في انتصار لإدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يفتح الباب لتنفيذ خطتها لأكبر عملية ترحيل في التاريخ، قضت المحكمة العليا الأميركية بإمكانية استئناف عمليات التوقيف العشوائية للأشخاص في لوس أنجليس، بناءً على نوع عملهم، أو اللغة التي يتحدثونها، أو لون بشرتهم، مانحةً موظفي إدارة الهجرة صلاحيات واسعة لإيقاف واحتجاز أي شخص يُشتبه في وجوده بشكل غير قانوني.
جاء القرار بأغلبية 6 قضاة محافظين مقابل 3 ليبراليين، حيث ألغت المحكمة العليا إلى أجل غير مسمى أمراً قضائياً أصدره قاضٍ فيدرالي في لوس أنجليس، كان يمنع دوريات إدارة الهجرة من توقيف الأشخاص في الشوارع على أساس مظهرهم أو لغتهم أو عملهم أو مكان وجودهم. ورغم أن القرار لا يُعتبر حكماً نهائياً، فإنه يشير بقوة إلى اتجاه المحكمة نحو رفع القيود المفروضة على سلطات الهجرة.
ويمنح هذا القرار موظفي إدارة الهجرة سلطة واسعة لتوقيف الأشخاص الذين يُعتقد أنهم يقيمون في البلاد بشكل غير قانوني. ودافع القاضي المحافظ بريت كافانو عن القرار، قائلاً إن القانون الفيدرالي ينص بوضوح على أنه “يجوز لموظفي الهجرة احتجاز أي شخص لفترة وجيزة للاستجواب إذا كان هناك شك معقول يستند إلى وقائع محددة بأن الشخص المستجوب أجنبي لا يحمل إقامة قانونية في الولايات المتحدة”. وأضاف أنّ مثل هذه التوقيفات قانونية لأسباب عدة، منها “النسبة العالية للمهاجرين غير النظاميين في لوس أنجليس، حيث يتجمع كثير منهم في مناطق معينة بحثاً عن عمل ولا يتحدثون الإنجليزية”.
في المقابل، عارضت القاضية الليبرالية، سونيا سوتوأيارر، القرار، واعتبرته “إساءة استخدام أخرى لإجراءات الطوارئ”. وقالت: “لا ينبغي أن نكون في بلد تستطيع فيه الحكومة اعتقال أي شخص يبدو لاتينياً، يتحدث الإسبانية ويعمل في وظيفة يدوية بأجر زهيد. أعارض هذا الرأي”. وحذرت من أنّ القرار يجعل جميع اللاتينيين، مواطنين كانوا أم مهاجرين، أهدافاً مشروعة للاعتقال والاحتجاز في أي وقت.
وكانت القاضية الفيدرالية مامي إيووسي فريمبونج قد أصدرت في 11 تموز/ تموز الماضي قراراً تقييدياً يمنع التوقيفات العامة القائمة على العرق أو اللغة أو الموقع أو العمل، سواء بشكل فردي أو جماعي، ما دفع إدارة ترامب إلى التوجه إلى المحكمة العليا للطعن فيه.
وتأتي هذه التطورات في ظل هيمنة المحافظين على المحكمة العليا، حيث يشغلون 6 مقاعد مقابل 3 للقضاة الليبراليين. وساهم ترامب خلال ولايته الأولى في تعزيز هذا التوازن لصالح الجمهوريين بتعيين ثلاثة قضاة جدد، وهو أكبر عدد يعيّنه رئيس أميركي في فترة واحدة منذ عهد رونالد ريغان.
تمكّن سبعة قُصّر جزائريين، لا تتجاوز أعمارهم 18 عاماً، من الوصول بمفردهم إلى السواحل الإسبانية، في رحلة هجرة سرية عبر البحر الأبيض المتوسط. ونشر المراهقون السبعة مقطع فيديو شرحوا فيه ظروف رحلتهم على متن قارب سرقوه من مرفأ في العاصمة الجزائرية، حيث كانوا يقومون بتعبئة الوقود وتخزينه تمهيداً ليوم الإبحار، قبل أن يقرّروا الانطلاق، فكان أن عَبَروا البحر باتجاه جزيرة إيبيزا على السواحل الإسبانية. وأظهر الفيديو وجودهم داخل مركز إقامة بعد وصولهم، وهم بصحة جيدة.
