
أزمة “المناصب المؤقتة” في الإدارات المصرية
أثار قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تجديد تعيين المصرفي حسن عبد الله (65 عاماً)، قائماً بأعمال محافظ البنك المركزي لمدة عام، ابتداءً من 18 آب/ آب 2025، للسنة الرابعة على التوالي، ردات فعل واسعة إزاء قرارات التمديد المؤقتة لرؤساء الهيئات والأجهزة الرقابية ومنها الجهاز المركزي للمحاسبات وهيئة الرقابة المالية بصورة تتعارض مع المادة 216 من الدستور. وامتدت الظاهرة إلى مؤسسات حيوية أخرى منها صندوق مصر السيادي وهيئة تنشيط السياحة وغيرها.
وتنص المادة على أن “يعين رئيس الجمهورية رؤساء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية أعضائه لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة. ولا يعفى أي منهم من منصبه إلا في الحالات المحددة في القانون، ويحظر عليهم ما يحظر على الوزراء”.
جاء القرار مع توسع السيسي، ورئيس الحكومة مصطفى مدبولي، والوزراء، في تعيين قيادات المؤسسات الاقتصادية والإدارية والرقابية والتجديد لكافة المسؤولين بصفة مؤقتة في الأعوام الأخيرة، بما في ذلك رؤساء الجامعات والبنوك والهيئات الحكومية والرقابية والشركات القابضة.
يرى خبير الإدارة والتنمية، الدكتور مدحت الصالح، أن قرارات التعيين المؤقتة تؤدي إلى حالة من عدم اليقين لدى المسؤولين في المناصب الإدارية، إذ إن المسؤول الذي لا يعلم يقيناً مدة بقائه في المنصب قد يتردد في اتخاذ القرارات الهامة أو البدء في مشاريع طويلة الأمد تتطلب استثماراً للوقت والجهد، وهو ما يؤثر بالسلب على استقرار الهيئة أو الجهة المسؤول عنها وخططها المستقبلية.
وقال الصالح في تصريح خاص لـ”العربي الجديد”، إن المسؤول الذي يجدد له في المنصب عاماً بعد عام يعمل على تحقيق الإنجازات قصيرة المدى، التي تبدو ملموسة وسريعة، بدلاً من وضع خطط استراتيجية طويلة الأمد قد لا تظهر نتائجها إلا بعد انتهاء فترة ولايته، محذراً من تداعيات التوسع في المناصب الإدارية المؤقتة، وأهمها صعوبة جذب أصحاب الكفاءات والخبرات، الذين عادة ما يبحثون عن مناصب تحقق لهم حالة من الاستقرار والأمان الوظيفي.
تمديد المناصب المؤقتة
وفي السابع من آب الحالي، أصدر السيسي قراراً بتجديد تكليف محمد فريد صالح قائماً بأعمال رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية لمدة عام، وآخر بتجديد تكليف محمد الفيصل يوسف قائماً بأعمال رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات لمدة عام.
وسبق ذلك إصداره قراراً بتجديد تكليف اللواء عمرو عادل حسني قائماً بأعمال رئيس هيئة الرقابة الإدارية لمدة عام. كما أصدر قراراً بتعيين ماجد إسماعيل رئيساً تنفيذياً لوكالة الفضاء المصرية – بدرجة وزير – لمدة عام، اعتباراً من 19 آب 2025، وتعيين ثلاثة نواب لرئيس المنطقة الاقتصادية لقناة السويس لمدة عام، هم: محمد أحمد محمود للمنطقة الشمالية، وأحمد جمال متولي للمنطقة الجنوبية، ومصطفى فاروق شيخون لشؤون الاستثمار والترويج. وقرر السيسي تجديد تعيين اللواء خيرت بركات رئيساً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء – بدرجة وزير – لمدة عام، ابتداء من 14 شباط/ شباط الماضي.
بدوره، أصدر رئيس الوزراء قراراً بتجديد تعيين أحمد الشيخ رئيساً لمجلس إدارة البورصة المصرية، وهبة الصيرفي نائبة لرئيس مجلس الإدارة، لمدة عام، وتكليف حاتم نبيل عبد الحميد بالقيام بأعمال رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة لمدة عام اعتباراً من العاشر من إبريل/ نيسان 2025.
اللافت أن ظاهرة التمديد في المناصب لم تقتصر على القطاع الرقابي والمالي، بل امتدت إلى مؤسسات تعليمية مهمة، مثل جامعة القاهرة، التي عُين أخيراً د. محمد سامي عبد الصادق قائماً بأعمال رئيسها، بموجب قرار صادر عن وزير التعليم العالي أيمن عاشور. ولم تتوقف سياسة “المناصب المؤقتة” عند هذه الأمثلة، بل شملت مؤسسات أخرى، مثل مصلحة الجمارك، ورؤساء قطاعات في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس ونوابهم. تشهد الظاهرة أسلوباً مغايراً في قطاع النقل والصناعة، حيث يلجأ الوزير المختص لانتداب مستشارين من العاملين السابقين بالجيش لتولي المناصب المدنية الشاغرة بقرار منفرد منه، يجدد سنوياً، وهو ما يحجب المناصب عن العاملين بالقطاعين، ويحرم الدولة من خبرات هائلة، مع توجيه موارد الموازنة إلى المرتبات الهائلة للمستشارين الذين يحصلون على رواتب موازية من جهة العمل الأصلية.
مخالفة الدستور
يتكرر المشهد في وزارة التنمية المحلية التي تعتمد إدارات المحافظات والمدن والأحياء والجهات التابعة لها على كمّ هائل من أعضاء الشرطة والجيش الذين تركوا الخدمة، أو عبر الانتداب المباشر، لتولي مناصب إدارية، بين المتوسطة والعالية، بينما يختص رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء بتعيين المحافظين ونوابهم وسكرتارية العموم ورؤساء المدن.
وقال عضو بارز في لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس النواب إن إصدار رئيس الجمهورية قرارات التجديد لرؤساء الهيئات الرقابية كل عام يتعارض مع المادة 216 من الدستور، التي اشترطت أن يكون التعيين لمدة أربع سنوات، وليس لمدة عام واحد قابل للتمديد بهدف منح المعينين مزيداً من الاستقلال الإداري والوظيفي وضمان حيادهم في أداء مهامهم.
وأضاف عضو اللجنة، الذي تحفظ عن ذكر اسمه، أن تمديد تعيين رؤساء الهيئات عاماً بعد عام ينتقص من صلاحياتهم وأدوارهم الوظيفية، فضلاً عن أنه يرفع عنهم الحصانة الممنوحة لهم بموجب الدستور، الذي لم يمنح رئيس الجمهورية الحق في إعفائهم من مناصبهم إلا في حالات محددة وفق القانون، منها وجود دلائل جدية على ما يمس أمن الدولة وسلامتها، وفقد الثقة والاعتبار أو أحد شروط الصلاحية للمنصب والإخلال بواجبات الوظيفة بصورة تضر بمصالح البلاد.
واستدرك قائلاً، في حديث خاص مع “العربي الجديد”، إن قرارات التجديد لرؤساء الهيئات والأجهزة المستقلة تلتف على الدستور، كونها تمنح رئيس الجمهورية الحق في إعفائهم من مناصبهم بعدم التمديد لهم من دون التقيد بالحالات المحددة في القانون للإعفاء من المنصب، وهو ما يضمن تبعيتهم المباشرة لمؤسسة الرئاسة، وعدم تمتعهم بالاستقلال اللازم في وظائفهم.