مؤقتة.

وحتى حينما أدرجت البعثة خيار الدستور ضمن مبادرتها الأخيرة، تحت ضغط الرأي العام ومنظمات المجتمع المدني التي بدأت في السؤال عن أسباب تغييب الدستور، عادت البعثة عند إعلان النتائج لتستبعده مجدداً، مدعية أن الليبيين اختاروا خيار إصلاح القوانين الانتخابية المؤقتة الحالية لإجراء الانتخابات، من دون أن تقدم دليلاً أو سنداً لذلك. كل هذه المآذارات تناقض خطاب الأمم المتحدة، ومن ورائها المجتمع الدولي، حول ضرورة إنهاء المراحل الانتقالية والدخول في مرحلة دائمة تقود إلى الاستقرار.

المفارقة أن الأمم المتحدة تعرف جيداً أن ليبيا لا تعاني فراغاً دستورياً، فهي لا تزال تعترف بها دولة كاملة العضوية في منظومتها على أساس استقلالها عام 1951. ذلك الاستقلال الذي أشرفت هي نفسها على ترتيباته، بدءاً بوضع دستور دائم، استفتي الليبيون عليه آنذاك، وهو الدستور الذي لم يُلغ حتى في عهد نظام العقيد الراحل معمر القذافي بل جمده، فما الذي يجعلها تتجاهل اليوم هذا الأصل الذي منح ليبيا شرعيتها الدولية؟ ليست القضية هنا دفاعاً عن دستور 1951 ولا عن مسودة 2017، بل سؤال مشروع عن صدق الخطاب الأممي الذي لا يكف عن ترديد عبارة إنهاء المراحل الانتقالية، بينما تسهم مآذاراته في صناعة فراغ سياسي في البلاد بخريطة تصوغها القوى الكبرى لتبقى تحت الوصاية بدل أن تمهد لاستقرار دائم.

 

ليبيا… فراغ دستوري أم سياسي؟

ليبيا… فراغ دستوري أم سياسي؟

منذ أن دشن المجتمع الدولي تدخله في ليبيا عبر بعثة الأمم المتحدة للدعم السياسي، ظل السؤال مطروحاً حول مدى جدية هذا التدخل في الدفع فعلاً نحو إنهاء المراحل الانتقالية، أم إنه مجرد غطاء لتمرير أجندات أخرى تسعى القوى الكبرى إلى فرضها بوساطة البعثة تحت عباءة الشرعية الدولية.

في 2015 دخلت البعثة مباشرة على خط الأزمة عبر رعاية أول الحوارات السياسية في الصخيرات، واستدعت لعضويته ممثلين عن مختلف الكيانات السياسية والقانونية والاجتماعية، بينما كانت الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور تعكف على إعداد مشروع دستور دائم يُعرض للاستفتاء لإنهاء المراحل الانتقالية، كما ينص الإعلان الدستوري المؤقت على ذلك، إلا أن البعثة تجاهلت هذه الهيئة تماماً، فلم تجعل لها أي تمثيل في الحوار. الأمر ذاته تكرر في حوارات الملتقى السياسي في جنيف عام 2020، بل لم يتضمن اتفاق جنيف أي إشارة لمسودة الدستور التي كانت وقتها قد أُنجزت منذ 2017، بل دعا الاتفاق إلى الذهاب في مسار دستوري لإعداد قوانين انتخابية مؤقتة.

وحتى حينما أدرجت البعثة خيار الدستور ضمن مبادرتها الأخيرة، تحت ضغط الرأي العام ومنظمات المجتمع المدني التي بدأت في السؤال عن أسباب تغييب الدستور، عادت البعثة عند إعلان النتائج لتستبعده مجدداً، مدعية أن الليبيين اختاروا خيار إصلاح القوانين الانتخابية المؤقتة الحالية لإجراء الانتخابات، من دون أن تقدم دليلاً أو سنداً لذلك. كل هذه المآذارات تناقض خطاب الأمم المتحدة، ومن ورائها المجتمع الدولي، حول ضرورة إنهاء المراحل الانتقالية والدخول في مرحلة دائمة تقود إلى الاستقرار.