وأشار أكبر هؤلاء الفِتية سنّاً، في فيديو نشره، إلى أنّهم سرقوا القارب الذي تبلغ قوته 85 حصاناً، وقال: “كانت الرحلة محفوفة بالمخاطر، حيث تعطّل محرّك القارب لأكثر من مرة، قبل أن ينجح أحدنا في إعادة تشغيله”. واللافت أن هؤلاء القُصّر أبحروا من الجزائر لمسافة تزيد على 200 كيلومتر، بمفردهم، من دون قائد يُتقن قيادة القارب، ومن دون التمتع بأيّ خبرة أو معرفة مُسبقة بالإبحار والاتجاهات.
ونشرت مواقع إعلامية إسبانية قصة المراهقين السبعة، ونشر الفتيان صوراً وفيديوهات بعد وصولهم إلى جزيرة إيبيزا وانضمام قاصر آخر إليهم في مركز الرعاية، حيث تكفّلت بهم السلطات الإسبانية باعتبارهم قاصرين تنطبق عليهم بعض الترتيبات القانونية المتعلقة بالرعاية الاجتماعية.
وأثارت حادثة هروب القاصرين بهذه الطريقة تفاعلاً كبيراً لدى روّاد مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر، فيما لم تُعلّق السلطات الجزائرية على الواقعة، مع العلم أنّ الهجرة السريّة للقاصرين كانت تحصل عادةً برفقة أقاربهم أو مرافقين آخرين، وليس بهذا الشكل.
وفي الفترة الأخيرة، شهدت الجزائر عودة ظاهرة الهجرة السريّة عبر سواحل البلاد، وفق ما ينشر ناشطون متخصّصون في رصد قوارب الهجرة. وخلال الأسبوع الماضي، أعلنت مصالح الأمن في العاصمة الجزائرية تفكيك شبكاتٍ للهجرة السريّة كانت تنشط في تنظيم رحلات هجرة من طريق البحر مقابل مبالغ مالية، غير آبهة بتعريض حياة الأشخاص للخطر.
القُصّر السبعة برفقة قاصر آخر في مركز رعاية بعد وصولهم إلى إسبانيا (فيسبوك)
وعام 2024، كشفت منظمة “كامينادو فروانتيراس” غير الحكومية الإسبانية في 9 كانون الثاني/ كانون الثاني، أن ما لا يقل عن 6,618 مهاجراً لقوا حتفهم أو فقدوا خلال عام 2023، في أثناء محاولتهم الوصول إلى إسبانيا، بمعدل 18 شخصاً في اليوم، وبزيادة 177% مقارنة بأرقام عام 2022، فيما أُحصي 363 امرأة و384 طفلاً من بين الضحايا المسجلين. ويتزامن ارتفاع أعداد ضحايا الهجرة مع تضاعف أعداد المهاجرين الذين وصلوا بطريقة سريّة إلى إسبانيا خلال عام 2023، والذي وصل إلى 56 ألفاً و852 مهاجراً، وترجع الحكومة الإسبانية ذلك إلى التدفق غير المسبوق على جزر الكناري.
ينتظر المهاجر الغيني، كاليدو (33 سنة) رفقة زوجته، موعد رحيلهما إلى بلدهما بعد أن سجّلا اسمَيهما ضمن قائمة الراغبين في العودة الطوعية لدى المنظمة الدولية للهجرة، ما يتيح لهما الاستفادة من المساعدات المالية. ويقول المهاجر الذي قدم من غينيا إلى تونس مطلع عام 2022، إنه سكن بدايةً في محافظة صفاقس (جنوب شرق) مع عدد من أبناء بلاده، وكانوا ينوون جميعاً الهجرة إلى إيطاليا.
ويضيف لـ”العربي الجديد”: “الحظ لم يكن حليفي، وسرعان ما تغيرت الأوضاع في تونس، وصار المهاجرون ملاحقين في كل مكان، وممنوعين من العمل، كما تتم مطاردتهم في البحر ومنعهم من الهجرة. فقدت الأمل، وضاقت بي سبل العيش، ما دفعني في نهاية 2024 إلى اتخاذ قرار العودة، على أمل أن أحظى بحياة أفضل. لم يكن القرار سهلاً، فقد قطعت مئات الكيلومترات مشياً، ودفعت مبالغ طائلة للمهرّبين حتى وصلت إلى تونس. لكن النتيجة كانت مخيّبة، وفقدت كل شيء. ربما يكون العيش في قريتي في غينيا أفضل من العيش في خيام بين حقول الزيتون، من دون ماء أو كهرباء”.
ويتوقع كاليدو أن يحل موعد سفره في تشرين الأول/ تشرين الأول المقبل، مشيراً إلى أن برنامج العودة الطوعية الذي تنفذه المنظمة الدولية للهجرة يشمل مرافقته ومساعدته داخل بلاده في فتح محل حلاقة، وهي المهنة الوحيدة التي يتقنها، والتي كان يأمل مآذارتها في أوروبا.
