العرض العسكري في الصين فرصة لتسويق الأسلحة عالية التقنية

كشفت الصين في العرض العسكري الكبير الذي نظمته في الثالث من أيلول/أيلول الحالي، بمناسبة الذكرى الثمانين للانتصار على اليابان في الحرب العالمية الثانية، النقاب عن أحدث أسلحتها المتطورة، سواء على مستوى الترسانة الصاروخية، أو أنظمة الدفاع، أو المسيّرات، الأمر الذي أثار تساؤلات حول فرص بكين في تعزيز مبيعات الأسلحة في السوق العالمية. وقد شمل العرض استعراض صواريخ مضادة للسفن من طراز “YJ-21″، وصواريخ باليستية متوسطة المدى من طراز “DF-26D” فرط صوتية، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من المسيّرات الجديدة.

وكانت وسائل إعلام صينية ذكرت، في أعقاب احتفالات يوم النصر، بأن عرض بكين للتكنولوجيا العسكرية المتقدمة في استعراضها الأخير قد يساعدها على التفوق على روسيا في مبيعات الأسلحة العالمية، لكن العوامل الجيوسياسية قد تمنعها من دخول الأسواق التي تربطها علاقات بالولايات المتحدة. ولفتت إلى أن استخدام الصين للتكنولوجيا المتقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي، سيجعلها واحدة من أكبر منتجي أنظمة الأسلحة – إلى جانب الولايات المتحدة – في سوق الأسلحة العالمية في المستقبل.

لياو ليانغ: عدم وجود اشتراطات سياسية صينية نقطة جذب بالنسبة للعملاء

وهذه ليست المرة الأولى التي يُسلط فيها الضوء على الأسلحة الصينية. فخلال المواجهة العسكرية بين باكستان والهند، في أيار/أيار الماضي، حيث تمكنت إسلام أباد من إسقاط خمس طائرات هندية من طراز “رافال”، وذلك بالاعتماد على أسلحة صينية، سطع نجم المقاتلة الصينية “جيه 10 سي”، وهي مقاتلة نفاثة من تصميم وتصنيع مجموعة “تشنغدو” الصينية لصناعة الطائرات، وقد صُممت خصيصاً للقوات الجوية الصينية. وقد ارتفعت أسهمها في السوق العالمية بعد حرب قصيرة بين جارتي الصين، ويبلغ سعرها 190 مليون يوان صيني، أي ما يعادل 27.8 مليون دولار أميركي.

وحسب تقرير حول مبيعات الأسلحة العالمية، نشره في آذار/آذار الماضي معهد إستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، احتلت الصين المرتبة الرابعة في صادرات الأسلحة عالمياً في الفترة من 2020 إلى 2024، حيث بلغت حصتها 5.9%. بينما تصدرت أميركا قائمة الدول المصدرة للأسلحة بنسبة 43%، تلتها فرنسا بنسبة 9.6%. أما روسيا، فقد جاءت في المركز الثالث بنسبة 7.8%، حيث تسببت العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها بسبب حرب أوكرانيا في انخفاض صادراتها من الأسلحة بنسبة 64% بين 2020 و2024.

جاذبية أسلحة الصين

وقال محرر الشؤون العسكرية في صحيفة “كانتون” الصينية، لياو ليانغ، في حديث مع “العربي الجديد”، إن العرض العسكري الأخير أظهر حجم التقدم الذي حققته الصين في مجال الصناعة العسكرية، ولفت الأنظار إلى أنظمة الدفاع المتطورة، مثل نظام الدفاع الجوي “HQ-20” المزود بقاذفة قادرة على حمل ثمانية صواريخ اعتراضية، وكذلك المدرعات، والغواصات، والصواريخ الأسرع من الصوت، والمسيّرات التي تناسب أجواء وظروف الحروب في بيئات مختلفة.

وأضاف أن ما يمثل نقطة جذب بالنسبة للعملاء، أن الأسلحة الصينية غير مرتبطة باشتراطات سياسية مثل المبيعات الأميركية، فضلاً عن أنها رخيصة. كما أن الصين تستطيع الاعتماد على بيع الأسلحة المتطورة بالذكاء الاصطناعي، لأنها قطعت أشواطاً بعيدة في هذا المجال مقارنة بأميركا، وبالتالي لن تكون هناك منافسة في هذا القطاع مع أقطاب التصدير العسكري، مثل فرنسا، وروسيا، وأميركا. ومع ذلك، أشار لياو إلى أن بكين لا تزال بعيدة عن الهيمنة والاستحواذ على حصص كبيرة في سوق الأسلحة العالمي، كما أن عملاءها معظمهم من دول آسيا الوسطى وبعض الدول الأفريقية التي تبحث عن أسلحة أسعارها معقولة.

تحديات في الطريق

في المقابل، أعرب جو فانغ، الباحث الزميل في جامعة آسيا (تايوان)، عن اعتقاده في حديث مع “العربي الجديد”، بأن الصين لا يمكن لها أن تزاحم الولايات المتحدة في السوق العالمية، لأسباب لها علاقة بعوامل جيوسياسية، خاصة أن غالبية الدول الأوروبية وحلفاء واشنطن في المنطقة يعتمدون على الأسلحة الأميركية، وهذه مسلمات لا تحتمل الاختراق الصيني. وأضاف: قد تنمو صادرات الأسلحة الصينية، لكن في نطاق ضيق يقتصر على قوى ودول غير مؤثرة وغير فاعلة.

جو فانغ: نمو صادرات الأسلحة الصينية سيكون على نطاق ضيق

ولفت إلى أن الصين بحاجة إلى تعزيز علاقاتها بالدول الغربية وبناء الثقة، لتمهد الطريق وتشجع العملاء في نطاق جغرافي جديد تستحوذ عليه الأسلحة الأميركية. وأشار إلى أن إحداث اختراقات في مجال الأسلحة المتطورة، مثل المسيّرات وكذلك الغواصات، قد يكون عاملاً محفزاً للدول التي تواجه تهديدات تستدعي الحاجة إلى هذا النوع من الأسلحة، التي تُعد فريدة من نوعها في السوق العالمية.

وعادة ما تثير التحديثات التي تعلن عنها بكين في مجال الصناعة العسكرية تساؤلات حول دوافع تعزيز الترسانة العسكرية الصينية. وتاريخياً، عُرف عن الصين أنها صاحبة أكبر جيوش العالم عددياً، إذ بلغ تعداد الجيش حالياً حوالي 2.3 مليون جندي. وقد أُخذ عليها خلال العقود الماضية اهتمامها بالكمّ على حساب الجودة، أي أنها لم تلق بالاً لمسألة التحديث العسكري، وظل جيشها لعقود طويلة غير مؤهل في العتاد والقدرات القتالية. لكن، مع وصول الرئيس شي جين بينغ إلى السلطة في العام 2013، اختلف الأمر تماماً، إذ أطلق عملية تحديث للترسانة العسكرية للصين بصورة شاملة. وشهدت هذه العملية خطط بناء وإصلاحات كبيرة، كان أبرزها خفض عديد قوات الجيش، في مقابل الاعتماد على التكنولوجيا العسكرية، وزيادة موازنة الدفاع، وتعزيز القدرات القتالية.