المفارقة أن الأمم المتحدة تعرف جيداً أن ليبيا لا تعاني فراغاً دستورياً، فهي لا تزال تعترف بها دولة كاملة العضوية في منظومتها على أساس استقلالها عام 1951. ذلك الاستقلال الذي أشرفت هي نفسها على ترتيباته، بدءاً بوضع دستور دائم، استفتي الليبيون عليه آنذاك، وهو الدستور الذي لم يُلغ حتى في عهد نظام العقيد الراحل معمر القذافي بل جمده، فما الذي يجعلها تتجاهل اليوم هذا الأصل الذي منح ليبيا شرعيتها الدولية؟ ليست القضية هنا دفاعاً عن دستور 1951 ولا عن مسودة 2017، بل سؤال مشروع عن صدق الخطاب الأممي الذي لا يكف عن ترديد عبارة إنهاء المراحل الانتقالية، بينما تسهم مآذاراته في صناعة فراغ سياسي في البلاد بخريطة تصوغها القوى الكبرى لتبقى تحت الوصاية بدل أن تمهد لاستقرار دائم.

 

ليبيا… فراغ دستوري أم سياسي؟

ليبيا… فراغ دستوري أم سياسي؟

منذ أن دشن المجتمع الدولي تدخله في ليبيا عبر بعثة الأمم المتحدة للدعم السياسي، ظل السؤال مطروحاً حول مدى جدية هذا التدخل في الدفع فعلاً نحو إنهاء المراحل الانتقالية، أم إنه مجرد غطاء لتمرير أجندات أخرى تسعى القوى الكبرى إلى فرضها بوساطة البعثة تحت عباءة الشرعية الدولية.

في 2015 دخلت البعثة مباشرة على خط الأزمة عبر رعاية أول الحوارات السياسية في الصخيرات، واستدعت لعضويته ممثلين عن مختلف الكيانات السياسية والقانونية والاجتماعية، بينما كانت الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور تعكف على إعداد مشروع دستور دائم يُعرض للاستفتاء لإنهاء المراحل الانتقالية، كما ينص الإعلان الدستوري المؤقت على ذلك، إلا أن البعثة تجاهلت هذه الهيئة تماماً، فلم تجعل لها أي تمثيل في الحوار. الأمر ذاته تكرر في حوارات الملتقى السياسي في جنيف عام 2020، بل لم يتضمن اتفاق جنيف أي إشارة لمسودة الدستور التي كانت وقتها قد أُنجزت منذ 2017، بل دعا الاتفاق إلى الذهاب في مسار دستوري لإعداد قوانين انتخابية مؤقتة.

وحتى حينما أدرجت البعثة خيار الدستور ضمن مبادرتها الأخيرة، تحت ضغط الرأي العام ومنظمات المجتمع المدني التي بدأت في السؤال عن أسباب تغييب الدستور، عادت البعثة عند إعلان النتائج لتستبعده مجدداً، مدعية أن الليبيين اختاروا خيار إصلاح القوانين الانتخابية المؤقتة الحالية لإجراء الانتخابات، من دون أن تقدم دليلاً أو سنداً لذلك. كل هذه المآذارات تناقض خطاب الأمم المتحدة، ومن ورائها المجتمع الدولي، حول ضرورة إنهاء المراحل الانتقالية والدخول في مرحلة دائمة تقود إلى الاستقرار.

المفارقة أن الأمم المتحدة تعرف جيداً أن ليبيا لا تعاني فراغاً دستورياً، فهي لا تزال تعترف بها دولة كاملة العضوية في منظومتها على أساس استقلالها عام 1951. ذلك الاستقلال الذي أشرفت هي نفسها على ترتيباته، بدءاً بوضع دستور دائم، استفتي الليبيون عليه آنذاك، وهو الدستور الذي لم يُلغ حتى في عهد نظام العقيد الراحل معمر القذافي بل جمده، فما الذي يجعلها تتجاهل اليوم هذا الأصل الذي منح ليبيا شرعيتها الدولية؟ ليست القضية هنا دفاعاً عن دستور 1951 ولا عن مسودة 2017، بل سؤال مشروع عن صدق الخطاب الأممي الذي لا يكف عن ترديد عبارة إنهاء المراحل الانتقالية، بينما تسهم مآذاراته في صناعة فراغ سياسي في البلاد بخريطة تصوغها القوى الكبرى لتبقى تحت الوصاية بدل أن تمهد لاستقرار دائم.