ويستفيد المهاجرون العائدون ضمن البرنامج من تغطية تذكرة العودة والمساعدة بإعادة الاندماج في بلدانهم. وبحسب بيانات المنظمة الدولية للهجرة في تونس، بلغ عدد المهاجرين العائدين إلى بلدانهم ضمن برنامج العودة الطوعية وإعادة الإدماج، أكثر من 5 آلاف خلال النصف الأول من عام 2025. وجرى نقلهم عبر رحلات تجارية ورحلات غير منتظمة وأخرى خاصة بالمهاجرين. وهو العدد الأعلى منذ توقيع اتفاق الهجرة بين تونس والاتحاد الأوروبي في عام 2023.
بدوره، أعلن الهلال الأحمر التونسي برنامجاً للرعاية الإنسانية للمهاجرين من طالبي العودة الطوعية، إذ يتولى توفير الرعاية الشاملة للمسجلين على قوائم العودة، والمتمثلة في تأمين السكن والإعاشة والرعاية الصحية، إلى حين حلول موعد رحيلهم. ويرى الباحث في سياسات الهجرة خالد الطبابي، أن الزيادة الكبيرة في طلبات العودة ناجمة عن سياسات تونس تجاه المهاجرين، والتي اتّسمت بالوصم والملاحقة والمنع من أساسيات الحياة، ومنها العمل والسكن والتنقل.
ويؤكد لـ”العربي الجديد” أن الدراسات البحثية أثبتت عدم وجود عودة طوعية فعلية للمهاجرين، غير أن المنظمات الدولية والسلطة السياسية تستعملان هذا المصطلح للتغطية على برامج إعادة المهاجرين قسراً إلى بلدانهم، وبات برنامج العودة الطوعية سبيل الخلاص الوحيد أمام المهاجرين السريين بعد منعهم من العمل وتقييد تحركاتهم.
ويعتبر الطبابي أنّ العودة الطوعية هي الحلقة الأخيرة في مسار التضييق الذي تنفذه السلطات التونسية على المهاجرين، مذكراً بالاجتماع الدولي لمواجهة الهجرة السرية الذي عُقد بالمملكة المتحدة في إبريل/ نيسان الماضي، والذي جرت خلاله الموافقة على برنامج بقيمة 20 مليون يورو، بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة، يهدف إلى المساعدة في العودة الطوعية لنحو 3,300 مهاجر من الفئات الضعيفة الموجودين في الجزائر وتونس وليبيا إلى بلدانهم.
ويرى الباحث أن “تونس خلقت مناخاً من الهشاشة في صفوف المهاجرين عبر عرقلة اندماجهم وحرمانهم من حقوق أساسية ومساعدات عينية، معتمدةً نظام (مصفوفة تتبّع النزوح) التابعة للمنظمة الدولية للهجرة، وذلك بدفع من الاتحاد الأوروبي. هذه العوامل مجتمعة خلقت قابلية لدى المهاجرين بالتخلي عن حلم الهجرة، والقبول بالرجوع إلى بلدانهم، بما في ذلك البلدان التي تعاني الحروب وانعدام الأمن والجفاف الحاد”.
وتنطلق رحلات العودة الطوعية للمهاجرين من مطار جربة جرجيس الدولي (جنوب شرقي) ومطار تونس قرطاج الدولي، تتولى المنظمة الدولية للهجرة استئجار طائرات منذ أكثر من سنة لتنفيذ هذا البرنامج. وخلال زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إلى تونس في إبريل 2024، التزمت كل من إيطاليا وتونس باعتماد “العودة الطوعية” لمحاربة الهجرة السرية، وبحسب الطبابي: “نجح الاتحاد الأوروبي في سد كل منافذ الهجرة، سواء عبر البحر المتوسط أو عن طريق البلقان، ما يبدد أمل المهاجرين بإدراك الحلم الأوروبي”.
ومنذ عام 2023، تشهد تونس جدلاً متزايداً بشأن المهاجرين القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، بعد تصريحات مثيرة للرئيس قيس سعيّد، حذّر فيها من “مؤامرة ديمغرافية”. ووسط اتهامات بـ”الاستيطان” ومخاوف سيادية من جهة، وحقوق الإنسان وحرية التنقل من جهة أخرى، تتحول أزمة الهجرة إلى ملف تتداخل فيه السياسة والمصالح الإقليمية والدولية.